بحث عن السيدة خديجه , معلومات شامله وكامله عن ام المؤمنين⁦❤️⁩

بحث عن السيده خديجه

خديجه بنت خويلد بن اسد القرشيه (68 ق.ه – 3 ق.ه/ 556م – 620م) ام
المؤمنين واولى زوجات النبي محمد وام كل ابنائه ما عدا ولده ابراهيم

،[1] تزوجت خديجه قبل زواجها بالنبي مرتين، الاولى من عتيق بن عابد المخزومي الذي مات
عنها، ثم تزوجت بابي هاله بن النباش بن زراره التميمي حليف بني عبدالدار فمات عنها
ايضا، وانجبت من كليهما، كانت خديجه من اغنياء قريش واكرمهم نسبا، وعرف عنها طيب اخلاقها
ورجاحه عقلها، وكانت تلقب بالطاهرة،[2] تزوجت خديجه من الرسول وهي في عمر الاربعين وكان في
عمر الخامسه والعشرين، وانجبت له سته ابناء: القاسم وعبد الله وزينب وام كلثوم ورقيه وفاطمة.[1]

عاشت خديجه مع النبي فتره ما قبل البعثة، وكانت تستشعر نبوه زوجها، فكانت تعتني ببيتها
وابنائها، وتسير قوافلها التجارية، وتوفر للنبي مؤونته في خلوته عندما كان يعتكف ويتعبد في غار
حراء، وعندما انزل الله وحيه على النبي كانت خديجه اول من صدقته فيما حدث، وذهبت
به الى ابن عمها ورقه بن نوفل الذي بشره بانه نبي الامة، فكانت اول من
امن بالنبي من الرجال والنساء، واول من توضا وصلى،[3] وظلت بعد ذلك صابره مصابره مع
الرسول في تكذيب قريش وبطشها بالمسلمين، حتى وقع حصار قريش على بني هاشم وبني المطلب
في شعب ابي طالب، فالتحقت بزوجها في الشعب، وعانت ما عاناه بنو هاشم من جوع
ومرض مده ثلاث سنين، وبعد ان فك الحصار عن الرسول ومن معه مرضت خديجة، وما
لبثت ان توفيت بعد وفاه عم النبي ابي طالب بن عبد المطلب بثلاثه ايام وقيل
باكثر من ذلك، في شهر رمضان قبل هجره الرسول بثلاث سنين عام 629م وعمرها خمس
وستون سنة، وكان مقامها مع الرسول بعدما تزوجها اربعا وعشرين سنه وسته اشهر، ودفنها الرسول
بالحجون (مقبره المعلاة).

تحظى خديجه بنت خويلد بمكانه كبيره ومنزله عظيمه عند جميع الطوائف الاسلامية،[1][4] فقد روى ابو
هريرة: «قال رسول الله: خير نساء العالمين اربع: مريم بنت عمران، وابنه مزاحم امراه فرعون،
وخديجه بنت خويلد، وفاطمه بنت محمد»،[5] واتى جبرائيل الى النبي مره فقال: «يا رسول الله،
هذه خديجه قد اتتك معها اناء فيه ادام او طعام او شراب، فاذا هي اتتك
فاقرا عليها السلام من ربها عز وجل ومني، وبشرها ببيت في الجنه من قصب لا
صخب فيه ولا نصب».[6]

نسبها

• هي خديجه بنت خويلد بن اسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مره
  بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن
  كنانه بن خزيمه بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان،
  يلتقي نسبها بنسب الرسول في قصي بن كلاب.
• ابوها خويلد بن اسد، كان سيدا من سادات قريش، يروى انه وقف وواجه اخر التبابعه
  ملوك اليمن، وحال بينه وبين اخذه للحجر الاسود،[7] كما كان ضمن الوفد الذي ارسلته قريش
  الى اليمن لتهنئه سيف بن ذي يزن عندما انتصر على الاحباش وطردهم من اليمن بعد
  عام الفيل بسنتين.[8]
• امها فاطمه بنت زائده بن الاصم بن رواحه بن حجر بن عبد بن معيص بن
  عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانه
  بن خزيمه بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان،[9] وجدتها
  هاله بنت عبد مناف بن قصي بن كلاب.
• اقاربها: عمها عمرو بن اسد كان بعد وفاه ابيها يوم حرب الفجار زعيم قومه، اختها
  هاله بنت خويلد ام ابو العاص بن الربيع الذي تزوج بابنتها زينب بنت محمد، ابناء
  اخوتها حكيم بن حزام والزبير بن العوام حواري الرسول، ابن عمها ورقه بن نوفل.[10]

سيرتها قبل الاسلام

ولدت خديجه بنت خويلد في مكه قبل ولاده الرسول محمد بخمسه عشر عاما، اي على
وجه التقريب ولدت في عام 556م،[11] نشات وترعرعت في بيت جاه ووجاهه وايمان وطهاره سلوك،
حتى سميت بالطاهره وعرفت بهذا اللقب قبل الاسلام، وكانت كثيرا ما تتردد على ابن عمها
ورقه بن نوفل تعرض عليه مناماتها، وكل ما يمر بها من احساس ورؤيا تراها، او
هاجس تحس به.[12]

زواجها

ما ان بلغت خديجه سن الزواج حتى اصبحت محط انظار شباب قريش واشراف العرب، فقد
كانت فتاه جميله راجحه العقل كريمه الاصل ومن اعرق بيوت قريش نسبا، فتزوجها ابو هاله
بن زراره بن النباش التميمي، وعاشت معه مده ليست بالطويلة، ورزقت منه بولدين هما: هند
وهالة، ثم توفي تاركا لها ثروه ضخمة،[13] ثم تزوجت من بعده بعتيق بن عائذ المخزومي،
ثم طلقها وقيل: بل توفي عنها بعد ان رزقت منه ببنت اسمها هند،[13][14] قال الامام
الذهبي: «كانت خديجه اولا تحت ابي هاله بن زراره التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق
بن عابد بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم، ثم بعده النبي، فبنى بها وله
خمس وعشرون سنة، وكانت اسن منه بخمس عشره سنة»،[15] وقال البلاذري: «وكانت خديجه قبل رسول
الله عند ابي هاله هند بن النباش بن زراره الاسيدي من تميم، فولدت له هند
بن ابي هاله سمي باسم ابيه، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد
الله بن عمر بن مخزوم، فطلقها فتزوجها النبي، وكانت مسماه لورقه بن نوفل، فاثر الله
عز وجل بها نبيه».[16]

