مقدمه عن اللغه العربية
الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله وبعد :
اللغه فكر ناطق، والتفكير لغه صامتة. واللغه هي معجزه الفكر الكبرى.
ان للغه قيمه جوهريه كبرى في حياه كل امه فانها الاداه التي تحمل الافكار، وتنقل
المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين ابناء الامه الواحده ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام
بينهم. ان القوالب اللغويه التي توضع فيها الافكار، والصور الكلاميه التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف
لا تنفصل مطلقا عن مضمونها الفكري والعاطفي .
اهميه اللغه العربيه :
اللغه – عند العرب – معجزه الله الكبرى في كتابه المجيد .
لقد حمل العرب الاسلام الى العالم، وحملوا معه لغه القران العربيه واستعربت شعوب غرب اسيا
وشمال افريقيه بالاسلام فتركت لغاتها الاولى واثرت لغه القران، اي ان حبهم للاسلام هو الذي
عربهم، فهجروا دينا الى دين، وتركوا لغه الى اخرى .
لقد شارك الاعاجم الذين دخلوا الاسلام في عبء شرح قواعد العربيه وادابها للاخرين فكانوا علماء
النحو والصرف والبلاغه بفنونها الثلاثه : المعاني ، والبيان ، والبديع .
وقد غبر دهر طويل كانت اللغه العربيه هي اللغه الحضاريه الاولى في العالم .
واللغه العربيه اقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من الفاظ وتراكيب وصرف ونحو وادب
وخيال، مع الاستطاعه في التعبير عن مدارك العلم المختلفة. ونظرا لتمام القاموس العربي وكمال الصرف
والنحو فانها تعد ام مجموعه من اللغات تعرف باللغات الاعرابيه اي التي نشات في شبه
جزيره العرب ، او العربيات من حميريه وبابليه واراميه وعبريه وحبشية، او الساميات في الاصطلاح
الغربي وهو مصطلح عنصري يعود الى ابناء نوح الثلاثه : سام وحام ويافث. فكيف ينشا
ثلاثه اخوه في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات ؟
ان اللغه العربيه اداه التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في افاق الارض، وهي ثابته في
اصولها وجذورها، متجدده بفضل ميزاتها وخصائصها .
ان الامه العربيه امه بيان، والعمل فيها مقترن بالتعبير والقول، فللغه في حياتها شان كبير
وقيمه اعظم من قيمتها في حياه اي امه من الامم. ان اللغه العربيه هي الاداه
التي نقلت الثقافه العربيه عبر القرون، وعن طريقها وبوساطتها اتصلت الاجيال العربيه جيلا بعد جيل
في عصور طويلة، وهي التي حملت الاسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحد
العرب قديما وبها يتوحدون اليوم ويؤلفون في هذا العالم رقعه من الارض تتحدث بلسان واحد
وتصوغ افكارها وقوانينها وعواطفها في لغه واحده على تنائي الديار واختلاف الاقطار وتعدد الدول. واللغه
العربيه هي اداه الاتصال ونقطه الالتقاء بين العرب وشعوب كثيره في هذه الارض اخذت عن
العرب جزءا كبيرا من ثقافتهم واشتركت معهم – قبل ان تكون ( الاونيسكو ) والمؤسسات
الدوليه – في الكثير من مفاهيمهم وافكارهم ومثلهم، وجعلت الكتاب العربي المبين ركنا اساسيا من
ثقافتها، وعنصرا جوهريا في تربيتها الفكريه والخلقيه .
ان الجانب اللغوي جانب اساسي من جوانب حياتنا، واللغه مقوم من اهم مقومات حياتنا وكياننا،
وهي الحامله لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا والمكون لبنيه تفكيرنا، والصله بين اجيالنا، والصله كذلك
بيننا وبين كثير من الامم .
ان اللغه من افضل السبل لمعرفه شخصيه امتنا وخصائصها، وهي الاداه التي سجلت منذ ابعد
العهود افكارنا واحاسيسنا. وهي البيئه الفكريه التي نعيش فيها، وحلقه الوصل التي تربط الماضي بالحاضر
بالمستقبل. انها تمثل خصائص الامة، وقد كانت عبر التاريخ مسايره لشخصيه الامه العربية، تقوى اذا
قويت، وتضعف اذا ضعفت .
لقد غدت العربيه لغه تحمل رساله انسانيه بمفاهيمها وافكارها، واستطاعت ان تكون لغه حضاره انسانيه
واسعه اشتركت فيها امم شتى كان العرب نواتها الاساسيه والموجهين لسفينتها، اعتبروها جميعا لغه حضارتهم
وثقافتهم فاستطاعت ان تكون لغه العلم والسياسه والتجاره والعمل والتشريع والفلسفه والمنطق والتصوف والادب والفن
.
واللغه من الامه اساس وحدتها، ومراه حضارتها، ولغه قرانها الذي تبوا الذروه فكان مظهر اعجاز
لغتها القوميه .
ان القران بالنسبه الى العرب جميعا كتاب لبست فيه لغتهم ثوب الاعجاز، وهو كتاب يشد
الى لغتهم مئات الملايين من اجناس واقوام يقدسون لغه العرب، ويفخرون بان يكون لهم منها
نصيب .
واورد هنا بعض الاقوال لبعض العلماء الاجانب قبل العرب في اهميه اللغه العربيه . يقول
الفرنسي ارنست رينان : (( اللغه العربيه بدات فجاه على غايه الكمال، وهذا اغرب ما
وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفوله ولا شيخوخه .))
ويقول الالماني فريتاغ : (( اللغه العربيه اغنى لغات العالم )) .
ويقول وليم ورك : (( ان للعربيه لينا ومرونه يمكنانها من التكيف وفقا لمقتضيات العصر.
))
ويقول الدكتور عبد الوهاب عزام : (( العربيه لغه كامله محببه عجيبة، تكاد تصور الفاظها
مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في اجراس الالفاظ، كانما كلماتها خطوات
الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياه . ))
ويقول مصطفى صادق الرافعي : (( انما القران جنسيه لغويه تجمع اطراف النسبه الى العربية،
فلا يزال اهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسيه حقيقه او حكما .))
ويقول الدكتور طه حسين : (( ان المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي
الثقافه فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين ايضا.))