بحث عن الدوله العثمانية
الدوله العثمانيه (بالتركيه العثمانية: دولت عليهٔ عثمانیه؛[3] بالتركيه الحديثة: Yüce Osmanlı Devleti) هي امبراطوريه اسلاميه
اسسها عثمان الاول بن ارطغرل، واستمرت قائمه لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد منذ حوالي
27 يوليو سنه 1299م حتى 29 اكتوبر سنه 1923م.[4]
بلغت الدوله العثمانيه ذروه مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت اراضيها لتشمل
انحاء واسعه من قارات العالم القديم الثلاثة: اوروبا واسيا وافريقيا، حيث خضعت لها كامل اسيا
الصغرى واجزاء كبيره من جنوب شرق اوروبا، وغربي اسيا، وشمالي افريقيا.
وصل عدد الولايات العثمانيه الى 29 ولاية، وكان للدوله سياده اسميه على عدد من الدول
والامارات المجاوره في اوروبا، التي اضحى بعضها يشكل جزءا فعليا من الدوله مع مرور الزمن،
بينما حصل بعضها الاخر على نوع من الاستقلال الذاتي.
كان للدوله العثمانيه سياده على بضعه دول بعيده كذلك الامر، اما بحكم كونها دولا اسلاميه
تتبع شرعا سلطان ال عثمان كونه يحمل لقب “امير المؤمنين” و”خليفه المسلمين”، كما في حاله
سلطنه اتشيه السومطريه التي اعلنت ولاءها للسلطان في سنه 1565م؛ او عن طريق استحواذها عليها
لفتره مؤقتة، كما في حاله جزيره “انزاروت” في المحيط الاطلسي، والتي فتحها العثمانيون سنه 1585م
اضحت الدوله العثمانيه في عهد السلطان سليمان الاول “القانوني” (حكم منذ عام 1520م حتى عام
1566م)، قوه عظمى من الناحيتين السياسيه والعسكرية، واصبحت عاصمتها القسطنطينيه تلعب دور صله الوصل بين
العالمين الاوروبي المسيحي والشرقي الاسلامي،[7][8] وبعد انتهاء عهد السلطان سالف الذكر، الذي يعتبر عصر الدوله
العثمانيه الذهبي، اصيبت الدوله بالضعف والتفسخ واخذت تفقد ممتلكاتها شيئا فشيئا، على الرغم من انها
عرفت فترات من الانتعاش والاصلاح الا انها لم تكن كافيه لاعادتها الى وضعها السابق.
انتهت الدوله العثمانيه بصفتها السياسيه بتاريخ 1 نوفمبر سنه 1922م، وازيلت بوصفها دوله قائمه بحكم
القانون في 24 يوليو سنه 1923م، بعد توقيعها على معاهده لوزان، وزالت نهائيا في 29
اكتوبر من نفس السنه عند قيام الجمهوريه التركية، التي تعتبر حاليا الوريث الشرعي للدوله العثمانية.[9]
عرفت الدوله العثمانيه باسماء مختلفه في اللغه العربية، لعل ابرزها هو “الدوله العلية” وهو اختصار
لاسمها الرسمي “الدوله العليه العثمانية”، كذلك كان يطلق عليها محليا في العديد من الدول العربية،
وخصوصا بلاد الشام ومصر، “الدوله العثملية”، اشتقاقا من كلمه “عثملى – Osmanlı” التركية، التي تعني
“عثماني”. ومن الاسماء الاخرى التي اضيفت للاسماء العربيه نقلا من تلك الاوروبية: “الامبراطوريه العثمانية” (بالتركية:
Osmanlı İmparatorluğu)، كذلك يطلق البعض عليها تسميه “السلطنه العثمانية”، و”دوله ال عثمان”.
التاريخ[عدل]
اصل العثمانيين وموطنهم الاول[عدل]
العثمانيون قوم من الاتراك، فهم ينتسبون – من وجهه النظر الاثنيه – الى العرق الاصفر
او العرق المغولي، وهو العرق الذي ينتسب اليه المغول والصينيون وغيرهم من شعوب اسيا الشرقية.[10]
وكان موطن الاتراك الاول في اسيا الوسطى، في البوادي الواقعه بين جبال الطاي شرقا وبحر
قزوين في الغرب، وقد انقسموا الى عشائر وقبائل عديده منها عشيره “قايي”،[10] التي نزحت في
عهد زعيمها “كندز الب” الى المراعي الواقعه شمالي غربي ارمينيا قرب مدينه خلاط، عندما استولى
المغول بقياده جنكيز خان على خراسان.[10] ان الحياه السياسيه المبكره لهذه العشيره يكتنفها الغموض، وهي
اقرب الى الاساطير منها الى الحقائق، وانما كل ما يعرف عنها هو استقرارها في تلك
المنطقه لفتره من الزمن، ويستدل على صحه هذا القول عن طريق عدد من الاحجار والقبور
تعود لاجداد بني عثمان.[11] ويستفاد من المعلومات المتوافره ان هذه العشيره تركت منطقه خلاط حوالي
سنه 1229م تحت ضغط الاحداث العسكريه التي شهدتها المنطقة، بفعل الحروب التي اثارها السلطان جلال
الدين الخوارزمي وهبطت الى حوض نهر دجلة.[12]
قيام الدوله العثمانيه (1299–1453)
توفي “كندز الب” في العام التالي لنزوح عشيرته الى حوض دجلة، فتراس العشيره ابنه سليمان،
ثم حفيده “ارطغرل” الذي ارتحل مع عشيرته الى مدينه ارزينجان، وكانت مسرحا للقتال بين السلاجقه
والخوارزميين، فالتحق بخدمه السلطان علاء الدين سلطان قونية، احدى الامارات السلجوقيه التي تاسست عقب انحلال
دوله السلاجقه العظام،[13][معلومه 1] وسانده في حروبه ضد الخوارزميين، فكافاه السلطان السلجوقي بان اقطع عشيرته
بعض الاراضي الخصبه قرب مدينه انقرة.[14] وظل ارطغرل حليفا للسلاجقه حتى اقطعه السلطان السلجوقي منطقه
في اقصى الشمال الغربي من الاناضول على الحدود البيزنطية، في المنطقه المعروفه باسم “سوغوت” حول
مدينه اسكي شهر، حيث بدات العشيره هناك حياه جديده الى جانب امارات تركمانيه سبقتها الى
المنطقة.[11] علا شان ارطغرل لدى السلطان بعد ان اثبت اخلاصه للسلاجقة، واظهرت عشيرته كفاءه قتاليه
عاليه في كل معركه ووجدت دوما في مقدمه الجيوش وتم النصر على يدي ابنائها،[13] فكافاه
السلطان بان خلع عليه لقب “اوج بكي”، اي محافظ الحدود، اعترافا بعظم امره.[14] غير ان
ارطغرل كان ذا اطماع سياسيه بعيدة، فلم يقنع بهذه المنطقه التي اقطعه اياها السلطان السلجوقي،
ولا باللقب الذي ظفر به، ولا بمهمه حراسه الحدود والحفاظ عليها؛ بل شرع يهاجم باسم
السلطان ممتلكات البيزنطيين في الاناضول،[15] فاستولى على مدينه اسكي شهر وضمها الى املاكه، واستطاع ان
يوسع اراضيه خلال مده نصف قرن قضاها كامير على مقاطعه حدودية، وتوفي في سنه 1281م
عن عمر يناهز التسعين عاما،[16] بعد ان خلع عليه لقب كبير اخر هو “غازي”،[17] تقديرا
لفتوحاته وغزواته.
السلطان الغازي عثمان خان الاول،[معلومه 2] مؤسس الدوله العثمانية.
بعد ارطغرل تولى زعامه الاماره ابنه البكر عثمان، فاخلص الولاء للدوله السلجوقيه على الرغم مما
كانت تتخبط فيه من اضطراب وما كان يتهددها من اخطار.[18] اظهر عثمان في بدايه عهده
براعه سياسيه في علاقاته مع جيرانه، فعقد تحالفات مع الامارات التركمانيه المجاورة، ووجه نشاطه العسكري
نحو الاراضي البيزنطيه لاستكمال رساله دوله سلاجقه الروم بفتح الاراضي البيزنطيه كافة، وادخالها ضمن الاراضي
الاسلامية، وشجعه على ذلك حاله الضعف التي دبت في جسم الامبراطوريه البيزنطيه واجهزتها، وانهماكها بالحروب
في اوروبا،[16] فاتاح له ذلك سهوله التوسع باتجاه غربي الاناضول، وفي عبور الدردنيل الى اوروبا
الشرقيه الجنوبية. ومن الناحيه الادارية، فقد اظهر عثمان مقدره فائقه في وضع النظم الاداريه لامارته،
بحيث قطع العثمانيون في عهده شوطا كبيرا على طريق التحول من نظام القبيله المتنقله الى
نظام الاداره المستقرة، ما ساعدها على توطيد مركزها وتطورها سريعا الى دوله كبرى.[16] وقد ابدى
السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد الثالث تقديره العميق لخدمات عثمان، فمنحه لقب “عثمان غازي حارس
الحدود العالي الجاه، عثمان باشا”.
اقدم عثمان بعد ان ثبت اقدامه في امارته على توسيع حدودها على حساب البيزنطيين، ففي
عام 1291م فتح مدينه “قره جه حصار” الواقعه الى الجنوب من سوغوت، وجعلها قاعده له،
وامر باقامه الخطبه باسمه،[19] وهو اول مظهر من مظاهر السياده والسلطة، ومنها قاد عشيرته الى
بحر مرمره والبحر الاسود.[18] وحين تغلب المغول على دوله قونيه السلجوقية، سارع عثمان الى اعلان
استقلاله عن السلاجقه ولقب نفسه “پاديشاه ال عثمان” اي عاهل ال عثمان،[20] فكان بذلك المؤسس
الحقيقي لهذه الدوله التركيه الكبرى التي نسبت اليه لاحقا.[18] وظل عثمان يحكم الدوله الجديده بصفته
سلطانا مستقلا حتى تاريخ 6 ابريل سنه 1326م، الموافق فيه 2 جمادى الاولى سنه 726ه،
عندما احتل ابنه “اورخان” مدينه بورصه الواقعه على مقربه من بحر مرمرة،[18] وفي هذه السنه
توفي عثمان عن عمر يناهز السبعين عاما،[21] بعد ان وضع اسس الدوله ومهد لها درب
النمو والازدهار، وخلع عليه لقب اخر هو “قره عثمان”، وهو يعني “عثمان الاسود” باللغه التركيه
الحديثة، لكن يقصد به “الشجاع” او “الكبير” او “العظيم” في التركيه العثمانية.
