روايه بامر الحب مميزه وكاملة
المقدمة
اجتمعن الثلاثه كالعاده في وقت الغروب فوق سطح المنزل القديم … كعاده كل اطفال هذا
الحي الشعبي …. حيث يصعدون للعب فوق اسطح منازلهم وخاصه مساءا ….
كانت الثلاث صغيرات يهربن كل يوم الى السطح منذ ان تعلمن تسلق السلالم …. جلست
اثنتين منهما ( الاقرب الى بعضهما )
على الحجر الضخم الملقى على السطح ….والذي ظل مقعدهما لسنوات طويله …. حتى اطل عامهما
الحادي عشر معا …. اي اصبحتا على اعتاب الصبا ….فبدات الطفوله تتوارى خجلا بينما تتحرك
احلام ورديه لتحل محلها …..
جلست احداهما والتي تظهر عليها علامات الشقاوه والعفرته وهي ممسكه بدفتر خاص جدا …تسجل فيه
هي وصديقتها كل ما يخصهما بكلمات ذات اخطاء املائيه فادحه … لكن ليس مهما ….المهم
ان تسجلا الامور البالغه الاهميه اليهما……
فتحت الدفتر و علامات الحزم و الجديه باديه على ملامحها الصغيره …….ممسكه بقلمها الرصاص المبري
…..اخذت نفسا ثم نظرت الى صديقتها مبتسمة…. الجالسه بجوارها بوداعه , ضامه قبضتيها في حجرها
……تنظرهي الاخرى اليها بعينيها السماويتين الرائعتين …. و خصلات شعرها النحاسيه الحمراء تتوهج تحت ضوء
الغروب الشاحب …….ترنو بنظراتها الجانبيه المبتسمه اليها و في قلبها وهج يوازي وهج قرص الشمس
الغارقه في البحر
مبتسمه بغمازتيها الصغيرتين … وكانهما تقومان بعمل جلل …. فقالت ذات القلم الرصاص و الخصلات
السوداء المجنونة
(حسنا …. اسمعاني جيدا …. ستكتب كلا منكما من ستتزوج , ….. و سيكون ذلك
عهدا بيننا لنحققه …… )
احمر وجه صديقتها و اتسعت ابتسامتها بينما اطرقت بوجهها ارضا …. فقالت تزفر بنفاذ صبر
( ليس هذا وقت خجل يا نوار فنحن نعرف جيدا من قررت ان تتزوجيه ….
فهيا قوليها الان لنسجل اسمه )
اصبح وجه الصغيره نوار ذات الخصلات النحاسيه الحمراء احمرا هو الاخر كحبه الطماطم …. بينما
ابتسامتها تتسع و غمازتيها تتعمقان لكنها بالرغم من ذلك قالت بوضوح دون تردد
(انا ساتزوج مالك ………)
ابتسمت صديقتها وهي تكتب بكل بساطه … بان نوار ستتزوج مالك رشوان يوما ما ……
ثم رفعت راسها لتناول الدفتر لنوار ذات الخصلات النحاسيه وهي تقول ( هيا امضي بنفسك
……)
امسكت نوار الوديعه بالقلم الرصاصي وهي تكتب اسمها مبعثرا تحت سطرها الخاص …… ثم همست
برقه بابتسامه مترددة
( هل تظنين ان هذا سيتحقق فعلا يا حنين ؟……. )
نظرت اليها حنين بعينيها الشقيتين الحازمتين لتقول بتاكيد
( بالطبع سيحدث …. انت اكثرنا من يجب ان تكون مقتنعه , فمالك يحبك ….الم
تدركي ذلك , انتي مدللته اكثر منا …….. )
عاد وجه نوار ليحمر من جديد ……ببراءه الطفوله المتطلعه لامل رقيق ….. ترمش بعينيها عده
مرات عابسه بغضب زائف بالرغم من السعاده المنتشره بداخل قلبها الصغير …. فقالت متلعثمة
( لا يصح هذا يا حنين …… كفي عن ذلك الكلام الخاص بال …. بالحب
و هذه الاشياء …….. )
زفرت حنين بنفاذ صبر ثم مدت يدها لتبعد الخصلات المتموجه المجنونه الحريريه عن مجال رؤيتها
وهي تقول بثقة
( وما المشكله في قول ذلك ؟…… انا احب اخاك جاسر و ساتزوجه )
لم تملك نوار الا ان تضحك اكثر …..ثم قالت برقه ( اذن هيا اكتبي ذلك
و امضي باسمك تحته ……..)
لم تضحك حنين بل امسكت بالقلم و كتبت بالفعل …. بانها ستتزوج جاسر رشيد يوما
ما ……. وخطت حروف اسمها كنقش تاريخي وكانها تقسم لنفسها بذلك …..
رفعت راسها الى الثالثه التي تكبرهما بعام واحد التي كانت تمشي حافيه القدمين على اطراف
اصابعها في رشاقه خلابه وثوبها الخفيف القصير يتطاير حول ساقيها الطويلتين…. تحاول ان توازن نفسها
على خط وهمي ….. رافعه ذراعيها افقيا على امتدادهما لتتوازن وكانها تسير على حبل بين
السحب ……
( هيا يا حور …. دورك )
للحظات لم ترد حور عليها وهي تتباع خطواتها الساحره ثم التفتت اليها بشعرها الطويل المتطاير
ناظره بعينيها ذات نظره اللوع الفطري نظره تنبىء بالكثير من الميوعه و الدلال ….. وغمزه
شعبيه مسبله الاجفان لا ينجح تعلمها …. بل تسكن عيني صاحبتها بالفطره …….
قالت حور ساخره ( حمقاء حقا انت وهي …….. وكل ما تتمنيانه لن يتحقق ابدا
. الم يحن الوقت لتكبرا )
عبست كلا من نوار وحنين …. وقد نجحت هادمه اللذات في افساد اللحظه المهمه اليهما
….. فقالت حنين غاضبه بينما التزمت نوار الصمت تماما عابسه بشكل مضحك ….
( حسنا فليكن انت لست معنا …….. لكن امنياتنا ستتحقق فلا دخل لك …….)
مطت حور شفتيها بلا مبالاه لكنها قالت بعد لحظه و حاجبها يتراقص بدلال مع عينيها
الملاوعتين
( من قبيل المشاركه لا غير ….. سجلي عندك انني لن اتزوج واحدا من ابناء
هذا الحي …… بل ساتزوج اميرا )
نظرت كلا من حنين و نوار الى بعضهما بملل ….. ثم غمزت نوار الى حنين
الا تعلق حتى لا تنفقع مرارتهما ……
فاكتفت حنين بتسجيل ما يخص حور كاتبه …. ستتزوج حور من سيربيها من جديد ………
و ستنجب سته اطفال يلتفون حول ساقيها الى ان يصيبها الجنون في النهايه …….
سالتها حور بعد ان انتهت ( هل كتبت ما قلته ؟…….)
اومات حنين براسها مبتسمه بسعاده قائله (؛ بالطبع …….)
حين اوشك الظلام ان يحل من بين الالوان المتباعده للسماء … سمعن الثلاثه اصوات اقدام
معروفه تصعد سلالم السطح فلكزت حنين نوار بمرفقها غامزه بعينيها ضحكت نوار بخجل …. لتسارع
حنين بتخبئه دفترهما الخاص في درج الطاوله القديمه ذات الساق المكسوره و الملقاه على السطح
……..
دخل في نفس اللحظه شاب جميل الملامح مبتسم الوجه دائما …… ليخفق قلب نوار كالعاده
باطلاله الصبي ذو السته عشر عاما …. و الذي ينظر اليها وحدها دون غيرها ما
ان يدخل السطح ….. وللحظات تاهت نظرتهما البريئه ببعضهما …. الى ان اقترب من حور
ليجذبها من عنقها بذراعه الي صدره مداعبا اياها بخشونه مبعثرا شعرها …. فصرخت كالعاده بحنق
وهي تتحرر من ذراعيه وحنين و نوار تضحكان كعادتهما …. ليهنا باله وتقر عينه برؤيه
غمازتيها الرائعتين …….
كم احببنه الثلاثه …. حور و حنين …. ونوار …. بلعبه معهن …. بحمله لهن
على اكتافه الرياضيه …. بقصصه التي لا تنتهي عن تلك الدنيا و هن ينصتن مسحورات
بسحره ……
التفاته ….. كل ما يتطلبه الامر التفاته ….. لتضيع حياه شخص . وتموت روح اخر
…. لتنهار الدنيا من امام اعين مصدومه …..
التفاته التفتها ضاحكا يريد ان يخبرهن بما اراد بعد لعبهم الطويل ….. ليصمت دون القدره
على النطق …. على التنفس …. ليتوقف قلبه بينما اتسعت عيناه رعبا وهو يراها تقف
على سور السطح …. رافعه ذراعيها الناعمتين لتوازن نفسها ….. مبتسمه للسماء مبتسمه للاحلام …..
و شعرها النحاسي يتطاير من حول وجهها المنتعش ………
الفصل الاول
يوما اخر من ايام حياتي يبدا …. يوما مسالما رائعا … يوما اخطو خطواته المرسومه
بدقه …. اشعه الشمس الدافئه تغرق وجهي تنبهني ان بدايه جديده قد اهلت عليك فاغتنميها
…… انهضي من فراشك ايتها المتكاسله فاليوم امامك طويل …. باهله و اصحابه … بلحظاته
و نبضاته …..
نهضت حنين من فراشها تتمطع بدلال تمنحه لنفسها …اتجهت الي نافذتها ذات الستائر الناعمه ……….
مبتسمه ابتسامتها الجميله مغلقه عينيها وهي ترفع وجهها الصبوح لاشعه الشمس الساخنه لتغسله بها متنعمه
بتلك اللحظه الخاصه بها من كل يوم ….. ففي جوانب غرفتها البسيطه تحظى بتلك الخصوصيه
التي تتلهف للعوده اليها كل ليله …. بين جدرانها تظهر ……حنين رشوان ….. بكل جنونها
و ثورتها …… لا حنين المسالمه التي يحبها الجميع لبساطتها ….. حسنا …. ليس الجميع
تماما , فهناك من تتمنى خنقها لا تعلم لماذا …
لكن بخلاف ذلك … فهي راضيه تماما عن حياتها , كانت لتكون قاسيه ضائعه لولا
عمها الغالي رحمه الله …. الحاج اسماعيل رشوان …. والذي جلبها الى احضانه بعد وفاه
والديها معا اثر حادثا فظيع اودى بحياتهما في الحال
كانت في العاشره من عمرها حين فقدت والديها ….للحظه عادت اليها ذكريات هذا اليوم وهي
جالسه في احد اركان الغرفه ذات الجدران المتهالكه و القشور المتساقطه ….. في البيت القديم
, بيت الحاج رشوان الكبير , …..والذي كانو يسكنوه قديما , قبل الانتقال الى الحي
الراقي الذي هم فيه الان ………
تذكرت تلك الطفله الصغيره وهي تجلس ارضا رافعه ركبتيها الى صدرها , لا تبكي مثل
هؤلاء النساء المتشحات بالسواد …..قلبها يخفق بعنف و عيناها متسعتان بشده ….. مافهمته هو انها
لن ترى والديها مره اخرى , وهذا هو اول تعامل لها مع الموت ….. تلك
الكلمه التي كانت تعرف معنها الحرفي لكن دون ان تلقي به بالا ….. الى ان
عايشته فجاه و بصدمه منعت دموعها من التساقط حتى …… كان الخوف يفوق الحزن بل
انها تتذكر جيدا ان الحزن كان متواريا تماما بسبب تلك الصدمه الخاطفه ……
والدها الذي تتذكره بتفاصيل قليله ….. الاخ الاصغر للحاج اسماعيل صاحب التجاره المتوارثه ابا عن
جد …….. بينما كان والدها المساعد الامين للاخ الاكبر ….. ما ورثاه عن والدهما الحاج
رشوان لم يكن كثيرا من تلك التجاره البسيطه و قد اختار والدها بيع نصيبه لاخيه
الاكبر, حين لم يملك مهارته في التعامل معها مثله …….. لكن حين انتهى ما ورثه
في وقت ضئيل بسبب ظروف الحياه القاسيه عاد الى اخيه الاكبر ليعمل لديه كمساعد ……
و الحق يقال ان الحاج اسماعيل كان هو السبب في النهوض بالتجاره و القفز بها
درجه درجه ……. الى ان اصبح الحاج اسماعيل رشوان …. بينما ظل والدها في الخفاء
دون تحقيق ما يذكر …..قد يكون تكاسلا ربما او ان هذه هي مقدرته … لا
تعلم تماما …. ..
بعد وفاه والديها والتي كانت وحيدتهما سارع عمها الى ضمها الى اسرته ….. وقد احتضنتها
زوجه عمها كواحده من اولادها تماما , الحاجه روعه ….. نعم هذا هو اسمها روعه
……. فكانت الام الثانيه لها , ….. تتذكر جيدا تلك الايام التي مرت عليها وهي
تحاول التداوي بين اسرتها الجديده , في البيت الكبير القديم و الذي رفض الحاج اسماعيل
بيعه تماما او الانتقال منه ………
الى ان جاء الفقد الثاني في حياتها بعد عام واحد فقط …… بطريقه مفزعه مختلفه
تماما عما سبقتها ……حاله … مجرد حاله حدثت فجاه امام اعينهم الصغيره ……. تركت اثرا
غائرا في كلا منهم الى الان لم يستطيع ايا منهم مداواته ….. ان كانت هي
…او حور …..او مالك …….
