تعريف الاعجاز العلمي في القران , تأمل بديع صنع الخالق عز وجل
مفهوم الاعجاز العلمي وضوابط البحث فيه
اولا: اهميه الاعجاز العلمي:
لما كان رسول الله r هو الرسول الخاتم كان لا بد ان تكون معجزته خالده
تفحم اهل كل عصر ومصر الى ان يرث الله الارض ومن عليها. وقد اشار ابن
حجر الى هذه الحقيقه المسلمه في شرحه لحديث الايات المعجزه لكل نبي وهو قوله e
(ما من الانبياء نبي الا اعطي من الايات ما على مثله امن البشر، وانما كان
الذي اوتيته وحيا فارجو ان اكون اكثرهم تابعا يوم القيامة) وقال ابن حجر : ”
ومعجزه القران مستمره الى يوم القيامه وخرقه للعاده في اسلوبه وفى بلاغته، واخباره بالمغيبات فلا
يمر عصر من الاعصار الا ويظهر فيه شيء مما اخبر به انه سيكون يدل على
صحه دعواه فعم نفعه من حضر ومن غاب، ومن وجد ومن سيوجد )[1].
ومعلوم ان اهل هذا الزمان لا تعنيهم اوجه الاعجاز البلاغيه من الفصاحه والبلاغة، فهي لا
تثيرهم ولا تبهرهم، ومن الصعب عليهم تذوق جماله اللغوي.
ولما ارتفعت اسهم العلم التجريبي والمكتشفات العلميه واصبحت مصدر زهو العلماء وافتخارهم واعتزازهم، اظهر الله
وجها من اوجه اعجاز كتابه الكريم على ايدي العلماء – من المسلمين ومن غير المسلمين-
يتناسب مع ما يعنيهم ويبهرهم، الا هو الاعجاز العلمي في القران الكريم. ( وذلك الاعجاز
هو السبق العلمي للقران الكريم الذي ذكر حقائق في الكون لم تكن البشريه تعلم عنها
شيئا )[2] وهذه الحقائق تطورت بتطور الاكتشافات التي جاءت نتيجه للاشارات الوارده في القران ,
وبديهي ان يتباين موقف العلماء من تلك الاشارات بتباين الافراد وخلفياتهم الثقافيه وازمانهم , وباتساع
دائره المعارف الانسانيه في مجال الدراسات الكونية[3] ولذلك نجد بعد فتره من الزمن وبعد تقدم
اجهزه الكشف العلمي , وقوف العلماء على طرف من هذه الحقائق المفسره للاشارات الكونيه في
القران وهذه الاشارات ذكرها القران الكريم , فذلك شاهد بان القران الكريم انزله الذي يعلم
السر في السماوات والارض كما يشهد بان محمد r رسول من عند الله الذي احاط
علما بكل شئ .[4]
ثانيا: مفهوم الاعجاز العلمي:
ولقد شاع مصطلح الاعجاز العلمي في عصرنا،للدلاله على اوجه اعجاز القران والسنه التي كشفت عنها
العلوم الكونيه ونظرا لجده البحث في حقل الاعجاز العلمي في القران – بالنسبه لغيره من
حقول الدراسات القرانيه – فسوف نقدم في هذا البحث تاصيلا لهذا العلم بغيه اعانه المشتغلين
في هذا الحقل على ارتياد افاقه. ونبدا بتعريف الاعجاز. الاعجاز لغة: مشتق من العجز. والعجز:
الضعف او عدم القدرة، وهو مصدر اعجز بمعنى الفوت والسبق[5]. والمعجزه في اصطلاح العلماء: امر
خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة[6] . وعرف الزنداني الاعجاز فقال : ( انه
اظهار صدق الرسل – عليهم الصلاه والسلام – باظهار امور على ايدبهم بعجز البشر عن
معارضتها)[7] واعجاز القران: يقصد به اعجاز القران للناس ان ياتوا بمثله. اي نسبه العجز الى
الناس بسبب عدم قدرتهم على الاتيان بمثله. ووصف الاعجاز هنا بانه علمي نسبه الى العلم.
