يحشر مع من يحب
وقال انس: فما فرح المسلمون بشىء بعد الاسلام فرحهم بهذا الحديث، فانا احب رسول الله
وابا بكر وعمر، وارجو ان احشر معهم، وان لم اعمل مثل اعمالهم، وكذلك ”اوثق عرى
الاسلام الحب في الله والبغض في الله” لكن هذا بحيث ان يحب المرء ما يحبه
الله ومن يحب الله، فيحب انبياء الله كلهم، لان الله يحبهم ويحب كل من علم
انه مات على الايمان والتقوى، فان هؤلاء اولياء الله، والله يحبهم كالذين شهد لهم النبي
صلى الله عليه وسلم بالجنه وغيرهم من اهل بدر واهل بيعه الرضوان.
فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنه شهدنا له بالجنة، واما من لم
يشهد له بالجنة، فقد قال طائفه من اهل العلم: لا نشهد له بالجنه ولا نشهد
ان الله يحبه، وقال طائفة: بل من استفشى من بين الناس ايمانه وتقواه، واتفق المسلمون
على الثناء عليه،كعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسفيان الثوري وابي حنيفه ومالك والشافعي واحمد
والفضيل بن عياض وابي سليمان الداراني ومعروف الكرخي [هو ابو محفوظ معروف بن فيروز، وقيل:
الفيروزان، وقيل: علي الكرخي الصالح المشهور، وكان ابواه نصرانيين، فاسلماه الى مؤدبهم، وهو صبي، فكان
المؤدب يقول له: قل: ثالث ثلاثة، فيقول معروف: بل هو الواحد، فضربه المعلم على ذلك
ضربا مبرحا فهرب منه.
وكان ابواه يقولان: ليته يرجع الينا على اي دين شاء فنوافقه عليه.
فرجع فدق الباب فقيل: من بالباب ؟ فقال: معروف، فقيل له: على اي دين ؟
فقال: على الاسلام، فاسلم ابواه، وكان مشهورا باجابه الدعوة، توفى سنه مائتين، وقيل: احدى ومائتين،
وقيل غير ذلك.
[وفيات الاعيان 5/132-332] وعبد الله بن المبارك رضي الله عنهم وغيرهم، شهدنا لهم بالجنة؛ لان
في الصحيح “ان النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازه فاثنوا عليها خيرا فقال:وجبت،
وجبت، ومر عليه بجنازة، فاثنوا عليها شرا، فقال: وجبت، وجبت . قالوا: يا رسول الله،
ماقولك: وجبت، وجبت؟ قال: هذه الجنازه اثنيتم عليها خيرا فقلت :وجبت لها الجنة، وهذه الجنازه
اثنيتم عليها شرا فقلت: وجبت لها النار، قيل: بم يا رسول الله ؟ قال:
بالثناء الحسن، والثناء السيئ”. واذا علم هذا فكثير من المشهورين بالمشيخه في هذه الازمان، قد
يكون فيهم من الجهل والضلال والمعاصي والذنوب ما يمنع شهاده الناس لهم بذلك، بل قد
يكون فيهم المنافق والفاسق، كما ان فيهم من هو من اولياء الله المتقين، وعباد الله
الصالحين، وحزب الله المفلحين، كما ان غير المشائخ فيهم هؤلاء.وهؤلاء في الجنة،والتجار والفلاحون وغيرهم من
هذه الاصناف.
اذا كان كذلك فمن طلب ان يحشر مع شيخ لم يعلم عاقبته كان ضالا،
بل عليه ان ياخذ بما يعلم، فيطلب ان يحشره الله مع نبيه والصالحين من عباده.
كما قال الله تعالى:{ وان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} [التحريم:4]،
وقال الله تعالى: {انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاه ويؤتون الزكاه وهم
راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون}[ المائدة:55-56]، وعلى هذا
فمن احب شيخا مخالفا للشريعه كان معه، فاذا دخل الشيخ النار كان معه، ومعلوم ان
الشيوخ المخالفين للكتاب والسنه اهل الضلال والجهالة، فمن كان معهم كان مصيره مصير اهل الضلال
والجهالة، واما من كان من اولياء الله المتقين: كابي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، فمحبه
هؤلاء من اوثق عرى الايمان، واعظم حسنات المتقين.
ولو احب الرجل لما ظهر له من الخير الذي يحبه الله ورسوله، اثابه الله على
محبه ما يحبه الله ورسوله، وان لم يعلم حقيقه باطنه، فان الاصل هو حب الله
وحب ما يحبه الله، فمن احب الله واحب ما يحبه الله كان من اولياء الله.
وكثير من الناس يدعى المحبه من غير تحقيق، قال الله تعالى: {قل ان كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [ال عمران:31]، قال بعض السلف: ادعى قوم
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم يحبون الله، فانزل الله هذه الاية،
فمحبه الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته، وترك مكروهاته، والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا
عظيما، فمن كان اعظم نصيبا من ذلك، كان اعظم درجه عند الله.
واما من احب شخصا لهواه، مثل ان يحبه لدنيا يصيبها منه، او لحاجه يقوم
له بها، او لمال يتاكله به، او بعصبيه فيه، ونحو ذلك من الاشياء فهذه ليست
محبه لله، بل هذه محبه لهوى النفس، وهذه المحبه هي التي توقع اصحابها في الكفر
والفسوق والعصيان، وما اكثر من يدعي حب مشائخ لله، ولو كان يحبهم لله لاطاع الله
الذي احبهم لاجله، فان المحبوب لاجل غيره تكون محبته تابعه لمحبه ذلك الغير.
وكيف يحب شخصا لله من لا يكون محبا لله، وكيف يكون محبا لله من يكون
معرضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيل الله.
وما اكثر من يحب شيوخا او ملوكا او غيرهم فيتخذهم اندادا يحبهم كحب الله.
والفرق بين المحبه لله والمحبه مع الله ظاهر، فاهل الشرك يتخذون اندادا يحبونهم كحب
الله والذين امنوا اشد حبا لله، واهل الايمان يحبون ذلك، لان اهل الايمان اصل حبهم
هو حب الله، ومن احب الله احب من يحبه، ومن احبه الله، فمحبوب المحبوب محبوب،
ومحبوب الله يحب الله، فمن احب الله فيحبه من احب الله.
واما اهل الشرك فيتخذون اندادا او شفعاء يدعونهم من دون الله، قال الله تعالى: {ولقد
جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مره وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم
الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}[الانعام:94].
وقال الله تعالى:{وما لي لا اعبد الذي فطرني واليه ترجعون ااتخذ من دونه الهه
ان يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون اني اذا لفي ضلال
مبين اني امنت بربكم فاسمعون} [يس:22- 25] وقال الله تعالى: {وانذر به الذين يخافون ان
يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون}[الانعام:51] وقال الله تعالى:
{ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوه ثم يقول للناس كونوا عبادا لي
من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يامركم
ان تتخذوا الملائكه والنبيين اربابا ايامركم بالكفر بعد اذ انتم مسلمون}[ال عمران:79-80].
والله تعالى بعث الرسل وانزل الكتب؛ ليكون الدين كله لله وقال النبي صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح ”انا معشر الانبياء ديننا واحد” فالدين واحد وان تفرقت الشرعه والمنهاج
قال الله تعالى:{وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا
انا فاعبدون}[الانبياء:25].
وقال تعالى:{ واسال من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهه
يعبدون} [الزخرف:45] وقال الله تعالى:{ولقد بعثنا في كل امه رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}
[النحل:36].
ومن حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ما يقبل من احد بلغته الدعوه
الا الدين الذي بعثه به؛ فان دعوته عامه لجميع الخلائق قال الله تعالى:{وما ارسلناك الا
كافه للناس}[سبا:28].
وقال صلى الله عليه وسلم ”لا يسمع بي من هذه الامه يهودي ولا نصراني
ثم لا يؤمن بي الا دخل النار” قال الله تعالى:{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنه
وفي الاخره انا هدنا اليك قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء
فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاه والذين هم باياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي
يجدونه مكتوبا عندهم في التوراه والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم
عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا
النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم
جميعا الذي له ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله
النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}[الاعراف:156- 158].
فعلى الخلق كلهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فلا يعبدون الا الله ويعبدونه بشريعه
محمد صلى الله عليه وسلم لا بغيرها قال الله تعالى:{ثم جعلناك على شريعه من الامر
فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وان
الظالمين بعضهم اولياء بعض والله ولي المتقين}[الجاثية: 18-19] ويجتمعون على ذلك ولا يتفرقون كما ثبت
في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال “ان الله يرضى لكم ثلاثا:
ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وان تناصحوا
من ولاه الله امركم” وعباده الله تتضمن كمال محبه الله وكمال الذل لله فاصل الدين
وقاعدته يتضمن ان يكون الله هو المعبود الذي تحبه القلوب وتخشاه ولا يكون لها اله
سواه والاله ما تالهه القلوب بالمحبه والتعظيم والرجاء والخوف والاجلال والاعظام ونحو ذلك.
