بحث عن غزوه بدر الكبرى في السيره النبوية
غزوه بدر (وتسمى ايضا غزوه بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان) هي غزوه وقعت في
السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجره (الموافق 13 مارس 624م) بين المسلمين
بقياده رسول الاسلام محمد،وقبيله قريش ومن حالفها من العرب بقياده عمرو بن هشام المخزومي القرشي.
وتعد غزوه بدر اول معركه من معارك الاسلام الفاصلة وقد سميت بهذا الاسم نسبه الى منطقه
بدر التي وقعت المعركه فيها، وبدر بئر مشهوره تقع بين مكه والمدينه المنورة.[2]
بدات المعركه بمحاوله المسلمين اعتراض عير لقريش متوجهه من الشام الى مكه يقودها ابو سفيان
بن حرب، ولكن ابا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وارسل رسولا الى قريش يطلب عونهم
ونجدتهم، فاستجابت قريشوخرجت لقتال المسلمين. كان عدد المسلمين في غزوه بدر ثلاثمئه وبضعه عشر رجلا،
معهم فرسان وسبعون جملا، وكان تعداد جيش قريش الف رجل معهم مئتا فرس، اي كانوا
يشكلون ثلاثه اضعاف جيش المسلمينمن حيث العدد تقريبا. وانتهت غزوه بدر بانتصار المسلمين على قريش
وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وكان عدد من قتل من قريش في غزوه بدر سبعين
رجلا واسر منهم سبعون اخرون، اما المسلمون فلم يقتل منهم سوى اربعه عشر رجلا، سته
منهم من المهاجرين وثمانيه من الانصار. تمخضت عن غزوه بدر عده نتائج نافعه بالنسبه للمسلمين،
منها انهم اصبحوا مهابين في المدينه وما جاورها، واصبح لدولتهم مصدر جديد للدخل وهو غنائم
المعارك، وبذلك تحسن حال المسلمين المادي والاقتصادي والمعنوي.
سبب المعركة
خرج رسول الاسلام محمد في شهري جمادى الاولى وجمادى الاخره سنه 2 ه في مئه
وخمسين او مئتين من المهاجرين لاعتراض عير لقريش ذاهبه من مكه الىالشام، فلما وصل مكانا
يسمى “ذا العشيرة” وجد العير قد فاتته بايام.[1] فلما اقترب رجوع العير من الشام الى
مكة، بعث الرسول محمد طلحه بن عبيد الله وسعيد بن زيد الى الشمال ليقوما باكتشاف
خبرها، فوصلا الى منطقه تسمى الحوراء، ومكثا حتى مر بهما ابو سفيان بن حرب بالعير،
فاسرعا الى المدينه واخبرا الرسول محمدا بالخبر.[1] وقد كانت هذه العير قافله تجاريه كبيره قادمه
من الشام تحمل اموالا عظيمه لقريش، وكان يقودها ابو سفيان، ويقوم على حراستها بين ثلاثين
واربعين رجلا.
لقد ارسل الرسول محمد بسبس بن عمرو ليقوم بجمع المعلومات عن القافلة، فلما عاد بسبس
بالخبر اليقين، ندب الرسول محمد اصحابه للخروج وقال لهم: «هذه عيرقريش فيها اموالهم فاخرجوا اليها
لعل الله ينفلكموها»،[4] ولكن الرسول محمدا لم يعزم على احد بالخروج، لانه لم يكن يتوقع
عند هذا الخروج انه خارج للقتال في معركه مع قريش، ولذلك تخلف كثير من الصحابه
في المدينة، ولم ينكر على احد تخلفه في هذه الغزوة ومن المؤكد انه حين خرج الرسول
محمد من المدينه لم يكن في نيته قتال، وانما كان قصده عير قريش التي كانت
فيها اموال كان جزء منها للمهاجرين المسلمين من اهل مكة، وقد استولت عليها قريش ظلما
وعدوانا.