السلطان الغازي اورخان الاول.
عني اورخان بتنظيم مملكته تنظيما محكما، فقسمها الى سناجق او ولايات، وجعل من بورصه عاصمه
لها، وضرب النقود باسمه، ونظم الجيش، فالف فرقا من الفرسان النظاميين، وانشا من الفتيان المسيحيين
الروم والاوروبيين الذين جمعهم من مختلف الانحاء جيشا قويا عرف بجيش الانكشارية.[23] وقد درب اورخان
هؤلاء الفتيان تدريبا صارما وخصهم بامتيارات كبيرة، فتعلقوا بشخصه واظهروا له الولاء. وعمل اورخان على
توسيع الدولة، فكان طبيعيا ان ينشا بينه وبين البيزنطيين صراع عنيف كان من نتيجته استيلاؤه
على مدينتي ازميد ونيقية. وفي عام 1337م شن هجوما على القسطنطينيه عاصمه البيزنطيين نفسها، ولكنه
اخفق في احتلالها.[24] ومع ذلك فقد اوقعت هذه الغزوه الرعب في قلب امبراطور الروم “اندرونيقوس
الثالث”، فسعى الى التحالف معه وزوجه ابنته. ولكن هذا الزواج لم يحل بين العثمانيين وبين
الاندفاع الى الامام، وتثبيت اقدامهم سنه 1357م في شبه جزيره غاليبولي، وهكذا اشتد الخطر العثماني
على القسطنطينيه من جديد. شهد المسلمون في عهد اورخان اول استقرار للعثمانيين في اوروبا، واصبحت
الدوله العثمانيه تمتد من اسوار انقره في اسيا الصغرى الى تراقيا في البلقان،[25] وشرع المبشرون
يدعون السكان الى اعتناق الاسلام. توفي اورخان الاول في سنه 1360م بعد ان ايد الدوله
الفتيه بفتوحاته الجديده وتنظيماته العديدة، وتولى بعده ابنه “مراد الله”، الملقب بمراد الاول.
معركه قوصوة، بريشه ادم ستيفانوڤيتش، (1870).
كانت فاتحه اعمال مراد الاول احتلال مدينه انقره مقر اماره القرمان، وذلك ان اميرها واسمه
علاء الدين، اراد انتهاز فرصه انتقال الملك من السلطان اورخان الى ابنه مراد لاثاره حميه
الامراء المجاورين وتحريضهم على قتال العثمانيين ليقوضوا اركان ملكهم الاخذ في الامتداد يوما فيوما، فكانت
عاقبه دسائسه ان فقد اهم مدنه.[26] وتحالف مراد مع بعض امراء الاناضول مقابل بعض التنازلات
لصالح العثمانيين، واجبر اخرين على التنازل له عن ممتلكاتهم، وبذلك ضم جزء من الممتلكات التركمانيه
الى الدوله العثمانية.[معلومه 3] ثم وجه اهتمامه نحو شبه جزيره البلقان التي كانت في ذلك
الحين مسرحا لتناحر دائم بين مجموعه من الامراء الثانويين، ففتح مدينه ادرنه سنه 1362م ونقل
مركز العاصمه اليها لتكون نقطه التحرك والجهاد في اوروبا،[27] وقد ظلت عاصمه للعثمانيين حتى فتحوا
القسطنطينيه في وقت لاحق، كما تم فتح عده مدن اخرى مثل صوفيا وسالونيك، وبذلك صارت
القسطنطينيه محاطه بالعثمانيين من كل جهه في اوروبا.[27] وفي 12 يونيو سنه 1385م، الموافق فيه
19 جمادى الاخره سنه 791ه، التقت الجيوش العثمانيه بالقوى الصربيه – تساندها قوى من المجر
والبلغار والالبانيين – في اقليم “قوصوة”، المعروف حاليا باسم “كوسوڤو”، فدارت بين الطرفين معركه عنيفه
انتصر فيها العثمانيون، الا ان السلطان قتل في نهايتها على يد احد الجنود الذي تظاهر
بالموت.[27]
معركه نيقوبولس بين العثمانيين والاوروبيين. يعتبر العديد من المؤرخين هذه المعركه اخر حمله صليبيه كبرى
نظمت في القرون الوسطى.
السلطان بايزيد الاول اسيرا لدى تيمورلنك، بريشه ستانيسلو تشلبوسكي، 1878.