والعلم: هو ادراك الاشياء على حقائقها او هو صفه ينكشف بها المطلوب انكشافا تاما[8] والمقصود
بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
اذن فهو اخبار القران الكريم بحقيقه اثبتها العلم التجريبي اخيرا وثبت عدم امكانيه ادراكها بالوسائل
البشريه في زمن الرسول r
او هو ابراز الحقائق القرانيه التي اشارت الى الحقائق الكونيه المتعلقه بالافاق والانفس، والتي جاء
العلم الحديث موافقا لها.
الفرق بين التفسير العلمي والاعجاز العلمي:
التفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الايه في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم
الكونية, فهو التفسير ( الذي يحكم الاصطلاحات العلميه في عبارات القران , ويجتهد في استخراج
مختلف العلوم والاراء الفلسفيه منها )[9]
وقد عرف الدكتور صلاح الخالدي التفسير العلمي بقوله: ( هو النظر في الايات ذات المظامين
العلميه , من الزاويه العلميه , وتفسيرها تفسيرا لاعلميا , وذلك بالاستعانه بالعلوم والمعارف والمكتشفات
الجديده في توسيع مدلولها وتقديم معناها )[10]
وعرفه الدكتور زغلول النجار : ( محاوله بشريه لحسن فهم دلاله الايه القرانيه ان اصاب
فيها المفسر فله اجران وان اخطا فله اجر واحد )[11]
وعرفه الدكتور عدنان زرزور : ( الاستناد الى حقائق العلم التجريبي – ونظرياته – في
شرح ايات الطبيعه والانسان – ادم وبنيه – والتي ورده في القران الكريم في سياقات
شتى , ومواضع متعدده )[12]
والاعجاز العلمي : هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لفهم الايات المتعلق بالافاق والانفس من خلال
( اخبار القران الكريم او السنه النبويه بحقيقه اثبتها العلم التجريبي , وثبت عدم امكانيه
ادراكها بالوسائل البشريه في زمن الرسول r )[13]
وعرف الزنداني الاعجاز العلمي بقوله : ( ويمكننا ان نعرف الاعجاز العلمي في القران والسنه
بانه : اظهار صدق الرسول محمد r بما حمله الوحي اليه كم علم الهي ,
ثبت تحققه , ويعجز البشر عن نسبته الى محمد r او الى اي مصدر بشري
في عصره )[14]
وعرفه الدكتور زغلول النجار : ( يقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالاشاره الى عدد
من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبه من الوصول الى فهم شئ منها
الا بعد قرون متطاوله من تنزل القران الكريم)[15]
وعرفه الدكتور صلاح الخالدي : ( ان نعتبر تلك المضامين والابعاد والاشارات والحقائق العلميه لتلك
الايات , وجها من وجوه الاعجاز القراني ونسميه الاعجاز العلمي ونضيفه الى وجوه الاعجاز الاخرى
)[16]
اذن فالاعجاز العلمي محاوله لفهم الاشارات العلميه في القران الكريم ( واعجازه العلمي ليس في
اشتماله على النظريات العلميه التي تتجدد وتتبدل وتكون ثمره للجهد البشري في البحث والنظر ,
وانما في حثه على التفكير , فهو يحث الانسان على النظر في الكون وتدبره ,
ولا يشل حركه العقل في تفكيره , او يحول بينه وبين الاستزاده من العلوم ما
استطاع الى ذلك سبيلا . وليس ثمه كتاب من كتب الاديان السابقه يكفل هذا بمثل
ما يكفله القران )[17]
الفرق بينهما: ان الاعجاز العلمي قطعي الدلالة، بينما التفسير العلمي ظني الدلالة.
ثالثا : اوجه الاعجاز العلمي :
للاعجاز العلمي في القران والسنه اوجه من اهمها :
1. التوافق الدقيق بين ما في الكتاب والسنه , وما اكتشفه علماء الكون من حقائق
واسرار كونيه لم يكن في امكان بشر ان يعرفها وقت نزول القران .
2. تصحيح الكتاب والسنه لما شاع بين البشريه في اجيالها المختلفه من افكار باطله حول
اسرار الخلق .
