فضل 10 ذي الحجة
فضل صيام ذي حجة
فمن فضل الله تعالى على عباده ان جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل
الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم الى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمر
عليه مرورا عابرا. ومن هذه المواسم الفاضله عشر ذي الحجة، وهي ايام شهد لها الرسول
صلى الله عليه وسلم بانها افضل ايام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها؛ بل ان
لله تعالى اقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرقا وفضلا، اذ العظيم لا يقسم الا بعظيم
وهذا يستدعي من العبد ان يجتهد فيها، ويكثر من الاعمال الصالحة، وان يحسن استقبالها واغتنامها.
وفي هذه الرساله بيان لفضل عشر ذي الحجه وفضل العمل فيها، والاعمال المستحبه فيها.
نسال الله تعالى ان يرزقنا حسن الاستفاده من هذه الايام، وان يعيننا على اغتنامها على
الوجه الذي يرضيه
باي شيء نستقبل عشر ذي الحجة؟
حري بالسلم ان يستقبل مواسم الطاعات عامة، ومنها عشر ذي الحجه بامور:
1- التوبه الصادقه :
فعلى المسلم ان يستقبل مواسم الطاعات عامه بالتوبه الصادقه والعزم الاكيد على الرجوع الى الله،
ففي التوبه فلاح للعبد في الدنيا والاخرة، يقول تعالى: (وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون
لعلكم تفلحون( [النور:31].
2- العزم الجاد على اغتنام هذه الايام :
فينبغي على المسلم ان يحرص حرصا شديدا على عماره هذه الايام بالاعمال والاقوال الصالحة، ومن
عزم على شيء اعانه الله وهيا له الاسباب التي تعينه على اكمال العمل، ومن صدق
الله صدقه الله، قال تعالى:( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت
3- البعد عن المعاصي:
فكما ان الطاعات اسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي اسباب للبعد عن الله والطرد من
رحمته، وقد يحرم الانسان رحمه الله بسبب ذنب يرتكبه÷ فان كنت تطمع في مغفره الذنوب
والعتق من النار فاحذر الوقوع في المعاصي في هذه الايام وفي غيرها؟ ومن عرف ما
يطلب هان عليه كل ما يبذل.
فاحرص اخي المسلم على اغتنام هذه الايام، واحسن استقبالها قبل ان تفوتك فتندم، ولات ساعه
مندم.
فضل عشر ذي الحجة
1- ان الله تعالى اقسم بها:
واذا اقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، اذ العظيم لا يقسم الا
بالعظيم، قال تعالى ( والفجر (1) وليال عشر ) . والليالي العشر هي عشر ذي
الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
2- انها الايام المعلومات التي شرع فيها ذكره:
قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمه الانعام) [الحج:28]
وجمهور العلماء على ان الايام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.
3- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بانها افضل ايام الدنيا:
فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(فضل ايام الدنيا
ايام العشر يعني عشر ذي الحجه قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال : ولا
مثلهن في سبيل الله الا رجل عفر وجهه بالتراب( [ رواه البزار وابن حبان وصححه
الالباني]
4- ان فيها يوم عرفه :
ويوم عرفه يوم الحج الاكبر، ويوم مغفره الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن
في عشر ذي الحجه الا يوم عرفه لكفاها ذلك فضلا، وقد تكلمنا عن فضل يوم
عرفه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه في رساله (الحج عرفة(0
5- ان فيها يوم النحر :
وهو افضل ايام السنه عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم (اعظم الايام عند
الله يوم النحر، ثم يوم القر)[رواه ابو داود والنسائي وصححه الالباني].
6- اجتماع امهات العباده فيها :
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر ان السبب في امتياز عشر ذي الحجه
لمكان اجتماع امهات العباده فيه، وهي الصلاه والصيام والصدقه والحج، ولا يتاتى ذلك في غيره).
فضل العمل في عشر ذي الحجة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما
من ايام العمل الصالح فيها احب الى الله من هذه الايام يعني ايام العشر قالوا:
يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، الا
رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) [رواه البخاري].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكرت له الاعمال فقال: ما من ايام العمل فيهن افضل من هذه
العشر قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟ فاكبره. فقال: ولا الجهاد الا ان
يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجه نفسه فيه) [رواه احمد وحسن
اسناده الالباني].
فدل هذان الحديثان وغيرهما على ان كل عمل صالح يقع في ايام عشر ذي الحجه
احب الى الله تعالى من نفسه اذا وقع في غيرها، واذا كان العمل فيهن احب
الى الله فهو افضل عنده. ودل الحديثان ايضا على ان العامل في هذه العشر افضل
من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله، وان الاعمال الصالحه في عشر ذي
الحجه تضاعف من غير استثناء شيء منها.
