ضرب العصا الضرب بالعصا
جيل «تصفق على وجهه ويديه..وما ضرهم» واليوم اي كلمه يشتكي الطالب والحق معه
مازال طلاب مدارس الامس يتذكرون جيدا كيف كانت صرامه معلمهم الذي لا تكاد العصا تفارق
كفيه الغليظتين، كما لا تزال ذاكره بعضهم تستحضر مشاهد العقاب البدني والعواقب النفسيه التي خلفتها
ثقافه “الجلد لكم والعظم لنا”، حينها كان الاطفال الصغار يضطرون الى تقبل لسعات “عود الخيزران”،
دونما ابداء الاعذار ومعرفه الاسباب ومسوغات العقاب، التي استوجبت لدى استاذ الماده او حتى اداره
المدرسه معاقبه هذا الطالب او ذاك.
كانت هيبه المعلم ومدير المدرسه تسبق حضوره الى الفصل، بل ترافقه اثناء “الدوام” الرسمي وخارجه،
اذ لازالت قصص تحاشي طلاب زمان رؤيه مدرسيهم في الشارع او في الاماكن العامه مثار
جدل وصراع بين هؤلاء الطلاب وبين “مواجيب” اعرافهم الاجتماعية، التي تتطلب منهم ضروره الاحتفاء والترحيب
بالمعلم تحت بند “قم للمعلم وفه التبجيلا”، التي لا يذكر الطالب منها الا لسعات “عصي
الخيزران”، و”لطمات القفا”، و”قرصات الاذن”، التي ربما انها صورت له العمليه التربويه بمبدا العقاب قبل
الثواب، والترهيب قبل الترغيب، مما استدعى صوره ذهنيه مغايره لما يطالب به التربويون في زمننا
هذا.
ومن يشاهد المدارس الان يلحظ بشكل واضح ان “هيبه المعلم” قلت عن الماضي، بعد اقرار
منع الضرب في المدارس، الذي ركز على اهميه الحفاظ على “نفسية” الطالب، ولكي تكون البيئه
التعليميه جاذبه اكثر منها منفرة..!.
ترطيب الايادي
كانت العصا جزءا لا يتجزا من تاريخ ذلك الزمان، الذي ما زال ابناؤه يتذكرون جيدا
كيف كان زملاؤهم الطلاب يبدعون الحيل والمقالب لتفادي ما يمكن تفاديه من اثار واوجاع العصا،
التي كانت حديثهم وهاجسهم الذي لا ينقطع، لاسيما حين يضطرون لدهن اياديهم صبيحه ايام الدراسة،
بانواع “المرطبات” و”الكريمات” المعطرة، حتى مع حلول فصل الصيف الذي تقل معه اوجاع العصا وصفعات
القفا، وليس ذلك للرفاهيه وطلب نعومه الايادي، بقدر ما هو تسخين للاكف الصغيرة، التي تتوقع
لسعات “عود الخيزران” من استاذ الرياضيات “سمير” الذي قلما تفارق العصا كفه المستديرة، لاسيما حين
يستعرض معهم نتائج جدول الضرب الذي له من اسمه نصيب حيث مثل شبحا جاثما على
قلوب وعقول ابناء الفصل الذين طالبهم الاستاذ “سمير” بان يحفظوه كما يحفظون اسماءهم.ويسعد الطلاب حين
يغيب استاذ المادة، او حين يحضر الدرس مراقب او موجه من قبل الوزارة، اذ بقدومه
يبدو الاستاذ “سمير” ابا حنونا على طلابه، كما يبدو مدير المدرسه الذي يتشدق بلغته الفصيحة،
ونظارته السميكة، ومعطفه المقلم، ليبادل ضيفه الابتسامات الرقيقة، التي لا يعرفها الطلاب الا حين استلامهم
لشهادات التخرج، او حين مقابله ولي الامر في حال زيارته لمدرسه ابنه، في حين تقتصر
ابتسامه الطالب على وقت الخروج يوم الاربعاء، الذي كان يمثل للطلاب صوره من صور محاسن
الزمان، وحلاوه ربيع العمر، على النقيض من ظروف يوم السبت، التي كان العرب يشبهونها بالرجل
الثقيل في قولهم “هو اثقل من يوم السبت على الصبيان”.
وفي الوقت الذي ظل معه الجدل قائما بين مؤيد ومعارض، مازالت العصا موجوده في كثير
من المدارس، الا انه من الواضح ان نشاطها وسطوتها قد انحسرا عما كانت عليه قبل
قرار المنع، الذي ربما سمح باستخدامها في حدود ضيقه وعلى استحياء من اداره المدرسة، التي
ما زالت تعاني من تاخر ادوارها وعدم مواكبتها لاساليب الترهيب والترغيب الحديثة، وربما ساهمت مع
بدائل اخرى في اعاده هيبه المعلم، حيث ما يزال المعلمون يناشدونها ويطالبون المسؤولين في تفهم
اوضاعهم، ومراعاه عوامل التغير في البيئه المدرسية.