3. اذا جمعت نصوص الكتاب والسنه الصحيحه المتعلقه بالكون وجدت بعضها يكمل الاخر , فتتجلى
بها الحقيقه , مع ان هذه النصوص نزلت مفرقه في الزمن , وفي مواضعها من
الكتاب الكريم , وهذا لا يكون الا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات
والارض .
4. سن التشريعات الحكيمه , التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القران ,
وتكشفها ابحاث العلماء في شتى المجالات .
5. عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعه التي تصف الكون واسراره – على كثرتها –
والحقائق العلميه المكتشفه – على وفرتها – مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء
الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات , ووجود الصدام بين العلم , وما قررته
سائر الاديان المحرفه والمبدله .[18]
رابعا : مبررات الاهتمام بقضيه الاعجاز العلمي في القران الكريم :
1. ان القران الكريم الكريم انزل الينا لنفهمه , والايات الكونيه فيه لايمكن فهمها فهما
صحيحا في اطار اللغه وحدها – على اهميه ذلك وضرورته – انطلاقا من شمول الدلات
القرانيه ومن كليه المعرفه التي لا تتجزا .
2. ان الدعوه بالاعجاز العلمي لكل من القران الكريم والسنه النبويه المطهره اصبحت هي الوسيله
المناسبه لاهل عصرنا – عصر العلم والتقنيه – الذي فتن الناس فيه بالعلم ومعطاته فتنه
كبيره . وفي ضل هذا التقدم العلمي والتقني المذهل نبذ اغلب اهل الارض الدين وراء
ظهورهم ونسوه وانكروا الخلق والخالق , كما انكروا البعث والحساب والجنه والنار وغير ذلك من
الغيبيات , وعلى ذلك فلم يبق امام اهل عصرنا من وسيله مقنعه بالدين الاسلامي الحنيف
قدر اقناع الاعجاز العلمي في كتاب الله وفي سنه خاتم انبيائه ورسله .
3. ان كلا من الاسلام والمسلمين يتعرض اليوم لهجوم شرس في جميع وسائل الاعلام بغير
حق والقائمون على تلك الوسائل من غلاه الغرب الذين ينكرون سماويه الاسلام , وربانيه القران
الكريم , ونبوه خاتم المرسلين r او ينكرون الدين كليه في وقاحه وبجاحه سافره .
واهم الوسائل وانجعها للرد على هذا الهجوم هو اثبات الاعجاز العلمي لكتاب الله وسنه رسوله
r بالكلمه الطيبه والخحه الواضحه البالغه والمنطق السوي .
4. ان العالم اليوم يتحرك باتجاه كارثه كبرى , وقودها تطور علمي وتقني مذهل ,
يطغى اصحابه ويغريهم بافناء واباده غيرهم في غيبه الوعي الديني الصحيح والالتزام الاخلاقي والسلوكي اللذين
يرعيان حق الله وحقوق الاخوه الانسانيه حق رعايتها . والمخرج من ذلك هو الدعوه الى
الدين الحق ومن اوضح وسائل الدعوه اليه هو ما في كتاب الله تعالى وفي سنه
رسوله r من اعجاز علمي واضح وضوح الشمس في رابعه النهار يقنع المنبهرين بالعلم ومعطياته
في زمن تفجر المعارف العلميه الذي نعيشه كما لم يقنعهم اسلوب اخر .
