الحمد الذي الحمد الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ونشكره على
ما اولانا من واسع كرمه وفضله واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك
له هدى من هدى بفضله واضل من ضل بحكمته وعدله واشهد ان محمدا عبده ورسوله
المصطفى من خلقه صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله واتباعه وصحبه
اما بعد
ففي هذا الشهر شهر ربيع الاول من العام الثالث عشر من البعثه وصل النبي صلى
الله عليه وعلى اله وسلم الى مهاجره الى طيبه الى المدينه النبويه مهاجرا من مكه
البلد الاول للوحي واحب البلاد الى الله ورسوله خرج من مكه مهاجرا باذن الله بعد
ان اقام بمكه ثلاثه عشر سنه يبلغ رساله ربه ويدعو اليه على بصيره فلم يجد
من اكثر قريش واكابرهم سوى الرفض لدعوته والاعراض عنها والايذاء الشديد للرسول صلى الله عليه
وعلى اله وسلم ولمن امن معه حتى ال الامر بهم الى تنفيذ خطه المكر والخداع
لقتل النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم
حيث اجتمع كبراءهم في دار الندوه وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم
حين راوا اصحابه يهاجرون الى المدينه وانه لا بد ان يلحق بهم ويجد النصره والعون
من الانصار الذين بايعوه ؛ بايعوه على ان يمنعوه مما يمنعون منه ابنائهم ونسائهم وحينئذ
تكون له الدوله على قريش فقال عدو الله ابو جهل الراي ان ناخذ من كل
قبيله فتى شابا جلدا ثم نعطي كل واحدا سيفا صارما ثم يعمدوا الى محمد فيضربوه
ضربه رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع بنوا عبد مناف
يعني عشيره النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان يحاربوا قومهم جميعا وحينئذ يرضى
بنو عبد مناف بالديه فنعطيهم اياها هكذاايها المسلمون يخطط اعداء الله للقضاء على رسول الله
صلى الله عليه وعلى اله وسلم وبهذا القدر من المكر والخديعه ولكنهم يمكرون ويمكر الله
كما قال الله عز وجل:(واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون
ويمكر الله والله خير الماكرين) (لانفال:30) فاعلم الله نبيه صلى الله عليه وعلى اله وسلم
بما اراد المشركون به واذن له بالهجره وكان ابو بكر رضي الله عنه قد تجهز
للهجره من قبل الى المدينه فقال له النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم على
رسلك فاني ارجو ان يؤذن لي فتاخر ابو بكر رضي الله عنه ليصحب النبي صلى
الله عليه وسلم .
قالت عائشه فبينما نحن في بيت ابي بكر في نحر الظهيره في منتصف النهار اذا
برسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم على الباب متقنعا فقال ابو بكر فداء
له ابي وامي والله ما جاء به في هذه الساعه الا امر فدخل النبي صلى
الله عليه وعلى اله وسلم وقال يا ابا بكر اخرج من عندك فقال ابوبكر انما
هم اهلك بابي انت وامي فقال النبي صلى الله عليه وسلم انه قد اذن لي
في الخروج يعني في الهجره فقال ابو بكر الصحبه يا رسول الله قال نعم فقال
ابو بكر يا رسول الله فخذ احدى راحلتي هاتين فقال النبي صلى الله عليه وعلى
اله وسلم بالثمن ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم خرج هو
وابو بكر فاقاما في غار ثور ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله ابن ابي بكر
وكان رضي الله عنه غلاما شابا ذكيا واعيا ينطلق في اخر الليل الى مكه فيصبح
مع قريش فلا يسمع بخبر حول النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الا وعاه حتى
ياتي به اليهما حين يختلط الظلام فجعلت قريش تطلب النبي صلى الله عليه وعلى اله
وسلم من كل وجه وتسعى بكل وسيله ليدركوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعلوا
لمن ياتي بهما او باحدهما ديته كامله مائه من الابل ولكن الله عز وجل كان
معهما يحفظهما بعنايته ويرعاهما برعايته حتى ان قريشا ليقفون على باب الغار فلا يرون رسول
الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ولا صاحبه ابا بكر قال ابو بكر قلت
للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو ان احدهم نظر الى قدميه لابصرنا
فقال:
( لا تحزن ان الله معنا ما ظنك يا ابا بكر باثنين الله ثالثهما )
حتى اذا سكن الطلب عنهما قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين الى المدينه
على طريق الساحل فلحقهما سراقه بن مالك المدلجي على فرس له فالتفت ابو بكر فقال
يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (
لا تحزن ان الله معنا ) فدنا سراقه منهما حتى اذا سمع قراءه رسول الله
صلى الله عليه وسلم غاصت يدا فرسه في الارض حتى مس بطنها الارض وكانت ارضا
صلبه ولكن الله تعالى ارخاها كرامه لرسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وحمايه
له فنزل سراقه وزجر الفرس فنهضت فلما خرجت صار لها اثر عثان ساطع في السماء
مثل الدخان قال سراقه فوقع في نفسي ان سيظهر امر رسول الله صلى الله عليه
وعلى اله وسلم فناديتهم بالامان فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فركبت
فرسي حتى جئتهم واخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فقال النبي صلى
الله نعم وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال ؛ قال اي سراقه للنبي صلى الله عليه
وسلم انك تمر على ابلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك فقال النبي صلى الله
عليه وعلى اله وسلم لا حاجه لي في ذلك وقال اخفي عنا فرجع سراقه وجعل
لا يلقى احدا من الطلب الا رده وقال كفيتم هذه الجهه فسبحان الله سبحان الله
والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي صلى
الله عليه وسلم وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما الى اعدائهما من الكفار فلم ينقلب حتى
عاد ناصرا معينا مدافعا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من ابله وغنمه ويرد عن
جهتهما كل من اقبل نحوها وهكذا كل من كان الله معه فلم يضره احد وستكون
العاقبه له اللهم كن معنا يا رب العالمين اللهم كن معنا يا رب العالمين اللهم
كن معنا يا رب العالمين على اعدائنا وكن مع اخواننا المضطهدين والمقاتلين في كل مكان
من الارض
ولما سمع اهل المدينه لما سمع اهل المدينه من المهاجرين والانصار بخروج النبي صلى الله
عليه وعلى اله وسلم اليهم كانوا يخرجون صباح كل يوم الى الحره الى حره المدينه
ينتظرون قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه حتى يطردهم حر الشمس فلما كان
اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعالى النهار واشتد الحر رجعوا
الى بيوتهم واذا رجل من اليهود على اطم من اطام المدينه ينظر لحاجه له فابصر
رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه مقبلين يزول بهم السراب فلم يملك ان نادى
باعلى صوته يا معشر الجد يا معشر العرب هذا جدكم يعني هذا حظكم وعزكم الذي
تنتظرون
فهب المسلمون للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم السلاح تعظيما واجلالا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وايذانا لاستعدادهم للجهاد والدفاع دونه رضي الله عنهم فتلقوه تلقوا النبي
صلى الله عليه وسلم بظاهر الحره فعدل بهم ذات اليمين ونزل في بني عمر بن
عوف في قباء واقام فيهم بضع ليال واسس المسجد مسجد قباء ثم ارتحل الى المدينه
والناس معه و اخرون يتلقونه في الطرقات قال ابو بكر رضي الله عنه خرج الناس
خرج الناس حين قدمنا المدينه في الطرقات وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون الله اكبر جاء
رسول الله ؛ الله اكبر جاء رسول الله؛ الله اكبر جاء محمد
وقال انس بن مالك رضي الله عنه اني لاسعى بين الغلمان وانا يومئذ غلام والناس
يقولون جاء محمد جاء محمد هكذا يردد الناس صغارا وكبارا هذه الكلمات فرحا بمقدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم الذي هو احب الناس اليهم والذي يفدونه بابائهم وابنائهم وانفسهم
فياله من مقدم ياله من مقدم ملا القلوب فرحا وسرورا وملا الافاق بهجه ونورا فقدم
النبي صلى الله عليه وسلم المدينه وكل قبيله من الانصار تنازع الاخرى زمام ناقته النزول
عندنا يا رسول الله النزول عندنا يا رسول الله في العدد والعده والمنعه ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول دعوها فانها ماموره وانما انزل حيث انزلني الله عز وجل
فلما انتهت به لما انتهت به ناقته الى مكان مسجده بركت فلم ينزل عنها رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى وثبت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد اطلق
لها الزمام فسارت غير بعيد ثم التفتت خلفها فعادت الى مكانها الاول فبركت فقال النبي
صلى الله عليه وسلم هذا ان شاء الله المنزل وكان هذا المكان لغلامين يتيمين فدعاهما
رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فساومهما ليشتريه منهما فيتخذه مسجدا فقالا بل
نهبه لك يا رسول الله فابى ان يقبله ان يقبله منهما هبه حتى اشتراه منهما
وقال اي بيوتنا اقرب قال ابو ايوب انا يا رسول الله هذه داري وهذه بابي
قال فانطلق فهيئ لنا مقيلا ففعل
ثم جاء فقال قوما على بركه الله ثم جاء عبد الله بن سلام رضي الله
عنه وكان حبرا من احبار اليهود عالما من علمائهم الكبار فقال اشهد انك رسول الله
وانك جئت بحق وقد علمت يهود اني سيدهم وابن سيدهم واعلمهم وابن اعلمهم فادعهم فسالهم
عني قبل ان يعلموا اني اسلمت فانهم ان علموا اني اسلمت قالوا في ما ليس
في فارسل النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم الى اليهود فاتوا اليه فقال النبي
صلى الله عليه وسلم ( يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا اله
الا هو انكم لتعلمون اني رسول الله حقا واني جئتكم بحق) قالوا ما نعلم ذلك
قال( فاي رجل فيكم عبد الله بن سلام فقالوا سيدنا وابن سيدنا واعلمنا وابن اعلمنا
قال لهم ارايتم ان اسلم قالوا حاشا لله ما كان ليسلم فاعاد عليهم النبي صلى
الله عليه وسلم قال فاي رجل فيكم عبد الله بن سلام فقالوا سيدنا وابن سيدنا
واعلمنا وابن اعلمنا وكان عبد الله بن سلام قد اختبا لينظر ما يقول اليهود للنبي
صلى الله عليه وعلى اله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عبد الله
ابن سلام اخرج اليهم فخرج فقال لهم يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا
اله الا هو انكم لتعلمون انه رسول الله وانه جاء بحق فقالوا له كذبت فاخرجهم
النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اخرجهم من عنده فقال عبد الله بن سلام
يا رسول الله الم اخبرك ان اليهود قوم بهم اهل غدر وكذب وفجور ) ثم
استقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينه حتى رجع الى مكه فاتحا لها منصورا
مظفرا في السنه الثامنه من الهجره ثم عاد الى المدينه ثم عاد الى المدينه وبقي
فيها حتى توفاه الله عز وجل يا عباد الله هذه هجره النبي صلى الله عليه
وعلى اله وسلم
فلماذا هاجر من بلد هي احب البلاد اليه وهي احب البلاد الى الله وهي مكه
لماذا خرج منها الى المدينه انما خرج ليقيم دين الله ويدعوه عباد الله ويصلح الله
به عباده وكان صلى الله عليه وعلى اله وسلم من جمله اصلاحاته ومن اهم ما
يهتم به اقامه المساجد قبل المساكن فانه صلى الله عليه وعلى اله وسلم بني مسجده
قبل ان يبني بيوتا لاهله وهذا يدل بل ويؤخذ من هذا انه ينبغي للامه الاسلاميه
اذا خططت ارضا للسكنى انه يكون اول ما تبدا به تخطيط المساجد اغتداء برسول الله
صلى الله عليه وعلى اله وسلم وتقديما لبيوت الله على بيوت عباد الله فصلوات الله
وسلامه عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
.
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه واشهد الا اله الا الله وحده لا شريك
له شهاده تنجي قائلها يوم يلاقيه واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وعلى
اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين