هل الخمر نجس واحكام شاربه , كل ما يخص الخمر وشاربها في الشريعة الإسلامية
فالذين قالوا: انها نجسه نجاسه حسيه ومعنوية، استدلوا بقوله تعالى: {يا ايها الذين امنوا انما
الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * انما يريد الشيطان
ان يوقع بينكم العداوه والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاه فهل
انتم منتهون}، والرجس هو النجس، لقوله تعالى: {قل لا اجد في ما اوحي الي محرما
على طاعم يطعمه الا ان يكون ميته او دما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس}،
ولحديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم، امر ابا طلحه ان ينادي ان الله
ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الاهليه فانها رجس، فالرجس في الايه والحديث بمعنى النجس نجاسه
حسية، فكذلك هي في ايه الخمر رجس نجس نجاسه حسية.
واما الذين قالوا بطهاره الخمر طهاره حسية، اي ان الخمر نجس نجاسه معنويه لا حسية،
فقالوا: ان الله سبحانه وتعالى قيد في سوره المائده ذلك الرجس بقوله: {رجس من عمل
الشيطان}، فهو رجس عملي وليس رجسا عينيا ذاتيا، بدليل انه قال: {انما الخمر والميسر والانصاب
والازلام}، ومن المعلوم ان الميسر والانصاب والازلام ليست نجسه نجاسه حسية، فقرن هذه الاربعة: الخمر
والميسر والانصاب والازلام في وصف واحد الاصل ان تتفق فيه، فاذا كانت الثلاثه نجاستها نجاسه
معنوية، فكذلك الخمر نجاسته معنويه لانه من عمل الشيطان.
وقالوا ايضا: انه ثبت انه لما نزل تحريم الخمر اراقها المسلمون في الاسواق، ولو كانت
نجسه ما جازت اراقتها في الاسواق لان تلويث الاسواق بالنجاسات محرم ولا يجوز.
وقالوا ايضا: ان الرسول صلى الله عليه وسلم، لما حرمت الخمر، لم يامر بغسل الاواني
منها ولو كانت نجسه لامر بغسل الاواني منها كما امر بغسلها من لحوم الحمر الاهليه
حين حرمت.
وقالوا ايضا: قد ثبت في صحيح مسلم ان رجلا اتى براويه من خمر الى النبي
صلى الله عليه وسلم فاهداها اليه، فقال الرسول عليه الصلاه والسلام: “اما علمت انها قد
حرمت؟” ثم ساره رجل -اي كلم صاحب الراويه رجل بكلام سر- فقال: “ماذا قلت؟” قال:
قلت: يبيعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه”،
فاخذ الرجل بفم الراويه فاراق الخمر، ولم يامره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها منه،
ولا منعه من اراقتها هناك، قالوا: فهذا دليل على ان الخمر ليس نجسا نجاسه حسية،
ولو كانت حسيه لامره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراويه ونهاه عن اراقتها هناك.
وقالوا ايضا، الاصل في الاشياء الطهاره حتى يوجد دليل بين يدل على النجاسة، وحيث لم
يوجد دليل بين يدل على النجاسة، فان الاصل انه طاهر، لكنه خبيث من الناحيه العمليه
المعنوية، ولا يلزم من تحريم الشيء ان يكون نجسا، الا ترى ان السم حرام وليس
بنجس؟ فكل نجس حرام وليس كل حرام نجسا.
وبناء على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها: انها ليست بنجسه لان الخمر ذاته ليس بنجس
على هذا القول الذي ذكرناه ادلته، فتكون الكولونيا وشبهها ليست بنجسه ايضا، واذا لم تكن
نجسه فانه لا يجب تطهير الثياب منها.
ولكن يبقى النظر: هل يحرم استعمال الكولونيا كطيب يتطيب به الانسان او لا يحرم؟
لننظر… يقول الله تعالى في الخمر: {فاجتنبوه}، وهذا الاجتناب مطلق لم يقل: “اجتنبوه شربا” او
“استعمالا” او ما اشبه ذلك، فالله امر امرا مطلقا بالاجتناب، فهل يشمل ذلك ما لو
استعمله الانسان كطيب او نقول: ان الاجتناب المامور به هو ما علل به الحكم وهو
اجتناب شربه، لقوله تعالى: {انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوه والبغضاء في الخمر والميسر
ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاه فهل انتم منتهون}، وهذه العله لا تثبت فيما اذا
استعمله الانسان في غير الشرب.
ولكننا نقول ان الاحوط للانسان ان يتجنبه حتى للتطيب، وان يبتعد عنه لان هذا احوط
وابرا للذمة، الا اننا نرجع مره ثانيه الى هذه الاطياب، هل النسبه التي تؤدي الى
الاسكار او انها نسبه قليله لا تؤدي الى الاسكار؟ لانه اذا اختلط الخمر بشيء ثم
لم يظهر له اثر ولو اكثر الانسان منه، فانه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به،
لانه لما لم يظهر له اثر لم يكن له حكم، اذ ان عله الحكم هي
الموجبه له، فاذا فقدت العله فقد الحكم، فاذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط
فانه لا اثر لهذا الخلط، ويكون الشيء مباحا، فالنسبه القليله في الكولونيا وغيرها اذا كانت
لا تؤدي الى الاسكار ولو اكثر الانسان مثلا من شربه، فانه ليس بخمر ولا يثبت
له حكم الخمر، كما انه لو سقطت قطره من بول في ماء، ولم يتغير بها،
فانه يكون طاهرا، فكذلك اذا سقطت قطره من خمر في شيء لم يتاثر بها، فانه
لا يكون خمرا، وقد نص على ذلك اهل العلم في باب حد المسكر.
ثم انني انبه هنا على مساله تشتبه على بعض الطلبة، وهي انهم يظنون ان معنى
قوله صلى الله عليه وسلم: “ما اسكر كثيره فقليله حرام”، يظنون ان معنى الحديث انه
اذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فانه يكون حراما، وليس هذا معنى
الحديث، بل معنى الحديث ان الشيء اذا كان لا يسكر الا الكثير منه فان القليل
الذي لا يسكر منه يكون حراما، مثل لو فرضنا ان هذا الشراب ان شرب منه
الانسان عشر زجاجات سكر، وان شرب زجاجه لم يسكر، فان هذه الزجاجه وان لم تسكره
تكون حراما، هذا معنى: “ما اسكر كثيره فقليله حرام”، وليس المعنى ما اختلط به شيء
من المسكر فهو حرام، لانه اذا اختلط المسكر بالشيء ولم يظهر له اثر فانه يكون
حلالا، لعدم وجود العله التي هي مناط الحكم، فينبغي ان يتنبه لذلك.
ولكني مع هذا لا استعمل هذه الاطياب (الكولونيا) ولا انهى عنها، الا اذا انه اصابني
شيء من الجروح او شبهها واحتجت الى ذلك فاني استعمله لان الاشتباه يزول حكمه مع
الحاجه الى هذا الشيء المشتبه، فان الحاجه امر يدعو الى الفعل، والاشتباه انما يدعو الى
الترك على سبيل التورع والاحتياط، ولا ينبغي للانسان ان يحرم نفسه شيئا احتاج اليه وهو
لم يجزم بمنعه وتحريمه، وقد ذكر اهل العلم هذه القاعده بان المشتبه اذا احتاج اليه
فانه يزول حكم الاشتباه، والله اعلم.