5. ان في اثاره قضيه الاعجاز العلمي لكل من القران الكريم والسنه النبويه استنهاضا لعقول
المسلمين واستثاره للتفكير الابداعي فيها وتشجيعا بقضيه العلوم والتقنيه التي تخلفت فيها الامه تخلفا كبيرا
, فاخذت الهوه تزداد بيننا وبين الغرب يوما بعد يوم .[19]
خامسا: الايات التي اشارت الى الاعجاز العلمي:
حث القران الكريم في كثير من اياته الناس على النظر والتدبر , وامرهم بالنظر في
هذا الكون وما فيه من ايات بينه , وبان يقودهم هذا النظر الى الايمان بالله
سبحانه وتوحيده وعبادته من خلال عده ايات يمكن اعتبارها اساسا واصلا للاعجاز العلمي:
منها قوله تعالى: (سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم
يكف بربك انه على كل شيء شهيد) فصلت53، وكان القران يدعونا الى الاكتشاف العلمي والوصول
الى العلم التجريبي الذي بداه المسلمون في الحضاره الاسلاميه , ثم اخذه الغربيون عن المسلمين
, واستخدموه بتوسع , وكانه اساس الثوره العلميه التي نعيشها .[20]
ومنها قوله تعالى: (وقل الحمد لله سيريكم اياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون )
النمل93 ( وصدق الله . ففي كل يوم يري عباده بعض اياته في الانفس والافاق
ويكشف لهم عن بعض اسرار هذا الكون الحافل بالاسرار … وفي انفسهم اثر الايقاع العميق
” وما ربك بغافل عما تعملون” )[21]
ومنها قوله تعالى: (ان هو الا ذكر للعالمين * ولتعلمن نباه بعد حين )(ص 87-88)
.
ومنها قوله تعالى: (لكل نبا مستقر وسوف تعلمون )الانعام67،
سادسا: ثمرات الاعجاز العلمي
1. الاثر البالغ الذي تتركه في قلوب المسلمين، والذي يترجم بزياده اليقين عندهم لدى رؤيتهم
هذه الحقائق الباهرة؛ لانها وردت على لسان النبي الامي محمد r وهكذا فانها خير مشجع
للتمسك بالقران والسنه والاهتداء بهما.
2. الرد العلمي الدامغ على الافكار التشكيكيه بصحه الرساله المحمدية؛ حيث ان عرض تلك الحقائق
التي اخبر عنها نبي امي في زمن لا يوجد فيه تقدم علمي كما انه لا
توجد في المجتمع وكذا البيئه التي عاش فيها اي اثره من علم في تلك الميادين
الكونية؛ ولذلك فهذا الاعجاز يعتبر مجالا خصبا لاقناع المنصفين من العلماء بربانيه القران الكريم وصدق
رسول الله r
3. الرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على ان الدين الاسلامي هو دين العلم حقا؛ حيث
لم يستطع احد الى الان ان يثبت وجود تعارض ايه دلاله كونيه وارده في القران
الكريم مع ما استقر من الحقائق العلميه اليوم، بل على العكس كم من القضايا العلميه
التي صححها القران لعلماء العلم التجريبي ثبت مصداقيتها .
4. ان الاعجاز العلمي يعتبر خير مشجع لهمم المسلمين كي يساهموا بنشاط في خدمه العلم
التجريبي – بحثا واسكتشافا- مسترشدين بالاشارات العلميه الوارده في القران الكريم.
5. كما ان هذا الاعجاز العلمي يعتبر من انجع الوسائل للدعوه الى الله في الاوساط
العلمية، والذي يتتبع اسباب دخول كثير من الناس في الاسلام – ممن كانوا نصارى او
بوذيين او يهود يجد بحق ان فريقا منهم قد ابتدا سيره الى الحق؛ والذي انتهى
به لاعلان شهاده الحق؛ من خلال معاينه لطائف الاعجاز العلمي في القران والسنة.
6. يساعد الاعجاز العلمي كثيرا من الشاردين عن الاسلام والغافلين عن عظمته في الرجوع الى
دينهم والاعتزاز بالانتساب اليه، حيث يرون العلماء من غير المسلمين يسلمون؛ بسبب اطلاعهم على عظمه
القران وتوافقه مع الحقائق الكونيه في الافاق والانفس.
سابعا: الاعجاز العلمي بين المجيزين والمانعين[22]:
ينقسم العلماء في هذا الموضوع الى فريقين فريق: يجيزه ويدعو اليه ويرى فيه فتحا جديدا
وتجديدا في طريق الدعوه الى الله وهدايه الناس الى دين الله. وفريق: يرى في هذا
اللون من التفسير خروجا بالقران عن الهدف الذي انزل القران من اجله، واقحاما له في
مجال متروك للعقل البشرى يجرب فيه ويصيب ويخطئ. واليك راى الفريقين وحججهم باختصار:
المجيزون للاعجاز العلمي:
اما مجيزوا الاعجاز العلمي وهم الكثره فيمثلهم الامام محمد عبده، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا،
والشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد ابو زهره ومحدث المغرب ابو الفيض احمد بن
صديق الغمارى، ونستطيع ان نعد منهم الشيخ محمد الامين الشنقيطى، صاحب اضواء البيان في تفسير
القران بالقران. وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقران يضعون له شروطا تسد الباب امام الادعياء
الذين يتخرصون في تفسير القران بغير علم، ومن هذه الشروط:
1- ضروره التقيد بما تدل عليه اللغه العربيه فلابد من:
· ان تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغه ابان نزول الوحي.