تولى عرش ال عثمان بعد مراد الاول ابنه بايزيد، وعند ذلك كانت الدوله قد اتسعت
حدودها بشكل كبير، فانصرف الى تدعيمها بكل ما يملك من وسائل، وانتزع من البيزنطينيين مدينه
الاشهر، وكانت اخر ممتلكاتهم في اسيا الصغرى،[28] واخضع البلغار عام 1393م اخضاعا تاما.[28] فجزع “سيگسموند”
ملك المجر من هذا التوسع العثماني، خصوصا بعد ان تاخمت حدود بلاده مناطق السيطره العثمانية،
فاستنجد باوروبا الغربية، فدعا البابا “بونيفاس التاسع” الى حمله صليبيه جديده ضد العثمانيين لمنعهم من
التوغل في قلب اوروبا، فلبى الدعوه ملك المجر سالف الذكر، وعدد من امراء فرنسا[29] وباڤاريا[29]
والنمسا[29] وفرسان القديس يوحنا في رودس[29] وجمهوريه البندقية،[29] وقدمت انگلترا مساعدات عسكرية.[30] تقابل الجيشين العثماني
والاوروبي في 25 سبتمبر سنه 1396م، الموافق فيه 21 ذي الحجه سنه 798ه، ودارت بينهما
رحى معركه ضاريه هزم فيها الاوروبيون وردوا على اعقابهم.[28] حاصر بايزيد القسطنطينيه مرتين متواليتين، ولكن
حصونها المنيعه صمدت في وجه هجماته العنيفة، فارتد عنها خائبا.[28] ولم ينس بايزيد وهو يوجه
ضرباته الجديده نحو الغرب، ان المغول يستعدون للانقضاض عليه من جهه الشرق، وخاصه بعد ان
ظهر فيهم رجل عسكري جبار هو تيمورلنك الشهير المتحدر من سلاله جنكيز خان.[31][32] لذلك عمل
بايزيد على تعزيز مركزه في اسيا الصغرى استعدادا للموقعه الفاصله بينه وبين تيمورلنك. وهكذا خف
الضغط العثماني على البيزنطيين، وتاخر سقوط القسطنطينيه في ايدي العثمانيين خمسين سنه ونيفا.[28] وفي ربيع
سنه 1402م، تقدم تيمورلنك نحو سهل انقره لقتال بايزيد، فالتقى الجمعان عند “جبق اباد” ودارت
معركه طاحنه انهزم فيها العثمانيون واسر السلطان بايزيد وحمله المغول معهم عائدين الى سمرقند عاصمه
الدوله التيمورية،[معلومه 4] حيث عاش بقيه ايامه ومات في سنه 1403م.[33]
وبعد موت السلطان بايزيد تجزات الدوله الى عده امارت صغيره كما حصل بعد سقوط الدوله
السلجوقية، لان تيمورلنك اعاد الى امراء قسطموني وصاروخان وكرميان وايدين ومنتشا وقرمان ما فقدوه من
البلاد.[34] واستقل في هذه الفتره كل من البلغار والصرب والفلاخ، ولم يبق تابعا للرايه العثمانيه
الا قليل من البلدان. ومما زاد الخطر على الدوله عدم اتفاق اولاد بايزيد على تنصيب
احدهم، بل كان كل منهم يدعي الاحقيه لنفسه،[34] فنشبت بينهم حروب ضارية، ولكن النصر كان
اخر الامر من نصيب محمد بن بايزيد، الملقب بمحمد الاول او “محمد چلبي”، الذي استطاع
ان يعيد للدوله بعض ما فقدته من املاكها في الاناضول.[35] وبعد محمد الاول تولى عرش
السلطنه العثمانيه مراد الثاني، فاستمر باخضاع المدن والامارات التي استقلت عن الدوله العثمانية، وحاصر القسطنطينية،
ولكنه لم يوفق الى احتلالها.[36] ثم حاول ان يعيد اخضاع البلقان لسيطرته، ففتح عده مدائن
وقلاع وحاول ان يضم اليها مدينه بلغراد لكنه فشل في اقتحامها،[37] فكان هذا الهجوم انذارا
جديدا لاوروبا بالخطر العثماني، فقامت قوات مجريه – وعلى راسها يوحنا هونياد – بالالتحام مع
العثمانيين وهزمتهم هزيمه قاسيه كان من نتائجها بعث الروح الصليبيه في اوروبا، واعلان النضال الديني
ضد العثمانيين.[36]
السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح.
ولما توفي السلطان مراد الثاني ارتقى عرش العثمانيين ابنه محمد، فكان عليه بادئ الامر ان
يخضع ثوره نشبت ضده في اماره قرمان باسيا الصغرى، فاستغل الامبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر
هذا الامر، وطلب من السلطان مضاعفه الجزيه التي كان والده يدفعها الى البيزنطيين لقاء اسرهم
الامير اورخان حفيد سليمان بن بايزيد المطالب بالعرش العثماني.[36] فاستاء السلطان محمد من هذا الطلب
لما كان ينطوي عليه من تهديد بتحريض اورخان هذا على العصيان، فامر بالغاء الراتب المخصص
له، وراح يتجهز لحصار القسطنطينيه والقضاء على هذه المدينه في اقرب فرصه ممكنة. وكان اول
ما قام به في هذا السبيل تشييده عند اضيق نقطه من مضيق البوسفور قلعه “روملي
حصار” القائمه على بعد سبعه كيلومترات من ابواب القسطنطينية.[36] وعندئذ ارسل الامبراطور قسطنطين بعثه من
السفراء الى السلطان محمد لتحتج لديه على ذلك، فلم يلقوا منه جوابا شافيا،[38] بل اصر
على البناء لما في القلعه من اهميه استراتيجية. واستنجد الامبراطور قسطنطين بالدول الاوروبيه فلم تنجده
الا بعض المدن الايطالية، اما البابا فقد ابدى استعداده لمساعده الامبراطور شرط ان تتحد الكنيستان
الشرقيه والغربية، ووافق قسطنطين على المشروع، ولكن تعصب الشعب حال دون تحقيق ذلك.[36][معلومه 5]
محمد الثاني يدخل القسطنطينية، بريشه جوزيف بنيامين.
وكان السلطان قد حشد لقتال البيزنطيين جيشا عظيما مزودا بالمدافع الكبيره واسطولا ضخما، وبذلك حاصرهم
من ناحيتي البر والبحر معا. والواقع ان البيزنطيين استماتوا في الدفاع عن عاصمتهم، لكن ما
ان مضى 53 يوما على الحصار حتى كان العثمانيون قد دخلوا المدينه بعد ان هدمت
اجزاء كبيره من اسوارها بفعل القصف المدفعي المتكرر،[39] واشتبكوا مع البيزنطيين في قتال عنيف جدا
دارت رحاه في الشوارع، وذهب ضحيته الامبراطور نفسه وكثير من جنوده.[39] حتى اذا انتصف النهار
دخل محمد المدينه واصدر امره الى جنوده بالكف عن القتال، بعد ان قضى على المقاومه
البيزنطيه ونشر رايه السلام.[36] اتخذ السلطان محمد لقب “الفاتح” بعد فتح المدينة، واضاف اليه لقب
“قيصر الروم”، على الرغم من عدم اعتراف بطريركيه القسطنطينيه ولا اوروبا الغربيه بهذا الامر، ونقل
مركز العاصمه من ادرنه الى القسطنطينيه التي غير اسمها الى “اسلامبول”، اي مدينه الاسلام او
تخت الاسلام،[40] واعطى للمسيحين الامان وحريه اقامه شعائرهم الدينية،[41] ودعا من هاجر منهم خوفا الى
العوده الى بيوتهم. سقطت الامبراطوريه البيزنطيه عند فتح المدينه بعد ان استمرت احد عشر قرنا
ونيفا، وتابع السلطان محمد فتوحاته في اوروبا خلال السنوات اللاحقه التي اعقبت سقوط القسطنطينية، فاخضع
بلاد الصرب وقضى على استقلالها، وفتح بلاد الموره في جنوب اليونان، واقليم الافلاق وبلاد البشناق
والبانيا، وهزم البندقيه ووحد الاناضول عبر قضائه على امبراطوريه طرابزون الروميه واماره قرمان.[40] وقد حاول
السلطان محمد ايضا فتح ايطاليا لكن وافته المنيه سنه 1481م،[معلومه 6] فانصرف العثمانيون عن هذه
الجهة.[40]
دور التوسع والقوه (1453–1683)[عدل]
يمكن تقسيم هذه الفتره في التاريخ العثماني الى حقبتين مميزتين: حقبه النمو والازدهار العسكري والثقافي
والحضاري والاقتصادي، وهي تمتد حتى سنه 1566م، وحقبه شهدت باغلبها ركودا سياسيا وعسكريا، وتخللتها فترات
اصلاح وانتعاش، وقد دامت حتى سنه 1683م.
حقبه النمو والازدهار (1453–1566)[عدل]
السلطان الغازي بايزيد خان الثاني الملقب “بالصوفي”، لجنوحه الى السلم وابتعاده عن الحرب.
معركه چالديران بين العثمانيين والصفويين، جداريه من احدى القصور في اصفهان.
بعد موت السلطان محمد الفاتح تنازع ابناه “جم” و”بايزيد” على العرش. ولكن الغلبه كانت من
نصيب بايزيد، ففر جم الى مصر حيث احتمى بسلطان المماليك “قايتباي”،[42] ثم الى رودس حيث
حاول ان يتعاون مع فرسان القديس يوحنا والدول الغربيه على اخيه، لكن بايزيد استطاع اقناع
دوله الفرسان بابقاء الامير جم على الجزيره مقابل مبلغ من المال،[43] وتعهد بان لا يمس
جزيرتهم طيله فتره حكمه،[42] فوافقوا على ذلك، لكنهم عادوا وسلموا الامير الى البابا “انوسنت الثامن”
كحل وسط، وعند وفاه الاخير قام خليفته بدس السم للامير بعد ان اجبره الفرنسيون على
تسليمهم اياه، فتوفي في مدينه ناپولي، ونقل جثمانه فيما بعد الى بورصه ودفن فيها.[42] اتصف
السلطان بايزيد بانه سلطان مسالم لا يدخل الحروب الا مدافعا، فقاتل جمهوريه البندقيه بسبب الهجمات
التي قام بها اسطولها على بلاد المورة، وحارب المماليك حين قرر السلطان قايتباي السيطره على
اماره ذي القدر ومدينه البستان التابعتين للدوله العثمانية، وعدا ذلك فكان يفضل مجالسه العلماء والادباء.[44]
وفي عهده سقطت غرناطه اخر معاقل المسلمين في الاندلس؛ فبعث بعده سفن لتحمل الاندلسيين المسلمين
واليهود الى القسطنطينيه وغيرها من مدن الدولة،[45] وفي عهده ايضا ظهرت سلاله وطنيه شيعيه في
بلاد فارس، هي السلاله الصفوية، التي استطاعت بزعامه الشاه اسماعيل بن حيدر، ان تهدد بالخطر
امبراطوريه العثمانيين في الشرق.