خروج المسلمين من المدينه المنورة
وقد كتم النبي خبر الجهه التي يقصدها عندما اراد الخروج الى بدر، حيث قال: «ان
لنا طلبه فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا».[14] وبعد خروج المسلمين من المدينه في طريقهم
الى ملاقاه عير ابي سفيان، وصلوا الى منطقه تسمى “بيوت السقيا” خارج المدينة، فعسكر فيها
المسلمون، واستعرض الرسول محمد من خرج معه فرد من ليس له قدره على المضي والقتال
من جيش المسلمين، ومنهم البراء بن عازب، وعبد الله بن عمرلصغرهما، وكانا قد خرجا مع
جيش المسلمين راغبين وعازمين على الاشتراك في الجهاد.قد كان عدد الصحابه الذين رافقوا الرسول محمدا
في غزوته هذه الى بدر بضعه عشر وثلاثمئه رجل،[10]وقيل بانهم ثلاثمئه وتسعه عشره رجلا،[11] وقيل
ان عدد الصحابه البدريين ثلاثمئه واربعون صحابيا،[12]وقيل هم ثلاثمئه وثلاثه عشر او اربعه عشر او
سبعه عشر، واحد وستون منهم من الاوس، ومئه وسبعون منالخزرج، والباقي من المهاجرين.[1] وكانت قوات
المسلمين في غزوه بدر لا تمثل القدره العسكريه القصوى للدوله الاسلامية، ذلك انهم انما خرجوا
لاعتراض قافله واحتوائها، ولم يكونوا يعلمون انهم سوف يواجهون قوات قريش واحلافها مجتمعه للحرب.[5] فلم
يكن معهم الا فرسان، فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الاسود الكندي، وكان معهم
سبعون بعيرا،[1] ونظرا لقله عدد البعير مقارنه بعدد المسلمين، فان المسلمين كانوا يتناوبون ركوب البعير،
قال ابن مسعود: كنا يوم بدر كل ثلاثه على بعير، كان ابو لبابه وعلي بن
ابي طالب زميلي رسول الله
، وكانت عقبه رسول الله، فقالا: «نحن نمشي عنك»، فقال: «ما انتما باقوى مني، ولا
انا باغنى عن الاجر منكما».
ودفع الرسول محمد لواء القياده العامه الى مصعب بن عمير العبدري القرشي، وكان هذا اللواء
ابيض اللون، وقسم جيشه الى كتيبتين: كتيبه المهاجرين، واعطى علمها علي بن ابي طالب، وكتيبه
الانصار، واعطى علمهاسعدا بن معاذ، وجعل على قياده الميمنه الزبير بن العوام، وعلى الميسره المقداد
بن عمرو -وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش- وجعل على الساقه قيس بن ابي صعصعة،
وظلت القياده العامه في يده هو.
وفي اثناء سير الرسول محمد وصحبه، التحق احد المشركين راغبا بالقتال مع قومه، فرده الرسول
وقال: «ارجع فلن استعين بمشرك»، وكرر الرجل المحاوله فرفض الرسول حتى اسلم الرجل والتحق بالمسلمين.