· ان تراعى القواعد النحويه ودلالاتها.
· ان تراعى القواعد البلاغيه و دلالاتها. خصوصا (( قاعده ان لا يخرج اللفظ من
الحقيقه الى المجاز الا بقرينه كافيه )).
2- البعد عن التاويل في بيان اعجاز القران العلمي
3- ان لا تجعل حقائق القران موضع نظر، بل تجعل هي الاصل: فما وافقها قبل
وما عارضها رفض.
4- ان لا يفسر القران الا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا
تزال موضع فحص وتمحيص، اما الحدسيات والظنيات فلا يجوز ان يفسر بها القران، لانها عرضه
للتصحيح والتعديل – ان لم تكن للابطال – في اي وقت.
المانعون من الاعجاز العلمي:
اما المانعون من الاعجاز العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الازهر الاسبق الشيخ محمود شلتوت
والاستاذ سيد قطب، ود. محمد حسين الذهبي. وحجتهم في المنع، يقولون:
1. ان القران كتاب هداية، وان الله لم ينزله ليكون كتابا يتحدث فيه الى الناس
عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وانواع المعارف.
2. ان التفسير العلمي للقران يعرض القران للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان،
والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الراي الاخير.
3. ان التفسير العلمي للقران يحمل اصحابه والمغرمين به على التاويل المتكلف الذي يتنافى مع
مناهج التفسير المقبوله والمعتمدة.
4. ثم يقولون: ان هناك دليلا واضحا من القران على ان القران ليس كتابا يريد
الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاذ انه قال: ”
يا رسول الله ان اليهود تغشانا ويكثرون مسالتنا عن الاهله فما بال الهلال يبدو دقيقا
ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يعود كما كان فانزل الله هذه الاية:(
يسالونك عن الاهله قل هي مواقيت للناس والحج ) [البقره 189]. اي ان الله لم
يرد عليهم ردا علميا بل رد عليهم ردا شرعيا ببيان الهدف منها
ولكن هل تكفى هذه الحجج لرفض التفسير العلمي ؟؟:
ان كون القران الكريم كتاب هدايه لا يمنع ان ترد فيه اشارات علميه يوضحها التعمق
في العلم الحديث، فقد تحدث القران عن السماء والارض، والشمس والقمر، والليل والنهار، وسائر الظواهر
الكونية، كما تحدث عن الانسان، والحيوان والنبات، ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافيا لكون القران
كتاب هداية، بل كان حديثه هذا احد الطرق التي سلكها لهدايه الناس.
اما تعليق الحقائق التي يذكرها القران بالفروض العلميه فهو امر مرفوض واول من رفضه هم
المتحمسون للتفسير العلمي للقران.
اما ان هذا اللون من التفسير يتضمن التاويل المستمر، والتمحل، والتكلف فان التاويل بلا داع
مرفوض. وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقران شروطا من بينها ان لا يعدل عن الحقيقه
الى المجاز الا اذا قامت القرائن الواضحه التي تمنع من اراده الحقيقة.
واما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الايه (يسالونك عن الاهلة) فهو بحاجه الى ان
يثبت والا فهو معارض بما رواه الطبرى في تفسيره عن قتاده في هذه الايه قال:
سالوا النبي لم جعلت هذه الاهلة؟ فانزل الله فيها ما تسمعون (هي مواقيت للناس والحج
) فجعلها لصوم المسلمين ولافطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعده نسائهم ومحل دينهم في
اشياء والله اعلم بما يصلح خلقه “. وروى عن الربيع وابن جريج مثل ذلك. ففي
هذه الروايات التي ساقها الطبرى: السؤال هو: لم جعلت هذه الاهله ؟ وليس السؤال ما
بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص. ولذلك فانه لا دليل
في الايه على ابعاد التفسير العلمي.