تجارتها

كانت خديجه ترسل الرجال في تجارتها الى الشام واليمن، وكانت دائمه التدقيق والتمحيص فيمن تختاره
حتى تضمن سلامه اموالها وعظيم ربحها، فلما بلغها عن محمد ما بلغها من صدق حديثه
وعظم امانته وكرم اخلاقه، تذكرت عندما كانت تجلس مع نساء اهل مكه يوم اجتمعن في
عيد لهن في الجاهلية، فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى باعلى صوته: يا نساء تيماء
انه سيكون في بلدكن نبي يقال له احمد يبعث برساله الله فايما امراه استطاعت ان
تكون زوجا له فلتفعل، فحصبته النساء وقبحنه واغلظن له واغضت خديجه على قوله ولم تعرض
له فيما عرض له النساء،[17] فبعثت اليه فعرضت عليه ان يخرج في مالها تاجرا الى
الشام، وقيل بل ان ابو طالب بن عبد المطلب عم الرسول هو من اشار اليه
بالعمل في تجاره خديجه وقال له: «انا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا،
وهذه عير قومك قد حضر خروجها الى الشام، وخديجه بنت خويلد تبعث رجالا من قومك
في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لاسرعت اليك».[18] وبلغ خديجه ما كان من محاوره
الرسول وعمه، فارسلت اليه في ذلك، وقالت: انا اعطيك ضعف ما اعطي رجلا من قومك،
فقال ابو طالب: هذا رزق قد ساقه الله اليك، فخرج مع غلام خديجه ميسرة، واوصته
ان يقوم على خدمته والا يخالف له امرا وان يرصد لها احواله، وجعل عمومه الرسول
يوصون به اهل العير، فلما قدما بصرى من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال نسطور
الراهب: ما نزل تحت هذه الشجره قط الا نبي، ثم قال لميسرة: افي عينيه حمره
قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو اخر الانبياء، ثم باع سلعته، فوقع
بينه وبين رجل تلاح، فقال رجل احلف باللات والعزى، فقال الرسول: ما احلف بهما قط
واني لامرؤ، فاعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده
احبارنا منعوتا في كتبهم، وكان ميسره اذا كانت الهاجره واشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول
من الشمس، فوعى ذلك كله ميسرة، وكان الله قد القى عليه المحبه من ميسرة، فكان
كانه عبد له، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا كانوا بمر الظهران
وقال ميسرة: يا محمد انطلق الى خديجة، فاخبرها بما صنع الله لها على وجهك فانها
تعرف لك ذلك، فتقدم محمد حتى دخل مكه في ساعه الظهيرة، وخديجه في عليه لها
فراته وهو على بعيره، ودخل عليها فاخبرها بما ربحوا في تجارتهم، فسرت بذلك، فلما دخل
عليها ميسره اخبرها بما قال الراهب نسطور، وبما قال الاخر الذي خالفه في البيع، وكانت
قد ربحت ضعف ما كانت تربح، واضعفت لمحمد ضعف ما سمت له.[18]

زواجها بالرسول

اخذت خديجه تفكر في امر محمد بعدما سمعته من غلامها ميسرة، وبعدما رات من امانته
وصدقه، فافضت بسرها لصديقتها نفيسه اخت الصحابي يعلى بن اميه وقالت: «يا نفيسه اني ارى
في محمد بن عبد الله ما لا اراه في غيره من الرجال، فهو الصادق الامين
وهو الشريف الحسيب وهو الشهم الكريم، وهو الى ذلك له نبا عجيب وشان غريب، وقد
سمعت ما قاله غلامي ميسره عنه، ورايت ما كان يظلله حين قدم علينا من سفره،
وما تحدث به الرهبان عنه، وان فؤادي ليكاد يجزم انه نبي هذه الامة»،[19] فقالت نفيسه
لخديجة: تاذنين وانا ادبر الامر، قالت نفيسة: فارسلتني خديجه اليه دسيسا اعرض عليه نكاحها فقبل،[20]
وقيل بعثت خديجه الى الرسول فقالت له:‏‏ يا ابن عم، اني قد رغبت فيك لقرابتك
ووسطتك في قومك وامانتك وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها.[21]‏

بعد ان رضي محمد بالزواج من خديجه كلم اعمامه ابو طالب والعباس وحمزه فذهبوا الى
عم خديجه وخطبوها اليه وقال ابو طالب خطيبا: «الحمد لله الذي جعلنا من ذريه ابراهيم،
وزرع اسماعيل، وضئضىء معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنه بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا،
وحرما امنا، وجعلنا حكام الناس، ان ابن اخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن
به رجل من قريش شرفا ونبلا وفضلا الا رجح به، وهو ان كان في قل
فان المال ظل زائل، وامر حائل، وعاريه مسترجعة، اليوم معك وغدا يكون مع فلان وفلان،
وهذا يكون غنيا ثم فقيرا، والفقير يصبح غنيا والدول هكذا… وبعد هذا هو والله له
نبا عظيم وخطب جليل جسيم، وله في خديجه بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك،
وما احببتم من الصداق فعلي»،[22] ثم رد عليه ورقه بن نوفل وقال: «الحمد لله الذي
جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن ساده العرب وقادتها وانتم اهل ذلك كله
لا تنكر العشيره فضلكم ولا يرد احد من الناس فخركم وشرفكم؛ وقد رغبنا في الاتصال
بحبلكم وشرفكم فاشهدوا علي معاشر قريش باني قد زوجت خديجه بنت خويلد من محمد بن
عبد الله على كذا» ثم سكت، فقال ابو طالب: قد احببت ان يشركك عمها، فقال
عمها عمرو بن اسد: «اشهدوا علي يا معشر قريش اني قد انكحت محمد بن عبد
الله خديجه بنت خويلد»،[23] وعلى اثر ذلك تم الزواج، واولم عليها محمد فنحر جزورا وقيل
جزورين واطعم الناس، حضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوع محمد من الشام
بشهرين، واصدقها عشرين بكرة،[24] وكان سنها اذ ذاك اربعين سنة، وكانت يومئذ افضل نساء قومها
نسبا وثروه وعقلا، وهي اول امراه تزوجها الرسول، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت،[25] روى
ابن سعد في الطبقات عن الواقدي: «وتزوجها رسول الله وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجه
يومئذ بنت اربعين سنة».[26] وفي هذا الزواج نزلت اية:

 ووجدك عائلا فاغنى

اي فقيرا لا مال لك، فاغناك بخديجة.[27][28]

عاشت خديجه مع الرسول خمسه عشر عاما قبل بعثته، احاطته بكل رعايه وعنايه واهتمام، وكانت
هذه السنوات هي السنوات التي شغلت فيها خديجه بانجاب اولادها باستثناء عبد الله الذي ولد
بعد البعثة، فقد رزقت بابنائها زينب ورقيه وام كلثوم، والقاسم الذي كان يكنى به الرسول،
وفاطمه الزهراء، ثم عبد الله الذي عرف بالطيب الطاهر، كانت خديجه منشغله بتربيه اولادها، ثم
شاء الله ان يتوفى القاسم، وفي هذه الفتره طلب الرسول من عمه ابو طالب وقد
لاحظ كثره الاولاد عنده ان يعطيه عليا ليربيه، اراد التخفيف عليه، وقامت خديجه برعايته اتم
رعاية، وعندما مات العوام بن خويلد خلف ورائه الزبير وهو ابن سنتين، فقررت خديجه ان
تكفله وترعاه، فنشا الزبير بين بيت عمته خديجه وبين بيت امه صفيه بنت عبد المطلب
عمه الرسول، ثم لما قدم حكيم بن حزام بن خويلد من الشام برقيق فيهم زيد
بن حارثه وصيف، دخلت عليه عمته خديجة، وهي يومئذ عند رسول الله، فقال لها: اختاري
يا عمه اي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيدا فاخذته، فراه رسول الله عندها،
فاستوهبه منها، فوهبته له، فاعتقه رسول الله وتبناه، وذلك قبل ان يوحى اليه،[29] فكان بمثابه
الابن من خديجة، ورعته خير رعاية، وكانت لهذه التربيه الصالحه الاثر العظيم في اتباع هؤلاء
الاشخاص لنور الاسلام، ف”علي” اول من اسلم من الصبيان[30]، و”الزبير” من اوائل من دخل في
الاسلام.[31] وزيد بن حارثه ثاني من اسلم من الرجال بعد علي.[32]

كان الرسول محمد يواصل مسيرته بالاختلاء بنفسه، وبتعبده في غار حراء بعيدا عن الناس، وكانت
خديجه مشغوله بالاسره وتوفير ما يلزمها، في الوقت الذي كانت تشتغل فيه بتجارتها التي تنفق
منها على الاسرة، ومع ذلك كانت تذهب اليه في غار حراء لتوفر له الاكل والشرب،[33]
قال ابن حجر العسقلاني: «كانت حريصه على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه
قط كما وقع لغيرها»،[34] روى الفاكهاني عن انس بن مالك قال: «ان النبي

كان عند ابي طالب، فاستاذنه ان يتوجه الى خديجه فاذن له، وبعث بعده جاريه له
يقال لها نبعه فقال لها: انظري ما تقول له خديجة، قالت نبعة: فرايت عجبا، ما
هو الا ان سمعت به خديجه فخرجت الى الباب فاخذت بيده فضمتها الى صدرها ونحرها
ثم قالت: بابي وامي، والله ما افعل هذا لشيء، ولكني ارجو ان تكون انت النبي
الذي ستبعث، فان تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الاله الذي يبعثك لي، قالت: فقال
لها: والله لئن كنت انا هو قد اصطنعت عندي ما لا اضيعه ابدا، وان يكن
غيري فان الاله الذي تصنعين هذا لاجله لا يضيعك ابدا».[35]

الوحي

عندما حبب الى الرسول الخلوة، صار يتجه لغار حراء يعتكف متاملا ويتعبد متبتلا، وكان موقف
خديجه موقف المعين الداعم، فكانت تعد له ما يحتاجه في خلوته من طعام وشراب ومهاد،
تجهزه قبل خروجه، وتحمل اليه ان طالت غيبته ما يكفيه من مؤونه، وفي بعض الاحيان
تصحبه في خلوته، تخدمه وتؤنسه وتسقيه وتطعمه، ولما اصبح في عقده الرابع بدات تظهر له
المبشرات، يسمعها او يراها، يقظه او منامنا، مثل سماعه نداء يامره بستر عورته حين كان
يحمل الحجاره من اجياد لبناء الكعبة، ومثل تسليم الحجر والشجر عليه، ومن ذلك ما رواه
عمرو بن شرحبيل ان الرسول قال لخديجة: «اني اذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله
خشيت ان يكون هذا امرا، فقالت : معاذ الله ما كان الله ليفعل بك، فوالله انك
لتؤدي الامانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث»،[36] وعن عبد الله بن ابي بكر بن عمرو بن
حزم قال: «كان من بدء امر رسول الله انه راى في المنام فشق ذلك عليه،
فذكر ذلك لصاحبته خديجه بنت خويلد فقالت: ابشر فان الله لا يصنع بك الا خير»،[37]
وكان الرسول كلما راى رؤيا قصها على خديجة، فقد روى محمد بن يوسف الصالحي الشامي:
«راى رسول الله مره في منامه ان سقف بيته نزعت منه خشبة، وادخل فيه سلم
من فضة، ثم نزل اليه رجلان، فاراد ان يستغيث فمنع من الكلام، فقعد احدهما اليه
والاخر الى جنبه، فادخل احدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، فادخل يده في جوفه،
ورسول الله يجد بردهما، فاخرج قلبه فوضعه على كفه، فقال لصاحبه: نعم القلب قلب رجل
صالح، فطهر قلبه وغسله، ثم ادخل القلب مكانه، ورد الضلعين ثم ارتفعا، ورفع سلمها، فاذا
السقف كما هو، فذكر ذلك لخديجه فقالت له: ابشر فان الله لا يصنع بك الا
خيرا، هذا خير فابشر».[38]

روى البخاري في صحيحه عن عائشه ام المؤمنين انها قالت: «اول ما بدئ به رسول
الله من الوحي الرؤيا الصالحه في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق
الصبح ثم حبب اليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات
العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجه فيتزود لمثلها حتى
جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرا، قال: ما انا بقارئ، قال:
فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال: اقرا، قلت: ما انا بقارئ، فاخذني
فغطني الثانيه حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ، فاخذني
فغطني الثالثه ثم ارسلني فقال:

 اقرا باسم ربك الذي خلق

 خلق الانسان من علق

 اقرا وربك الاكرم

 الذي علم بالقلم

 علم الانسان ما لم يعلم

فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجه بنت خويلد فقال: زملوني، زملوني، فزملوه
حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجه واخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا
والله ما يخزيك الله ابدا، انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين
على نوائب الحق، فانطلقت به خديجه حتى اتت به ورقه بن نوفل بن اسد بن
عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرءا قد تنصر في الجاهليه وكان يكتب الكتاب العبراني،
فيكتب من الانجيل بالعبرانيه ما شاء الله ان يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمى، فقالت
له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن اخيك، فقال له ورقة: يا ابن اخي،
ماذا ترى؟ فاخبره رسول الله ما راى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله
على موسى، يا ليتني فيها جذعا ليتني اكون حيا اذ يخرجك قومك، فقال رسول الله:
او مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يات رجل قط بمثل ما جئت به الا عودي،
وان يدركني يومك انصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقه ان توفي و فتر الوحي.»[39]

سيرتها بعد الاسلام

اول مؤمنه بالاسلام

واكبت خديجه نزول الوحي قرانا وتكليفا، فحين علم جبريل النبي الوضوء والصلاه قبل فرضها خمس
صلوات، صلت مع النبي في نفس يوم تعليم جبريل له، وقد روي «ان جبريل ظهر
للنبي اول ما اوحي اليه في احسن صوره واطيب رائحه وهو باعلى مكه فقال: يامحمد،
ان الله يقرئك السلام، ويقول لك: انت رسولي الى الجن والانس فادعهم الى قول لا
اله الا الله وان محمدا رسول الله، ثم ضرب الارض برجله فانبعثت عين ماء، فتوضا
منها جبريل عليه السلام ورسول الله ينظر اليه، ليريه كيفيه الطهور للصلاة، ثم امره ان
يتوضا كما راه يتوضا، ثم قام جبريل يصلي مستقبلا الكعبة، ثم امره ان يصلي معه
فصلى ركعتين، ثم عرج به الى السماء ورجع

الى اهله، فكان لا يمر بحجر الا قال: السلام عليك يارسول الله، فسار حتى اتى
خديجه فاخبرها، فغشي عليها من الفرح، ثم اخذ بيدها حتى اتى بها زمزم، فتوضا حتى
يريها الوضوء، ثم امرها فتوضات، وصلى بها كما صلى به جبريل عليه السلام».[40][41]

وبهذا كانت خديجه اول من امن، واول من ثبت، واول من توضا واول من صلى،
قال شهاب الدين القسطلاني «كان اول من امن بالله وصدق صديقه النساء خديجة، فقامت باعباء
الصديقية، قال لها عليه السلام: خشيت على نفسي، فقالت له: ابشر فوالله لا يخزيك الله
ابدا، ثم استدلت بما فيه من الصفات والاخلاق والشيم على ان من كان كذلك لا
يخزى ابدا»،[42] وعن الزهري قال: «كانت خديجه اول من امنت بالرسول من النساء والرجال»،[43] وعن
ابي رافع قال: «نبيء رسول الله يوم الاثنين، وصلت خديجه اخر يوم الاثنين»،[43] وقال ابن
اسحاق: «كانت خديجه بنت خويلد اول من امن بالله ورسوله وصدق بمحمد فيما جاء به،
ووازرته في امرة»،[43] واتفق العلماء على ان خديجه اول من امنت، قال ابن عبد البر:
«هي اول من امن بالله عز وجل وبرسوله، وهذا قول قتاده والزهري وعبد الله بن
محمد بن عقيل وابن اسحاق وجماعة، قالوا: خديجه اول من امن بالله عز وجل من
الرجال والنساء، ولم يستثنوا احدا».[44]

روى احمد بن حنبل في مسنده عن اسماعيل بن اياس بن عفيف الكندي عن ابيه
عن جده قال: «كنت امرا تاجرا، فقدمت الحج، فاتيت العباس بن عبد المطلب لابتاع منه
بعض التجارة، وكان امرا تاجرا، فوالله انني لعنده بمنى اذ خرج رجل من خباء قريب
منه، فنظر الى الشمس، فلما راها مالت يعني قام يصلي، قال: ثم خرجت امراه من
ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام حين راهق
الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي، قال: فقلت للعباس: من هذا يا عباس، قال:
هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن اخي، قال: فقلت: من هذه المراه
، قال: هذه امراته خديجه ابنه خويلد، قال قلت: من هذا الفتى، قال: هذا علي
بن ابي طالب ابن عمه، قال فقلت: فما هذا الذي يصنع، قال: يصلي، وهو يزعم
انه نبي، ولم يتبعه على امره الا امراته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم انه
سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر، قال: فكان عفيف وهو ابن عم الاشعث بن قيس يقول:
واسلم بعد ذلك فحسن اسلامه، لو كان الله رزقني الاسلام يومئذ، فاكون ثالثا مع علي
بن ابي طالب».[45]