خروج قريش من مكة
بلغ ابا سفيان خبر مسير الرسول محمد باصحابه من المدينه المنوره بقصد اعتراض قافلته واحتوائها،
فبادر الى تحويل مسارها الى طريق الساحل، كما ارسلضمضم بن عمرو الغفاري الكناني الى قريش
ليستنفرهم لانقاذ اموالهم وليخبرهم ان النبي محمدا عرض لها في اصحابه،[17] فقد كان ابو سفيان
يتلقط اخبار المسلمينويسال عن تحركاتهم، بل يتحسس اخبارهم بنفسه، فقد تقدم الى بدر بنفسه، وسال
من كان هناك: «هل رايتم من احد؟»، قالوا: «لا، الا رجلين»، قال: «اروني مناخ ركابهما»،
فاروه، فاخذ البعر ففته فاذا هو فيه النوى، فقال: «هذا والله علائف يثرب»،[18] فقد استطاع
ان يعرف تحركات عدوه، حتى خبر السريه الاستطلاعيه عن طريق غذاء دوابها، بفحصه البعر الذي
خلفته الابل، اذ عرف ان الرجلين من المدينه اي من المسلمين، وبالتالي فقافلته في خطر،
فارسل ضمضم بن عمرو الغفاريالكناني الى قريش وغير طريق القافلة، واتجه نحو ساحل بحر القلزم
(البحر الاحمر حاليا).[19]
وصل ضمضم بن عمرو الغفاري الى مكة، وقد حول رحله وجدع انف بعيره، وشق قميصه
من قبل ومن دبر، ودخل مكه وهو ينادي باعلى صوته: «يا معشرقريش، اللطيمة، اللطيمة، اموالكم
مع ابي سفيان قد عرض لها محمد في اصحابه، لا ارى ان تدركوها، الغوث، الغوث».[20]
فتحفز الناس سراعا، وقالوا: «ايظنمحمد واصحابه ان تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا، والله ليعلمن غير
ذلك»، فكانوا بين رجلين: اما خارج، واما باعث مكانه رجلا، واوعبوا في الخروج، فلم يتخلف
من اشرافهم احد سوى ابي لهب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، فانه عوض عنه رجلا
كان له عليه دين، ولم يتخلف عنهم احد من بطون قريش الا بني عدي، فلم
يخرج منهم احد.[1]
ولما فرغوا من جهازهم واجمعوا على المسير تذكرت قريش ما كان بينهم وبين بني بكر
بن عبد مناه بن كنانه من الحرب، وكاد ذلك ان يثنيهم عن الخروج وقالوا: «انا
نخشى ان ياتونا من خلفنا»، وكانت الحرب بين قريش وبني بكر بن عبد مناه لدماء
بينهم، ويعتقد المسلمون ان ابليس تمثل لهم على صوره سراقه بن مالك المدلجي الكناني، وكان
سراقه احد اشراف كنانة، وقال لهم: «لا غالب لكم اليوم من الناس وانا جار لكم
من ان تاتيكم كنانه بشيء تكرهونه»، فخرجوا سراعا.[21][22]وقد نزل قول الله تعالى في القران يصف
هذه الحادثة:
واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم
فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني بريء منكم اني ارى ما لا ترون
اني اخاف الله والله شديد العقاب
.[23]
وكان قوام جيش قريش نحو الف وثلاثمئه مقاتل في بدايه سيره، وكان معه مئه فرس
وستمئه درع، وجمال كثيره لا يعرف عددها بالضبط، وكان قائده العام ابا جهلوهو عمرو بن
هشام المخزومي القرشي، وكان القائمون بتموينه تسعه رجال من اشراف قريش، فكانوا ينحرون يوما تسعا
ويوما عشرا من الابل.[1] وقيل ان عدد جيش قريش كان الفا،[24] وكان معهم مئتا فرس
يقودونها الى جانب جمالهم، ومعهم القيان يضربون بالدفوف، ويغنين بهجاء المسلمين.[6]
وعندما تاكد ابو سفيان من سلامه القافله ارسل الى زعماء قريش وهو بالجحفه برساله اخبرهم
فيها بنجاته والقافلة، وطلب منهم العوده الى مكة، الا ان ابا جهل قام فقال: «والله
لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف
لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا ابدا»،[1] ولكن بني زهره عصوه
وانشقوا عن الجيش وعادوا الى مكة،[25] وكانت بنو عدي قبلهم قد تخلفت عن الخروج، اما
غالبيه قوات قريش واحلافهم فقد تقدمت حتى وصلت بدرا.[17]
وصول خبر خروج قريش للمسلمين
لما بلغ الرسول محمدا خبر نجاه القافله واصرار زعماء مكه على قتال المسلمين استشار اصحابه
في الامر،[26] وحينئذ تزعزعت قلوب فريق من الناس، وخافوا اللقاء الدامي، فنزلت فيهم ايات من
سوره الانفال تصف امرهم:
كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون
يجادلونك في الحق بعدما تبين كانما يساقون الى الموت وهم ينظرون
واذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكه تكون لكم ويريد
الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين
ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
.[1][27] وقد اجمع قاده المهاجرين على تاييد فكره التقدم لملاقاه العدو،[28] ومنهم ابو بكر وعمر
بن الخطاب والمقداد بن الاسود، فقد قال المقداد بن الاسود(وهو من الصحابه المهاجرين) للرسول محمد:
«يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى:
قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا انا
هاهنا قاعدون
[29] ولكن امض ونحن معك».[30]، وفي روايه اخرى عن عبد الله بن مسعود قال:
«شهدت من المقداد بن الاسود مشهدا لان اكون صاحبه احب الي مما عدل به: اتى
النبي
وهو يدعو على اعدائه فقال: “لا نقول كما قال قوم موسى:
قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا انا
هاهنا قاعدون
، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك”، فرايت الرسول
اشرق وجهه وسره.[31]»
الا ان هؤلاء القاده الثلاثه الذين تكلموا كانوا من المهاجرين، وهم اقليه في الجيش، فاحب
الرسول محمد ان يعرف راي قاده الانصار، لانهم كانوا يمثلون اغلبيه الجيش، ولان بيعه العقبه
الثانيه لم تكن في ظاهرها ملزمه لهم بحمايه الرسول محمد خارج المدينة، فقال: «اشيروا علي
ايها الناس»،[5] وقد ادرك الصحابي الانصاري سعد بن معاذ (وهو حامل لواء الانصار) مقصد الرسول
من ذلك، فنهض قائلا: «والله لكانك تريدنا يا رسول الله»، فقال الرسول محمد: «اجل»، قال:
بعد المعركةوقام سعد بن عبادة، فقال: «ايانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده، لو
امرتنا ان نخيضها البحر لاخضناها، ولو امرتنا ان نضرب اكبادها الى برك الغماد لفعلنا»،[33] فقال
الرسول محمد: «سيروا وابشروا فان الله تعالى قد وعدني احدى الطائفتين، والله لكاني انظر الى
مصارع القوم».
انتهت معركه بدر بانتصار المسلمين على قريش، وكان قتلى قريش سبعين رجلا، واسر منهم سبعون
اخرون، وكان اكثرهم من قاده قريش وزعمائهم، وقتل منالمسلمين اربعه عشر رجلا.
منهم سته من المهاجرين هم:
- عبيده بن الحارث المطلبي القرشي.
- عمير بن ابي وقاص الزهري القرشي.
- صفوان بن وهب الفهري القرشي.
- عاقل بن البكير الليثي الكناني.
- ذو الشمالين بن عبد عمرو الخزاعي.
- مهجع بن صالح العكي.
وثمانيه من الانصار هم:
- سعد بن خيثمه الاوسي.
- مبشر بن عبد المنذر العمري الاوسي.
- يزيد بن الحارث الخزرجي.
- عمير بن الحمام السلمي الخزرجي.
- رافع بن المعلى الزرقي الخزرجي.
- حارث بن سراقه النجاري الخزرجي.
- معوذ بن الحارث النجاري الخزرجي.
- عوف بن الحارث النجاري الخزرجي.
ولما تم النصر وانهزم جيش قريش ارسل الرسول محمد عبد الله بن رواحه وزيد بن
حارثه ليبشرا المسلمين في المدينه بانتصار المسلمين وهزيمه قريش.
ومكث الرسول محمد في بدر ثلاثه ايام بعد المعركة، فقد روي عن انس انه قال:
“انه
كان اذا ظهر على قوم اقام بالعرصه ثلاث ليال”.ودفن من قتل منالمسلمين في ارض المعركة،
ولم يرد ما يشير الى الصلاه عليهم، ولم يدفن احد منهم خارج بدر،ووقف الرسول محمد
على القتلى من قريش فقال: «بئس عشيره النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني
الناس، واخرجتموني واواني الناس»، ثم امر بهم، فسحبوا الى قليب من قلب بدر فطرحوا فيه، ثم
وقف عليهم فقال: «يا عتبه بن ربيعة، ويا شيبه بن ربيعة، ويا فلان، ويا فلان،
هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فاني وجدت ما وعدني ربي حقا»، فقال عمر بن
الخطاب: «يا رسول الله! ما تخاطب من اقوام قد جيفوا؟»، فقال: «والذي نفس محمد بيده،
ما انتم باسمع لما اقول منهم»