الخلاصة: ان التفسير العلمي للقران:
مرفوض اذا اعتمد على النظريات العلميه التي لم تثبت ولم تصبح حقيقة
ومرفوض اذا خرج بالقران عن لغته العربية.
ومرفوض اذا صدر عن خلفيه تعتمد العلم اصلا وتجعل القران تابعا.
ومرفوض اذا خالف ما دل عليه القران في موضع اخر او في صحيح السنة.
وهو مقبول بعد ذلك اذا التزم القواعد المعروفه في اصول التفسير من الالتزام بما تفرضه
حدود اللغة، وحدود الشريعه والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله.
ومقبول – اخيرا- ممن رزقه الله علما بالقران وعلما بالسنن الكونيه لا من كل من
هب ودب، فكتاب الله اعظم واجل من ان يكون ذلك.
ثامنا: ضوابط الاعجاز العلمي
ان موضوع الاعجاز العلمي محفوف بالمخاطر لوترك الحبل فيه على الغارب، ليتحدث فيه من شاء
بما يشاء، وقد ينقلب على اصحابه؛ خاصه ان بعض الدراسات انطلقت من غير ضوابط، يقودها
الحماس فكان لا بد من ضوابط، تكبح جماح الفكر والخيال والسعي وراء النظريات والفرضيات، وهي
كثيرة، ومنها:
اولا : حسن فهم النص القراني الكريم وفق دلالات الالفاظ في اللغه العربيه , ووفق
قواعد تلك اللغه واساليب التعبير فيها , وذلك لان القران الكريم قد انزل بلسان عربي
مبين . على ان لا يخرج باللفظ من الحقيقه الى المجاز الا بقرينه كافيه ,
وعند الضروره القصوى , ومن هنا فلا يمكن اثبات الاعجاز العلمي بتاويل النص القراني .
ثانيا : فهم اسباب النزول والناسخ والمنسوخ – ان وجد – وفهم الفرق بين العام
والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل من ايات هذا الكتاب الحكيم .
ثالثا : فهم الماثور من تفسير المصطفى r والرجوع الى اقوال المفسرين من الصحابه والتابعين
وتابعيهم الى الزمن الحاظر .
رابعا : جمع القراءات الصحيحه المتعلقه بالايه القرانيه الكريمه ان وجدت .
خامسا : جمع النصوص القرانيه المتعلقه بالموضوع القراني الواحد ورد بعضها الى بعض , بمعنى
فهم دلاله كل منها في ضوء الاخر , لان القران الكريم يفسر بعضه بعضا ,
كما يفسر الصحيح من اقوال رسول الله r ولذلك كان من الواجب توظيف الصحيح من
الاحاديث النبويه الشريفه المتعلقه بموضوع الايه المتعامل معها كلما توافر ذلك .
سادسا : مراعاه السياق القراني للايه المتعلقه باحدى القضايا الكونيه دون اجتزاء للنص عما قبله
وعما بعده , مع التسليم بان من طبيعه القران الكريم ايراد العديد من الحقائق المتتابعه
والتي قد لاتكون بالضروره مرتبطه ببعضها البعض كما هو الحال في ايات القسم المتعدده باكثر
من امر من الامور .
سابعا : مراعاه قاعده : ان العبره هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , والاقتصار
على القضيه الواحده في المقام الواحد , دون تكديس للايات المستشهد بها حتى يتضح جانب
الاعجاز العلمي في كل منها .
ثامنا : عدم التكلف ومحاوله لي اعتاق الايات من اجل موافقتها للحقيقه العلميه , وذلك
لان القران الكريم اعز علينا واكرم من ذلك , لانه كلام الله الخالق وعلم الخالق
بخلقه هو الحق المطلق , الكامل الشامل , المحيط بكل علم اخر , وهو العلم
الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
تاسعا : الحرص على عدم الدخول في التفاصيل العلميه الدقيقه التي لا تخدم قضيه الاعجاز
العلمي للايه او الايات القرانيه الكريمه من مثل المعادلات الرياضيه المعقده , والرموز الكيميائيه الدقيقه
الا في اضيق الحدود للازمه لاثبات وجه الاعجاز .