مؤازره ومصابرة

انتقلت خديجه من دورها السابق الذي قامت به في تثبيت النبي وتبشيره، الى دور جديد
في مؤازرته ومعاونته في تبليغ الدعوة، ومواجهه المشركين واعراضهم وعدوانهم، عن عبد الله بن عباس
قال: «كانت خديجه بنت خويلد اول من امن بالله ورسوله، وصدق محمد رسول الله فيما
جاء به عن ربه وازره على امره، فكان لا يسمع من المشركين شيئا يكرهه من
رد عليه وتكذيب له، الا فرج الله عنه بها، تثبته وتصدقه وتخفف عنه، وتهون عليه
ما يلقى من قومه»،[46] وكانت خديجه قد اذيت بابنتيها رقيه وام كلثوم عندما اذت قريش
الرسول بهما، وكان الرسول قد زوج رقيه بعتبه بن ابي لهب وام كلثوم بعتيبه بن
ابي لهب، ولما اراد المشركون ان يؤذوا الرسول طلبوا من عتبه وعتيبه ان يطلقا بنتي
الرسول فطلقاهما،[47] وفي روايه ان الرسول زوج عتبه بن ابي لهب برقية، فمشى اليه بعض
المشركين فقالوا له: طلق بنت محمد وننكحك اي امراه من قريش شئت، فقال: ان زوجتموني
بنت ابان بن سعيد بن العاص او بنت سعيد بن العاص فارقتها، فزوجوه بنت سعيد
بن العاص وفارقها،[48] وقد حزنت خديجه وتالمت بسبب طلاق ابنتيها، ثم حزنت مره اخرى عندما
فارقتها ابنتها رقيه لما سافرت مع زوجها عثمان بن عفان الى الحبشة، وكانا اول مهاجرين
خرجا الى الحبشة، عن انس بن مالك قال: «خرج عثمان رضي الله عنه مهاجرا الى
ارض الحبشه ومعه رقيه بنت رسول الله، فاحتبس على النبي خبرهم، وكان يخرج يتوكف عنهم
الخبر، فجاءته امراه فاخبرته، فقال النبي: ان عثمان اول من هاجر الى الله باهله بعد
لوط».[49]

حصار شعب بني هاشم

اجتمعت قريش في خيف بني كنانة، بعد ان اشتدت حيرتها، وقلت حيلتها، وفشلت كل محاولاتها
في القضاء على النبي والتخلص منه ومن دعوته حيث كان بنو هاشم وبنو المطلب يحمونه،
وقرروا قطع كل الصلات بينهم وبين من يدافع عن النبي، وتحالفوا على وثيقه ملزمه لكافه
قريش بان يحاصروا النبي وكل من دافع عنه، وكتبت بذلك صحيفه علقتها في جوف الكعبة،
وكانت بنود المعاهده تنص على: الا يناكحوهم ولا ينكحوا اليهم، والا يبايعوهم، ولا يبتاعوا منهم،
ولا يؤوهم، ولا يكلموهم، ولا يجالسوهم، حتى يسلموا اليهم رسول الله للقتل،[50] وكتبوا في الصحيفه
(الا يقبلوا من بني هاشم صلحا ابدا، ولا تاخذهم بهم رافه حتى يسلموا النبي للقتل)،[51]
كان الهدف من المعاهده محاصره المؤمنيين ومؤيديهم والضغط عليهم حتى يلبوا شروطهم، فنصت الوثيقه على
مقاطعه بني هاشم اجتماعيا، فلا يحدثون تزويجا اليهم، واقتصاديا بالا يبيعوا لهم او يبتاعوا منهم.

عندما فرض الحصار على بني هاشم، قررت خديجه ان تترك قبيلتها بني اسد اهل القوه
والمنعة، وتلتحق بزوجها النبي محمد ومن معه من بني هاشم لتعاني ما يعانونه من جوع
وضعف وماساه، روى ابن هشام في سيرته بعض ما عانته وقال: «وقد كان ابو جهل
ابن هشام -فيما يذكرون- لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن اسد، معه غلام يحمل
قمحا يريد به عمته خديجه بنت خويلد، وهي عند رسول الله، ومعه في الشعب، فتعلق
به وقال : اتذهب بالطعام الى بنى هاشم؟ والله لا تبرح انت وطعامك حتى افضحك بمكة،
فجاءه ابو البختري بن هاشم بن الحارث بن اسد فقال: مالك وله؟ فقال : يحمل الطعام
الى بني هاشم، فقال له ابو البختري: طعام كان لعمته عنده بعثت اليه فيه افتمنعه
ان ياتيها بطعامها، خل سبيل الرجل، فابى ابو جهل حتى نال احدهما من صاحبه، فاخذ
له ابو البختري لحى بعير فضربه به فشجه، ووطئه وطا شديدا، وحمزه بن عبد المطلب
قريب يرى ذلك، وهم يكرهون ان يبلغ ذلك رسول الله واصحابه، فيشمتوا بهم، ورسول الله
على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا وسرا وجهارا، مباديا بامر الله لا يتقى فيه احدا
من الناس».[52]

وقد بلغ الجهد بالمحاصرين حتى كان يسمع اصوات النساء والصبيان يصرخون من شده الم الجوع،
وحتى اضطروا الى التقوت باوراق الشجر، بل والى اكل الجلود، وقد ظلت هذه الازمه والماساه
البشريه طيله ثلاثه اعوام كاملة،[53] قال عبد الله بن عباس وهو ممن ولد في الشعب:
«حصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة، حتى ان الرجل ليخرج بالنفقه فما يبايع
حتى يرجع، حتى هلك من هلك»، [54] كان حصار اهل مكه وقريش للنبي ومن معه
من بني هاشم وبني المطلب في بدايه شهر محرم سنه سبع من البعثه النبويه واستمر
نحو ثلاث سنين، حتى سنه عشر من بعثه الرسول، عندما تعاقد نفر من عقلاء قريش
على نقض الصحيفه وسعوا في ذلك حتى حصل لهم ما ارادوا، وهؤلاء النفر هم: هشام
بن عمرو من بني عامر بن لؤي، وزهير بن ابي اميه المخزومي، وابو البختري بن
هشام، وزمعه بن الاسود، والمطعم بن عدي،[55] قال ابن القيم «فلما رات قريش امر الرسول
يعلو والامور تتزايد، اجمعوا على ان يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف،
ان لا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا اليهم رسول الله، وكتبوا
بذلك صحيفه وعلقوها في سقف الكعبه يقال كتبها منصور بن عكرمه بن عامر بن هاشم،
ويقال النضر بن الحارث، والصحيح انه بغيض بن عامر بن هاشم، فدعا عليه الرسول فشلت
يده، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم الا ابا لهب، فانه ظاهر قريشا على
رسول الله وبني هاشم وبني المطلب، وحبس الرسول ومن معه في شعب ابي طالب ليله
هلال المحرم سنه سبع من البعثة، وعلقت الصحيفه في جوف الكعبة، وبقوا محبوسين ومحصورين مضيقا
عليهم جدا مقطوعا عنهم الميره والماده نحو ثلاث سنين، حتى بلغهم الجهد وسمع اصوات صبيانهم
بالبكاء من وراء الشعب، وكانت قريش في ذلك بين راض وكاره، فسعى في نقض الصحيفه
من كان كارها لها، وكان القائم بذلك هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن
نصر بن مالك، مشى في ذلك الى المطعم بن عدي وجماعه من قريش فاجابوه الى
ذلك، ثم اطلع الله رسوله على امر صحيفتهم، وانه ارسل عليها الارضه فاكلت جميع ما
فيها من جور وقطيعه وظلم الا ذكر الله عز وجل، فاخبر بذلك عمه، فخرج الى
قريش فاخبرهم ان ابن اخيه قد قال كذا وكذا، فان كان كاذبا خلينا بينكم وبينه،
وان كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، قالوا: قد انصفت ، فانزلوا الصحيفه فلما راوا
الامر كما اخبر به رسول الله ازدادوا كفرا الى كفرهم، وخرج رسول الله ومن معه
من الشعب».[56]