السلطان الغازي سليم الاول “القاطع”، اول خليفه للمسلمين من ال عثمان.
وفي اواخر عهد بايزيد دب النزاع بين اولاده بسبب من ولايه العهد. ذلك ان بايزيد
اختار ابنه احمد لخلافته، فغضب ابنه الاخر سليم، واعلن الثوره على والده، وكان لثوره سليم
اسباب سياسيه ومذهبيه وتجاريه وعرقية،[46] ذلك ان الصفويين كانوا يعملون على نشر المذهب الشيعي في
الاناضول على حساب المذهب السني، وقطعوا طريق التجاره مع الهند والشرق الاقصى، ومنعوا نزوح المزيد
من قبائل التركمان من اسيا الوسطى الى الاناضول واوروبا الشرقية، وكان الشاه اسماعيل يدعم الامير
احمد للوصول الى سده الحكم ولم يحرك الاخير ساكنا لمنع التدخل الصفوي في الشؤون العثمانية.
نتيجه لكل ما سلف، ثار سليم على والده وشقيقه ثم استولى على ادرنة، فما كان
من بايزيد الا ان انبرى لقتال ابنه سليم، فهزمه وقرر نفيه، لكن الجنود الانكشاريه قاموا
بالضغط على السلطان وارغموه بالتنازل عن العرش لصالح ابنه سليم.[47] وقد مات بايزيد يوم 26
مايو سنه 1512م، الموافق فيه 10 ربيع الاول سنه 918ه،[48] واختلف المؤرخون على سبب الوفاة.
كان على سليم، بعد اعتلائه العرش، تثبيت اقدامه في الحكم والتفاهم مع الدول الاوروبيه الفاعله
ليتفرغ لاخطر ازمه واجهتها الدوله منذ اعقاب معركه انقرة، الا وهي القضيه الصفوية، فاقدم على
قتل اخوته واولادهم حتى لا يبقى له منازع في الحكم، ثم ابرم هدنه طويله مع
الدول الاوروبيه المجاورة، وحول انتباهه الى الجبهه الشرقيه لمواجهه الصفويين والمماليك.[49] وكان السلطان سليم يهدف
الى السيطره على طرق التجاره بين الشرق والغرب، والتوسع على حساب القوى في المشرق، والقضاء
على المد الشيعي،[50] وتوحيد الامصار الاسلاميه الاخرى حتى تكون يدا واحده في مواجهه اوروبا، وخاصه
بعد سقوط الاندلس وقيام البرتغاليين بالتحالف مع الصفويين وانشائهم لمستعمرات في بعض المواقع في جنوب
العالم الاسلامي.[47] وكان الشيعه المقيمون في اسيا الصغرى قد ثاروا على الدوله العثمانيه اعتمادا على
تاييد الصفويين، فاخضع سليم هذه الثوره وعمد الى اضطهاد الشيعة، فذهب ضحيه هذه السياسه اربعون
الفا منهم، ثم انبرى لقتال الشاه، فالتقى الفريقان في سهل چالديران والتحما في معركه كبيره
كان النصر فيها لصالح السلطان سليم،[51] وفر الشاه ناجيا بحياته، اما سليم فتقدم الى تبريز
عاصمه خصمه الصفوي، فاستولى عليها ورجع عائدا الى بلاده.[52]
الدوله العثمانيه عند نهايه عهد السلطان سليم الاول سنه 1520.
السلطان الغازي سليمان خان الاول “القانوني”.
تقدم العثمانيون، بعد انتصارهم على الصفويين، لاخضاع السلطنه المملوكية،[معلومه 7] فنشبت بينهم وبين المماليك معركه
على الحدود الشاميه التركيه تعرف بمعركه مرج دابق، انتصر فيها العثمانيون وقتل سلطان المماليك “قنصوه
الغوري”، ثم تابعوا زحفهم نحو مصر والتحموا بالمماليك من جديد في معركه الريدانيه التي قررت
مصير مصر كلها،[52] وانتصروا عليهم مجددا ودخلوا القاهره فاتحين. وفي اثناء ذلك قدم شريف مكه
مفاتيح الحرمين الشريفين الى السلطان سليم اعترافا بخضوع الاراضي المقدسه الاسلاميه للعثمانيين،[52] وتنازل في الوقت
ذاته اخر الخلفاء العباسيين، محمد الثالث المتوكل على الله، عن الخلافه لسلطان ال عثمان، فاصبح
كل سلطان منذ ذلك التاريخ خليفه للمسلمين، ويحمل لقب “امير المؤمنين” و”خليفه رسول رب العالمين”.
وعند نهايه حملته الشرقية، كان السلطان سليم قد جعل من الدوله العثمانيه قوه اقليميه كبرى
ومنافسا كبيرا للامبراطوريه البرتغاليه على زعامه المنافذ المائيه العربية.[53] توفي السلطان سليم في 22 سبتمبر
سنه 1520م، الموافق فيه 9 شوال سنه 926ه، وهو على اهبه الاستعداد لقتال فرسان القديس
يوحنا في رودس.[54] فارتقى العرش من بعده ابنه سليمان، الذي يعرف في الشرق باسم “القانوني”،
ويعرف في الغرب باسم “العظيم”. والواقع ان الفتوح في الشرق شغلت السلطان سليم طوال ايام
حكمه، فكان طبيعيا ان ينصرف السلطان سليمان الى ناحيه الغرب ليتم الفتوح التي كان اسلافه
قد بداوها من قبله.[55] واحتل سليمان مدينه بلغراد في سهولة، عام 1521م، وعقد العزم على
ما كان ابوه السلطان سليم قد شرع يستعد له قبل وفاته، اي الاستيلاء على جزيره
رودس، فتمكن من ذلك في سنه 1523م،[55] ثم ضم الى الاملاك العثمانيه القسم الجنوبي والاوسط
من مملكه المجر، بعد ان استغل الاوضاع الداخليه المضطربه للمملكة،[معلومه 8] والاوضاع الخارجيه الملائمة.[56][57]
معركه موهاج والغزو العثماني للمجر، بريشه بيرطلان سيزيكيلي.
اشتبكت الجيوش العثمانيه مع نظيرتها المجريه في وادي موهاج بالمجر بتاريخ 26 اغسطس سنه 1526م،
في معركه دامت حوالي الساعتين، وانتصر فيها العثمانيون نصرا كبيرا وثبتوا اقدامهم في البلاد لفتره
طويله من الزمن، وعين السلطان “جان زابوليا” ملك ترانسلڤانيا حاكما عليها،[58] عندئذ ارسل فرديناند ملك
النمسا، وفدا الى السلطان يلتمس منه الاعتراف به ملكا على المجر، فسخر سليمان من الوفد
وزج اعضاءه في السجن فتره من الزمن، ولما افرج عنهم حملهم رساله الى الملك ليستعد
لملاقاته. وقاتل سليمان فرديناد بجيش عظيم، فلم يصمد في وجهه، فراح سليمان يتعقبه حتى ڤيينا
العاصمة، وهنا ضرب سليمان الحصار على هذه المدينه القائمه في قلب اوروبا، واحدثت الجنود العثمانيه
ثغرا في اسوارها الا ان الذخيره والمؤن نفدت منهم، واقبل فصل الشتاء فقفل السلطان ورجع
الى بلاده.[59] وفي عام 1532م، عاود سليمان الكرة، فحاصر ڤيينا من جديد، ولكن التوفيق خانه
في حملته الثانيه هذه ايضا، فعقد مع فرديناند صلحا احتفظ بموجبه بجميع ما استولى عليه
من الاراضي المجرية. وكان مما رغب سليمان في عقد الصلح اضطراره الى الالتفات صوب الشرق
بعد ان توترت العلاقات بينه وبين “طهماسب بن اسماعيل الصفوي” شاه فارس، وتفصيل ذلك ان
عامل بغداد من قبل طهماسب خان مولاه الصفوي وانحاز الى العثمانيين بناء على الحاح الشعب
بسبب سياسه التطرف المذهبي التي انتهجها الصفويون،[60] فسار اليه طهماسب يريد تاديبه، فلم يكن من
السلطان سليمان الا ان اغتنم هذه الفرصه للانقضاض على بلاد فارس، وهكذا احتل تبريز عاصمه
الفرس، ثم استولى على بغداد ودخلها في ابهه بالغة.[61]
خير الدين بربروس باشا يهزم الاساطيل الحليفه في معركه بروزه سنه 1538م.
حقق العثمانيون ايام السلطان سليمان عده فتوحات بحريه مهمة، وذلك بفضل البحار يوناني الاصل، خير
الدين بربروس، الذي كان سبق وضم الجزائر للدوله العثمانيه ايام السلطان سليم. عين السلطان سليمان
خير الدين هذا اميرا للبحر عام 1533م، فنهض بالاسطول العثماني نهضه جباره مكنته من انتزاع
تونس من ايدي الاسبان واخضاعها للسلطه العثمانيه ولو لفتره قصيره من الزمن. وفي سنه 1538م
حقق خير الدين للدوله العثمانيه نصرا بحريا كبيرا، فقد وفق الى انزال هزيمه قاسيه باندريا
دوريا الذي كان يقود اساطيل كارلوس الخامس ملك اسبانيا والبابا بولس الثالث والبندقيه مجتمعة،[62][63] وذلك
قرب بروزة، الواقعه على خليج ارتا في الشمال الغربي من اليونان. ومن الفتوح الهامه التي
حققها الاسطول العثماني في عهد السلطان سليمان، فتح طرابلس الغرب وتحريرها من الاسبان وفرسان القديس
يوحنا على يد القبطان “طورغول بك”.[58] توفي السلطان سليمان في 5 سبتمبر سنه 1566م، الموافق
فيه 20 صفر سنه 974ه، وكانت الدوله العثمانيه انذاك قد بلغت اعلى درجات الكمال واصبح
وجودها ضروريا لحفظ التوازن السياسي في الشرق الاوسط واوروبا، ووصل عدد سكانها الى 15,000,000 نسمه
بحسب بعض المصادر.[64]
حقبه الركود والانتعاشات (1566–1683)[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقاله مفصلة: عوامل ضعف الدوله العثمانية
الصدر الاعظم محمد باشا صقللي، ربان السفينه العثمانيه خلال عهد السلطان سليم الثاني.
