لعن الله الراشي والمرتشي , حكم الرشاوي في الدين
فان مما حرمه الاسلام وغلظ في تحريمه الرشوه وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحه
يجب على المسؤول عنها قضاؤها بدونه، ويشتد التحريم ان كان الغرض من دفع هذا المال
ابطال حق او احقاق باطل او ظلما لاحد.
وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته ان الرشوه هي ما يعطيه الشخص لحاكم
او غيره ليحكم له او يحمله على ما يريد، واوضح من هذا التعريف ان الرشوه
اعم من ان تكون مالا او منفعه يمكنه منها او يقضيها له، والمراد بالحاكم القاضي،
وبغيره كل من يرجى عنده قضاء مصلحه الراشي سواء كان من ولاه الدوله وموظفيها او
القائمين باعمال خاصه كوكلاء التجار والشركات واصحاب العقارات ونحوهم، والمراد بالحكم للراشي وحمل المرتشي على
ما يريده الراشي تحقيق رغبه الراشي ومقصده سواء كان ذلك حقا او باطلا.
والرشوه ايها الاخوه في الله من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، ولعن رسوله
صلى الله عليه وسلم من فعلها، فالواجب اجتنابها والحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها لما
فيها من الفساد العظيم والاثم الكبير والعواقب الوخيمة، وهي من الاثم والعدوان اللذين نهى الله
سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا
تعاونوا على الاثم والعدوان} [المائدة: 2]
وقد نهى الله عز وجل عن اكل اموال الناس بالباطل فقال سبحانه: {يا ايها الذين
امنوا لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجاره عن تراض منكم} [النساء: 29]
وقال سبحانه: {ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتاكلوا فريقا من اموال
الناس بالاثم وانتم تعلمون} [البقرة: 188]
والرشوه من اشد انواع اكل الاموال بالباطل، لانها دفع المال الى الغير لقصد احالته عن
الحق، وقد شمل التحريم في الرشوه اركانها الثلاثه وهم الراشي والمرتشي والرائش، وهو الوسيط بينهما،
فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش».
واللعن من الله هو الطرد والابعاد عن مظان رحمته نعوذ بالله من ذلك وهو لا
يكون الا في كبير كما ان الرشوه من انواع السحت المحرم بالقران والسنة، فقد ذم
الله اليهود وشنع عليهم لاكلهم السحت في قوله سبحانه وتعالى: {سماعون للكذب اكالون للسحت} [المائدة:
42]
كما قال تعالى عنهم: {وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان واكلهم السحت لبئس ما
كانوا يعملون (62) لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم واكلهم السحت لبئس ما كانوا
يصنعون (63)} [المائدة: 62-63]
وقال تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله
كثيرا (160) واخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل} [النساء: 160-161]
وقد وردت احاديث كثيره في التحذير من هذا المحرم وبيان عاقبه مرتكبيه منها: ما رواه
ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كل
لحم انبته السحت فالنار اولى به».
قيل: وما السحت؟
قال: «الرشوه في الحكم».
وروى الامام احمد عن عمرو العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: «ما من قوم يظهر فيهم الربا الا اخذوا بالسنة، وما من قوم
يظهر فيهم الرشا الا اخذوا بالرعب».
وروى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “السحت: الرشوه في الدين”.
وقال ابو محمد موافق الدين ابن قدامه رحمه الله في المغني: “قال الحسن وسعيد بن
جبير في تفسير قوله تعالى: {اكالون للسحت} هو الرشوة، وقال: اذا قبل القاضي الرشوه بلغت
به الكفر، لانه مستعد للحكم بغير ما انزل الله ومن لم يحكم بما انزل الله
فاولئك هم الكافرون”.
روى مسلم عن ابي هريره رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «ان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا، وان الله امر المؤمنين بما امر
به المرسلين».
فقال تعالى: {يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} [المؤمنون: 51]
وقال تعالى: {يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172]
ثم ذكر: «الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمد يديه الى السماء يا رب يارب ومطعمه
حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فانى يستجاب له».