وفاتها

توفيت خديجه بنت خويلد بعد وفاه عم النبي ابو طالب بن عبد المطلب بثلاثه ايام
وقيل باكثر من ذلك، في شهر رمضان قبل الهجره بثلاث سنين عام 620م، ولها من
العمر خمس وستون سنة، وكان مقامها مع رسول الله بعدما تزوجها اربعا وعشرين سنه وسته
اشهر، ودفنها رسول الله بالحجون ولم تكن الصلاه على الجنائز يومئذ، وحزن عليها النبي ونزل
في حفرتها، وتتابعت على رسول الله بموت ابي طالب وخديجه المصائب لانهما كانا من اشد
المعضدين له المدافعين عنه، فاشتد اذى قريش عليه حتى نثر بعضهم التراب على راسه وطرح
بعضهم عليه سلى الشاه وهو يصلي، وسمي العام الذي مات فيه ابو طالب وخديجه بعام
الحزن، ولم ينس رسول الله محبته لخديجه بعد وفاتها وكان دائما يثني عليها ولم يتزوج
عليها حتى ماتت اكراما لها، وقد كانت مثال الزوجه الصالحه الوفية، فبذلت نفسها ومالها لرسول
الله وصدقته حين نزل عليه الوحي.[57]

قال ابن حجر العسقلاني «وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر رمضان، وقيل:
بثمان، وقيل: بسبع، فاقامت مع الرسول خمسا وعشرين سنه على الصحيح، وقال ابن عبد البر
اربعا وعشرين سنه واربعه اشهر، وسياتي من حديث عائشه ما يؤيد الصحيح في ان موتها
قبل الهجره بثلاث سنين، وذلك بعد المبعث على الصواب بعشر سنين»،[58] وقال بدر الدين العيني
«وكانت وفاتها بعد وفاه ابي طالب بثلاثه ايام».[59]

فقه خديجة

كان يظهر على خديجه رجاحه الراي وحسن التدبير وصواب المشوره في حياتها قبل زواجها من
الرسول، وفي اختيارها للرسول زوجا لها، ثم في حياتها معه حتى وفاتها، وكان الرسول يانس
بمشورتها ويحرص على عرض الامور عليها والاستئناس برايها، ومن تتبع بعض الحوادث التي عرضت عليها
وابدت فيها رايا او اشارت به، وجد في ذلك فقها وفكرا وحصافه تميزت به في
فتره البعثه النبوية، ومن نماذج فقهها:

• من فقه خديجه وحصافتها انها ما ان سمعت بالرسول وسيرته اقتربت منه، وحرصت على ان
  تربطها معه علاقه عمل، وكان بعدها زواجها منه.[60]
• اجمع اهل السير والمؤرخون ان اول من امن بالرسول هي خديجة، ولم يكن ايمانها ايمان
  عاطفة، بل كان ايمان بصيره ويقين وتصديق، ومنه موقفها من الوحي: لما رجع الرسول من
  غار حراء ترجف بوادره، دخل على خديجه فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع،
  فقال لخديجة: اي خديجه ما لي لقد خشيت على نفسي، فاخبرها الخبر، قالت خديجة: كلا
  ابشر فوالله لا يخزيك الله ابدا، فوالله انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب
  المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.[61]
• يظهر فقه خديجه جليا عندما ارادت ان تختبر جبريل لتتاكد من حقيقته فقالت للنبي: «اي
  ابن عم اتستطيع ان تخبرني بصاحبك هذا الذي ياتيك اذا جاءك، قال نعم، قالت فاذا
  جاءك فاخبرني به، فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع، فقال رسول الله لخديجه يا
  خديجه هذا جبريل قد جاءني، قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى، قال
  فقام رسول الله فجلس عليها، قالت هل تراه، قال نعم، قالت فتحول فاجلس على فخذي
  اليمنى، قالت فتحول رسول الله فجلس على فخذها اليمنى، فقالت هل تراه، قال نعم، قالت
  فتحول فاجلس في حجري، قالت فتحول رسول الله فجلس في حجرها، قالت هل تراه، قال
  نعم قال فتحسرت والقت خمارها ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت له هل تراه،
  قال لا، قالت يا ابن عم اثبت وابشر فوالله انه لملك وما هذا بشيطان»[62] استنبطت
  خديجه ذلك لان الملك غادر المكان عندما كشفت عن راسها، وادركت ان هذا التصرف لا
  يتصرفه شيطان، بل هو ملك من الملائكة.[63]
• من مظاهر فقه خديجة، انها ذهبت الى ابن عمها ورقه بن نوفل وهي تعرف ما
  لديه من العلم وما له من دين، وطلبت منه ان يسمع الرسول ويقص عليه ما
  راى وما سمع، وكان جواب ورقة: قدوس قدوس انه الناموس الذي نزل على موسى، وانك
  يا محمد نبي هذه الامة، وكانت هذه الكلمات تاكيدا وتوثيقا لشعورها وحدسها بان محمد رسول
  الله.[63]
• ذهبت خديجه ذات مره للرسول في غار حراء تحمل معها الماء والزاد، فاتى رسول الله
  جبريل فقال : «يا محمد، هذه خديجه تحمل حيسا في حلاب، وقد ارسلني الله اليها بالسلام،
  فجاءت خديجه فقال لها الرسول: معك حيس، قالت: نعم يا رسول الله، قال: ان جبريل
  اخبرني ذاك واخبرني ان الله ارسله اليك بالسلام، فقالت خديجة: يا رسول الله، الله السلام
  ومنه السلام وعلى جبريل السلام»،[64] يظهر فقه خديجه في تادبها مع الله، فلم تقل على
  الله السلام، وانما قالت الله السلام وعلى جبريل السلام،[65] قال ابن حجر العسقلاني: «قال العلماء
  في هذه القصه دليل على وفور فقهها لانها لم تقل وعليه السلام كما وقع لبعض
  الصحابه حيث كانوا يقولون في التشهد السلام على الله، فنهاهم النبي وقال: ان الله هو
  السلام فقولوا التحيات لله، فعرفت خديجه لصحه فهمها ان الله لا يرد عليه السلام كما
  يرد على المخلوقين لان السلام اسم من اسماء الله، وهو ايضا دعاء بالسلامه وكلاها لا
  يصلح ان يرد به على الله، فكانها قالت: كيف اقول عليه السلام، والسلام اسمه ومنه
  يطلب ومنه يحصل، فيستفاد منه انه لا يليق بالله، الا الثناء عليه، فجعلت مكان رد
  السلام عليه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره، فقالت: وعلى
  جبريل السلام ثم قالت: وعليك السلام، ويستفاد منه رد السلام على من ارسل السلام وعلى
  من بلغه، والذي يظهر ان جبريل كان حاضرا عند جوابها فردت عليه وعلى النبي مرتين،
  مره بالتخصيص ومره بالتعميم ثم اخرجت الشيطان ممن سمع لانه لا يستحق الدعاء بذلك».[66]

