من هو الديوث وما حكم من علم عن اهله فجورا فسكت
ذكرت لي حاله رجل يعلم بوقوع بعض محارمه في الزنا ، وهو ساكت لا يحرك
ساكنا ، فاقشعر جلدي مما ذكر ، فهو والله امر تقشعر له الابدان ، ويشيب
لهوله الولدان .
لقد كان اهل الجاهليه الاولى – رغم جاهليتهم – كانوا يرفضون الزنا ، ويرونه عارا
، ولم يزد الاسلام ذلك الا شده ، الا ان الاسلام تمم مكارم الاخلاق وضبطها
بضوابط الشريعه .
فالرجل الجاهلي كانت تحمله الغيره على دفن ابنته وهي حيه ، فجاء الاسلام واقر الغيره
، وحرم واد البنات .
وكانت الغيره خلقا يمدح به الرجال والنساء .
فيقول الشاعر مفتخرا بالغيره :
السنا قد علمت معد *** غداه الروع اجدر ان نغارا
وكان ضعف الغيره علامه على سقوط الرجوله بل على ذهاب الديانه .
ولذا كان ضعيف الغيره يذم ، حتى قيل :
اذ لا تغار على النساء قبائل *** يوم الحفاظ ولا يفون لجار
وكانت العرب تقول : تموت الحره ولا تاكل بثدييها
وقال هند بنت عتبه – رضي الله عنها – وقد جاءت تبايع النبي صلى الله
عليه على اله وسلم ، فكان ان اخذ عليها في البيعه ( والا تزنين )
قال : او تزني الحره ؟؟؟
ولقد جاء الاسلام متمما لمكارم الاخلاق ، فجعل الغيره من ركائز الايمان ، بل جعلها
علامه على قوه الايمان .
وفاقدها – اجارك الله – هو الديوث . الذي يقر الخبث في اهله ، فالجنه
عليه حرام
عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه على اله وسلم قال
: ثلاثه قد حرم الله – تبارك وتعالى – عليهم الجنه : مدمن الخمر ،
والعاق ، والديوث الذي يقر في اهله الخبث . رواه احمد والنسائي .
والديوث قد فسره النبي صلى الله عليه على اله وسلم في هذا الحديث بانه الذي
يقر الخبث في اهله ، سواء في زوجته او اخته او ابنته ونحوهن .
والخبث المقصود به الزنا ، وبواعثه ودواعيه واسبابه من خلوه ونحوها .
قال علي رضي الله عنه : اما تغارون ان تخرج نساؤكم ؟ فانه بلغني ان
نساءكم يخرجن في الاسواق يزاحمن العلوج . رواه الامام احمد
تامل في احوال الصحابه – رضي الله عنهم – تجد عجبا ، فهم يغارون اشد
الغيره ، وكان رسول الله صلى الله عليه على اله وسلم اشد منهم غيره .
ففي الصحيحين من حديث المغيره بن شعبه قال : قال سعد بن عباده : لو
رايت رجلا مع امراتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى
الله عليه على اله وسلم فقال : اتعجبون من غيره سعد ؟ فو الله لانا
اغير منه ، والله اغير مني ، من اجل غيره الله حرم الفواحش ما ظهر
منها وما بطن ، ولا شخص اغير من الله ، ولا شخص احب اليه العذر
من الله ، من اجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ولا شخص احب اليه
المدحه من الله ، من اجل ذلك وعد الله الجنه .
قال ابن القيم رحمه الله : فجمع هذا الحديث بين الغيره التي اصلها كراهه القبائح
وبغضها ، وبين محبه العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمه والاحسان …
فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفه من صفاته ، ومن وافق الله في صفه
من صفاته قادته تلك الصفه اليه بزمامه وادخلته على ربه ، وادنته منه وقربته من
رحمته ، وصيرته محبوبا له . انتهى .
اذا فالغيره صفه من صفات الرب جل وعلا ، وصفاته صفات كمال ومدح .
والغيره لا يتصف بها سوى افذاذ الرجال الذين قاموا بحق القوامه .
المراه اذا علمت من زوجها او وليها الغيره عليها راعت ذلك وجعلته في حسبانها
هذه اسماء بنت ابي بكر تقول : تزوجني الزبير وما له في الارض من مال
ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه ، فكنت اعلف فرسه واستقي الماء واخرز
غربه واعجن ، ولم اكن احسن اخبز ، وكان يخبز جارات لي من الانصار ،
وكن نسوه صدق ، وكنت انقل النوى من ارض الزبير التي اقطعه رسول صلى الله
عليه وسلم على راسي ، وهي مني على ثلثي فرسخ ، فجئت يوما والنوى على
راسي ، فلقيت رسول صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الانصار ، فدعاني ثم
قال : اخ اخ ، ليحملني خلفه ، فاستحييت ان اسير مع الرجال ، وذكرت
الزبير وغيرته ، وكان اغير الناس ، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اني
قد استحييت فمضى ، فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلى راسي النوى ، ومعه نفر من اصحابه ، فاناخ لاركب ، فاستحييت منه ،
وعرفت غيرتك ، فقال : والله لحملك النوى كان اشد علي من ركوبك معه .
قالت : حتى ارسل الي ابو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسه الفرس ، فكانما
اعتقني . متفق عليه .
وفي صحيح مسلم عن ابي سعيد الخدري انه قال : كان فتى منا حديث عهد
بعرس قال : فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الخندق ، فكان
ذلك الفتى يستاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بانصاف النهار فيرجع الى اهله ،
فاستاذنه يوما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ عليك سلاحك
، فاني اخشى عليك قريظه . فاخذ الرجل سلاحه ، ثم رجع ، فاذا امراته
بين البابين قائمه ، فاهوى اليها الرمح ليطعنها به ، واصابته غيره ، فقالت له
: اكفف عليك رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي اخرجني ، فدخل فاذا
بحيه عظيمه منطويه على الفراش فاهوى اليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج فركزه في
الدار ، فاضطربت عليه ، فما يدرى ايهما كان اسرع موتا . الحيه ام الفتى
؟ . الحديث .
وبالمقابل فان المراه اذا عرفت ان وليها لا يهتم بها ، ولا يرفع بالغيره راسا
سهل عليها التمادي في الباطل ، والوقوع في وحل الخطيئه ، ومستنقعات الرذيله .
والغيره غيرتان :
فغيره يحبها الله ، وغيره يبغضها الله .
فعن جابر بن عتيك ان نبي الله صلى الله عليه على اله وسلم كان يقول
: من الغيره ما يحب الله ، ومنها ما يبغض الله ، فاما التي يحبها
الله عز و جل فالغيره في الريبه ، واما التي يبغضها الله فالغيره في غير
ريبه . رواه احمد وابو داود والنسائي ، وهو حديث صحيح .
وواجب المؤمن ان يحب ما يحبه الله . وان يكره ما يكرهه الله .
قال ابن القيم : وانما الممدوح اقتران الغيره بالعذر ، فيغار في محل الغيره ،
ويعذر في موضع العذر ، ومن كان هكذا فهو الممدوح حقا .
يروى ان اعرابيا راى امراته تنظر الى الرجال فطلقها ، فعوتب في ذلك ، فقال
:
واترك حبها من غير بغض *** وذاك لكثره الشركاء فيه
اذا وقع الذباب على طعام *** رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الاسود ورود ماء *** اذا كن الكلاب ولغن فيه
واذا رايت ضعيف الغيره فاعلم انه اصيب في مقتل ، وان ذلك بسبب الذنوب .
قال ابن القيم رحمه الله : ومن عقوبات الذنوب انها تطفئ من القلب نار الغيره
… واشرف الناس واجدهم واعلاهم همه اشدهم غيره على نفسه وخاصته وعموم الناس ، ولهذا
كان النبي صلى الله عليه على اله وسلم اغير الخلق على الامه ، والله سبحانه
اشد غيره منه .
والمقصود انه كلما اشتدت ملابسته للذنوب اخرجت من قلبه الغيره على نفسه واهله وعموم الناس
، وقد تضعف في القلب جدا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه
ولا من غيره ، واذا وصل الى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك ،
وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح ، بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ،
ويزينه له ، ويدعوه اليه ، ويحثه عليه ، ويسعى له في تحصيله ، ولهذا
كان الديوث اخبث خلق الله ، والجنه عليه حرام وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ،
ومزينه له .
فانظر ما الذي حملت عليه قله الغيره ؟!
وهذا يدلك على ان اصل الدين الغيره ، ومن لا غيره له لا دين له
، فالغيره تحمي القلب فتحمي له الجوارح ، فتدفع السوء والفواحش .
وعدم الغيره تميت القلب فتموت الجوارح ، فلا يبقى عندها دفع البته …
وبين الذنوب وبين قله الحياء وعدم الغيره تلازم من الطرفين ، وكل منهما يستدعي الاخر
ويطلبه حثيثا .
انتهى كلامه رحمه الله ، ولا مزيد عليه .
والمراه عموما – اختا او بنتا او زوجه – تريد من يغار عليها ، ولكن
بضوابط الغيره التي تقدمت .
وهذا ليس في نساء المسلمين فحسب ، بل حتى في نساء الكفار !
وهذا مثال واحد اسوقه للعبره :
هذه امراه نصرانيه تدعى ” شولو ” هي امراه متزوجه اكتشف زوجها ان لها علاقه
مع رجل اخر ، ولما طلب منها التوقف لم تكن مستعده لذلك ، فاقترحت عليه
ان يجد فتاه يستمتع بها ، فكان يحمل حقيبته الصغيره ويترك البيت ، ثم تعلق
على ذلك بقولها : كان شعور الحريه الذي منحني اياه زوجي جعلني اكرهه بدرجه اكبر
، الامر الذي ادى الى الطلاق .
( نقلا عن كتاب امريكا كما رايتها للدكتور مختار المسلاتي )
فاحفظوا يا عباد الله انفسكم واهليكم ، واعملوا على وقايتهم وانفسكم من نار قعرها بعيد
، وحرها شديد .
قال سبحانه : ( يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجاره
عليها ملائكه غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون )
وحفظ الفروج والاعراض من ضرورات الشريعه الاسلاميه ، ومن كلياتها .
ومن هنا جاء الثناء على الحافظين لفروجهم في غير موضع من كتاب الله ، ومن
سنه نبيه صلى الله عليه على اله وسلم .