والله سبحانه ارسل الرسل بانه لا اله الا هو فتخلو القلوب عن محبه ما
سواه [بمحبته وعن رجاء ما سواه] برجائه وعن سؤال ما سواه بسؤاله وعن العمل لما
سواه بالعمل له وعن الاستعانه بما سواه بالاستعانه به؛ ولهذا كان وسط الفاتحه {اياك نعبد
واياك نستعين}[الفاتحة:5] قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح “يقول الله تعالى: قسمت
الصلاه بيني وبين عبدي نصفين فاذا قال: {الحمد لله رب العالمين} قال: الله حمدني عبدي.
فاذا قال: {الرحمن الرحيم} قال: اثنى علي عبدي واذا قال: {مالك يوم الدين} قال: مجدني
عبدي. واذا قال: {اياك نعبد واياك نستعين} قال: هذه الايه بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي
ما سال واذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا
الضالين} قال: هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سال”.
فوسط السوره {اياك نعبد واياك نستعين} [الفاتحة:5] فالدين ان لا يعبد الا الله ولا
يستعان الا اياه والملائكه والانبياء وغيرهم عباد الله كما قال تعالى: {لن يستنكف المسيح ان
يكون عبدا لله ولا الملائكه المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا فاما
الذين امنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله واما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا
اليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا}[النساء:172- 173] فالحب لغير الله كحب
النصارى للمسيح وحب اليهود لموسى وحب الرافضه لعلي وحب الغلاه لشيوخهم وائمتهم: مثل من يوالي
شيخا او اماما وينفر عن نظيره وهما متقاربان او متساويان في الرتبه فهذا من جنس
اهل الكتاب الذين امنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض وحال الرافضه الذين يوالون بعض الصحابه ويعادون
بعضهم وحال اهل العصبيه من المنتسبين الى فقه وزهد: الذين يوالون [بعض] الشيوخ والائمه دون
البعض.
وانما المؤمن من يوالي جميع اهل الايمان.
قال الله تعالى :{انما المؤمنون اخوة} [الحجرات:9].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين
اصابعه” وقال “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له
سائر الجسد بالحمى والسهر”.
وقال عليه السلام ”لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا”.
ومما يبين الحب لله والحب لغير الله: ان ابا بكر كان يحب النبي صلى
الله عليه وسلم مخلصا لله وابو طالب عمه كان يحبه وينصره لهواه لا لله.
فتقبل الله عمل ابي بكر وانزل فيه: {وسيجنبها الاتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لاحد
عنده من نعمه تجزى الا ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى} [الليل:17- 21] واما ابو
طالب فلم يتقبل عمله؛ بل ادخله النار؛ لانه كان مشركا عاملا لغير الله.
وابو بكر لم يطلب اجره من الخلق لا من النبي ولا من غيره؛ بل
امن به واحبه وكلاه واعانه بنفسه وماله متقربا بذلك الى الله وطالبا الاجر من الله.
ورسوله يبلغ عن الله امره ونهيه ووعده ووعيده قال تعالى: {فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب}[الرعد:40].
والله هو الذي يخلق ويرزق ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل وهو سبحانه مسبب الاسباب
ورب كل شيء ومليكه.
والاسباب التي يفعلها العباد مما امر الله به واباحه فهذا يسلك واما ما ينهى عنه
نهيا خالصا او كان من البدع التي لم ياذن الله بها فهذا لا يسلك.
قال تعالى:{قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذره في السماوات ولا
في الارض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعه
عنده الا لمن اذن له}[سبا:22-23] بين سبحانه ضلال الذين يدعون المخلوق من الملائكه والانبياء وغيرهم
المبين ان المخلوقين لا يملكون مثقال ذره في السموات ولا في الارض ثم بين انه
لا شركه لهم ثم بين انه لا عون له ولا ظهير؛ لان اهل الشرك يشبهون
الخالق بالمخلوق.
كما يقول بعضهم: اذا كانت لك حاجه استوصي الشيخ فلان فانك تجده او توجه الى
ضريحه خطوات وناده يا شيخ يقضي حاجتك وهذا غلط لا يحل فعله وان كان من
هؤلاء الداعين لغير الله من يرى صوره المدعو احيانا فذلك شيطان تمثل له.
كما وقع مثل هذا لعدد كثير.
ونظير هذا قول بعض الجهال من اتباع الشيخ عدي وغيره كل رزق لا يجيء على
يد الشيخ لا اريده.
والعجب من ذي عقل سليم يستوصي من هو ميت يستغيث به ولا يستغيث بالحي
الذي لا يموت ويقوى الوهم عنده انه لولا استغاثته بالشيخ الميت لما قضيت حاجته.
فهذا حرام فعله.