عاشرا: عدم الخوض في القضايا الغيبيه غيبه مطلقه كالذات الالهيه , والروح , والملائكه ,
والجن , وحياه البرزخ , والقبر , قيام الساعه , والبعث , والحساب , والميزان
, والصراط , والجنه , والنار وغيرها , والتسليم بالنصوص الوارده فيها تسليما كاملا انطلاقا
من الايمان بكتاب الله وسنه رسوله , ويقينا راسخا بعجز الانسان عن الوصول الى مثل
هذه الغيبيات المطلقه .
حادي عشر: التاكيد على ان الاخره لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايره
كامله , وانها لا تحتاج هذه السنن الدنيويه الرتيبه , فهي كما وصفها ربنا امر
فجائي منه ( كن فيكون) وصدق الله العظيم اذا يقول : (يسالونك عن الساعه ايان
مرساها قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السماوات والارض
لا تاتيكم الا بغته يسالونك كانك حفي عنها قل انما علمها عند الله ولكن اكثر
الناس لا يعلمون) (لاعراف:187)
وعلى الرغم من ذلك فان الله من رحمته بنا قد ابقى لنا في صخور الارض
, وفي صفحه السماء اعداد كثيره من الشواهد الحسيه التب تقطع بضروره فناء الكون وبحتميه
الاخره , وان الاشاره الى تلك الشواهد الكونيه لا يمكن ان تفسر بمحاوله التعرف على
موعد الاخره , لان الاخره من الغيبيات المطلقه التي لا يعلمها الا الله , ولانها
لن تتم من السنن الكونيه المشاهده في هذه الحياه .
ثاني عشر: توظيف الحقائق العلميه القاطعه في الاستشهاد على الاعجاز العلمي للايه او الايات القرانيه
الوارده في الموضوع الواحد او في عدد من الموضوعات المتكامله , وذلك في جميع الايات
الكونيه الوارده في كتاب الله فيما عدا قضايا الخلق والافناء , والبعث , والتي يمكن
فيها نوظيف الايه او الايات لبقرانيه الكريمه , للارتقاء باحدى النظريات المطروحه الى مقام الحقيقه
مع التاكيد على ان الحقيقه العلميه لا تبطل مع الزمن , ولكنها قد تزداد تفصيلا
وتوضيحا باجتهاد العلماء جيلا بعد جيل , وان المعرفه العلميه اذا وصلت الى مستوى الحقيقه
فهي لا تتغير لكنها قد تزداد ايضاحا مع الزمن , وذلك لان حقائق العلوم المكتسبه
جزئيه , لانها تعبر عن جزئيه محدده , ومن طبيعه العلوم المكتسبه النمو المطرد مع
استمرار مجاهده العلماء في توضيح ما سبقت معرفته من حقائق دون الغائها .
ثالث عشر: ضروره التمييز بين المحقق لدلاله النص القراني والناقل له مع مراعاه التخصص الدقيق
في مراحل اثبات وجه الاعجاز العلمي في الايه القرانيه الكريمه , لان هذا مجال تخصصي
على اعلى مراحل التخصص لا يجوز ان يخوض فيه كل خائض , كما لا يمكن
لفرد واحد ان يغطي كل جوانب الاعجاز العلمي في اكثر من الف ايه قرانيه صريحه
بالاضافه الى ايات اخرى عديده تقترب دلالتها من الصراحه , خاصه ان هذه الايه تغطي
مساحه هائله من العلوم المكتسبه التي تمتد من علم الاجنه الى علم الفلك وما بينها
من مختلف مجالات العلوم والمعارف الانسانيه , الا اذا ردت كل قضيه الى محققها من
المتخصصين بوضوح واثبات كاملين .
رابع عشر: التاكيد على ان ما توصل اليه المحقق العلمي في فهم دلاله الايه الكريمه
ليس منهى الفهم لها , لان القران الكريم لاتنتهي عجائبه ولا بخلق على كثره الرد
.
خامس عشر: اليقين بان النص القراني الكريم قد ينطبق على حقيقه علميه ثايته , لكن
ذلك لن ينفي مجازا مقصودا , كما ان الايه القرانيه الكريمه قد تاتي في مقام
التشبيه او المجاز وتبقى صياغه الايه دقيقه دقه فائقه من الناحيه العلميه وان لم تكن
تلك الناحيه العلميه مقصوده لذاتها , لان كلام الله الخالق هو الحق المطلق الذي لا
ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
سادس عشر : الاخذ في الاعتبار امكانيه الانطلاق من الايه القرانيه الكريمه للوصول الى حقيقه
كونيه لم يتوصل العلم المكتسب الى شئ منها يعد , , وذلك انطلاقا من الايمان
الكامل بان القران الكريم هو كلام الله الخالق في صفائه الرباني اشراقاته النورانيه , وانه
كلام حق مطلق , ولو وعى المسلمون هذه الحقيقه لسبقوا غيرهم من الامم في الوصول
الى العديد من حقائق الوجود , وعلى الرغم من هذا التاخير فلا يزال الباب مفتوحا
ليتسابق اليه المتسابقون من اهل العلم في هذا المجال .
سابع عشر : عدم التقليل من جهود العلماء السابقين في محاولاتهم المخلصه لفهم دلاله تلك
الايات الكونيه في حدود المعلومات التي كانت متاحه لهم في زمانهم , وذلك لان الايه
الكونيه الوارده في كتاب الله تتسع دلالتها مع اتساع دائره المعرفه الانسانيه في تكامل لا
يعرف التضاد حتى يضل القران الكريم مهيمنا على المعارف الانسانيه مهما اتسعت دوائرها , وهذا
من اعظم جوانب الاعجاز في كتاب الله .
ثامن عشر : ضروره التفريق بين قضيه الاعجاز العلمي والتفسير العلمي , فالاعجاز العلمي يقصد
به اثبات سبق القران الكريم بالاشاره الى حقيقه من الحقائق الكونيه او تفسير ظاهره من
ظواهره قبل وصول العلم المكتسب اليها بعدد متطاول من القرون , وفي زمن لم يكن
لاي من البشر امكانيه الوصول الى تلك الحقيقه عن طريق العلوم المكتسبه ابدا . واما
التفسير فهو محاولو بشريه لحسن فهم دلاله الايه القرانيه ان اصاب فيها المفسر فله اجران
وان اخطا فله اجر واحد , والمعول عليه في ذلك هو نيته . وهنا يجب
التاكيد على ان الخطا في التفسير ينسحب على المفسر , ولا يمس جلال القران الكريم
, وانطلاقا من ذلك فلابد من الحرص على توظيف الحقائق العلميه القاطعه والتي لا رجعه
فيها في كل من القضيتين .
ولكن لما كانت العلوم المكتسبه لم تصل بعد الى الحقيقه في كثير من الامور فلا
حرج من توظيف النظريات السائده المقبوله المنطقيه في التفسير العلمي للقران الكريم , اما الاعجاز
العلمي للقران الكريم فلا يجوز ان يوظف فيه الا القطعي الثابت من الحقائق العلميه التي
لا رجعت فيها وذلك في جميع الايات الوصفيه .
تاسع عشر : اليقين في صحه كل ما جاء في القران الكريم , لانه كلام
الله الخالق , المحفوظ بحفظ الله على مدى الزمان والى ان يشاء الله والمحفوظ في
نفس لغه وحيه – اللغه العربيه – فلا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه , وعلى ذلك فلا يمكن لحقيقه كونيه ان تصطدم بنص قراني ابدا , فاذا
حدث وبدا شئ من ذلك فلا بد من وجود خلل ما , اما في صياغه
الحقيقه العلميه او في فهم الدارسين للنص القراني الكريم .
عشرون : يجب تحري الدقه المتناهيه في التعامل مع القران الكريم واخلاص النيه في ذلك
والتجرد له من كل غايه شخصيه او مكاسب مادية