لا ….. لا ….. ليس هذا وقت تلك الذكريات الحزينه الان …… لقد تاخرت على
تحضير الافطار ولابد ان زوجه عمها الان ستسارع الى تحضير كل شيء ……..بينما تلك هي
مهمتها كما ايضا الاهتمام بمعظم شؤون المنزل فالحاجه روعه لا تسمح بان يقوم غيرها بشؤون
البيت ….. الا حنين ….. , وهي ليست تتذمر ابدا بل هي تفعل ما تفعله
حبا لعمتها و اكراما لعمها رحمه الله و الذي ستظل تترحم عليه طوال حياتها …….
يكفي ان عاصم قد وافق على عملها والذي لا يتجاوز ساعات قليله من النهار …..على
الا يؤثر ذلك على مساعدتها الزوجه عمها و التي اصبحت صحتها في تراجع مستمر ……..ليست
المساعده عملا مضنيا في وجود سيده و ابنتها رضا …. لا تحتاج اسره رشوان الى
خادمه اضافيه …. لكن زوجه عمها في حاجه لها هى على وجه الخصوص والكل ادرك
ذلك …. حنين هي المتبقيه لها من زمن الحاج اسماعيل نوعا ما , لذا فالكل
اراح ضميره بوجود حنين بجانب امهم ليعوضونها عن انشغالهم …………
و هي لا تريد ترك عملها البسيط ابدا ….. فبالاضافه انها تتحمل نفقاتها الواهيه براتبه
البسيط موهمه نفسها بانها تحافظ على كرامتها بهذا الشكل , الا ان السبب الحقيقي …..
هو وجوده ……..
الرعشه المعتاده ضربت قلبها … حبيب القلب ….. حلمها….. حلمها البعيد المنال ……سبب احزانها و
الامها … ذلك الوغد الذي لم يشعر بحبها يوما ……. بل كما تظن انه لا
يتذكر اسمها اصلا ما ان يغادرها …. في الواقع لم تبدا في رؤيته سوى من
سنه واحده ….
سنه واحده من حب عنيف طاحن ….. من طرف واحد….. طرفها هي ……..بينما الطرف الاخر
يبدو وكان طبقه من الصدا قد صنعت سدا منيعا حول قلبه الاعمى و الذي لا
يراها اصلا ………
تنهدت حنين بياس …….
لازال صدىء القلب كما المعتاد …….لم يحدث اي تقدم يذكر , حتى انه بالامس مر
بجوارها و لم يلقي علي التحيه ككل صباح …… حتى تحيته البارده استصعبها ….. يبدو
انه لا امل …….
توجهت الى مراتها و هي تتطلع الى نفسها طويلا …… هل من الممكن ان يشعر
بها صدىء القلب يوما …….لكن ماذا ان شعر ؟؟….. لا فائده ….. لا يجب ان
تمني نفسها فلتعرفي قدر نفسك يا حنين …. واياك و التعلق بالنجوم …….صدىء القلب يستحق
الافضل …… لانه الافضل ………لكن لماذا هي ليست الافضل ؟….. هل هي انعدام ثقه بنفسها
؟….. ام انه بالنسبه لها الشمس و النجوم ؟…..
نظرت الى نفسها و هي تسالها …. هل انت جميله يا حنين …. ايشفع جمالك
لك …… نظرت الي شعرها الاسود المعقود باهمال في عقده متراخيه خلف راسها ……فرفعت يديها
لتحلها ….. فانساب شعرها كشلال اسود ناعم متموج بجنون وصل الى اخر ظهرها …… لطالما
ظنت ان شعرها هو اجمل ما فيها …..هو الشيء المشترك الوحيد بينها و بين ……..
” حور “……..
لكن شتان بينهما …. لا مجال لمقارنه ستكون خاسره فيها لا محاله …… عادت لتنظر
الي عينيها العسليتين للناظر من بعيد …اما من ييقترب منهما فسيجد شعيرات زيتونيه خضراء تخطط
الحدقتان
نظرت الى شفتيها المكتنزتين …. انهما منتفختين بشكل زائد …. هل يعتبر هذا جذابا ام
انه مضحك ….. لقد قال لها شخصا لزجا في الطريق ذات يوم انهما تبدوان شهيتين
للغايه …… بالطبع احمر وجهها لهذا الغزل الفاحش وتعثرت اثناء سيرها ….. لكنها عادت لتسال
نفسها , هل هما جميلتين ام مثار سخريه ……….هل عينيها جميلتين ام ساذجتين …. هل
نظر الى شعرها يوما ام لم يرها كلها اصلا ؟…….. لا تملك سوى ما يراه
….. لانه لا يعرف ما بداخلها ….. لم يرى ما بقلبها تجاهه …. و تشك
في انه لاحظها اطلاقا ……
لم تهتم يوما بشكلها بهذه الطريقه … لم تتسائل عن مواصفاتها قبل ان تعرفه ……
فهو الوحيد الذي تلهفت شوقا ليمنحها نظرة….. الوحيد الذي طعن قلبها بتجاهلله لها مرارا ….
وحتى انها لم تهتم ابدا بتجاهل الناس لها …… الا هو ……. هو فقط …..عمر
……
عمر بطلها الخفي و الذي يداعب خيالها منذ عام …… لا تعلم لماذا هو تحديدا
… ليس اكثر الرجال وسامه , لكنه بالتاكيد ذو جاذبيه خارقه يلاحظها الجميع …….
اغمضت حنين عينيها بحزن مضني ….. الى متى ستظل معلقه بالسراب ….. اما من سبيل
للتحرر ………ثم عادت لتنظر لنفسها بدفقه الامل المعتاده التي تاتي بعد لحظه من شعور الياس
…. وهمست لنفسها بتحدي
لن تبداي الياس الان …… سيشعر بك صدقيني , انت فقط تحتاجين الى المهاجمه بدلا
من الاكتفاء بدور المتفرجه و الذي لعبته طويلا………….
ثم تحول الهمس الي كلام واضح وهي تخاطب صورتها في المراه ….وعينيها تحدتدان ببريقهما المجنون
المختبء خلف واجهتها الهادئه و التي حاولت جاهده رسمها طوال السنين
( بيدك ان تحولي السراب الى حقيقه ….. ومن هو حتى لا يراك ؟….. انه
مجرد شخص بالغ الجاذبيه ….شديد الرجوله …. عميق الصوت …. قوي البنيان و الشخصيه …..
عيناه ذات سحر احمق … حتى حواجبه ….. يالهي لديه حواجب من اروع ما رايت
……سميكه حاده وكانها مرسومه …. تكمل نظرته ليبدو كالصقر ….. استطيع المتابعه الى مالا نهايه
… لكن ليست تلك نقطتنا الان ……. النقطه الاساسيه في الوضع ان تنتزعي طبقه البلاهه
الفطريه التي تصيبك ما ان يقترب منك ….. تعقلي فانت في الخامسه و العشرين ……
لست مراهقه …. ماذا ان مر بقربك شاب رائع …… عادي جدا …. مجرد رائع
في قوافل الرائعين …..لكن مع ذلك في النهايه يظل رجلا …. )
قطعت كلامها وهي تخفض كتفاها احباطا ثم تتابع بقنوط هامسه ( خرافي …… )
تركت مراتها و ذهبت لتجهز نفسها فلو تركتها على هواها لن تكف عن محادثه صورتها
في المراه ككل يوم …..متبحره في جمال سيادته ……..
فارتدت ملابسها المعتاده و المكونه من بنطالها الجينز و الستره الرياضيه التي تعلوه …. ثم
جمعت شعرها في عقدته المعتاده …. لتنتهي بوضع نظارتها المعتاده …… نظرت الى نفسها في
المراه بحنق وقالت وهي تمط شفتيها كام تؤنب ابنتها
( استمري في ارتداء هذه الملابس …..ثم قابليني ان عبرك او القى اليك نظره )
زفرت بغضب وهي تعد نفسها بان غدا هو يوم ارتداء ثوبا كباقي المصنفات كفتيات ثم
اتجهت لتحضر حاسوبها المحمول و حقيبتها….
خرجت حنين من غرفتها الموجوده في الطابق الثاني من منزل اسماعيل رشوان المبهر في روعته
من الخارج فقط ……. اما في الداخل فهو يبدو اقرب قليلا للبيوت البسيطه حتى يكاد
ان يكون شعبيا ….. بسجاده الامر قديم الطراز …. النجف المبهرج و المتدلي من كل
مكان تقريبا في المنزل …… اللوحات الفنيه الرخيصه التى تزين الجدران …. حتى ان بعضا
منها كان عباره عن لوحات كانافا لقطط و بطات مشغوله يدويا ليد ام حانيه شعبيه
الذوق ……. ثم قام احدهم ببروزه هذه اللوحات باطارت غاليه الثمن مذهبه لتنتشر على جدران
اروقه المنزل ………
كانت حنين تسير في الرواق الطويل حتى سمعت من اوله صوت الموسيقى الشرقيه الصاخبه و
التى تنبعث كل يوم في نفس الموعد ….. من نفس الغرفه …… غرفه حور ……
اكملت حنين سيرها حتى وصلت الى الغرفه ذات الباب المفتوح جزئيا …… فتوقفت و نظرت
من على بعد …….. كانت تتمايل بخصرها على النغمات الشرقيه التي توازيها سحرا …….عقدت حنين
حاجبيها وهي تتاملها صامته ….انه العرض اليومي لحور في الصباح … لو كان بيدها لكانت
نامت حتى وقت الظهيره … لكن القرار الوحيد الذي اصر عليه اسماعيل رشوان في هذا
المنزل هو ان يستيقظ الجميع في وقت واحد قبل اتجاهه الى العمل حتى يتناول الجميع
الافطار سويا …. نظرا لانه لم يكن يعود هو و ابنه الهمام عاصم الا في
وقت متاخر من الليل …….
لذا فقد اصر الحاج اسماعيل على رؤيه ابنائه صباحا من كل يوم …. فبهذا يعتقد
انه قد لم شمل تلك الاسره المشتته ……ومن بعد وفاته واظب عاصم على نفس العاده
…… ومن يجرؤ على مخالفه عاصم رشوان ……
من يصدق ان ذلك القوام المتمايل قد حمل طفلا يوما …. و اما شعرها فهو
ليله طويله سوداء يصل الى خصرها بنعومه قاتله كحد السيف ….. و بالرغم من ان
حنين و حور قد تشاركتا في الشعر الاسود الخلاب …. الا ان حنين ترى فارقا
ضخما بين شعريهما …. لا تعرف ما هو هذا الفارق …. قد يكون لانه مجرد
شعر حور ؟؟….. لا تعلم حقيقه …..ها هي قد عادت لنفس النقطه …. كيف تبدو
؟…..
حور رشوان ….. في السادسه والعشرين تكبرها بعام واحد…. منفصله ( على وشك الطلاق منذ
سنتين) ولديها طفل في الثالثه …. معتز …… احب افراد هذه العائله الى قلب حنين
……
حور لازالت الى الان مثار اعجاب كل مجتمع تذهب اليه او تختلط به …….انها حاله
غريبه من الاغراء و الانوثه و العذوبه و الدلال الملاوع ….. منذ صغرها وهي قادره
على لف من تريد حول اصبعها بغمزه …. بحاجب يتلاعب مع نظرتها اللعوبه ……
اختلطو جميعا ليكونو تلك المخلوقه الراقصه امامها وهي مغمضه عينيها ولا تشعر بما حولها ……
رنين اساورها الذهبيه له مفعول السحر ليكمل تلك الصوره الحيه امامها …. بالرغم من ان
حور خريجه احد اعرق المدارس الخاصه في البلد و اتقانها لعده لغات حيه …. ملابسها
على ارقى مستوى وتواكب احدث صيحات الموضه ….. الا ان سحرها الخاص يتمثل في بعض
الرتوش الشعبيه المتوارثه ….. مثل رنين الاساور الذهبيه التي تصر على ارتدائها …… ضحكتها الرنانه
التي تتنافى مع مجتمعات النوادي الراقيه و افراد الطبقه المخمليه التى تخالطها ….الوان ملابسها الصاخبه
الحارقه …. حركه حاجبها المتلاعب اثناء كلامها …. حركات يديها المتراقصه مع كل كلمه وكل
نظره …… العجيب في الامر ان لا احد يمتعض منها ابدا …. الجميع يسحرون بها
و طبيعتها التى لا تميل للتمثيل في اي شيء …..وكانها ادركت ان اسلوبها الشعبي الفطري
هو سر انجذاب الكل اليها …. فاتقنته و زادته لفا ولوعا ………
نعم ….. ان كانت حور تتميز بشيء واحد , فهو انها منطلقه على طبيعتها ,
لا تتصنع ابدا لكنها تضيف المزيد و المزيد من طبيعتها حتى باتت حاله خاصه مسماه
.. حور … لا يقمعها شيء … لا تهاب اخر……….