ويقول احدهم اذا كانت لك حاجه الى ملك توسلت اليه باعوانه فهكذا يتوسل اليه بالشيوخ.
وهذا كلام اهل الشرك والضلال فان الملك لا يعلم حوائج رعيته ولا يقدر على
قضائها وحده ولا يريد ذلك الا لغرض يحصل له بسبب ذلك والله اعلم بكل شيء
يعلم السر واخفى وهو على كل شيء قدير.
فالاسباب منه واليه وما من سبب من الاسباب الا دائر موقوف على اسباب اخرى
وله معارضات.
فالنار لا تحرق الا اذا كان المحل قابلا فلا تحرق السمندل واذا شاء الله منع
اثرها كما فعل بابراهيم عليه السلام.
واما مشيئه الرب فلا تحتاج الى غيره ولا مانع لها بل ما شاء الله كان
وما لم يشا لم يكن.
وهو سبحانه ارحم من الوالده بولدها: يحسن اليهم ويرحمهم ويكشف ضرهم مع غناه عنهم
وافتقارهم اليه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى:11].
فنفى الرب هذا كله فلم يبق الا الشفاعة.
فقال:{ولا تنفع الشفاعه عنده الا لمن اذن له}[سبا:23] وقال:{من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه}
[البقرة:255] فهو الذي ياذن في الشفاعه وهو الذي يقبلها فالجميع منه وحده وكلما كان الرجل
اعظم اخلاصا: كانت شفاعه الرسول اقرب اليه.
قال له ابو هريره ” من اسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ قال:من
قال لا اله الا الله يبتغي بذلك وجه الله”.
واما الذين يتوكلون على فلان ليشفع لهم من دون الله تعالى ويتعلقون بفلان فهؤلاء من
جنس المشركين الذين اتخذوا شفعاء من دون الله تعالى.
قال الله تعالى:{ام اتخذوا من دون الله شفعاء قل اولو كانوا لا يملكون شيئا
ولا يعقلون قل لله الشفاعه جميعا }[الزمر:43-44] وقال الله تعالى: {ثم استوى على العرش ما
لكم من دونه من ولي ولا شفيع}[السجدة:4] وقال: { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه
فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيله ايهم
اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذورا}[الاسراء:56-57].
قال طائفه من السلف: كان قوم يدعون المسيح والعزير والملائكه فبين الله تعالى ان
هؤلاء الملائكه والانبياء عباده كما ان هؤلاء عباده وهؤلاء يتقربون الى الله وهؤلاء يرجون رحمه
الله وهؤلاء يخافون عذاب الله.
فالمشركون اتخذوا مع الله اندادا يحبونهم كحب الله؛ واتخذوا شفعاء يشفعون لهم عند الله
ففيهم محبه لهم واشراك بهم وفيهم من جنس ما في النصارى من حب المسيح واشراك
به؛ والمؤمنون اشد حبا لله: فلا يعبدون الا الله وحده ولا يجعلون معه شيئا يحبونه
كمحبته لا انبيائه ولا غيرهم؛ بل احبوا ما احبه بمحبتهم لله؛ واخلصوا دينهم لله وعلموا
ان احدا لا يشفع لهم الا باذن الله؛ فاحبوا عبد الله ورسوله محمدا صلى الله
عليه وسلم لحب الله وعلموا انه عبد الله المبلغ عن الله فاطاعوه فيما امر وصدقوه
فيما اخبر ولم يرجوا الا الله؛ ولم يخافوا الا الله ولم يسالوا الا الله وشفاعته
لمن يشفع له هو باذن الله فلا ينفع رجاؤنا للشفيع ولا مخافتنا له وانما ينفع
توحيدنا واخلاصنا لله وتوكلنا عليه فهو الذي ياذن للشفيع فعلى المسلم ان يفرق بين محبه
المؤمنين، ودينهم ومحبه النصارى، والمشركين ودينهم، ويتبع اهل التوحيد والايمان.
ويخرج عن مشابهه المشركين وعبده الصلبان.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال “ثلاث من كن فيه
وجد بهن حلاوه الايمان: من كان الله ورسوله احب اليه مما سواهما ومن كان يحب
المرء لا يحبه الا لله ومن كان يكره ان يرجع في الكفر بعد اذ انقذه
الله منه كما يكره ان يلقى في النار ”.
وقال تعالى {قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجاره تخشون
كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله
بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين}[التوبة:24] وقال الله تعالى: {من يرتد منكم عن دينه فسوف
ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذله على المؤمنين اعزه على الكافرين يجاهدون في سبيل الله
ولا يخافون لومه لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}[المائدة:54] وهذا باب
واسع ودين الاسلام مبني على هذا الاصل والقران يدور عليه.