من الاعمال المستحبه في عشر ذي الحجة
اذا تبين لك اخي المسلم فضل العمل في عشر ذي الحجه على غيره من الايام،
وان هذه المواسم نعمه وفضل من الله على عباده، وفرصه عظيمه يجب اغتنامها، اذ تبين
لك كل هذا، فحري بك ان تخص هذه العشر بمزيد عنايه واهتمام، وان تحرص على
مجاهده نفسك بالطاعه فيها، وان تكثر من اوجه الخير وانواع الطاعات، فقد كان هذا هو
حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم، يقول ابو ثمان النهدي: كانوا اي السلف يعظمون
ثلاث عشرات: العشر الاخير من رمضان، والعشر الاول من ذي الحجة، والعشر الاول من محرم.
ومن الاعمال التي يستحب للمسلم ان يحرص عليها ويكثر منها في هذه الايام ما يلي:
1- اداء مناسك الحج والعمرة.
وهما افضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسر الله له حج بيته او
اداء العمره على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمره الى
العمره كفاره لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة) [متفق عليه].
والحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لم يخالطه اثم
من رياء او سمعه او رفث او فسوق، المحفوف بالصالحات والخيرات.
2- الصيام :
وهو يدخل في جنس الاعمال الصالحة، بل هو من افضلها، وقد اضافه الله الى نفسه
لعظم شانه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: (كل عمل ابن ادم له الا
الصوم فانه لي وانا اجزي به) [متفق عليه].
وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفه من بين ايام عشر ذي
الحجه بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: (صيام يوم عرفه احتسب على الله ان يكفر
السنه التي قبله والتي بعده) [رواه مسلم].
وعليه فيسن للمسلم ان يصوم تسع ذي الحجة، لان النبي صلى الله عليه وسلم حث
على العمل الصالح فيها. وقد ذهب الى استحباب صيام العشر الامام النووي وقال: صيامها مستحب
استحبابا شديدا.
3- الصلاه :
وهي من اجل الاعمال واعظمها واكثرها فضلا، ولهذا يجب على المسلم المحافظه عليها في اوقاتها
مع الجماعة، وعليه ان يكثر من النوافل في هذه الايام، فانها من افضل القربات، وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (وما يزال عبدي يتقرب الى
بالنوافل حتى احبه) [رواه البخاري].
4- التكبير والتحميد والتهليل والذكر:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من
ايام اعظم عند الله ولا احب اليه العمل فيهن من هذه الايام العشر، فاكثروا فيهن
من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه احمد]. وقال البخاري ك كان ابن عمر وابو هريره رضي
الله عنهما يخرجان الى السوق في ايام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها. وقال: وكان عمر
يكبر في قبته بمنى فيسمعه اهل المسجد فيكبرون، ويكبر اهل الاسواق حتى ترتج منى تكبيرا.
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الايام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه
تلك الايام جميعا.
ويستحب للمسلم ان يجهر بالتكبير في هذه الايام ويرفع صوته به، وعليه ان يحذر من
التكبير الجماعي حيث لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من
السلف، والسنه ان يكبر كل واحد بمفرده.
5- الصدقه :
وهي من جمله الاعمال الصالحه التي يستحب للمسلم الاكثار منها في هذه الايام، وقد حث
الله عليها فقال: (يا ايها الذين امنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل ان ياتي يوم
لا بيع فيه ولا خله ولا شفاعه والكافرون هم الظالمون) [البقرة:254]، وقال صلى الله عليه
وسلم (ما نقصت صدقه من مال) [رواه مسلم].
وهناك اعمال اخرى يستحب الاكثار منها في هذه الايام بالاضافه الى ما ذكر، نذكر منها
على وجه التذكير ما يلي:
قراءه القران وتعلمه والاستغفار وبر الوالدين وصله الارحام والاقارب وافشاء السلام واطعام الطعام والاصلاح بين
الناس والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ اللسان والفرج والاحسان الى الجيران واكرام الضيف والانفاق
في سبيل الله واماطه الاذى عن الطريق والنفقه على الزوجه والعيال وكفاله الايتام وزياره المرضى
وقضاء حوائج الاخوان والصلاه على النبي صلى الله عليه وسلم وعدم ايذاء المسلمين والرفق بالرعيه
وصله اصدقاء الوالدين والدعاء للاخوان بظهر الغيب واداء الامانات والوفاء بالعهد والبر بالخاله والخال واغاثه
الملهوف وغض البصر عن محارم الله واسباغ الوضوء والدعاء بين الاذان والاقامه وقراءه سوره الكهف
يوم الجمعه والذهاب الى المساجد والمحافظه على صلاه الجماعه والمحافظه على السنن الراتبه والحرص على
صلاه العيد في المصلى وذكر الله عقب الصلوات والحرص على الكسب الحلال وادخال السرور على
المسلمين والشفقه بالضعفاء واصطناع المعروف والدلاله على الخير وسلامه الصدر وترك الشحناء وتعليم الاولاد والبنات
والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.