ماعدا ذلك الضباب الاسود الذي غطى روحها منذ ذاك اليوم …… انطفا بداخلها شيئ و
كانها تدور كالمهووسه في الدنيا تبحث عن شيء ولا تجده ……. توهم من حولها بانها
مسيطره على نفسها تماما , بينما بداخلها ضياعا لا يراه او يفهمه الا حنين ومالك
…… اما عاصم فلا يرى ابعد من تهورها الاهوج لذا يعاملها بقسوه توازي قوه ذلك
التهور
قالت حنين بصوت عال ليعلو فوق صوت الموسيقى الصاخبه ( صباح الخير يا حور ………)
لكن حور كعادتها كل صباح لا تكترث للرد …… وهي تتابع تمايلها الخلاب مغمضه عينيها
……..
تحركت حنين بتذمر وهي تترك التحليل اليومي لطبيعه حور المحيره ……ثم اتجهت تلقائيا الى تلك
الغرفه الحبيبه الي قلبها ….. غرفه ذات رسوم كرتونيه على الحائط الازرق و الاخضر ……
اين هو الصغير الحبيب …… ها هو يجلس في نفس الركن الذي يحبه من الغرفه
……. لا احدا يعلم ابدا سر اختياره لهذا الركن تحديدا ….. فهو يجلس فيه معطيا
ظهره للغرفه … ناظرا الى الحائط …..
ابتسمت حنين الى المربيه الخاصه التي تلازم معتز منذ عامين ……ثم دخلت حتى وصلت اليه
و هبطت لتتربع بجواره ككل صباح
انحنت لتقبل وجنته وهي تلاعب شعره الاسود الناعم
لم يتحرك معتز ولم ينظر اليها …. الا انه بدا في الاستجابه المعتاده عند احساسه
بحنين… فقد اخذ في التمايل الى الامام و الخلف .ناظرا اليها مبتسما قليلا …
شعرت حنين بغصه محرقه في حلقها فضمته بشده الى صدرها ككل يوم ……. فهو يشعر
بها ويفهمها ….
اخذ معتز ينادي اسم حنين باشاره يده و التي علمته اياها ……..فابتسمت حنين و ردت
عليه ردا مطولا باصابعها … قد لا يفهم معظم ما تقوله , لكن بالتدريب سيستطيع
…………
ظلت تلعب معه وتغني له بيديها العشر دقائق التي تخصصها له من كل صباح ….
وهي تشعر بتانيب الضمير لان بامكانها ان تقضي معه مزيدا من الوقت ……..لكنها تنشغل عنه
دائما …..فما ان تعود من عملها تضيع في واجبات المنزل …. فياتي موعد نوم معتز
قبل ان تستطيع الذهاب اليه ….. لكن ذلك لا يمنع ان في معظم الايام تحاول
جاهده انجاز ما عليها بسرعه لتذهب الى غرفته قبل نومه و تحكي له قصصا مرتجله
من مخيلتها وهو مختبىء في احضانها ……….
نهضت على مضض وهي تبتسم له بحزن مودعه فالواجبات الصباحيه لن تنتظر…….. وهي لا تريد
استفزاز عاصم المتذمر اصلا من عملها …….. بدعوى انها لا تحتاجه و ان كل طلباتها
مجابه ….. لكن السبب الحقيقي هو ان الحاجه روعه لا غنى لها عن حنين ……
نزلت حنين الدرج بسرعه قافزه كل درجتين معا الى ان اصطدمت بالكائن الضخم الذي يلوح
لهم في المنزل كل صباح فقط …..
عاصم رشوان …… الاخ الوسيم و الحبيب الغالي لامهم دون منافس ……..بالرغم من سنوات عمره
الثلاثه و الثلاثين ….. الا انه لا يزال مدللها الاول …… لكن الحق يقال ان
هذا الدلال لم ينقص من رجولته يوما …… فعاصم رشوان مثال الرجوله الخشنه , وهذا
ليس اطراءا ….فياليت دلال امهم كان منح قلبه الجليدي بعضا من الرقه او الحنان …..
عاصم رشوان من اشرس مقاولين سوق المعمار ….. لا يرحم ابدا ….. في ظرف سنوات
قليله كان السبب في زياده ثروتهم الى ما وصلت اليه الان بعد ان اقنع والده
بالبدء في اعمال المقاولات والمعمار بالاضافه الى التجاره القديمه ….. بالرغم من ان الحاج اسماعيل
رشوان كان قد كون ثروه لا باس بها , الا ان عاصم رشوان كان له
نصيب الاسد في الزياده الاخيره ….
صحيح ان لا غبار على سمعته لكن شراسته و قساوه قلبه كانت السبب في القفز
فوق المنافسين …. ان لم نقل دهسهم ……..لكن كلا بالقانون ……..
نظر اليها عاصم بغضب بعد ان اصطدمت به مبعدا نظره عن الاوراق التي كان ينظر
اليها وقال بفظاظة
( انظري امامك يا حنين …. وكفي عن احلام يقظتك ……….)
ثم تركها و اكمل طريقه واصابعه تتلاعب بحبات السبحه التي يمسك بها ……بينما يعاود النظر
الي الاوراق في اليد الاخرى ….
سبحه عاصم رشوان ……السبب الظاهري لكل الخلافات بينه و بين خطيبته الموقره دانا ….. ابنه
الحسب و النسب و التى كان ارتباطها بعاصم هو اعظم ارتباط بين المال و السلطه
….
لكن الخلافات الجوهريه بين عاصم ودانا اصبحت تصيب الجميع بالملل … لكن بالطبع ليس هناك
من امل في فسخ الخطوبه … بالنسبه له ….عاصم لن يسمح حتى بالتفكير في الموضوع
….. كما انه يعاملها بطريقه تجعلها تلهث خلفه …….
و اخر كل خلاف يتحدد ان دانا تريد عاصم ان يتخلى عن الامساك بالسبحه التي
لا تلائم وضعه بين معارفها ….. لكن عاصم لم يستسلم و لم يترك سبحته …..
فهو ان كان يتميز بشيء واحد ….. فهو انه تماما كحور لا يتصنع شخصا غير
شخصه ……
ولا تعرف كيف من الممكن ان تنجح حياته مع تلك المدعوه دانا والتي لم تتوانى
عن افهامها قدرها جيدا في هذا المنزل …. لذا فهي تحاول تجنبها … فمكانه دانه
كزوجه عاصم المستقبيله …. مكانه لا تمس …. لذا يجب ان تاقلم نفسها على عدم
تجاوز حدودها التي تعرفها جيدا ………..
همست بفتور وهي تنظر اليه ( صباح الخير لك ايضا يا عاصم ……….) لكنه طبعا
لم يسمعها , او لم يهتم …… تنهدت وتابعت نزولها لكن بعد عده درجات سمعت
صوته يقول بهدوء
( صباح النور يا حنين ……….)
التفتت اليه لتجده يتابع صعوده دون ان ينظر اليها ……..تفكر في نفسها بوجوم ……….
هل حزنت حين دخل عاصم المنزل يوما ليعلن بمنتهى الهدوء انه قد وجد شريكه الحياه
المستقبليه ؟……….
ربما ……… لا تعلم حقا لماذا المها هذا الموضوع , كانت طوال سنوات تواجدها في
هذا البيت , لا تسمع من زوجه عمها سوى كلمة
يا زوجه ابني البكر ……. وترى ابتسامه عمها المصدقه على اللقب ……. لم تكن تظن
نفسها يوما من النوع العاطفي ….. لكنها كانت مقتنعه بان عاصم هو قدرها ….. قدرها
المناسب تماما لاعطاء الصبغه الرسميه لوجودها هنا بين اسرتها الوحيده التي لم تعرف غيرها …….
عاما بعد عام ,كان الحرج يستبد بها اكثر …..من وجودها بينهم دون مقابل …. لذا
كانت تحاول جاهده ان يكون المقابل هو تفانيها في خدمه الجميع ….. حتى تحولت تلك
الخدمه الى امر مفروغ منه ……
لكنها لم تكن مستاءه ابدا … بل على العكس كانت تفعل بكل حب لكل فرد
من افراد اسرتها ….. منتظره زوال الاحراج نهائيا بزواجها من عاصم فيصبح بيتها عمليا ككل
فرد هنا …. لم يكن ذلك الزواج المرتقب ليكون مكلفا لها سوى في ان تنتقل
من غرفتها البسيطه الحبيبه …. الى غرفه عاصم ….. لطالما ظنت ان الامر ما كان
ليكون صعبا ابدا ……لكن حين اعلن عاصم نيته في الخطبه , ابعد بذلك فرصتها الاخيره
في الحياه بكرامه في هذا المنزل ………
حين نزلت حنين الى طاوله الطعام المهيبه ……. وجدت مالك ….. اخاها الحبيب قبل ان
يكون ابن عمها …… التفت اليها ما ان سمع صوتها فنظر اليها مبتسما يقول برقة
( صباح الخير حنونه ……… )
نظرت طويلا الى عينيه المنطفئتين و المبتسمتين ….فابتسمت بشقاوه لترد عليه
( صباح النور يا مالك ……..دائما مبكرا )
ابتسم مالك وهو يومىء براسه قائلا بتشدق ( بالتاكيد يا راس الوخم ….. فانا لست
مثلكما انت و سيده الصبايا …. )
امتعضت حنين هي تريح كتفها من حقيبه حاسبها لتضعه على الكرسي المجاور لتقول بتهكم
( لا تجرؤ على ان تقارنني بالفنانه …. فانا مستيقظه منذ زمن )
قال مالك مبتسما ( واين هي ؟ ……..الم توقظيها ؟….)
مطت حنين شفتيها وهي تنظر اليه رافعه حاجبها دليل الاستهزاء و هي تهز كتفيها و
ذراعيها في حركه راقصه لتعلمه بما تفعل حور ككل يوم في هذا الوقت
لم يملك مالك نفسه من الضحك على منظر حنين و هي تخبره دون كلام بما
تفعل حور ….. ثم سال
(العرض اليومي ؟……..)
اومات حنين براسها ….. ثم قالت بحنق ( اشتهي مره انزل لاراها قد سبقتني الى
المطبخ ولو من باب المجامله ….. على الاقل لتتعرف على تلك الغرفه المجهوله بالنسبه لها
……… )
قال مالك بخفه ( لا اريد النصح فيما لا اعرف ….. لكن على ما اتذكر
ان حور اوشكت يوما على ان تحرق المنزل بساكنيه ذات يوم …. وكانت فقط تقوم
بقلي البطاطس ……… )
شردت عينا حنين الى ذلك اليوم التاريخي …. ففكرت وهي تومىء براسها ثم قالت بعد
تفكير عميق
( نعم …. معك حق , …… اذن فلنمحي تلك الامنيه المتعلقه بدخولها المطبخ ……
حياتنا اهم من القيمه المعنويه للمشاركه …. الرقص افضل لنا )
اوما مالك براسه غامزا وهو يقول ( ها قد الزمتك الحجه ……….)
قالت حنين تمط شفتيها ( نعم مالك …… اشكرك على الافاده العميقه )
فقال مالك برقه ( هلا دخلت الى امي وكففت عن الثرثره ….. لقد تعجبت من
تاخرك في النزول اليوم )
ادت حنين التحيه العسكريه وهي تقول اثناء توجهها الى المطبخ (ذاهبه على الفور ………سيد مالك
)
ها هي الحاجه روعه مثال لشكل الام التقليدي بجسدها الممتلىء قليلا و شالها الملفوف حول
راسها و وجهها الحاني المبتسم …. ونظاراتها الحنونه ….جائت حنين من خلفها لتحاوط خصرها الممتلىء
بذراعيها … و تقبلها على وجنتها فشهقت زوجه عمها بفزع وهي تضع يدها على صدرها
…. ثم قالت تضحك
( الن تكفي عن شغبك هذا ابدا ……….لقد كبرت يا حنين )
قالت حنين وهي تتمتع باحتضانها ككل يوم ( ولو صار عمري سبعين ….. ساظل طفلتك
دائما )
تنهدت الحاجه روعه و قالت مبتسمه بحنان ( ومن سيكون حيا وقتها …… فليعطك العمر
الطويل يا ابنتي )
انقبض قلب حنين وهي تسمع صوت الفراق من جديد … لكنها رفضت الاستسلام له …..
هذا اليوم سيكون سعيدا و هي قادره على ذلك
فقالت بتصميم ( كفى كلاما وهيا الى العمل ….. نريد ان نطعم الشعب الجائع )
شمرت حنين كمي سترتها وهي تضع براد الشاي على النار متجاهله مسخن الماء الكهربي ….
فالحاجه روعه مؤمنه بان طعم الشاي لا يكتمل ولا يضبط المخ الا حين يعد في
البراد …….
و اثناء خفقها للبيض …. سمعت حنين صوت مربيه معتز تهتف غاضبه و صوت خطواتها
يضرب السلالم …… فرفعت راسها وهي تعقد حاجبيها بفزع ناظره الى الحاجه روعه المفزوعه هي
الاخرى …… فهتفت حنين بخوف
( ليس مجددا ………)
ثم تركت ما بيدها وهي تخرج من المطبخ جريا ….. ولديها فكره واضحه عن المشهد
الذي ستراه و بالفعل ما ان خرجت حتى لمحت طيف معتز الصغير و هو يجري
عاريا مبللا بالماء بعد استحمامه ,بسرعه لا تتناسب مع خطواته المتعثرة
فزادت حنين من سرعه جريها عبر بهو المنزل الكبير وهي تراه بفزع يخرج من بابه
المفتوح دائما لا تعلم لماذا …. لطالما اخبرتهم ان الوضع قد تغير ولا احد يترك
ابواب البيوت مفتوحه هكذا مثل الزمن الزمن القديم و خاصه في وجود طفل …..
صرخت حنين بفزع وهي تلحقه مع المربيه الراكضه خلفه
( يالهي ….. سيبرد ان خرج مبللا في الهواء )
لكن هيهات ان يسمعهم معتز الذي تمكن من الوصول الي الباب قبلهم و خرج منه
الي الحديقه …… وكانت حنين خلفه في لحظه واحده وتمكنت من التقاطه في احضانها وهي
تكبل حركته منحنيه عليه و شعرها الاسود الطويل المفكوك من ربطته بسبب الجري يتطاير من
حولها بجنونه ليكمل من جنون المشهد المجاني في الحديقه صباحا …..
حملت حنين معتز الذي كان يضرب بساقيه معترضا متلويا يريد ان يكمل طريقه الى خارج
الحديقه من بابها المفتوح بكل غباء ساكني المنزل الذين يظنون انفسهم لازالو يسكنون الحي القديم
حيث الابواب تترك مفتوحه للجيران عاده …..
كانت المربيه قد وصلت الي حنين في تلك اللحظه لاهثه وهي تلف معتز بالمنشفه المزغبه
البيضاء من راسه الى اقدامه …فرمقتها حنين بغضب وهي تلقي على راسها باللوم بينما المربيه
تتلعثم وتخبرها انها ما ان تستدير لتاخذ ملابس معتز اثناء استحمامه حتى يغافلها ليخرج من
الحمام جريا منذ ان تعلم نزول السلم ……
عادت حنين تصعد الدرجات القليله امام باب البيت لتدخل حامله معتز الملتف بالمنشفه في احضانها
……. و الحاجه روعه تقف في الباب مرعوبه من ان يكون معتز قد التقط البرد
…….
و وصل مالك حينها ليلتقط معتز من بين يدي حنين ليرفعه عاليا وهو يضحك قائلا
( ستتسبب في اغماء الفتيات من بنات الجيران بما تفعله كل مره ……..)
قالت حنين بغضب و نفاذ صبر ….. ( هذا ليس مضحكا يا مالك ….. فلندخل
قبل ان يمرض ).
ابتسم وهو ينظر اليها بجنونها و شقاوتها ….. تجري خلف طفل ضاحك عاري تماما ….
عيناها تبرقان غضبا … و شعرها الهمجي يسرح من حول راسها بفوضى محببه ….. اتسعت
ابتسامته وهو يراها تنجح في مهمتها المنشوده و تقبض على الصغير العاري بغير تهذيب …
عيناه تبرقان في مضاهاه لبريق عينيها … شاردتان فيها و شفتاه منفرجتان قليلا بنفس خافت
…..
ودون وعي منه اخذت يلامس بابهامه .. الخاتم الفضي الملتف حول اصبع الوسطى …. راها
تبتعد حامله الطفل بين ذراعيها وهو متعلق بعنقها ملتفا بمنشفته ….. للحظه اراد ان يساله
عن عطر عنقها الطويل ….
عاد ليلف الحلقه الفضيه المنقوشه حول اصبعه …..هامسا بحركه شفتيه دون صوت ….. خطيبتي ……زوجتي
!!
ثم وعت عيناه لاختفائها عن عينيه فابتسم اكثر وعيناه تلمعان محركا سيارته الواقفه على الصف
الاخر من الطريق امام منزلهم , لينطلق بها ناهبا الارضا بصوتها العالي …….
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………….. .
كان الافطار تماما ككل يوم …..عاصم يقرا اوراقه او ينظر الى هاتفه الخاص ……. الحاجه
روعه منشغله باضافه اشياء مختلفه الى طبق كلا منهم …. حور تتلاعب بمحتويات صحنها عينيها
تسبلان بشرود في البعيد … ……مالك ينتاول طعامه بهدوؤه الذي يجعل هذا العالم مكانا افضل
بوجود امثاله …….
بينما تظل حنين تراقبهم في صمت …… تهوى قراءه ما بداخل كلا منهم …….. دون
ان يستطيع احدا منهم قراءه ما بداخل الاخر …..وبالطبع قراءه ما بداخلها ……..
التفت اليها عاصم ليقول بصرامة
( هيا ياحنين لاخذك معي ……)
هزت حنين راسها نفيا دون ان تنظر اليه وهي تقول بحذر ( لا …. ساستقل
المواصلات ) اوشك على ان يسمعها بعضا من حماقته المعتاده لكن مالك امسك بذراعه وهو
يقول برفق
( اتركها يا عاصم …. فلتفعل حنين ما تحبه )
ابتسمت حنين وهي تنظر الى مالك الحبيب بامتنان و الذى بدوره ابتسم لها ….. فلوحت
له وهي تجري الى الباب يرافقها صوت عاصم من خلفها يقول بغضب
( لا افهم لماذا تصر على استقلال المواصلات العامه …….الن تكف عن مظاهر الكفاح تلك
؟….. ماذا تريد ان تثبت , وماذا سيقول عنا الناس ونحن نتركها تستقل المواصلات العامه
بينما نمتلك اكثر من سياره )
لكن حنين كانت قد اغلقت الباب خلفها دون ان تسمع رد مالك …..وكان سببها الحقيقي
الا يراها عمر فيظن انها مرتبطه , خاصه وانه ان سال فسيعرف بان لا اخوه
لديها في الواقع ….. وهي تريد ان تمنحه كل الظروف الملائمه ليتقدم بالخطوه الاولى ……..
املا واهيا جديدا يليق بمراهقه …. لكن اليس هذا هو الحب ؟….. يجعل الجميع مراهقين
……….
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………
اثناء مشيها اليومي المعتاد الى محطه الحافلات … و ما ان خرجت من حيهم الراقي
و دخلت الي الطريق العام حتى سمعت صوت اقدام خلفها … ارهفت السمع وهي تتباطا
فتتباطا معها الخطوات التي كانت لاهثه خلفها …. لم تمنح نفسها الفرصه للخوف فليس هناك
ما يخيف …. الشارع مكتظ في هذا الوقت من النهار و لا سبيل لاحد ان
يقوم بشيء متجاوز …. لا بد انه شخص يسير خلفها بالصدفه …. لذا اخرجت الامر
من بالها وهي تعود الى الاسراع في خطاها ….. لتجد ان الخطوات تسرع خلفها من
جديد …..
الان بدا قلبها يخفق خفقه زائده …….الي ان سمعت صوتا يهمس من خلفها و الذي
اقترب كثيرا من اذنها دون ان تدري
؛(اتعلمين انك جميله ؟………..)
اشتعلت غضبا وهي تتاكد انه مجرد سمج ممن لا عمل له على الارجح الا ان
يستيقظ من يومه صباحا ليضيق على الفتيات حياتهن و كان هذا هو ما ينقصهن …….
سمعت همسه اخرى منه وهو يلهث خلفها
( مقوماتك في هذا الجينز تبدو …………..)
حينها لم تتمالك نفسها و هي تلتفت اليه وقد فارت بداخلها النزعه الغير متحضره القديمه
….. و تناست تماما التصرف كاي انثى محترمه خاصه و هي متاكده تماما ان الحركه
التاليه له ستكون مد يده ….. لذا سبقته هي قبل ان يفعلها و مدت يدها
دون تفكير لتصفعه بكل قوتها صارخه بكلمه قديمه من ايام الحي الشعبي …….
للحظه لم يصدق نفسه وهو ينظر الى تلك القصيره امامه والتي صفعته للتو ….. والتي
لم تمنحه الفرصه ليفعل شيء بل قفزت في اول سياره اجره مرت امامها في تلك
اللحظه كانقاذ من السماء ……
صفقت الباب خلفها وصدرها يخفق بانفعال …… عاقده حاجبيها بغضب , لو كان هذا السمج
قد فعل فعلته في حيهم القديم لربما كانو الرجال قد طحنوه بسبب ما قاله ….
فهي تتذكر اشياء مشابهه من هذا القبيل فيما مضى …..
اخذت نفسا عميقا وهي تحاول ان تنسى هذا الموقف السخيف كله ……. لكم تمنت لو
كان عاصم موجودا معها على غير العاده ….. فهو لا يتفاهم …… يفكر بقبضته اولا
ثم يسال عما حدث …… ابتسمت وهي تهدا قليلا متخيله هذا الموقف و عاصم يتصرف
معه ……
كان لا يزال واقفا وهو يغلي حنقا من تلك القزمه التى ضربته و هربت ….
استدار و هو يتوعدها في سره …… لكنه اصطدم بصدر صلب ضخم ….. رفع راسه
ليواجه عينين شرستين بريقهما غريب مريب ….. لكن بملامح جامده كالصخر
ارتبك للحظه ثم قال بسفاقه ( ماذا تريد يا هذا ؟…… ابتعد عن الطريق )
حاول ان يتفاداه ليمر لكن ذلك الجدار لم يتزحزح وهو يسد عليه الطريق ….. فرفع
السمج راسه استعدادا للشجار لكن نبره هادئه صدمته
( هل تعرف ماذا فعلت للتو ؟………….)
عقد السمج حاجبيه وهو ينظر بريبه الى ذلك الغامض امامه و الذي تابع بنفس الهدوء
( لقد تحرشت بزوجتي ……………)
اتسعت عيناه خوفا ناقض ثقته المقززه التي كان يتحدث بها منذ لحظات …. وتابع الجدار
كلامه مبتسما قليلا دون مرح
( وهذا عندنا ليس له سوى تصرف واحد …………..)
وفي لحظه خاطفه امسك بقبضتيه الضخمتين بمقدمه قميص السمج ليبعد راسه الي اقصى الوراء ….
ثم يعود بها بمنتهى السرعه لينطح بجبهته جبهه السمج المذهول ….. او بمعنى اصح الذي
كان مذهولا قبل هذه النطحه …. والتي سقط بعدها ككومه على الارض …..
نفض الرجل يديه ثم ركل ساق المتكوم امامه ليعبر من فوقه وسط ذهول المتجمهرين ممن
بداو في التجمع حول ما يحدث …….. و في لحظه اختفى ……….
………………………………………….. ………………………………………….. ……………………………………..
سارت الى داخل مقر عملها و الذي تخصصت فيه كمصممه رسوم متحركه ….. مطرقه براسها
كالعاده بعد ان حيت حارس الامن بايمائه وابتسامه ودوده …… سارت الي المصعد لتقف عنده
منتظره ….. عيناها متعلقتان بارقامه ……
الى ان سمعت وقع الخطوات الرزينه من خلفها …… كيف يمكن لصوت خصوات هادئه على
الارض الناعمه المصقوله ان يكون لها تاثير مدوي بداخل قلبها ….. خطوه …. خطوتين …..
ثلاث خطوات …… ثم العطر الصادم المميز ….. نعم …. انه هو ….. تستطيع تمييز
خطواته دون ان تراه ….. و قف خلفها مباشره …..و سمعت الصوت العميق الرنان وهو
يقول
( السلام عليكم ……..)
ردت عليه بكلمه لم يسمع حروفها حقا …… دون ان تلتفت حتى …. ان التفتت
الان فستفضح نفسها بوجهها الذي يكاد ان ينفجر الان من شده سخونته …. يالهي ماذا
اصابها … انها ليست مراهقه لتشعر بمثل ما تشعر به الان …….
سيستقلان المصعد معا ؟؟؟…… انها على وشك الاغماء من شده الدوار التي اصابتها …… ليست
المره الاولى التي يستقلان المصعد فيها سويا … وكل مره تبدو اكثر حماقه من المره
التي سبقتها … مره تتعثر ومره تسقط ما بيدها …..ومره خطت فوق قدمه وهي تسبقه
للخروج بسرعه , بالرغم من انه كان يحاول ان يفسح لها الطريق لتتقدمه ……..
زفرت بصمت وهي تفكر بالتظاهر بانها نسيت شيئا ما لتهرب من هنا …. الا ان
وصول المصعد قطع عليها خطتها و هو يفتح ابوابه …..ظلت متسمره مكانها لا تعرف كيف
تتصرف … الى ان جاء الصوت العميق من خلفها يقول بما يشبه التسلية
( تفضلي ….. انت اولا )
استطاعت بوضوح سماع تلك التسليه المختلطه بصوته الرزين ….. هل تذكر ذاك الموقف وهي تدهس
قدمه و كانها طفله حمقاء مصصمه على الخروج اولا ……. لا تعتقد انه يتذكر اي
شيء يخصها ……
اخذت نفسا عميقا وهي تحاول جاهده السيطره على عضلات جسدها التي تبدو على وشك التفكك
……دخلت متثاقله و كانها تمن عيه بدخولها ….. ثم لم تجد بدا من ان تستدير
ما ان دخلت …. ليقع نظرها عليه ……..
للحظات توقف الوقت كالعاده ……. و طافت عيناها الحنونتين بحنين دافىء فوق ملامحه القريبه الى
القلب ……انه طويل .. جذاب جاذبيه رجوليه خارقه …..عيناه ….. عيناه حين تصطدمان بعينيها تبدوان
كلحن يسافر بها الى البعيد ……. للحظه واحده تعلقت عيناهما …. للحظه واحده تلكئت عيناه
لا تبتعدان ككل مره …….ثم انخفضت العينان العسليتان لتمسحا وجنتيها الحمراوين …. انتفضت بشده وهي
تشعر و كانه قد لمس وجنتيها بالفعل ….. اطرقت براسها سريعا وهي تحاول جاهده التنفس
دون جدوى …. وفي احدى محاولاتها لاخذ نفسا عميقا سعلت بشده … تبعتها عده شهقات
متتاليه ……..حتى دمعت عيناها , فمدت يدها لتبعد النظاره عنهما …….
شعرت به يقترب منها خطوه …. فالتصقت بمراه المصعد و سعالها يزداد بغباء ….. وما
كاد ان يوقف قلبها هو انحنائه اليها قليلا وهو يهمس بقلق …..
( هل انت بخير …… حنين )
توقف سعالها …… و اتسعت عيناها فبدتا بجمال بدرين مكتملين وهي تنظر اليه بصدمه ……انه
يعرف اسمها ….. صدىء القلب يعرف اسمها ……… عمر لفظ باسم حنين ………………….
الفصل الثاني
ظلت حنين متسمره مكانها لا تعلم كيف تتصرف … حتى انها لم تملك الجراه لابعاد
عينيها عن عينيه خوفا من ان يكون ذلك حلما كمئات الاحلام التي حلمت بها ….
وكل حلم كان يحمل طريقه مختلفه يتعرف بها اليها ……. الغريب في الامر انها لم
تحلم يوما لابعد من ذلك …. فقط تحلم بفارسها وهو ينحني اليها مبتسما ليسالها عن
اسمها ………
لكن الان ….. لم يسالها عن اسمها ….. فهو يعرفه …… لقد نطق باسم حنين
…..
وعيناه تتاملانها بشعور جميل …. ما تلك النظره ؟…. وكيف تستطيع مجرد نظره ان تدفيء
ما تلامسه ….. افاقت من افكارها على صوته الرائع ذو النبره العذبه و هو يقول
مبتسما
( يبدو انك اصبحت بخير الان …. لكن من الافضل ان تشربي شيئا )
تحررت خصله ناعمه سوداء لتظلل احدى عينيها ……فرفعت يدها لتضعها بخجل خلف اذنها وهي تخفض
نظرها عنه اخيرا , بينما يدوي قلبها بموسيقى صاخبه توشك على ان تخرق طبله اذنيها
من شده الضغط الذى تشعر به ……. تابع عمر قائلا وهو ينظر الى راسها المحني
……..
( لما لا اصحبك الى المقهى لاجلب لك ما تشربينه …………)
توقفت انفاسها و ارتعد قلبها , لكنها هزت راسها نفيا دون ان تنظر اليه ……
لم ترى ابتسامته الحانيه و هو يجيب برقه اشعلت شوقها اليه اكثر
( حسنا اذن …….)
مد يده ليضغط على رقمي طابقيهما ….. ثم ابتعد عنها اخيرا فتنفست الصعداء ……وظلت صامته
وهي تشعر بمراقبته المتسليه بمنظرها الذي لا بد و انه مخزيا الان ……. وصل بها
المصعد اخيرا الى طابق مصممين الرسوم , فتنحى لها مفسحا المجال وهو يتعمد ابعاد قدمه
بطريقه واضحه مصحوبه بضحكه صغيره مرحه …….
فخرجت حنين بسرعه وحقيبه حاسوبها لم يفتها ان تضيف نقطه النهايه لهذا اللقاء الفاشل الرائع
….. حين ضربته في ذراعه اثناء خروجها ….. فتاوه بوضوح وهو يضحك ضحكه مرحه بينما
انغلقت ابواب المصعد تحميها منه اخيرا ……
توقفت مكانها و وضعت يدها على صدرها اللاهث تحاول ان تهدئه ….ثم نظرت الى طابقها
من حولها وهمست بداخلها بذعر
انه يعرفني …. يعرفني فعلا و اسما …….. بدات ابتسامه حالمه في اناره وجهها تدريجيا
حتى باتت صوره حيه لفتاه مشرقه بالعشق …….
ثم اندفعت جريا الى مكتبها وما ان رمت حقيبتها وجلست حتى رفعت يديها الى وجنتيها
الساخنتين وهي تعيد هامسه بذهول
( انه يعرف اسمي …… ويعرف تخصصي و دعاني الى المقهى …… لكني بغبائي المعتاد
رفضت )
تحول الذهول … الى ضحكه مذهوله رقيقه ……. وهي تفكر بان الفرصه لم تفت ,
فاليوم اقتربت منه كما لم تقترب من قبل …. لذا كل ما عليها الان ان
تنتظر موعد الاستراحه مهدئه النار امندلعه بين ضلوعها شوقا لرؤيته من جديد ……
مرت الدقائق ببطء غادر تعمد ان ينسف اعصابها نسفا ……الى ان وصلت الxxxxب لمكانها المنتظر
…… في موعد استراحه الموظفين …. والذي يتجه فيه الجميع الى مقهى الشركه …. وكانت
حنين في شوق للتوجه اليه اليوم اكثر من اي يوم مضى , فمن المؤكد ان
عمر سيسلم عليها … سيدعوها للجلوس على طاولته ….. وهي لن تمانع هذه المره ………
لذا حرصت على التوجه الى حمام السيدات و للمره الاولى فكت شعرها الطويل و جمعته
على هيئه ذيل حصان …. بدلا من تلك الكتله المستديره التي تلفه كل يوم ….
وحقا كان التغيير يستحق عناء المحاوله ……
نظرت الى نفسها في المراه وهي تميل براسها لليمين و اليسار لتختال بذيل حصانها الطويل
……. ثم قالت لصورتها بوضوح
( اليوم , يوم تاريخي في حياتك …… وليشهد هذا المكان )
نظرت حولها لحمام السيدات المحيط بها لكنها لم تهتم , بل اعادت نظرها الى صورتها
صديقتها….. وهي تتابع
( حسنا بغض النظر عن طبيعه المكان الا انه سيشهد على بدايه جديده في حياتك
…… بدايه حكايه ….. )
ابتسمت وهي تنظر لعينيها قائله بعشق ( لقد عرفك يا غبيه ….. و انت التي
كنت تتسائلين )
رمشت بعينيها وهي تفكر بما لا يقبل الشك ( مهندس مثله …. في قسم اخر
تماما , يعرف مصممه رسوم مغموره في قسم الدعايه …..اكيد ليست مصادفه …. لابد انه
سال عنك …. واعلموه باسمك …….. )
اتسعت ابتسامتها ثم رفعت نظارتها السوداء الاطار الى فوق راسها حاجزه بها بعض الخصلات المتمرده
….. وقالت لصورتها في المراه وهي ضامه قبضتها امام وجهها
( انها فرصتك الاخيره يا حنين … لقد قام بالخطوه الاولى وهو الان ينتظرك فهيا
انزلي الى ارض الملعب و اتني بقلبه ….. هيااااا .. هيااااااااااااا …. )
لم تكد تنهي هتافها الخافت حتى وجدت باب احدى حجرات الحمام يفتح و تخرج منه
احدى الموظفات ….. متحاشيه النظر اليها بخجل بينما لمعان عينيها المغروقتان بالضحك كاد ان يوقف
قلب حنين وهي تتسمر مكانها مبحلقه في صورتها … مدركه ان هناك من كان يشاركها
افكارها طوال دقائق الغباء الماضيه …… اغمضت عينيها بصدمه ثم نظرت الي الموظفه التي كانت
تعدل من زينتها امام المراه ….. ثم همست متلعثمه ( انا اتدرب لدور تمثيلي ……..
)
اومات الموظفه براسها وهي مرتبكه تمنع نفسها من الانفجار ضحكا ….. وفي نفس الوقت تنظر
اليها بطرف عينيها متوجسه منها ….
لذا لم تجد حنين سوى ان تنسحب ململمه ما تبقى لها من كرامه …. فلتذهب
الكرامه الي الجحيم …. فلديها ما هو اهم لتشغل بالها به ,
اتجهت جريا الى المقهى وقلبها الخافق يسبق خطواتها شوقا اليه ……
نظرت بطرف عينيها في انحاء المكان …. تتلهف لرؤيته ….الى ان صدم قلبها بتلك الرؤيه
المنتظره , لكنها لم تكن سعيده كما توقعت … فحبيب القلب يجلس على احد الطاولات
و بجواره على نفس الطاوله تجلس تلك الجميله من قسم هندسه العماره ….. والمعروفه بدلال
صوتها لدرجه تثير الحنق وتجعلها ترغب في خنقها لعل صوتها يعتدل قليلا بدلا من تلك
الميوعه المصطنعه …..
لكن يبدو ان صدىء القلب يرى غير ذلك ….. فهو ينظر اليها مبتسما , يميل
براسه ليسمع ماتقوله جيدا ….حتى كادت جبهته ان تلامس خصلات شعرها ……. عقدت حاجبيها بينما
شعرت بلكمه في صدرها …. لم ينتظرها كما كانت تتوقع …. لم يلتفت اليها اصلا
حين دخلت …… وفوق هذا كله يبدو بمنتهى السذاجه وهو يبتسم الى تلك المدعيه …..
استدارت بعيدا بقلبها المجروح … وخاطرها المكسور …… فبدت وكانها تحتاج الى احسان بنظره عينيها
المائلتين والتي تشبه نظره الجراء الضائعه ……..
اتجهت لتاخذ صينيه بلاستيكيه …. وضعت بها العديد من الاشياء وهي شارده ….. حتى انها
لم تدرك حتى ماتضعه …. ثم استدارت لتختار اي طاوله للجلوس اليها ……..لكن بعد عده
خطوات …… اطلقت احدى الموظفات شهقه عاليه ….. يبدو انها كانت تستمع ضاحكه الى شيء
همست به زميلاتها …….. لكن سبب الشهقه لا يهم ……. الذي يهم ان حنين ما
ان سمعت تلك الشهقه من خلفها …. حتى انتابها ما ينتابها منذ سنين …….. في
لحظه واحده اختل توازنها وسقطت على الارض الناعمه …… وسقطت الصينيه عليها بما تحتويه و
قد انسكب العصير على سترتها وهي مرميه على ظهرها تنظر الى السقف بعينين متسعتين على
اقصاهما …..
تعالت الشهقات و تسارعت الخطوات …… نزل عده اشخاص بجوارها يحاولون افاقتها …. لكنها لم
تصاب بالاغماء …. و قال شخص ما بجوارها ….. انها ليست مصابه بالاغماء فعينيها مفتوحتين
….. وقتها تصاعدت التنهيدات لم تلبث ان تبعتها الضحكات بخفوت وصوتا يقول لها ….. هل
ستبقين ممدده على الارض مذهوله بهذا الشكل طويلا ؟…..
اخذت الهمهمات الحائره تتزايد من وضعها الغريب…. الى ان تعالى صوتا صارما
( ابتعدو ……… ابتعدو من فضلكم )
ظلا كبيرا حجب ضوء المقهى الابيض عن عينيها …. وصوته يقترب من اذنها بينما كفه
يمسك بكفها
( انهضي معي حنين ….., انت لست مغشيا عليك, لا توهمي نفسك ….. لاتخافي فقط
خذي نفسا عميقا )
بمعجزه حاولت تنفيذ مايطلب …. مره …. مرتين …. ثلاث ….. الى ان سكن صدرها
قليلا …. ورمشت بعينيها اخيرا بعد ان ارتخى اتساعهما المؤلم ……
شعرت به يجذب كفها برفق … ثم وضع يده خلف ظهرها ليساعدها على الجلوس ….
ثم امسك بذارعيها لتنهض واقفه على قدميها ….
غرور امراة
00:18 – 02/09 وقفت امامه بعد ان وعت ما حولها تماما ….. لم تجد الجراه
على النظر الى كل تلك الوجوه المحدقه بها ما بين تعجب واستهجان …. وظلت مطرقه
براسها …. يطالعها مظهر سترتها المبلله بالكامل بالعصير …….
لم تستطع التحمل اكثر فانطلقت تدفع المحيطين بها بذعر وهي تخرج من المقهى جريا …..
………..بينما تغرق الدموع وجهها لتكمل الصوه المخزيه ….. ……
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………
كانت حور متمدده في فراشها تتطالع هاتفها ذو الشاشه الواسعه ….. تتنقل بملل بين صفحات
التسوق … لم يعد لديها ما تحتاجه , لكن ذلك لا يمنعها من شراء المزيد
….. لا تعلم لماذا يعطيها التسوق شعورا رائعا بالاكتفاء ….. ان تعود محمله بالحقائب الملونه
والتي تحتوي على كافه الاشياء الانثويه ذات الماركات العالميه فان ذلك يعطيها احساسا دافئا …..
لكن بعد يومين اثنين فقط على الاكثر تعود الى شعورها بتلك الفجوه المتسعه بداخلها ….
رمت هاتفها بملل وهي تغمض عينيها …. لتحلم بذكراه تداعبها من جديد …… عينيه الجميلتين
…. ابتسامته الحنونه و التي لم تكن موجهه اليها يوما …. ضحكته المدهوشه وهو ينظر
الى معتز لاول مره … وكل ضحكاته من بعدها الى معتز وحده …. لكن تلك
التي جلبت معتز الى هذه الدنيا لم يكن لها نصيبا من حنانه ابدا …… انسابت
دمعتان حزينتان من خلف اجفانها المطبقه على وجنتيها الناعمتين …. دمعتان خفيتان على كل من
حولها الا هو …. فقد راهما من قبل و لم يهتم ….. بل ظنهما من
الاعيب النساء …….
تسللت ذكرى كلماته القاسيه اليها لتمحو تلك الذكريات الجميله و التي لم تملكها يوما …….لا
اريدك ولم اردك يوما …… ازداد انهمار دموعها الصامته ….. لقد حصلت هي عليه بينما
لم يردها هو يوما ….. اذاقها المرار و ذل روحها العاشقه له حتى ملته وكرهت
حبه الذي ذلها بهذا الشكل المؤذي …… انها حور رشوان …. ولم تكن حور رشوان
لتعامل بهذه الطريقه ………….. هددها مرارا بانه سياخذ معتز منها ….. فان كانت تريد الذهاب
فلتذهب بلا عوده لكنها لن تاخذ معتز معها ابدا ….. لكنه عاد و تخاذل خاصه
بعد اكتشافهم لحاله معتز الخاصه …… وقتها لم يستطع ان ينتزعه من احضانها وهو في
اشد الحاجه اليها في هذه الحاله وهذا السن تحديدا ………وهذا ايضا ما اخره عن تطليقها
الى هذه اللحظه ……..هل ينتظر ان تطلب منه ؟….. لانها لن تطلب ابدا ….. و
ان اراد ان يتخلص منها فليفعل بنفسه فهي لن تساعده على ذلك لتحسن من صورته
امام نفسه …… لكن رغما عنها مجرد كلمه الطلاق تثير نارا تحرق احشائها ….. حتى
وان كانت قد تعودت الانفصال عنه طويلا …. لكنها لازالت تحمل اسمه ……
عادت اليها ذكرى رؤيتها له لاول مره منذ اربع سنوات….. في زفاف احدى صديقاتها ….
و قد اصرت على الذهاب بعد رفض عاصم القاطع ….. الا انها بمساعده والدتها التي
استطاعت تليين قلب عاصم و الموافقه على ذهابها ,على ان يوصلها و يعيدها بنفسه ….
و بعد مداولات عقيمه استسلم ايضا الا تذهب معها حنين كما طلب ……
و كالعاده بدت حور كملكه مشتعله متوجه … بثوبها الاحمر القاني الشبيه بلون الياقوت ….
وشعرها الاسود الغزير خلف ظهرها ….. كانت تبدو كحاله شاذه وسط الجمع ….. فالحفل كان
هادئا بسيطا تلائمه الاثواب محايده اللون ….. الا ان هذه الاثواب تلائم الحفل لكن لا
تلائم حور …. وهي بطبعها تتخذ ما يلائمها دون النظر لما يريده من حولها ….
حينها راته من بعيد ….. اسرها شيئا ما في وقفته الطويله المهيبه …. امير راقي
بكل ما تحمله الكلمه من معنى …… ظلت ماسوره بهيبه هذا الغريب الى ان حانت
منه التفاته …… والتقت اعينهما …… حينها عرفت ان شيئا ما قد تغير ….. وان
حياتها لن تعود كسابق عهدها …………
تهادت من حوله وهي تختال ببهائها الفج …..لكنه لم يعرها نظره ثانيه ….. وكانها اختفت
من الصوره , وحين ياست لجات الى سلاحها الفعال … فاتجهت الى منسق الاغاني وهمست
له بشيء سرعان ما ابتسم مسحورا بها لتعم بعد لحظات انغام شرقيه صادحه رجت ارجاء
القاعه …… وتاهت في عالمها السحري الذي هي بطلته بلا منازع …… حتى ان احدهم
قام بامساك يدها لتعتلي احدى الطاولات….. وتكمل عرضها المتمايل وسط هتافات معظم الجمع من حولها
و اللذين تخلوا عن وقار المكان و الحفل ليساندو تلك الشعله الراقصه الحمراء …و قد
التف الوشاح الاحمر الذي كان يغطي كتفيها ….. في حركه خاطفه ليعقد حول وركيها المتمايلين
بسحر شرقي ….. مع خلخالها واساورها التي لم تتخلى عنهم في حفلها الراقي …. بينما
طاردتها نظرات الدهشه الممتعضه مما تفعله ممن التزلمو اماكنهم باحترام …..
واثناء انحنائها و سقوط شعرها حتى كاد ان يلامس سطح الطاوله …. التقت اعينهما من
جديد …… وهو يقف بعيدا مستندا الى احد الجدران مكتفا ذراعيه يطالع العرض المجاني بعينين
جامدتين ……
لا انفعال … لا مبالاه …. لا شيء …. و بعد اربع سنوات لا تزال
تذكر تلك النظره المتجمده والتي اشعرتها بالفرق بينهما … والذي لا تزال تشعر به الى
الان ….. هي حور ابنه اسماعيل رشوان تشعر بالضاله امام شخص واحد فقط ….. دون
غيره
وقفت امامه بعد ان وعت ما حولها تماما ….. لم تجد الجراه على النظر الى
كل تلك الوجوه المحدقه بها ما بين تعجب واستهجان …. وظلت مطرقه براسها …. يطالعها
مظهر سترتها المبلله بالكامل بالعصير …….
لم تستطع التحمل اكثر فانطلقت تدفع المحيطين بها بذعر وهي تخرج من المقهى جريا …..
………..بينما تغرق الدموع وجهها لتكمل الصوه المخزيه ….. ……
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………
كانت حور متمدده في فراشها تتطالع هاتفها ذو الشاشه الواسعه ….. تتنقل بملل بين صفحات
التسوق … لم يعد لديها ما تحتاجه , لكن ذلك لا يمنعها من شراء المزيد
….. لا تعلم لماذا يعطيها التسوق شعورا رائعا بالاكتفاء ….. ان تعود محمله بالحقائب الملونه
والتي تحتوي على كافه الاشياء الانثويه ذات الماركات العالميه فان ذلك يعطيها احساسا دافئا …..
لكن بعد يومين اثنين فقط على الاكثر تعود الى شعورها بتلك الفجوه المتسعه بداخلها ….
رمت هاتفها بملل وهي تغمض عينيها …. لتحلم بذكراه تداعبها من جديد …… عينيه الجميلتين
…. ابتسامته الحنونه و التي لم تكن موجهه اليها يوما …. ضحكته المدهوشه وهو ينظر
الى معتز لاول مره … وكل ضحكاته من بعدها الى معتز وحده …. لكن تلك
التي جلبت معتز الى هذه الدنيا لم يكن لها نصيبا من حنانه ابدا …… انسابت
دمعتان حزينتان من خلف اجفانها المطبقه على وجنتيها الناعمتين …. دمعتان خفيتان على كل من
حولها الا هو …. فقد راهما من قبل و لم يهتم ….. بل ظنهما من
الاعيب النساء …….
تسللت ذكرى كلماته القاسيه اليها لتمحو تلك الذكريات الجميله و التي لم تملكها يوما …….لا
اريدك ولم اردك يوما …… ازداد انهمار دموعها الصامته ….. لقد حصلت هي عليه بينما
لم يردها هو يوما ….. اذاقها المرار و ذل روحها العاشقه له حتى ملته وكرهت
حبه الذي ذلها بهذا الشكل المؤذي …… انها حور رشوان …. ولم تكن حور رشوان
لتعامل بهذه الطريقه ………….. هددها مرارا بانه سياخذ معتز منها ….. فان كانت تريد الذهاب
فلتذهب بلا عوده لكنها لن تاخذ معتز معها ابدا ….. لكنه عاد و تخاذل خاصه
بعد اكتشافهم لحاله معتز الخاصه …… وقتها لم يستطع ان ينتزعه من احضانها وهو في
اشد الحاجه اليها في هذه الحاله وهذا السن تحديدا ………وهذا ايضا ما اخره عن تطليقها
الى هذه اللحظه ……..هل ينتظر ان تطلب منه ؟….. لانها لن تطلب ابدا ….. و
ان اراد ان يتخلص منها فليفعل بنفسه فهي لن تساعده على ذلك لتحسن من صورته
امام نفسه …… لكن رغما عنها مجرد كلمه الطلاق تثير نارا تحرق احشائها ….. حتى
وان كانت قد تعودت الانفصال عنه طويلا …. لكنها لازالت تحمل اسمه ……
عادت اليها ذكرى رؤيتها له لاول مره منذ اربع سنوات….. في زفاف احدى صديقاتها ….
و قد اصرت على الذهاب بعد رفض عاصم القاطع ….. الا انها بمساعده والدتها التي
استطاعت تليين قلب عاصم و الموافقه على ذهابها ,على ان يوصلها و يعيدها بنفسه ….
و بعد مداولات عقيمه استسلم ايضا الا تذهب معها حنين كما طلب ……
و كالعاده بدت حور كملكه مشتعله متوجه … بثوبها الاحمر القاني الشبيه بلون الياقوت ….
وشعرها الاسود الغزير خلف ظهرها ….. كانت تبدو كحاله شاذه وسط الجمع ….. فالحفل كان
هادئا بسيطا تلائمه الاثواب محايده اللون ….. الا ان هذه الاثواب تلائم الحفل لكن لا
تلائم حور …. وهي بطبعها تتخذ ما يلائمها دون النظر لما يريده من حولها ….
حينها راته من بعيد ….. اسرها شيئا ما في وقفته الطويله المهيبه …. امير راقي
بكل ما تحمله الكلمه من معنى …… ظلت ماسوره بهيبه هذا الغريب الى ان حانت
منه التفاته …… والتقت اعينهما …… حينها عرفت ان شيئا ما قد تغير ….. وان
حياتها لن تعود كسابق عهدها …………
تهادت من حوله وهي تختال ببهائها الفج …..لكنه لم يعرها نظره ثانيه ….. وكانها اختفت
من الصوره , وحين ياست لجات الى سلاحها الفعال … فاتجهت الى منسق الاغاني وهمست
له بشيء سرعان ما ابتسم مسحورا بها لتعم بعد لحظات انغام شرقيه صادحه رجت ارجاء
القاعه …… وتاهت في عالمها السحري الذي هي بطلته بلا منازع …… حتى ان احدهم
قام بامساك يدها لتعتلي احدى الطاولات….. وتكمل عرضها المتمايل وسط هتافات معظم الجمع من حولها
و اللذين تخلوا عن وقار المكان و الحفل ليساندو تلك الشعله الراقصه الحمراء …و قد
التف الوشاح الاحمر الذي كان يغطي كتفيها ….. في حركه خاطفه ليعقد حول وركيها المتمايلين
بسحر شرقي ….. مع خلخالها واساورها التي لم تتخلى عنهم في حفلها الراقي …. بينما
طاردتها نظرات الدهشه الممتعضه مما تفعله ممن التزلمو اماكنهم باحترام …..
واثناء انحنائها و سقوط شعرها حتى كاد ان يلامس سطح الطاوله …. التقت اعينهما من
جديد …… وهو يقف بعيدا مستندا الى احد الجدران مكتفا ذراعيه يطالع العرض المجاني بعينين
جامدتين ……
لا انفعال … لا مبالاه …. لا شيء …. و بعد اربع سنوات لا تزال
تذكر تلك النظره المتجمده والتي اشعرتها بالفرق بينهما … والذي لا تزال تشعر به الى
الان ….. هي حور ابنه اسماعيل رشوان تشعر بالضاله امام شخص واحد فقط ….. دون
غيره
قامت من مكانها ببطء تريد الذهاب الى معتز …. لتراه ….. فقط لتراه …. لاتملك
ان تفعل سوى ذلك , تشعر بان هناك ما يحجزها عنه , لا تستطيع التفاهم
معه …. بعض النساء لم تخلق لتكن امهات معطيات …..
ذهبت ببطء تجر خطواتها الى غرفته وما ان دخلت حتى نهضت المربيه سعيده بتلك الزياره
الخاطفه وقالت بامل
( هل ستجلسين مع معتز سيده حور ؟؟ )
ابتسمت حور بتوتر وعينيها على ذلك الصغير الجالس في ركنه المعتاد معطيا ظهره اليها يلعب
بالعابه…… اتجهت اليه و انحنت لتقبل راسه الجميل بشعره الاسود الناعم ثم نهضت واقفه على
الفور …… فقالت مربيته بياس
( لما لا تحاولين الجلوس معه قليلا …… انه يحتاج ان يراك )
رمشت حور بعينيها لمنع تلك الدموع الغادره من الانسياب على وجنتيها و ابتسمت قائله بصوت
مرتجف
( لا … اعتقد …. انت افضل مني )
همست المربيه بالحاح وهي تقترب منها ( انت امه ….. لن يستطيع احد تعويض مكانتك
لديه , فقط امنحيه وامنحي نفسك الفرصه )
اومات حور براسها بدون اقتناع وهي تريد الخروج من هنا باقصى سرعه لا لشيء سوى
لان تتفادى لحظات اثبات فشلها كام لطفل مميز كمعتز ….. ثم همست بصوتها الرخيم الجرسي
( غدا ربما سيكون الوضع افضل ……انا مضطره للذهاب الان )
سارت عده خطوات ناحيه الباب لكن المربيه اوقفتها وهي تقول بهدوء
( السيد نادر سيمر اليوم لياخذ معتز …….)
التفتت حور اليها بسرعه وهي تقول بلهفه لم تستطع السيطره عليها
( سيمر نادر بنفسه ؟……….)
اومات المربيه بصمت فاستعادت حور بعضا من هدوئها الظاهري وقالت برقه مصطنعة
( حسنا شكرا لك ….. هل تحتاجين الى مساعده في تحضيره ؟)
اخذت تبتهل الا ترد بالايجاب وحصلت على مبتغاها حين هزت المربيه راسها نفيا بصمت فابتسمت
حور و خرجت سريعا من الغرفه ……امامها وقت محدود لتجهز نفسها …… فنادر لا يتاخر
عن موعده ابدا …….
………………………………………….. ………………………………………….. …………………………………
عند العاشره تماما كان جرس الباب يرن باعثا رنينه الى قلبها الملهوف شوقا للقياه …….
فنزلت جريا وهي تعدل من خصلاتها المتطايره خلفها كستائر حريريه …… بينما يقرقع كعبي صندالها
الرائع على الارضيه الناعمه …. يعلوه خلخالها الذهبي ذو الالعاب الصغيره الرنانه و التي تكون
مع اساورها الذهبيه مقطوعه حور الخاصه ……. وما ان وصلت الى الباب حتى توقفت لتلتقط
انفاسها المبعثره بشوق ثم انهتها بنفس عميق وهي ترسم اشد ابتساماتها اغراءا على شفتيها الرائعتين
ثم فتحت الباب …..
كان هو واقفا كصرح عال من الكبرياء و الغرور …. نادر …. زوجها الرائع …..
كم تحب هذه الكلمه ….كانت يوما على وشك ان تياس من نيلها …… لكن حور
رشوان لا يردعها رادع ….. وها هو لا يزال زوجها ولم تصل اليه يوما ايه
امراه مثلما وصلت هي ….. حتى ولو رغما عنه ….. لكنها وصلت اليه , وانجبت
ابنه …. ابنه الذي لازال هو القيد المسلسل الذي يجذبه و يعيده اليها دائما …….
وهي لن تتردد في استخدام هذا القيد الى ان تصل اليه مره اخرى ….. ستعود
لتلفه حول اصبعها من جديد …… لن تكون حور ان لم تفعل ……….
رفع نظره اليها …. وتاملها طويلا …. تقف امامه بكل خيلائها وجمالها , تلك من
كانت زوجته يوما و لا تزال مع ايقاف التنفيذ….. لم تتغير , ولن تتغير يوما
…. ستبقى اسوا نموذجا لامراه في عينه ….. ولولا معتز لكان نبذها من حياته منذ
وقت طويل ….
وصله همسها المغوي يتسرب متطايرا كدخان لهب ناعم
( مرحبا نادر …….)
ارغم نفسه على رد سلامها وهو يقول بصلابه دون ان يتاثر بمظهرها الذي تعبت في
تحضيره
( مرحبا حور …………. هل معتز جاهزا ؟……. اريد ان اخذه حتى لا نتاخر )
امالت براسها في دلال متعمد ثم ابتسمت بنعومه هامسه ( هكذا مباشره …. دون حتى
ان تسالني عن حالي بعيدا عنك ؟….)
زفر نادر بقوه وهو ينظر الى الجهه الاخرى قائلا بجمود ( احضري معتز من فضلك
يا يا حور ……..)
اتسعت ابتسامتها قليلا وهي تهمس بنعومه ( لكم اشتقت لسماع اسمي من بين شفتيك )
نطقت بكلمتها الاخيره بهمس اجش وصل الى اذنيه بصعوبه جعلته يرغب في ضربها……… فنظر الى
عينيها بنظره ارسلت الرعب الى قلبها من جديد وقال بصوت خافت مخيف
( حور …. نصيحه مني توقفي عن حركاتك المثيره للشفقه تلك , فهي لم تعد
تناسبك ……. والان فلتحضري معتز بكل هدوء )
غابت النعومه عن عينيها و اشتدت شفتيها بينما اخذت عضله نافره تنبض في فكها دون
ان تستطيع السيطره عليها …….عادت تلك النار التى تكوي احشائها من جديد كلما قابلها جفاؤه
…..
همست بفتور وهي تشعر بقلبها يهبط محبطا بعد ان كان يتامل ان يرى ولو لمحه
من شوق بعيد…. في تلك العينان التي اسرتها منذ سنوات
( تفضل على الاقل ……. ستغضب امي ,ان عرفت انك قد اتيت الي باب بيتنا
ولم تدخله )
اخذ نفسا غاضبها وهي تذكره بتلك السيده الفاضله التي يكن لها كل احترام ….. وهي
الوحيده بعد معتز التي تجبره على محاوله التعامل ببساطة
لم يجد سوى ان يدخل …. دقائق معدوده …. حدث نفسه …. دقائق معدوده وسيخرج
مصطحبا معتز بعيدا
نظرت حور بوجوم الي ظهره الصلب القوي بعد ان تخطاها دون ان يحاول ملامساتها ……
الى متى سيظل بهذه القسوه ؟….. والى متى سيظل يعذبها معه ….. مصيره اليها ,
فلما لا يختصر الوقت ويعلن استسلامه ……..
اقتربت منه ببطء تسمعه رنين خلخالها و اساورها الذهبيه ……. تهديه عطرها المسكر و الذي
تعرف بحاستها الانثويه بانه يسكره شوقا دون ان ينطق بهذا يوما ….
وصلت الى بعد خطوه منه ثم لم تقاوم تهورا مجنونا وهي تمد يدها بخفه لتلمس
ظهره باصابع مرتجفه ….. تتنهد لوعه و اشتياقا مغمضه عينيها … وللحظه … للحظه واحده
شعرت بانقباضه خفيه سرت في عضلاته القويه قبل ان يستدير اليها بحركه بطيئه … ناظرا
اليها بجمود قبل ان يقبض بكفه الساحقه على اصابعها الهشه بقوه اوشكت على كسرهم ….
حتى انها سمعت قرقعت مفاصلها الرقيقه بين اصابعه القاسيه فشهقت الما وعيناها تتسعان ناظره اليه
بخوف …..لكنه لم يابه لخوفها بل نظر اليها بصلابه وهو يهدر دون ان يرفع صوته
(الا امل بك ابدا ؟…… الى ماذا ترمين ؟…. حركه اغواء فاشله جديده ؟……)
كان صدرها يعلو و ينخفض بشده وهي تنظر اليه لاهثه بينما حاجبيها معقودان كطفل خائف
و غاضب في نفس الوقت لذا لم تستلم لخوفها طويلا وهي تتشبث بمقدمه قميصه بيدها
الطليقه …. تقف على اطراف اصابعها لتزيد من طولها حتى تستطيع النظر الى عمق عينيه
…. ثم همست تستجديه متخليه عن كبريائها
(احبك …..احبك يا نادر فلما لا ترحمني , انا اموت بدونك كل ليله ……ارحمني ارجوك
)
ثم اقتربت منه في حركه مهووسه تنوي تقبيله وقد فقدت السيطره على نفسها …. الا
انه اسرع ليمسك بساعديها بنفس القسوه ليبعدها بعيدا عنه حتى انها كادت ان تسقط ارضا
لولا ان حفظت اتزانها على كعبها العالي باعجوبه ……ثم رفعت راسها تدفع شعرها الي الخلف
بحركه مجنونه وهي تنظر اليه بعينين شرستين مبللتين ….. ثم همست بفحيح
( ستعود الي يا نادر …… اعدك بانك ستستجدي حبي يوما قريبا ….. قريبا جدا
)
ابتسم بسخرية…. تكاد نظراته ان تحرقها حيه وهي تجري على جسدها الرائع المغطى بثوب يصل
بصعوبه الى ركبتيها البيضاوين ثم صعدت عيناه لعينيها لتخبرها برايه بكل صراحه ……. دون الحاجه
الى الكلام …….
ظلا ينظران الى بعضهما وذبذبات الكره تقابلها اخرى عاشقه غاضبه الى ان استدارت حور لتعطيه
ظهرها لتسمح لدموعها بالتساقط على وجنتيها ….. غبيه …. غبيه ….. ها قد سمحت له
باذاقتها كاس الذل من جديد ………
رفعت راسها بصلابه ودموعها تغطي الوجنتين الحمراوين بنعومه تتناقض مع شراسه العينين الجميلتين ….. بينما
هو يقف من خلفها ينظر اليها بكل ما لا تتمناه المراه في نظرات حبيبها ……لكنها
شعرت بها تحرق ظهرها دون ان تلتفت …… اخذت نفسا عميقا ثم مدت يدها لتمسح
وجنتيها بقسوه ثم استدارت اليه …. تمنحه تلك السعاده القصيره بانتصاره في اجتذاب دموعها من
جديد …….
نظرت اليه بهدوء حديدي رافعه حاجبها بنظره حور النجار المعروفه بقدرتها على تجميد من امامها
….ثم قالت بصوت جليدي
( ساذهب لاحضر معتز ……. اريده هنا في تمام السابعه )
اقترب منها ليمسك باعلى ذراعيها بقبضتيه الحديديتين وهو ينظر اليها بخطر ويقول
( لا تدفعيني كثيرا يا حور ….فانا احاول جاهدا الا احرمه من تلك الكلمه التى
تجهلين معناها تماما ….. وصدقيني ذلك يتطلب مني مجهودا جبارا …..)
ابتلعت ريقها بضعف حاولت الا تظهره …….وهي تتوه بين عينيه و شفتيه اللتين تقذفانها بسهامه
الطائشه الى ان سكت اخيرا …. يمتع نفسه للحظه عابره بنظره الضياع التى تنتابها كلما
اقترب منها او لمسها ….. ودون اراده منه انتابته سعاده قاسيه لا يعلم سببها …
لا يعلم حقا لماذا كل ما يؤلم حور يرضيه ….. ايكون لديه جانبا ساديا لم
تخرجه الا زوجته المجنونه امامه ……
تركها اخيرا بازدراء واضح ليبتعد عنها وهى من جانبها قد اكتفت من تلك المواجهه المعذبه
لها فسارت من امامه لتتخطاه بكبرياء و تكبر …….
صاعده السلم …تتناغم خطواتها مع رنين الخلخال و الاساور …… متمنيه من كل قلبها ان
يكون ماسورا بمنظرها ككل من ياسر بها …. لن يكون رجلا ان لم يفعل ….
ونادر بالتاكيد سيد كل الرجال الذين عرفتهم يوما …….
ذهبت حور مسرعه الى غرفه معتز لتخبر المربيه قائله بتوتر ( لقد وصل والد معتز
….. هل كل اغراضه جاهزه ؟)
اجابت المربيه بهدوء ( نعم سيده حور … حقيبته تحتوى على كل مستلزماته بالاضافه الى
ورقه التعليمات … هل تريدين القاء نظره على الحقيبه فلربما اردت اضافه شيء ؟……)
هزت حور راسها نفيا بسرعه وهي تقول باحرج ( لا … لا ….انت افضل مني
بالتاكيد , من المؤكد انك لم تنسي شيئا )
اومات المربيه براسها دون ان تتكلم فاقتربت حور من معتز لتجذبه برفق لينهض …..ثم سحبته
معها لتجلس على حافه الفراش و توقفه امامها ….امسكت بوجهه بكلتا يديها و نظرت الى
عينيه الشبيهتين بعيني ابيه للحظات ثم همست اخيرا وهي تبتلع غصه في حلقها
( ساشتاق اليك …. قد تكون لا تراني كثيرا , الا انك حين تبعد عني
يوما كاملا اشعر بانني ضائعه , لذا لا تتاخر من فضلك انت من تحميني في
هذه الحياه …. بمجرد ان انظر الى عينيك اشعر بانني محميه من كل ما اذاني
يوما )
لم يبد على معتز انه فهم شيئا , لكن عينيه تعلقتا بعيني امه طويلا ….
و كانه يحاول جاهدا …….فضمته حور الى صدرها بقوه تمرغ انفها في خصلات شعره السوداء
الناعمه و كانها تتلمس القوه من رائحته الطفوليه المحببه ………
انت قطعه من ابيك …. همست بداخلها وقلبها ينزف دموعا مقهوره ……لماذا كان الالم من
نصيبها هي …. حب يبغضها و امومه لاتفهمها ……
ابعدته عنها اخيرا وهي تنظر اليه دامعه مبتسمه بالم ……. كم هي جميله عيناه ,
اااه يا قلبي الذي سيظل ممزقا بينك وبين والدك ….. لكم احتاج الى مساندته الان
…. بينما انت المظلوم الوحيد ……..
نهضت من مكانها وهي تلتقط كفه الصغيره بيد وحقيبته بيدها الاخرى لتاخذهما الى متحجر القلب
اعمى الروح ……
ظلت تنظر الي عينيه اللتين تحولتا في لحظه واحده من بركان كره وغضب الى بركتين
حنان حزين …..وهو يمد يديه ليرفع معتز بلهفه بين ذراعيه عاليا …….ليحتضنه بشده بينما انفجر
معتز في ضحك صاخب ….. وهذه هي رده الفعل الخاصه برؤيته لوالده ….. لكل شخص
في حياته رده فعل خاصه ….. الا هي تحديدا …. رده الفعل الخاصه بها هي
محاوله الفهم …. والنظر الى عينيها بتركيز شديد …..
للحظه قاسيه شعرت حور بغيره تدب في اعماقها لتحرق كيانها وهي تتاملهما ….. تتامل تلك
العاطفه الفطريه بينهما والتى طرداها منها بمنتهى القسوه ….. نعم هي الان تغير منهما معا
….. على كليهما ……..
استدارت حتى تبعد عينيها عن ذلك المنظر الذى يقتلها كمدا بدلا من ان يسعدها كما
هو مفترض ……
اقسمت بداخلها بكل دمعه ذرفتها يوما من اجله … بانها ستعيده راكعا متمنيا حبها ….
ووعدا منها انها لن ستعذبه قبل ان يناله …….بالرغم من انه يستحق العذاب تماما ……………
فقط انتظرني يا معذبي …. يا من اخذك غرورك لتتحدى قلب حور رشوان …..فلتعلم ان
اللعب بالنار كان اهون من تلاعبك بقلبي …. فقط انتظرني …… وسنرى من الرابح في
نهايه لعبتنا …….
( حور …… )
رفعت عينيها التائهتين اليه حين سمعت نداؤه الهادىء على خلاف الدقائق الماضيه و قبل ان
تجيبه سبقها ليقول بجمود
( هذا كله لن يفلح ……. لقد ان الاوان ليذهب كلا منا الى طريقه ….
انت لازلت شابه و انا لا اريد ايقاف حياتك بهذا الشكل …. هذا ليس من
شيمي ….. )
اختفت دقات قلبها …. وشعرت بانها ماتت وعادت …. وهي تهمس مقطوعه الانفاس بما تنطق
به عيناه ( ماذا تعني ؟…….. )
اجاب بجموده المعتاد وهو يحمل معتز المتعلق بعنقه ضاحكا دون ان يسمع شيئا مما يجرى
و حتى ان سمع لن يفهم
( الطلاق ……….. )
………………………………………….. ………………………………………….. …………………………………………
يجلس في مكتبه غاضبا بشده يكاد يضرب احدا …. اي احد …. لم يستعصي شيء
من قبل على عاصم رشوان ……
يريد هذا المنزل … وسيحصل عليه , انه منزل قديم من طابقين في اكثر المناطق
الحيويه من المدينه …. قديم لكنه فني الطراز يكاد يكون غريبا على كل تلك الكتل
الخرسانيه المحاصره له ….. لكن بالرغم من ذلك استطاع بكل مقدره فذه السيطره على كل
تلك الكتل المحاصره …. ليكون مدينته السكنيه الراقيه الخاصه في قلب المدينه الام …..ولم يبقى
الا هذا المنزل الغبي في قلبها …..
الورثه لا يقبلون بالبيع !!!….. حسنا ليسو الورثه تحديدا , لا توجد سوى وريثه واحده
بعد ان سال و بعث فريق تحقيقه الخاص لتقصي الامر … ليعرف من ذلك الذى
يجرؤ على تحدي عاصم النجار بكل تلك العنجهيه ……
نظر الى الورقه امامه بغضب اهوج ……صبا عمران ….. الوريثه الوحيده للمستشار محمود عمران ….
القاضي الذي لا غبار على سمعته …….
تقيم بمفردها مع سيده عجوز قد تكون خادمتها …بعد وفاه والدها ليست متزوجه و لا
اقارب لديها …. لذا فقد كان يظن ان الامر سهلا و ان شابه في عمرها
اكيد ستكون سعيده بتلقي مبلغا مناسبا اكثر من كاف لتنتقل الى ارقى الاحياء في شقه
فاخره يسهل التعامل معها اكثر من ذلك المنزل القديم الضخم ………..
ضحك ضحكه ساخره غاضب …. شابه في عمرها !!!….. انها تكاد ان تخرجه عن سيطرته
التي يفرضها التحضر عليه منذ سته اشهر …. عشرات المرات يبعث اليها الوسيط ليقوم بالتفاهم
معها لكن دون جدوى …….
بالطبع حين بدا في اول مره بدا بعرض بثمن البيت الحقيقي دون زياده او نقصان
…. بالرغم من ان طريقه رجال المعمار المعتاده هي البدء بثمن بخس …. لكي حين
يتم الفصال حتى لا يرتفع الثمن عاليا ….. الا انه لا يفعل ذلك ابدا ……
انه يقدر ثمن اي شيء يريد شراؤه بالعدل …. ليستطيع استحقاق ما ناله فيما بعد
……
وبالفعل تم الرفض كما توقع … فاخذ يزايد تدريجيا مع تكرر زيارات الوسيط لها ……
لكن ما لم يتوقعه ان يقابل وسيطه كل مره برفض اشد و اعنف ….. حتى
تعدى الثمن قيمه الارض و المبنى …. ولا يزال الرفض قائما مع اقترانه بالتهديد المباشر
بعدم تكرار المحاوله ………………….
ابنه المستشار …. لطالما سمع تلك العباره مرات عديد ….. ابنه المستشار و ابن المستشار
…….لدى ابناء القضاه شخصيه مختلفه , ينظرون الى الناس من حولهم نظره غريبه …. يكاد
من هو مثله يشعر بانها نظره تعالي من فكره الثراء عموما …..و كان القانون يرفض
المال … حماقه …….لم يخالف القانون يوما , و ها هو يقابل بتهديد وقح من
فتاه سخيفه …. تهدده بقوه القانون …….
شتم بعنف وهو يضرب سطح المكتب بقبضته …….ثم بعد لحظه اخذ نفسا محاولا تهدئه نفسه
…… لقد دخل في منازعات وجدالات من قبل بعدد شعرات راسه …. فلن يبدا في
التهور الان ……
و بعد ان هدا قليلا ….. ارجع ظهره الى الخلف ليستريح مغمضا عينيه وهو يفكر
……حسنا يبدو انه حان الوقت ليتدخل بنفسه ….. وهذا بالتاكيد ليس من حسن حظ تلك
الصبا …… لكن ماذا يفعل ؟…… لقد ارغمته على ذلك بعندها الغبي …..لكن ان يواجه
فتاه ؟!!!! مجرد الفكره تشعره بالدناوه ….عاد ليتافف بغضب احمق … وهو يفكر ان عاصم
رشوان مضطرا للتحاور مع فتاه … مثل هذا الصنف من البشر ليس له وجود في
عالم اعماله … لا وجود لاي فتيات …..بل وهو ايضا مضطرا للتحاور و الاقناع !!……..
حتى تلك الغريبه الاطوار التي لا يتذكر اسمها و التي تقطن احد المنازل التي يملكها
و التي تصر على مقابلته منذ فتره ….يحولها الى مساعده دون ان يقابلها ……….
يبدو ان العمل قد ازداد تفاهه في هذه الايام حتى يضطر الى التعامل مع فتاتين
في فتره لم تتجاوز اشهر قليله …… يكفيه المجنونه اخته و المزعجه ابنه عمه دون
الحاجه الى المزيد ……..
قطع رنين الهاتف افكاره بمنتهى الازعاج …… فرفعه لينظر الى الاسم بوجوم ….ها هو المزيد
!!!…………دانا …..
رغما عنه توترت اعصابه قبل ان يجيبها بهدوء
( السلام عليكم ……….)
وصله الصوت الرفيع الحاد الذي يكاد ان يخرق طبله اذنه ( السلام عليكم ؟؟؟….. فقط
؟؟….هل هكذا تحيي خطيبتك دون دلال او الفاظ تحببيه ؟؟ ….. ماذا لو كان احدا
بجوارك الان ؟….. ماذا سيقول عن طريقه مخاطبتك لي ؟؟؟)
اغمض عينه مره اخرى وهو يتسائل سؤاله الذي يؤرقه منذ ان خطب دانا …. والذي
يعتبر الشيء المقلق الوحيد في تلك الزيجه …
كيف سيستطيع ان يتعايش مع صوتها ؟؟؟؟؟……….
كيف سيرجع كل ليله ليستلمه هذا الصوت ؟؟……. كم سيكون رائعا لو اخترعو جهاز تحكم
للبشر يستطيع كتم صوت من يتكلم ……لكنه عاد ليلوم نفسه على هذا الشعور تجاه صوتها
الذي خلقت به و لم تختاره ………
اخذ نفسا اخر ثم رد بهدوء بعد لحظة
( وماذا بها تحيتي ؟؟…….انسي تلك الالفاظ الاخرى يا دانا لاني لم اعتدها و لن
افعل )
ابعد الهاتف عن اذنه حين وصله ذلك الصوت الذي يشبه خربشه الطباشير على لوح الدراسه
….. حتى ان شعر ذراعيه وقف مستفزا من صوتها ……
انهى مكالمته بان قال اخيرا ( نعم يا دانا …… ساتي الليله ….. نعم …….نعم
….. نعم يا دانا ….. لا تقلقي …. حسنا الى اللقاء ……نعم …… ساتي ….لا
لا لن يشغلني شيء …. ابعثي سلامي الى والدتك الى ان اراها ….نعم …. اراك
الليله باذن الله ….. هلا اغلقت الخط من فضلك …. )
غطى عينيه بكف يده وهو يمنع نفسه من التاوه ثم قال بصبر
( لقد كبرت يا دانا على لعبه …..فلتغلق انت اولا ………اغلقي الخط من فضلك )
اخيرا تنهد براحه حين سمع صوت اغلاق الخط …فوضع الهاتف على سطح المكتب وهو يرجع
راسه مره اخرى ….يا له من صوت !!
عاد عاصم ليلوم نفسه على افكاره , ليس ذنبها ان خلقت بهذا الصوت ….. ليست
تلك مشكله حيويه لتقلقه من الزواج بها ………
لكن المشاكل الحيويه موجوده بينهما بالفعل , منذ بدء خطبتهما المتسرعه و الغير محسوبه العواقب
من جانبه…….
و المتانيه للغايه من قبل والدها و التي يدرك جيدا انه قد درس مشروع زواج
ابنته من عاصم رشوان بكل ما سيحققه له من نفع في عده مجالات …. اولا
, الارض …. وهو مضمار عاصم رشوان بلا منازع ….. فسياسي ك عثمان الراجي ….
يريد ان يمتلك المدينه كلها لو امكنه …..وحين تقرب لعاصم رشوان كان لهذا السبب في
الاساس …. فالسياسين ليست لهم تلك المقدره الفذه على امتلاك الاراضي الا بمساعده خبير ….
خبير من قلب المدينه وهذه هي حياته كعاصم رشوان ……
ثانيا شخص بشعبيه عاصم رشوان في المدينه يضمن له الفوز في الانتخابات بكل رجاله و
اتباعه ……عاصم ليس غبي لكي لا يرى الفائده التي ستعم على حماه المستقبلي ….. لكن
هو …. هو ما الفائده التي سيحصل عليها حقا من تلك الزيجه …..
يشعر بانه دخل نطاقا غير نطاقه ….يشعر وكانه يبني بيتا ليس له , ولا يشبه
طرازه ما تربى عليه ………
تهور و ارتبط بدانا في لحظه تملكه فيها الغرور من اجتذاب عثمان الراجي له …..
لكن بعد مرور عده اشهر , زال البريق و عاد الى اصوله …. كان يريد
من هي تشبه امه…. , مهما ارتقى مستوى ملابسه ومهما زاد عدد سياراته ….. مهما
تغيرت هيئته عن ايام الحي القديم …. الا ان بداخله لا زال عاصم ابن اسماعيل
رشوان قابعا بداخله …….
لا ينكر انه منذ فتره طويله وهو يفكر في حل نفسه من هذا الارتباط ….
لكنه يؤجل الامر محاولا الا يظلم فتاه ليس لها ذنب في تهوره …. بالرغم من
انه يدرك جيدا ان دانا الراجي ليست لينه العريكه ابدا … فهي تشبه والدها الى
حد كبير …..
يعلم الله انه حاول تغييرها بما يتمناه في زوجته …. تماما كما تحاول هي تغييره
الى ما يلائم مجتمعها المزيف …….
لكنه لم يستطع و هي لن تنجح……
اغمض عينيه مرجعا ظهره الى الوراء …. وهو يحاول التعامل مع ذلك الشعور البغيض المتنامي
بداخله ………
………………………………………….. …………………………………………..