بر الرسول بها بعد موتها

• روى البخاري في صحيحه عن ام المؤمنين عائشه قالت: «ما غرت على احد من نساء
  النبي ما غرت على خديجه وما رايتها، ولكن كان النبييكثر ذكرها، وربما ذبح الشاه ثم يقطعها اعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجه فربما قلت
  له: كانه لم يكن في الدنيا امراه الا خديجه فيقول: انها كانت وكانت وكان لي
  منها ولد».[67]
• روي عن النبي انه: «كان اذا ذبح الشاه يقول ارسلوا بها الى اصدقاء خديجة».[68]
• روى مسلم في صحيحه عن ام المؤمنين عائشه قالت: «استاذنت هاله بنت خويلد اخت خديجه
  على رسول الله، فعرف استئذان خديجه فارتاح لذلك فقال اللهم هاله بنت خويلد».[69]
• وفي روايه لاحمد عن ام المؤمنين عائشه قالت: «كان النبياذا ذكر خديجه اثنى عليها فاحسن الثناء قالت فغرت يوما فقلت: ما اكثر ما تذكرها،
  حمراء الشدق قد ابدلك الله عز وجل بها خيرا منها، قال: ما ابدلني الله عز
  و جل خيرا منها، قد امنت بي اذ كفر بي الناس، وصدقتني اذ كذبني الناس،
  وواستني بمالها اذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها اذ حرمني اولاد النساء»،[70] قال
  النووي: «في هذا الحديث دلاله لحسن العهد وحفظ الود ورعايه حرمه الصاحب، والمعاشر حيا او
  ميتا، واكرام معارف ذلك الصاحب».[71]
• عن انس بن مالك قال: «كان النبياذا اتي بالشيء يقول: اذهبوا به الى فلانة، فانها كانت صديقه خديجة، اذهبوا به الى
  بيت فلانة، فانها كانت تحب خديجة».[72]
• روى ابن الاعرابي في معجمه عن ام المؤمنين عائشه قالت: «جاءت عجوز الى النبيوهو عندي، فقال لها رسول الله: من انت، فقالت: انا جثامه المزنية، فقال: بل انت
  حسانه المزنية، كيف انتم، كيف حالكم، كيف كنتم بعدنا، قالت: بخير بابي انت وامي يا
  رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الاقبال، فقال:
  انها كانت تاتينا زمن خديجة، وان حسن العهد من الايمان».[73]
• روى احمد بن حنبل في مسنده عن عباد عن عائشه زوج النبي قالت: «لما بعث
  اهل مكه في فداء اسراهم، فبعثت زينب بنت رسول اللهفي فداء ابي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلاده لها كانت لخديجه ادخلتها بها
  على ابي العاص حين بنى عليها، قالت: فلما راها رسول الله رق لها رقه شديدة،
  وقال: ان رايتم ان تطلقوا لها اسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم يا
  رسول الله، فاطلقوه وردوا عليها الذي لها».[74]

فضلها

لخديجه بنت خويلد مكانه كبيره وفضل عظيم عند المسلمين، فهي اول الناس ايمانا بالرسول، ولم
يتزوج عليها في حياتها قط، ولا تسرى بامراه حتى فارقت الدنيا، وهي خير نساء الامه
مطلقا، فقد روى البخاري في صحيحه عن علي بن ابي طالب قال قال رسول الله:
«خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة».[75]

قال الذهبي: «ومناقبها جمة، وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقله جليله دينه مصونه كريمة،
من اهل الجنة، وكان النبي يثني عليها، ويفضلها على سائر امهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها،
بحيث ان عائشه كانت تقول: ما غرت من امراه ما غرت من خديجة، من كثره
ذكر النبي لها، ومن كرامتها عليه انها لم يتزوج امراه قبلها، وجاءه منها عده اولاد،
ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى الى ان قضت نحبها، فوجد لفقدها، فانها كانت نعم
القرين، وكانت تنفق عليه من مالها، ويتجر هو لها. وقد امره الله ان يبشرها ببيت
في الجنه من قصب، لا صخب فيه ولا نصب»،[76] وقال ابن حجر العسقلاني: «وقد تقدم
في ابواب بدء الوحي بيان تصديقها للنبي في اول وهله ومن ثباتها في الامر ما
يدل على قوه يقينها ووفور عقلها وصحه عزمها لا جرم كانت افضل نسائه على الراجح».[58]
رجح عدد من العلماء افضليه خديجه على سائر نساء النبي وبالذات ام المؤمنين عائشة، قال
ابن حجر العسقلاني: «قال السهيلي استدل ابو بكر بن داود على ان خديجه افضل من
عائشه لان عائشه سلم عليها جبريل من قبل نفسه، وخديجه ابلغها السلام من ربها، وزعم
ابن العربي انه لا خلاف في ان خديجه افضل من عائشة، ورد بان الخلاف ثابت
قديما وان كان الراجح افضليه خديجه بهذا وبما تقدم، قلت: ومن صريح ماجاء في تفضيل
خديجه ما اخرجه ابو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث ابن عباس رفعه افضل نساء
اهل الجنه خديجه بنت خويلد وفاطمه بنت محمد، قال السبكي الكبير: لعائشه من الفضائل ما
لا يحصى ولكن الذي نختاره وندين الله به ان فاطمه افضل ثم خديجه ثم عائشة،
واستدل لفضل فاطمه بما تقدم في ترجمتها انها سيده نساء المؤمنين، قلت: وقال بعض من
ادركناه: الذي يظهر ان الجمع بين الحديثين اولى، وان لا نفضل احداهما على الاخرى، وسئل
السبكي هل قال احد ان احدا من نساء النبي غير خديجه وعائشه افضل من فاطمة،
فقال: قال به من لا يعتد بقوله، وهو من فضل نساء النبي على جميع الصحابه
لانهن في درجته في الجنة، قال: وهو قول ساقط مردود انتهى، قال السبكي: ونساء النبي
بعد خديجه وعائشه متساويات في الفضل».[66]