فاتقوا الله ايها المسلمون واحذروا سخطه، وتجنبوا اسباب غضبه، فانه جل وعلا غيور اذا انتهكت
محارمه وقد ورد في الحديث الصحيح: «لا احد اغير من الله».
وجنبوا انفسكم واهليكم المال الحرام والاكل الحرام نجاه بانفسكم واهليكم من النار التي جعلها الله
اولى بكل لحم نبت من الحرام، كما ان الماكل الحرام سبب لحجب الدعاء وعدم الاجابه
لما مر من حديث ابي هريره رضي الله عنه عند مسلم.
وقد دعاكم الله الى وقايه انفسكم واهليكم من النار والنجاه بها من عذاب الله واليم
عقابه حيث قال سبحانه وتعالى: {يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما
يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون (24) واتقوا فتنه لا
تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه واعلموا ان الله شديد العقاب(25)} [الانفال: 24-25]
والله المسؤول ان يجعلنا واياكم ممن يستمعون القول فيبتعون احسنه، ومن المتعاونين على البر والتقوى
الملتزمين بكتاب الله وسنه رسول صلى الله عليه وسلم، وان يعيذنا واياكم من شرور انفسنا
ومن سيئات اعمالنا، وان ينصر دينه ويعلي كلمته، ويوفق ولاه امرنا لكل ما فيه صلاح
العباد والبلاد، انه ولي ذلك والقادر عليه، و وبركاته.
وسئل سماحته: ما هي اثار الرشوه على عقيده المسلم؟
فاجاب: الرشوه وغيرها من المعاصي تضعف الايمان وتغضب الرب عز وجل، وتسبب تسليط الشيطان على
العبد في ايقاعه في معاص اخرى، فالواجب على كل مسلم ومسلمه الحذر من الرشوه ومن
سائر المعاصي مع رد الرشوه الى اصحابها ان تيسر له ذلك، فان لم يتيسر له
ذلك تصدق بما يقابلها عن صاحبها على الفقراء مع التوبه الصادقة، عسى الله ان يتوب
عليه.
وسئل سماحته: ما اثار الرشوه على مصالح المسلمين؟
فاجاب: ظلم الضعفاء، وهضم حقوقهم او اضاعتهم او تاخر حصولها بغير حق من اجل الرشوة،
ومن اثارها ايضا فساد اخلاق من ياخذها من قاض وموظف وغيرهما وانتصاره لهواه، وهضم حق
من لم يدفع الرشوه او اضاعته بالكليه مع ضعف ايمان اخذها وتعرضه لغضب الله وشده
العقوبه في الدنيا والاخرة، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
قال: «ما من ذنب اجدر عند الله من ان يجعل لصاحبه العقوبه في الدنيا مع
ما يدخره له في الاخره من البغي وقطيعه الرحم».
ولاشك ان الرشوه وسائر انواع الظلم من البغي الذي حرمه الله، وفي الصحيحين عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه قال: «ان الله ليملي للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته».
ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى
وهي ظالمه ان اخذه اليم شديد} [هود: 102]
وسئل سماحته: كيف يكون حال المجتمع حين تنتشر فيه الرشوة؟
فاجاب: لاشك ان المعاصي اذا ظهرت تسبب فرقه المجتمع، وانقطاع اواصر الموده بين افراده، وتسبب
الشحناء والعداوه وعدم التعاون على الخير، ومن اقبح اثار الرشوه وغيرها من المعاصي في المجتمعات
ظهور الرذائل وانتشارها واختفاء الفضائل وظلم بعض افراد المجتمع بالرشوه والسرقه والخيانه والغش في المعاملات
وشهاده الزور ونحو ذلك من انواع الظلم والعدوان وكل هذه الانواع من اقبح الجرائم، ومن
اسباب غضب الرب ومن اسباب الشحناء والعداوه بين المسلمين، ومن اسباب العقوبات العامه كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «ان الناس اذا راوا المنكر فلم يغيروه اوشك ان يعمهم
الله بعقابه».
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم