مقالات منوعة جديدة

دراسات عن التفكير الايجابي

دراسات عن التفكير الايجابي Yy8800

دراسات عن التفكير الايجابي

دراسات عن التفكير الايجابي 20160627 1840

الفصل الاول:
المبحث الاول: بناء الهويه الايجابيه للذات.
اسس التفكير الايجابي ، وتطبيقاته تجاه الذات.

” هويه الذات هي : الصوره الذهنيه التي يحملها الانسان عن نفسه ، واحساسه بذاته”
([29]) .
” وللهويه الاثر الكبير في تحديد فكر الانسان وقيمه وسلوكه ، ونظرا لقوه تصورك الشخصي
لذاتك فانك دائما ما تؤدي سلوكا خارجيا يتفق مع صورتك لذاتك داخليا “([30]).
لذلك جاءت الاحاديث الشريفه لترسيخ الهويه الايجابيه وربطت كثيرا من اعمال الانسان بها فمن ذلك
قوله r:” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده “([31]) ،

دراسات عن التفكير الايجابي 20160627 1841

ويرسخ النبي rالهويه الايجابيه عند النفس المؤمنه من خلال ما يصدر عنها من افعال ينبغي
ان تطابق ما دلت عليه الهويه التي يحملها المؤمن فعن ابي شريح الخزاعيt ان النبي
rقال : من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليحسن الى جاره ، ومن كان يؤمن
بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه “([32]) ، فانظر كيف ربط النبي r بين الافعال ايجابيه
والهويه الايجابيه .
وعندما طلب منه احد الصحابه ان يختصر له الامر ارشده الى تحديد هويه ايجابيه يتبعها
فعل مستمر على المنهج الذي تحدده تلك الهويه فعن سفيان بن عبد الله الثقفي t
قال قلت يا رسول الله : قل لي في الاسلام قولا لا اسال عنه احدا
بعدك ، قال : قل : امنت بالله فاستقم “([33]) ، قال المناوي في شرح
الحديث :” قل امنت بالله اي جدد ايمانك بالله ذكرا بقلبك ونطقا بلسانك بان تستحضر
جميع معاني الايمان الشرعي ثم استقم اي الزم عمل الطاعات والانتهاء عن المخالفات اذ لا
تتاتى مع شيء من الاعوجاج فانها ضده “([34]).
ويذهب النبي r الى ترسيخ الهويه الايجابيه في ادنى درجاتها وذلك بحثه لاتباعه من المسلمين
بان يكف الواحد منهم شره عن الناس ( السلوك السلبي ) اذا لم يكن قادرا
على عمل الخير لنفسه او لغيره ( السلوك الايجابي ) فعن ابي ذر t قال
: قلت يا رسول الله: اي الاعمال افضل؟.
قال :” الايمان بالله ، والجهاد في سبيله ، قال : قلت : اي الرقاب
افضل ؟ ، قال: انفسها عند اهلها واكثرها ثمنا ، قال : قلت : فان
لم افعل ؟ ، قال : تعين صانعا او تصنع لاخرق ، قال : قلت
: يا رسول الله ارايت ان ضعفت عن بعض العمل ؟ ، قال : تكف
شرك عن الناس فانها صدقه منك على نفسك ” ([35]).

دراسات عن التفكير الايجابي 20160627 1844

فجعل النبي r الكف عن السلوك السلبي في حال عدم القدره على السلوك الايجابي من
افض الاعمال.
وفي سبيل ترسيخ ادنى هذه المراتب يقول r :” ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر
فليقل خيرا او ليصمت ” ([36]).
قال النووي في شرح الحديث :” انه اذا اراد ان يتكلم فان كان ما يتكلم
به خيرا محققا يثاب عليه واجبا او مندوبا فليتكلم وان لم يظهر له انه خير
يثاب عليه فليمسك عن الكلام سواء ظهر له انه حرام او مكروه او مباح مستوي
الطرفين فعلى هذا يكون الكلام المباح مامورا بتركه مندوبا الى الامساك عنه مخافه من انجراره
الى المحرم او المكروه وهذا يقع في العاده كثيرا او غالبا”([37]).
ونجد النبي r ينبه اتباعه الى ان السلوكيات السلبيه التي قد يقعون فيها هي في
حقيقتها مما ينافي كمال استحقاقهم للهويه الايجابيه التي ينسبون انفسهم اليها كقوله r :” والله
لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل : ومن يا
رسول الله ؟ قال : الذي لا يامن جاره بوائقه ([38])”([39]).
فجعل السلوك السلبي مناقضا للهويه الايجابيه للمؤمن الصادق في ايمانه .
************************
المبحث الثاني : اثر الاسماء والصفات الايجابيه على الذات.
فلاسم الانسان او ما قد يطلق عليه من الصفات دلالات تؤثر على ذاته سلبيا او
ايجابيا ، فقد يسهم الاسم او الصفه في تشكيل هويه الفرد او الجماعه ثم ما
يترتب على تلك الهويه من قيم وسلوكيات يقول ابن القيم في ذلك :” لما كانت
الاسماء قوالب للمعاني وداله عليها اقتضت الحكمه ان يكون بينها ارتباط وتناسب وان لا يكون
المعنى معها بمنزله الاجنبي المحض الذي لا تعلق له بها فان حكمه الحكيم تابى ذلك
والواقع يشهد بخلافه بل للاسماء تاثير في المسميات وللمسميات تاثر عن اسمائها في الحسن والقبح
والخفه والثقل واللطافه والكثافه “([40]).
وتوضح السنه النبويه ان اثر الاسم الايجابي او السلبي على الذات ينتقل من جيل الى
جيل فعن سعيد بن المسيب عن ابيه ان اباه جاء الى النبي r فقال :
ما اسمك ؟.
قال حزن قال انت سهل قال لا اغير اسما سمانيه ابي ، قال بن المسيب
: فما زالت الحزونه فينا بعد”([41]) .
جاء في معنى كلام سعيد بن المسيب :” يشير الى الشده التي بقيت في اخلاقهم
فقد ذكر اهل النسب ان في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم
“([42]).
وتوضح السنه ايضا ان دائره تاثير الاسم ايجابيا او سلبيا تتوسع حتى تشمل القبيله باسرها
فعن ابن عمر t ان رسول الله r قال على المنبر :” غفار غفر الله
لها ، واسلم سالمها الله ، وعصيه عصت الله ورسوله ” ([43])، قال المناوي في
شرح الحديث :” ومن تامل معاني السنه وجد معاني الاسماء مرتبطه بمسمياتها حتى كان معانيها
ماخوذه منها وكان الاسماء مشتقه منها “([44]).
وجاءت عده احاديث قام النبي r فيها بتغيير الاسماء ذات الدلالات السلبيه الى اسماء ذات
دلالات ايجابيه ومن ذلك ما جاء عن عبد الله بن عمر:” ان رسول الله r
غير اسم عاصيه وقال : انت جميلة”([45]).
وكذلك حث النبي rالى التسمي باسماء ذات دلالات ايجابيه يعزز التسمي بها ويرسخ الهويه الايجابيه
لمن يتسمى بها فقال r :” احب الاسماء الى الله : عبد الله وعبد الرحمن
، واصدقها : حارث وهمام “([46]).
قال ابن القيم:” وهذا لان التعلق الذي بين العبد وبين الله انما هو العبوديه المحضه
والتعلق الذي بين الله وبين العبد بالرحمه المحضه فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده والغايه التي
اوجده لاجلها ان يتاله له وحده محبه وخوفا ورجاء واجلالا وتعظيما فيكون عبدا لله وقد
عبده لما في اسم الله من معنى الالهيه التي يستحيل ان تكون لغيره ولما غلبت
رحمته غضبه وكانت الرحمه احب اليه من الغضب كان عبد الرحمن احب اليه ….. ولما
كان كل عبد متحركا بالاراده ، والهم مبدا الاراده ويترتب على ارادته حركته وكسبه كان
اصدق الاسماء اسم همام واسم حارث اذ لا ينفك مسماهما عن حقيقه معناهما”([47]).
************************
المبحث الثالث : التوقع الايجابي للامور.
يذهب اهل المعرفه بالتفكير الايجابي الا ان التفكير في امر ما والتركيز عليه هو احد
القوانين الرئيسه في توجيه حياه الانسان سلبيا او ايجابيا .
” ان ما نفكر فيه تفكيرا مركزا في عقلنا الواعي ينغرس ويندمج في خبرتنا ”
([48]).
” و ايا كان ما تعتقده فسيتحول الى حقيقه عندما تمنحه مشاعرك ، وكلما اشتدت
قوه اعتقادك ، وارتفعت العاطفه التي تضيفها اليه تعاظم بذلك تاثير اعتقادك على سلوكك وعلى
كل شيء يحدث لك ….. يظل الاشخاص الناجحون والسعداء محتفظين على الدوام باتجاه نفسي من
التوقع الذاتي الايجابي “([49]).
ولكن عندنا نحن المسلمين اعظم من هذه التجارب فعن ابي هريره t قال : قال
النبي r :” يقول الله تعالى : انا عند ظن عبدي بي”([50]) ، وفي روايه
اخرى للحديث :” ان الله عز وجل قال : انا عند ظن عبدي بي ان
ظن بي خيرا فله ، وان ظن شرا فله “، قال ابن حجر :” اي
قادر على ان اعمل به ما ظن اني عامل به ” ([51]).
فمن هنا ينبغي على المسلم ان يطور في ذاته قانون التوقع الايجابي للامور وان يحسن
ظنه بربه حتى ولو كانت الظروف المحيطه به في غايه الصعوبه والسوء ولا تحمل في
طياتها من النظره الاولى ايه بشائر خير او انفراج في ازمه يمر بها الانسان ولنا
في نبي الرحمه اسوه حسنه فعندما ضاقت به الارض من تكذيب الناس له وردهم لدعوته
لم تؤثر عليه تلك الظروف الصعبه او تلجئه لان يسلك سبيل الظن السيئ بهم او
السير في متاهات التوقع السلبي للامور في مستقبل الايام بل كان حسن الظن بربه ،
واستخدم التوقع الايجابي لمستقبل من كذبه وطرده واذاه ، وقد تحقق توقعه الايجابي بعد مده
من الزمان فعن عائشه رضي الله عنها زوج النبي rحدثته انها قالت للنبي r :
هل اتى عليك يوم كان اشد من يوم احد؟.
قال : لقد لقيت من قومك ما لقيت ، وكان اشد ما لقيت منهم يوم
العقبه اذ عرضت نفسي على بن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني الى
ما اردت ، فانطلقت وانا مهموم على وجهي فلم استفق الا وانا بقرن الثعالب ،
فرفعت راسي فاذا انا بسحابه قد اظلتني فنظرت فاذا فيها جبريل فناداني فقال : ان
الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث الله اليك ملك
الجبال لتامره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا
محمد فقال ذلك فيما شئت ان شئت ان اطبق عليهم الاخشبين ، فقال النبي r
: بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به
شيئا”([52]).
فانظر الى قمه حسن الظن بالله و التوقع الايجابي لما سيحصل في المستقبل في قوله
:” بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم ” رغم شده الهم والوحده ، والغربه
الايمانيه ، ومطاردا من اهل الشر ، ومن شده هذا الهم فقد مشى النبي r
اكثر من ستين كيلو متر ولم يشعر بنفسه فلم يكن همه وكربته من اجل ما
وقع له شخصيا ، ولكن لما رفضه الجهال من خير وفلاح لهم في الدارين ،
ومع كل تلك المعاناه استخدم النبي rالتوقع الايجابي ليعلم امته كيف يفكرون وكيف يفعلون اذا
حدث لهم شيء مما قد يكدر صفو حياتهم في امور دينهم او دنياهم.
” فحينما تتوقع الافضل فان هذا يبرز احسن ما فيك ، وانه لامر يدعو للعجب
ان توقع الافضل يثير القوات الكامنه في الجسم لتحقيق هذا الذي نتوقعه ” ([53]).
************************
المبحث الرابع : التفاؤل ، والامل.
“يقصد بالتفاؤل : الايمان بالنتائج الايجابيه ، وتوقعها حتى في اصعب المواقف والازمات والتحديات” ([54])
ومن ثمراته ان يشعر المتفائل بسلطته وقوته وانه متحكم في حياته بحكمه وذكاء حتى في
مواجهه المشكلات المختلفه ([55]).
انني استطيع التاثير بايجابيه في سلوك الاخرين ، وحتى في نتيجه العمل المتوقعه لمهمه او
هدف ما وذلك عندما اكون متفائلا ، فان التفاؤل يجعل تاثير قوتك يتضاعف عده مرات
اكثر من تاثيرها الطبيعي([56]).
وقد كان هذا ديدن النبي rمحبا للتفاؤل وكارها ومجانبا لما يضاده من التشاؤم والتطير ،
فعن انس t عن النبي r :” قال : لا عدوى ولا طيره ([57])ويعجبني الفال
الصالح الكلمه الحسنة”([58]).
قال النووي في شرح الحديث : “وانما احب الفال لان الانسان اذا امل فائده الله
تعالى وفضله عند سبب قوى او ضعيف فهو على خير فى الحال “([59]).
وكان rيتفائل في كل المواقف في حياته ويطبقه واقعا عمليا ، فعن يعيش الغفاري tقال
: دعا رسول الله r بناقه يوما ، فقال : من يحلبها ؟ فقال رجل
: انا ، قال ما اسمك ؟ قال : مره ، قال : اقعد ،
ثم قام اخر فقال : ما اسمك ؟ ، قال : حرب قال: اقعد ،
ثم قام اخر فقال : ما اسمك ؟ ، قال : جمره ، قال :
اقعد ، ثم قام يعيش فقال : ما اسمك ؟ قال : يعيش ، قال
: احلبها “([60]).
قال ابن عبد البر القرطبي :” هذا عندي – والله اعلم – من باب الفال
الحسن فانه r كان يطلبه ويعجبه وليس من باب الطيره في شيء لانه محال ان
ينهى عن الطيره وياتها بل هو من باب الفال فانه كان r يتفاءل بالاسم الحسن”
([61]).
وفي حال الحرب التي تكون النفوس فيها مشدوده نرى الرسول الكريم rيتفاءل باسم المفاوض له
في الحرب ، فعندما جاءه وفد قريش وفيهم سهيل بن عمرو tقال r :” لقد
سهل لكم من امركم ” ، وفي روايه بلفظ :” سهل الله امركم”([62]).
قال ابن القيم :” وكان rياخذ المعاني من اسمائها في المنام ” ([63]) فعن انس
بن مالك tقال : قال رسول الله r :” رايت ذات ليله فيما يرى النائم
كانا في دار عقبه بن رافع فاتينا برطب من رطب بن طاب([64]) ، فاولت الرفعه
لنا في الدنيا والعاقبه في الاخره وان ديننا قد طاب”([65]).
فاخذ r الرفعه في الدين من اسم رافع ، والعاقبه لامته من اسم عقبه ،
وطيب الدين من اسم الرطب.
وكان هذا منهجه r في فتح ابواب الامل والتفاؤل لامته من بعده فعن ثوبان tقال
: قال رسول الله r :” ان الله زوى ([66])لي الارض فرايت مشارقها ومغاربها وان
امتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها “([67]).
” اننا نعيش في عصر يزداد سلبيه ومشحون بانفصام الصلات الاجتماعيه وتفسخ الايمان ، وشيئ
من التفاؤل يساعد على مكافحه الحزن الذي يخيم على حياتنا ، ويمنحنا الشجاعه والطاقه اللازمه
للتغلب على الازمات ” ([68]).
” وكون المرء ايجابيا يعتبر امرا اختياريا ، فنختار النظر الى الاشياء بطريقه ايجابيه ،
وكذلك نختار التركيز على العناصر الايجابيه في موقف ما ، وعلاوه على ذلك نستطيع البحث
عن الفوائد والمزايا ” ([69]).
” ان التفاؤل يجعلنا نشعر بدنيا بحال افضل ، فالمتفائلون يعيشون بصحه افضل من سواهم
، لان اجهزه المناعه لديهم تعمل بشكل افضل لحمايتهم” ([70]).
************************
تقديم النصيحه لهم .
وهذا مبدا اسلامي اصيل جاء من تفكير ايجابي في المبادره لتقديم الراي والمشوره الصادقه لمن
يحتاجها ، فالنصيحه معناها :” محبه الخير للمنصوح ” ([124])، وجعل النبي r الدين محصورا
في النصيحه فقال r:” الدين النصيحه قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمه المسلمين وعامتهم
“([125]).
ونجد ان الصحابه رضي الله عنهم قد فهموا المراد من حديث النبي فطبقوه واقعا عمليا
، فعن جريرt قال :” بايعت رسول الله r على السمع والطاعه والنصح لكل مسلم”
، فكان – جرير – اذا اشترى شيئا او باعه يقول لصاحبه اعلم ان ما
اخذنا منك احب الينا مما اعطيناكه فاختر “([126]).
قال ابن حجر في بيان النصيحه للمسلمين :” والنصيحه لعامه المسلمين الشفقه عليهم والسعي فيما
يعود نفعه عليهم وتعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه الاذى عنهم وان يحب لهم ما يحب
لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه “([127]).
 ابواب النفع للاخرين لا حدود لها.
يفتح النبي rابواب متعدده لمن اراد فعلا ايجابيا تعود فائدته على الغير ، فعن ابو
هريرةt قال رسول الله r:” كل سلامى([128]) من الناس عليه صدقه ، كل يوم تطلع
فيه الشمس قال تعدل بين الاثنين صدقه ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها او
ترفع له عليها متاعه صدقه ، قال : والكلمه الطيبه صدقه ، وكل خطوه تمشيها
الى الصلاه صدقه وتميط الاذى عن الطريق صدقة”([129]).
قال ابن حجر في شرح الحديث :” كانهم فهموا من لفظ الصدقه العطيه فسالوا عمن
ليس عنده شيء فبين لهم ان المراد بالصدقه ما هو اعم من ذلك “([130]).
” فكلما منحت دون توقع عائد او مردود ، اصبت المزيد من ابعد المصادر عن
توقعك ، وطالما واصلت غرس بذور الطيبه والخير سيعود عليك عملك من جهه غير متوقعه
على الاطلاق ، وفي وقت بعيد عن الاحتمال ، كل ما عليك القيام به هو
التاكد انك تقدم ما لديك على الدوام ، واما الثمار فسوف تنضج نفسها بنفسها” ([131]).
************************
المبحث الثالث: الموقف الايجابي من اخطاء الاخرين.
لما كان الوقوع في الخطا من الصفات اللازمه للانسان ولما قد يترتب على الخطا حين
وقوعه من تنافر القلوب وحدوث القطيعه بين الناس وهذا كله مما يضاد مقصدا من مقاصد
الشريعه وهو التالف بين البشر عموما ، وبين ابناء مله الاسلام خصوصا فقد ورد في
سنه النبي rعددا من القواعد التي تضبط النفس البشريه وترتقي بها الى مستوى اتخاذ مواقف
ايجابيه عند وقوع اختلاف مع الاخرين بسبب وقوعهم في خطا غير مقبول عند الطرف الاخر.
ومن المواقف الايجابيه في التعامل مع اخطاء الاخرين :
التثبت من المخطئ قبل الحكم على فعله.
فان طبيعه النفس البشريه ترغب في الاستعلاء واظهار النصر عند وقوع الخطا من طرف اخر
لما جبلت عليه النفوس من حب الاستعلاء ، ولما تبحث عنه النفس من تحقيق للذات
فاننا نجد النبي r يعلم امته الارتقاء بتفكيرهم ومواقفهم الايجابيه من اخطا الاخرين واول خطوات
النظر في اخطاء الاخرين هي التثبت فعن جابر tقال : دخل رجل يوم الجمعه والنبي
rيخطب فقال اصليت قال لا قال قم فصل ركعتين “([132]).
فبادر النبي الرجل بالاستفسار قبل الانكار ، وتثبت منه قبل ان يامره بتاديه الركعتين.
************************
الحرص على المصلحه العظمى في مقابل المصلحه الصغرى.
فقد تاخذ الانسان الغيره على دينه لما قد يراه من اخطا الاخرين ، ويجعله ذلك
يعمى عن رؤيه جانب اخر اكثر اهميه مما يحدث فيتعجل في الانكار في امر صغير
مما قد يسبب في وقوع منكر اكبر ، ويرشد النبي rامته الى التفكير الايجابي المتزن
وذلك بالتروي عند انكار المنكر فعن انس بن مالك t قال : بينما نحن في
المسجد مع رسول الله r اذ جاء اعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال اصحاب
رسول الله r : مه مه! ، قال : قال رسول الله r لا تزرموه
دعوه فتركوه حتى بال ، ثم ان رسول الله r دعاه فقال له : ان
هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر انما هي لذكر الله عز
وجل والصلاه وقراءه القران ، قال فامر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه
([133])عليه”([134]).
قال النووي :” وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا ايذاء اذا
لم يات بالمخالفه استخفافا او عنادا وفيه دفع اعظم الضررين باحتمال اخفهما لقوله ( دعوه
) و كان قوله ( دعوه ) لمصلحتين احداهما : انه لو قطع عليه بوله
تضرر واصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته اولى من ايقاع الضرر به ، والثانيه
: ان التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو اقاموه في اثناء بوله
لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيره من المسجد”([135]).
************************
البراءه من الفعل لا من الفاعل.
” ان اسلوب التركيز على سلوك الفرد عن الخطا بعيدا عن مس كرامته لهو اسلوب
يدفع الشخص الاخر الى الثقه في نفسه ويدفعه الى تعديل مساره ، ويترك له الباب
مفتوحا حتى يتصرف بشكل افضل ” ([136]).
” ان توجيه النقد الى هويه الفاعل كمن يقصف عاصمه بلد ما ، ومن يوجه
النقد الى السلوك فكانما هي مناوشه على الحدود ([137]).
فحين وقع من خالد بن الوليد tما وقع في شان الاسرى ، وكان في ذلك
مجانبا للصواب نجد النبي r يتبرا من سلوك خالد ولم يتبرا من شخصه ايوجه اللوم
الى ذاته ، قال عبد الله بن عمر t:” حتى قدمنا على النبي r فذكرناه
– اي ما وقع من خالد – فرفع النبي r يديه فقال : اللهم اني
ابرا اليك مما صنع خالد مرتين “([138]).
قال ابن حجر :” والذي يظهر ان التبرؤ من الفعل لا يستلزم اثم فاعله ولا
الزامه الغرامه فان اثم المخطئ مرفوع وان كان فعله ليس بمحمود ” ([139]).
” ان النقد الذي يحط من قدر الشخص ويزدري قيمته ينظر اليه باعتباره امرا مثبطا
، وتقل احتماليه الاستفاده من القوه الايجابيه لهذا النقد”([140]).
************************
الموازنه بين حسنات المخطئ وسيئته.
” فعندما تكون على معرفه بمزايا الشخص – الذي تنتقده- فان هذا يعطيك الفرصه للنظر
الى الشخص بصوره اكثر ايجابيه ، وهذا بدوره يساعدك على التحكم في الغضب والاحباط ،
وعندما تذكر الايجابيات بوضوح فان هذا يبعث للشخص الاخر برساله مفادها انك تستشعر مجهودته وتقدرها
، وبهذا تحافظ على احترام الشخص الاخر دون مساس به ، فضلا عن انه قد
يؤدي الى تعزيز هذا الاحترام ” ([141]).
ونجد هذا المستوى من النقد الذي ينبع من تفكير ايجابي اصيل واقعا عمليا في حياه
النبي r واقعا فعندما قام حاطب بن ابي بلتعه tباخبار قريش بامر تحرك جيش المسلمين
تعامل معه النبي rبارقى اسلوب قال حاطب مبيننا لسبب ما قام به من عمل :”
فاحببت اذ فاتني ذلك من النسب فيهم ان اتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ، ولم
افعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الاسلام”.
فقال رسول الله r : اما انه قد صدقكم ، فقال عمر: يا رسول الله
دعني اضرب عنق هذا المنافق ، فقال : انه قد شهد بدرا وما يدريك لعل
الله اطلع على من شهد بدرا فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم “([142]).
ومره اخرى في قصه المراه التي زنت يتجلى هذا التفكير الايجابي واقعا عمليا فعن عمران
بن حصين tقال :” امر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر : تصلي
عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال : لقد تابت توبه لو قسمت بين سبعين
من اهل المدينه لوسعتهم ، وهل وجدت توبه افضل من ان جادت بنفسها لله تعالى”([143]).
الله اكبر ما اعظمك يا رسول الله حين تامر بها فترجم لارتكابها كبيره من الكبائر
ثم تحفظ لها الفضل بتوبتها ورغبتها في ان تطهر نفسها من تبعات ذلك الذنب الفظيع
بان تتحمل كل تلك الالام في سبيل ان تخلص نفسها من غضب الله عليها ،
ثم تدافع عنها يا رسول الله وتعلم امتك كيف ينظرون الى اخطاء الاخرين بان لا
ينسوا ان ينظروا الى حسنات من قد وقع في الاثم.
************************
اشراك المخطئ في عمليه التصحيح.
فبالاستقراء نجد نصوص السنه النبويه زاخره بما يوجه ببناء الرقابه الذاتيه لدى اتباع الدين الاسلامي
لان هذه الرقابه هي الاقوى من الرقابه الخارجيه في تحفيز الانسان للعمل الصالح ، واكثر
صلابه في حجزه و منعه من الوقوع في الاثام ، فباستطاعه الانسان ان يتخلص من
الرقابه الخارجيه فيفعل ما يحلو له ، ونجد النبي rيعزز الرقابه الداخليه من خلال اشراك
الشخص الذي وقع منه الخطا او كاد ان يقع فيه حتى اصبح هذا الاسلوب اجدى
نفعا ، واقوى تاثيرا ، فعن ابي امامه tقال : ان فتى شابا اتى النبي
rفقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ، فاقبل القوم عليه فزجروه ، وقالوا
: مه مه ! ، فقال : ادنه فدنا منه قريبا ، قال : فجلس
، قال : اتحبه لامك ؟ ، قال : لا والله جعلني الله فداءك ،
قال : ولا الناس يحبونه لامهاتهم ، قال : افتحبه لابنتك ؟ قال : لا
والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم ،
قال : افتحبه لاختك ؟ ، قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال
: ولا الناس يحبونه لاخواتهم ، قال : افتحبه لعمتك ؟ قال : لا والله
جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم ، قال : افتحبه لخالتك
؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم ،
قال : فوضع يده عليه ، وقال : اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه ، وحصن
فرجه ، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت الى شيء”([144]) ، فانظر الى الخاتمه التي
وصل اليها النبي r مع هذا الشاب حتى اصبح بعد ذلك لا يلتفت الى شيء
مما كان يريد فعله ، كل هذا جاء من خلال مشاركته في الحوار.
” ان دفعك للشخص الذي تنتقده لمشاركتك في عمليه النقد امر مهم لاسباب عديده منها:
– ان دفع هذا الشخص للتفاعل الايجابي يعزز كثيرا من فرص ايجاد حل مثمر.
– يمكنك ان تستشعر من خلال هذا مدى اتفاق هذا الشخص معك فيما تقول.
– هذا الاسلوب يقلل الى اقصى قدر ممكن من احتمال تبني هذا الشخص لموقف دفاعي
” ([145]).
************************
المبحث الرابع : احترام الناس ، وتقدير منازلهم.
عندما يستخدم الانسان التفكير الايجابي في اقواله وافعاله وعلاقته مع الناس فان ذلك يوجد عنده
موازين ايجابيه معتدله تجعله يحترم الجميع ، ويعرف منازلهم فيعطي كل واحد منهم ما له
من حقوق الاحترام والتبجيل مهما كان صغيرا او كبيرا في السن شريفا او وضيعا في
النسب ، ويتجلى المنهج النبوي الكريم في احترام الناس من خلال عده امور:
قبول الناس كما خلقهم الله.
فيؤسس النبي rاساسا متينا لضبط العلاقات بين الناس بارساء مفهوم ايجابي ببيان اصل الناس وانه
لا تفاضل بينهم في اصل خلقتهم وانما يكون التفاضل بينهم فيما يتفاضلون فيه باختيارهم و
من كسب انفسهم بسلوكهم لمنهج التقوى التي هي اساس التفكير الايجابي والسلوك المثالي في علاقه
الانسان مع خالقه ، ومع من خلق الله فقال r :” يا ايها الناس الا
ان ربكم واحد وان اباكم واحد الا لا فضل لعربي على اعجمي ولا لعجمي على
عربي ولا لاحمر على اسود ولا اسود على احمر الا بالتقوى”([146]).
ويعزز النبي r هذا الميزان بذمه لما يضاد هذا الميزان من موازين خاطئه جاءت من
اعراف وتقاليد قسمت البشر الى طبقات باعتبارات تنم عن جهل باصل خلقه البشريه الواحد واعتبر
rانتقاص الاخرين وعيبهم بما ليس بعيب الى كون هذا الفعل من الجاهليه ذلك لان صاحب
هذا النمط من التفكير قد نظر نظره سلبيه من منظور تفكير سلبي الى هذا المخلوق
الذي كرمه الله قال ابو ذر الغفاري t:” كان بيني وبين رجل كلام وكانت امه
اعجميه فنلت منها فذكرني الى النبي r فقال : لي اساببت فلانا ، قلت: نعم
، قال : افنلت من امه ؟ قلت : نعم ، قال : انك امرؤ
فيك جاهليه “([147]).
************************
 احترام انسانيتهم .
الانسان ذلك الكائن الذي كرمه ربه ، ,اسجد له ملائكته ، وفضله على غيره من
المخلوقات لهو جدير بكل احترام لانسانيته .
ويضرب النبي rاروع الامثله في احترام انسانيه الانسان فحتى صغار السن كان ينالهم من احترام
النبي الشيء الكثير فعن انس بن مالك t: ان رسول الله r مر على غلمان
فسلم عليهم”([148]).
قال ابن بطال :” في السلام على الصبيان تدريبهم على اداب الشريعه وفيه طرح الاكابر
رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب “([149]).
وحتى لو كان الانسان مخالفا لنا في الدين فان ذلك لا يسمح لنا بان نحتقر
انسانيته ونهين كرامته الادميه فنجد رسولنا الكريم r يحفظ حق احد المخالفين له من الاحترام
الانساني حتى بعد موته فعن سهل بن حنيف وقيس بن سعد رضي الله عنهما قالا
:” ان النبي r مرت به جنازه فقام فقيل له انها جنازه يهودي فقال :
” اليست نفسا “([150]).
وحتى في حال الحرب r كان يامر بالمحافظه على انسانيه من مات من العدو في
ساحه المعركه فنهى عن التمثيل بجثث القتلى فعن عبد الله بن يزيد tعن النبي r
انه نهى عن النهبه و المثلة([151])”([152]).
************************
احترامهم ولو كانت مهنهم متدنيه .
ينحرف عند اصحاب التفكير السلبي ميزان النظر الى مراتب الناس فيصنفهم من خلال ما يقومون
به من عمل فينزلق في وحل الازدراء والاحتقار لهم لا لشيء وانما لانهم يقومون بعمل
لا يراه هو عملا شريفا ، ولكن هذا لم يكن عند معلم البشريه r ،
فعن ابي هريره t : ان امراه سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله r
فسال عنها ، فقالوا : ماتت ، قال : افلا كنتم اذنتموني ، قال :
فكانهم صغروا امرها فقال : دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها”([153]).
قال النووي :” وفيه بيان ما كان عليه النبي r من التواضع والرفق بامته وتفقد
احوالهم والقيام بحقوقهم والاهتمام بمصالحهم في اخرتهم ودنياهم “([154]).
************************
 احترام من كانت له سابقه في الخير.
معرفه منازل الناس من خلال افعالهم وما قدموه من سابقه في الخير ، فعندما وقع
بين احد اصحابه المتقدمين في الاسلام والعمل له والتضحيه من اجله مع اخر ممن اسلم
بعد فتح مكه قام النبي rمناصرا ومدافعا عمن كانت له سابقه خير ، وفاء منه
rلما قدموه وحفظا لحقهم المعنوي من واجب التبجيل والتقدير الذي يستحقونه اكثر من غيرهم فعن
ابي سعيد الخدري t قال : قال النبي r:” لا تسبوا اصحابي فلوا ان احدكم
انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه “([155]).
المبحث الخامس :التواصل الايجابي مع المجتمع.
فان من الحاجات الضروريه للانسان حاجته للانتماء ، وهذه الحاجه تفرض عليه ان تكون له
علاقه مع الاخرين ، وهذه العلاقه ان لم تكن ايجابيه تحقق للانسان مصالح دينيه او
دنيويه ، او تدفع عنه ضررا ماديا او معنويا ، ولا سبيل لعلاقه ايجابيه ما
لم تكن مؤسسه على فكر ايجابي يحفز الانسان ليتواصل مع غيره بايجابية.
” ان علاقتنا مع غيرنا هي تعبير عن تركيبتنا النفسيه والعقليه ،فهي جزء من صفاتنا
وجزء من حياتنا وتبين مقدار تقديرنا لذاتنا وصورتنا الذاتية” ([156]).
ان مهمه التواصل مع الغير ليست بالسهله اليسيره ، وليست بالصعبه المستحيله فان الحجه ماسه
لان يعيد الانسان النظر في الخلل في طرق اتصاله مع الغير.
” فاذا كنت تجد نفسك لا تتفق جيدا مع الاخرين ، ربما يكون ذلك بسبب
موقفك تجاههم او موقفهم تجاهك هو اقل من ايجابي ” ([157]).
من صور التواصل الايجابي التي تزخر بها السنه النبويه ما يلي :
ارسال الرسائل الايجابية.
الكلمه هي اكثر الرسائل استخداما في التواصل بين الناس ، وعلى حسب ما يختزنه المرسل
في ذهنه من تفكير ايجابي او سلبي تصدر عن نوعيه الرساله ، والانسان مخير لان
يختار الرساله ذات الدلالات الايجابيه او السلبيه ، فنجد الرسول الكريم r يحث على اختيار
الرسائل الايجابيه فعن عدي بن حاتم tقال : قال رسول الله r:” اتقوا النار ولو
بشق تمره فان لم تجد فبكلمه طيبه ” ([158]).
قال ابن بطال :” جعل الله في فطر الناس محبه الكلمه الطيبه والانس بها كما
جعل فيهم الارتياح بالمنظر الانيق والماء الصافي وان كان لا يملكه ولا يشربه “([159]).
“من القواعد التي يجب معرفتها في العلاقات مع الاخرين ان اثر الكلام الايجابي الذي نتكلمه
يعود علينا ايجابيا ، والكلام السلبي يعود علينا سلبيا ” ([160]).
والعاقل يسلك طريق الرسائل الايجابيه ويجتنب الرسائل السلبيه في تعامله مع الاخرين ، فعن ابي
هريره t قال : قال رجل :” يا رسول الله ان فلانه يذكر من كثره
صلاتها وصيامها وصدقتها غير انها تؤذي جيرانها بلسانها؟ ، قال : هي في النار.
قال : يا رسول الله فان فلانه يذكر من قله صيامها وصدقتها وصلاتها وانها تصدق
بالاثوار من الاقط([161]) ولا تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال : هي في الجنه ” ([162]).
” اذا كان ما يخرج من افواهنا هو تدفق لما هو مخزن في قلوبنا ،
فمن الحكمه ان نتامل جيدا المنبع ، نحن بحاجه الى ان نفحص الكلمات التي تنساب
على السنتنا او على وشك ان ننطق بها ، لكن الاهم هو اننا نحتاج الى
ان نسال انفسنا كيف وصلت الى هناك في المقام الاول”([163]).
************************
لتبسم في وجوه الاخرين.
اذا عجز الانسان عن التواصل اللفظي مع الاخرين من خلال الكلمات الايجابيه اما لعدم القدره
عن التعبير ، او لعدم اتساع الوقت لديه للحديث معهم فباستطاعته التواصل معهم بايجابيه بامر
لا يكلف كثيرا من الجهد و الوقت بالابتسامة.
ويرشد النبي rامته الى هذا المعنى بقوله لابي ذر t:” لا تحقرن من المعروف شيئا
ولو ان تلقى اخاك بوجه طلق “([164]).
” ابتسم ، فانه شخص نادر الذي لا يتجاوب مع الابتسامه ، فليس فقط تقوى
مشاعرك بالتصرفات الوديه ولكن عندما تبتسم يفرز دماغك هرمون الاندروفين ، المزيل الطبيعي للالم من
نظام الجسم ، وهكذا تنتهي بان تشعر بشكل افضل تجاه نفسك “([165]).
فعن ابي ذر t قال : قال رسول الله r :” تبسمك في وجه اخيك
لك صدقه “([166]).
قال المناوي :” يعني اظهارك له البشاشه والبشر اذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على
الصدقه قال بعض العارفين : التبسم والبشر من اثار انوار القلب “([167]).
قال محمد قطب :” والرسول المربي لا يريد ان يعرفنا بمنابع الخير فحسب، ولا ان
يعودنا على الخير فحسب. ولكني المح من وراء تعديد الصدقات، وتبسيطها حتى تصبح في متناول
الجميع، معنى اخر..
الاعطاء حركه ايجابية. ولذلك قيمه كبرى في تربيه النفوس.
فالنفس التي تتعود الشعور بالايجابيه نفس حيه متحركه فاعلة. بعكس النفس التي تتعود السلبيه فهي
نفس منكمشه منحسره ضئيلة.
والرسول r يريد للمسلم ان يكون قوه ايجابيه فاعلة، ويكره له ان يكون قوه سلبيه
حسيرة.
والشعور والسلوك صنوان في عالم النفس، كلاهما يكمل الاخر ويزيد في قوته.
ومن هنا حرص الرسول r على ان يصف حتى الاعمال الصغيره والهينه بانها صدقه بانها
اعطاء” ([168]).
” فالابتسامه هي اقوى علامه من علامات الشخص الواثق من نفسه ، والشخص المبتسم يبث
الثقه ، ويبث الراحه النفسيه في نفوس الاخرين”([169]).
فانظر كيف كان النبي rيربي في اصحابه المعاني العظيمه من خلال هذا السلوك الايجابي فعن
جرير رضي الله عنه قال :” ما حجبني النبي r منذ اسلمت ولا راني الا
تبسم ” ([170]).
************************
 التواصل بايجابيه حتى مع اصحاب القطيعة.
ان الذي يحمل بين جنبيه تفكيرا ايجابيا لا يسمح للتفكير السلبي ان يطغى على علاقاته
حتى مع من يقاطعه.
فعن ابي هريره t ان رجلا قال يا رسول الله ان لي قرابه اصلهم ويقطعوني
واحسن اليهم ويسيئون الي واحلم عنهم ويجهلون علي ، فقال : لئن كنت كما قلت
فكانما تسفهم المل([171]) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك “([172]).
قال النووي في شرح الحديث :” كانما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من
الالم بما يلحق اكل الرماد الحار من الالم ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم
الاثم العظيم في قطيعته وادخالهم الاذى عليه “([173]).
وصاحب التفكير الايجابي يبادر الى الفعل الايجابي في ظل اجواء الشقاق والخلاف مع غيره فعن
ابي ايوب الانصاري tان رسول الله rقال :” لا يحل لرجل ان يهجر اخاه فوق
ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدا بالسلام”([174]).
************************
الاستماع لهم ولمشكلاتهم.
ان المشاركه الوجدانيه والفعليه لمن يعاني امرا مما يخفف عن صاحبه ويحس بان هناك من
يقف معه في محنته فيدعو ذلك الى اطمئنان قلبه ،وراحه فكره من تحمل الماسي والالام
لوحده فيقتله الياس بمعاناته لوحده.
فعن انس بن مالك tقال :” كانت الامه من اماء اهل المدينه لتاخذ بيد رسول
الله r فتنطلق به حيث شاءت ” ([175]).
قال العيني في شرح الحديث :” والمراد من الاخذ بيده لازمه وهو الرفق والانقياد يعني
كان خلق رسول الله r على هذه المرتبه هو انه لو كان لامه حاجه الى
بعض مواضع المدينه وتلتمس منه مساعدتها في تلك الحاجه واحتاجت بان يمشي معها لقضائها لما
تخلف عن ذلك حتى يقضي حاجتها “([176]).
” فحين تستمع بتقمص الى شخص اخر فانك تعطيه متنفسا نفسيا ، وحين تشبع لديه
تلك الحاجه الحيويه تستطيع ان تركز على التاثير عليه او حل المشكله ، والحاجه الى
متنفس نفسي لها وقعها على الاتصال في جميع مجالات الحياه ” ([177]).
************************
المشاركه لهم في افراحهم واتراحهم.
فقد كان النبي rيشارك الصحابه افراحهم العامه وذلك حينما حضر rاحتفال العيد ، واين اقيم
الاحتفال ؟ في مسجده r، فعن عائشه رضي الله عنها قالت :” وكان يوم عيد
يلعب السودان بالدرق والحراب فاما سالت رسول rواما قال تشتهين تنظرين فقالت نعم فاقامني وراءه
خدي على خده”([178]).
ويندب rاتباعه لمشاركه الاخرين افراحهم الخاصه حين توجه لهم الدعوه ، ويعتبر التخلف عن الحضور
معصيه فعن بن عمر tان النبي قال :” اذا دعي احدكم الى وليمه عرس فليجب
” ([179]).
و قال ابو هريره t:” ومن ترك الدعوه فقد عصى الله تعالى ورسوله e” ([180])
، وهذا في حكم المرفوع الى النبي e.
واما مشاركتهم فيما قد يصيب الواحد من المجتمع فانه في تلك الحاله اشد ما يكون
حاجه الى من يقف بجواره يواسيه او يسلي عنه عندها يحس بمجتمعه واقفا معه يشد
ازره ويعينه على نوائب الدهر فعن ابي هريره tقال : قال رسول الله r :”
من اصبح منكم اليوم صائما ؟ ، قال ابو بكر t : انا ، قال
: فمن تبع منكم اليوم جنازه ؟ قال ابو بكر t: انا ، قال :
فمن اطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال ابو بكر t : انا ، قال فمن
عاد منكم اليوم مريضا ، قال : ابو بكر t: انا ، فقال رسول الله
r : ما اجتمعن في امرىء الا دخل الجنة” ([181]).
وفي هذا الحديث اربعه افعال فعلها ابو بكر الصديق يومه ذاك فاستحق بهذه الافعال الجنه
، ثلاثه من تلك الافعال هي من المشاركه الايجابيه للاخرين فيما اصابهم ، الاول :
مشاركه ايجابيه في لتخفيف حزن مفجوع بفقد قريب ، والثاني : مشاركه ايجابيه لتخفيف الم
مريض ، والثالثه : مشاركه ايجابيه لتخفيف جوع محتاج.
وبهذه الفعال الانسانيه يتالف المجتمع وتقوى اواصر الموده ، وتشيع الالفه بدل القطيعة.
” فالالفه هي الاداه الوحيده لتحقيق النتائج مع الاشخاص الاخرين ، والقدره على توطيد الالفه
تعتبر احدى اهم المهارات التي يمكن ان يتمتع بها الانسان” ([182]).
وهذا تعويد للمسلم ان يعطي من وقته وجهده اليومي للتواصل بايجابيه مع الاخرين ويزداد عطاءه
اتساعا حين يعطي شيئا من عواطف الرحمه ، والشفقه ، والبر بالاخرين .
” فكلما زاد عطاؤك كلما شعرت براحه اكبر ، وكلما اصبح العطاء اسهل ، فلا
توجد هناك ميزه بشريه اهم من مشاركه الغير ، ولا يوجد هناك مصدر سعاده حقيقيه
افضل من عمل الخير” ([183]).
************************
 الحفاظ على التواصل الايجابي تحت ضغط المواقف السلبية.
” يصبح الموقف الايجابي مسيطرا ومعززا ذاتيا وقادرا على الاستمرار عندما تسير الامور على خير
ما يرام ، ولكن الانسان بطبيعته يعلم ان هناك احداثا تلوح في الافق لاختبار قدرته
على الحفاظ على هذا الموقف” ([184]).
فعندما يتعرض الانسان للضغط النفسي من مواقف سلبيه تصدر من الاخرين يظهر عند ذلك الانسان
على حقيقته ، فان كانت مواقفه ايجابيه من الاخرين صادقه ونابعه من فكر ايجابي ومؤسسه
على بنيان فكري سليم فان الانسان يحافظ على تلك الايجابيه مهما اختلفت الازمنه والامكنه ،
وان كانت مبنيه على جرف هار ومؤسسه على مواقف مصطنعه فسرعان ما يظهر المرء على
حقيقته ، ويبان للعيان تفكيره الذي احدث رده فعله السلبيه ، وقد ضرب لنا رسول
اروع الامثله باظهار المواقف الايجابيه في كل المواقف السلبيه التي تعرض لها ومن ذلك ما
جاء عن انس بن مالك tقال : “كنت امشي مع رسول الله r وعليه رداء
نجراني غليظ الحاشيه فادركه اعرابي فجبذه بردائه جبذه شديده نظرت الى صفحه عنق رسول الله
r وقد اثرت بها حاشيه الرداء من شده جبذته ، ثم قال : يا محمد
مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت اليه رسول اللهr فضحك ، ثم
امر له بعطاء “([185]).
انظر الى قول الراوي : فضحك ، رده فعل ايجابيه على تصرف سلبي من جاهل
، ولم يمنعه ذلك الاعتداء و الفظاظه من الاعرابي من اكمال الرد الايجابي فامر له
بعطاء ، قال النووي :” فيه احتمال الجاهلين والاعراض عن مقابلتهم ودفع السيئه بالحسنه واعطاء
من يتالف قلبه والعفو عن مرتكب كبيره لا حد فيها بجهله واباحه الضحك عند الامور
التي يتعجب منها في العاده وفيه كمال خلق رسول الله r وحلمه وصفحه الجميل “([186]).
التفهم الايجابي لمشاعر الاخرين.
فان تصرفات الانسان منبعها ما يختلج في نفسه من فكر ، وصاحب التفكير الايجابي ينظر
الى تصرفات الاخرين نظره ايجابيه تبعده عن اوهام سؤ الظن بهم ، ويبادر الى اظهار
ما لديه من تفسيرات لافعال الاخرين حتى يبقى مرتاح الضمير وحتى لا تتراكم التفسيرات السلبيه
فتصل به اتخاذ مواقف سلبيه من الاخرين اما بالهجوم عليهم او بالانسحاب السلبي من حياه
من يحب او يعاشر.
فعن عائشه رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله r :” اني لاعلم اذا
كنت عني راضيه واذا كنت علي غضبى قالت فقلت من اين تعرف ذلك ؟ فقال
: اما اذا كنت عني راضيه فانك تقولين : لا ورب محمد واذا كنت غضبى
، قلت : لا ورب ابراهيم قالت : قلت اجل والله يا رسول الله ما
اهجر الا اسمك “([187]).
قال ابن حجر :” يؤخذ منه استقراء الرجل حال المراه من فعلها وقولها فيما يتعلق
بالميل اليه وعدمه والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك ” ([188]).
” بنيت العلاقات الناجحه دائما على الاحترام المتبادل ، لذا عليك ان تنفتح على الاخرين
، وان تخبرهم بمدى تاثيرهم عليك ، ومن ثم فانهم يقدرون ان تخبرهم بتفاصيل ما
يروقك ، وان تعبر لهم عن مشاعرك وافكارك تجاههم “([189]).
************************
Previous post
اجمل كلمات و خواطر حزينه , الخاطرة الحزينة تقتل
Next post
شعر احبك حبيبي رومانسي