احاديث وردت في شانها

• روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن ابي اوفى قال: «اعتمر رسول الله واعتمرنا
  معه فلما دخل مكه طاف وطفنا معه، واتى الصفا والمروه واتيناهما معه وكنا نستره من
  اهل مكه ان يرميه احد، فقال له صاحب لي اكان دخل الكعبة، قال: لا، قال:
  فحدثنا ما قال لخديجة، قال: بشروا خديجه ببيت من الجنه من قصب لا صخب فيه
  ولا نصب».[77]
• روى البخاري عن علي بن ابي طالب قال: «سمعت النبي يقول خير نسائها مريم ابنه
  عمران وخير نسائها خديجة».[78]
• روى احمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن عباس قال: «خط رسول الله
  في الارض اربعه خطوط، قال: تدرون ما هذا، فقالوا: الله ورسوله اعلم، فقال رسول الله:
  افضل نساء اهل الجنه خديجه بنت خويلد وفاطمه بنت محمد واسيه بنت مزاحم امراه فرعون
  ومريم ابنه عمران».[79]
• روى الحاكم النيسابوري ان ام المؤمنين عائشه قالت: «ان رسول الله كان يكثر ذكر خديجة،
  فقلت: لقد اعقبك الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر الاول،
  قالت: فتمعر وجهه تمعرا ما كنت اراه الا عند نزول الوحي، واذا راى مخيله الرعد
  والبرق حتى يعلم ارحمه هي ام عذاب».[80]

ازواجها وابنائها

• ابو هاله هند بن بن النباش بن زراره التميمي: اول ازواج خديجة، انجبت منه ولدين:
  

1. هند بن ابي هالة: صحابي وهو ربيب الرسول، شهد هند بن ابي هاله بدرا وقيل:
   بل شهد احدا وقتل هند مع علي بن ابي طالب في معركه الجمل، وقال ابن
   عبد البر: «وكان هند بن ابي هاله فصيحا بليغا وصافا، وصف رسول الله فاحسن واتقن»،
   وقال ابن حجر العسقلاني: «روى عن النبي صفته وحليته».[81]
2. هاله بن ابي هالة: قال الطبري: «تزوج ابو هاله خديجه ابنه خويلد فولدت له هندا
   وهاله -رجلين- فمات هاله وادرك هند الاسلام فاسلم».[82]

• عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مجزوم: وانجبت منه ابنه واحده:

1. هند بنت عتيق: قال ابن حجر العسقلاني: «ذكرها الدارقطني في كتاب الاخوه وقال: اسلمت وتزوجت
   ولم ترو عنه شيئا».[83]

• محمد بن عبد الله بن عبد المطلب: ثالث ازواج خديجه وماتت وهي تحت عصمته، انجبت
  منه سته اولاد:

1. القاسم بن محمد: وبه يكنى، مات صغيرا قبل المبعث او بعده، وقال ابن الاثير: «مات
   القاسم بمكه وهو اول من مات من ولده، ثم عبد الله».[84]
2. عبد الله بن محمد: ولد بعد مبعث الرسول، فكان يقال له الطاهر والطيب، مات صغيرا.[85]
   
3. زينب بنت محمد: قال ابن عبد البر: «كانت زينب اكبر بناته لا خلاف اعلمه في
   ذلك»،[86] تزوجت في حياه امها ابن خالتها ابو العاص بن الربيع، فولدت له: امامه بنت
   ابي العاص بن الربيع التي تزوج بها علي بن ابي طالب بعد فاطمة، وولدت له
   علي بن ابي العاص الذي اردفه الرسول وراءه يوم الفتح، ومات صبيا،[87] توفيت في حياه
   الرسول سنه 8 ه.[88]
4. رقيه بنت محمد: ولدت والرسول ابن ثلاث وثلاثين سنة،[89] تزوجها عتبه بن ابي لهب قبل
   الهجره ثم طلقها، ثم تزوجها عثمان بن عفان وهاجرت معه الى الحبشة، وكانت في الهجره
   الاولى قد اسقطت من عثمان ولدا، ثم ولدت له بعد ذلك ابنا فسماه عبد الله
   ثم مات، ولم تلد له شيئا بعد ذلك، ثم هاجرت الى المدينة، ومرضت والرسول يتجهز
   لبدر، وتوفيت في شهر رمضان على راس سبعه عشر شهرا من هجره الرسول.[90]
5. ام كلثوم بنت محمد: وهي ممن عرف بكنيته ولم يعرف اسمه،[91] تزوجت من عتيبه بن
   ابي لهب قبل البعثه ثم طلقها، وهاجرت الى المدينه حين هاجر الرسول، فلما توفيت رقيه
   خلف عثمان بن عفان على ام كلثوم، في شهر ربيع الاول سنه 3 ه وتوفيت
   في شعبان سنه 9 ه.[92]
6. فاطمه بنت محمد: وهي سيده نساء العالمين، واصغر بنات الرسول، ولدت قبل البعثه بقليل، تزوجت
   من علي بن ابي طالب بعد غزوه بدر سنه 2 ه، ودخل بها بعد غزوه
   احد،[93] فولدت له الحسن والحسين وام كلثوم وزينب، توفيت سنه 11 ه بعد وفاه النبي
   بسته اشهر.[94]
7.