يعتبر عصر سليمان القانوني عصر الدوله العثمانيه الذهبي، وما ان انقضى هذا العصر حتى اصاب
الدوله الضعف والتفسخ. فقد كان سليم الثاني، خليفه سليمان، سلطانا ضعيفا لا يتصف بما يؤهله
للقيام بحفظ فتوحات ابيه فضلا عن اضافه شيء اليها، بالاضافه الى انه كان حاكما منحلا
خاملا، وكان ماجنا سكيرا.[65] وما يميز عهد هذا السلطان هو ان وظيفه الصدر الاعظم اصبحت
تجعل من يتقلدها الحاكم الفعلي وقائد الجيوش،[66] فلولا وجود الصدر الاعظم محمد باشا صقللي المخضرم
في الاعمال السياسيه والحربيه للحق الدوله الفشل،[67] لكن حسن سياسه هذا الرجل وعظم اسم الدوله
ومهابتها في قلوب اعدائها حفظها من السقوط مره واحدة.[67] ومن اعمال محمد باشا صقللي ان
ارسل جيشا كبيرا الى اليمن سنه 1569م بقياده عثمان باشا يسانده سنان باشا والي مصر،
لقمع ثوره الاهالي، وتمكن الجيش من اخماد الثورة، ودخل مدينه صنعاء بعد ان فتح جميع
القلاع.[67] ومن اعمال الصدر الاعظم ايضا فتح جزيره قبرص وانتزاعها من ايدي البنادقة.[67] شنت الدوله
العثمانيه في عام 1569م ايضا حمله على مدينه استرخان، الواقعه على مصب نهر الڤولغا في
بحر قزوين، بهدف استرداد الاماره ووضع حد لامتداد روسيا من ناحيه الجنوب، خشيه ان يؤدي
توسعها الى استيلائها على الطرق التجاريه والاسواق الكبرى والى هيمنتها على تجاره البلدان الاسلامية،[68] الا
ان هذه الحمله كان مصيرها الفشل، بسبب امتناع خاقان القرم، “دولت گراي الاول”، عن التعاون
مع الجيش العثماني وسعيه شخصيا لان يقوم بالاستيلاء على استرخان وقازان، كما تعذر ضرب الحصار
على المدينه لان الروس بنوا قلعه قويه الى الجنوب منها، على الطريق المؤديه اليها حالت
دون تقدم الجيش العثماني.[69]
معركه ليبانتو بين الاسطول العثماني والاوروبي.
وفي عهد السلطان سليم الثاني جرت موقعه ليبانتو البحريه التي هزت صوره البحريه العثمانيه والجيش
العثماني الذي اعتبره كثيرون لا يقهر. وتفصيل ذلك انه بعد ازدياد الخطر العثماني في البحر
المتوسط على اوروبا، وخاصه بعد فتح جزيره قبرص، وبعض المواقع على البحر الادرياتيكي،[66] تحالف فيليب
الثاني ملك اسبانيا مع البابا بيوس الخامس وجمهوريه البندقيه لوقف التقدم العثماني باتجاه ايطاليا من
جهة، واسترداد جميع المواقع التي فتحوها على حساب اوروبا وبخاصه في شمال افريقيا، من جهه
اخرى. فجمعوا مائتين وثلاثين سفينه وثلاثين الف جندي،[70] وسلموا لواء القياده الى الدون يوحنا النمساوي،
الذي ابحر الى خليج پاتراس، احد فروع البحر الايوني، وهناك اشتبك الاسطولان العثماني والاوروبي في
معركه بحريه طاحنه هي احدى اكبر المعارك في التاريخ الحديث، اسفرت عن انتصار الاوروبيين وانهزام
العثمانيين هزيمه منكرة.[67] ولم تقعد هذه الحادثه همه الصدر الاعظم محمد باشا صقللي، بل انتهز
فرصه الشتاء وعدم امكانيه استمرار الحرب لتجهيز اسطول جديد، وبذل النفس والنفيس في تجهيزه وتسليحه
حتى اذا اقبل صيف سنه 1572م كان قد تم بناء 250 سفينه بما فيها 8
غلايين حديثة،[71] واعلم الصدر الاعظم البنادقه باستعداده للجوله الثانية،[71] ففضلت البندقيه ان تجنح للسلام ووقعت
مع الدوله العثمانيه معاهده بذلك سنه 1573م،[72] فتفرغ العثمانيون لمحاربه اسبانيا التي عادت لاحتلال تونس،
وكذلك هزموا امير البغدان الذي تمرد على الدوله طلبا للاستقلال.[67]
معركه وادي المخازن عام 1578 بين الدوله المغربيه في يمين الصورة، بمشاركه 15 الف انكشاري
ارسلتهم الدوله العثمانيه كمساعده عسكرية، والامبراطوريه البرتغاليه في يسار الصورة، بمشاركه متطوعين من قشتاله وايطاليا،
ومرتزقه من الاقليم الفلامندي والمانيا وحلفاء مغاربة.[73]
توفي السلطان سليم الثاني يوم 12 ديسمبر سنه 1574م، الموافق فيه 27 شعبان سنه 982ه،[67]
وتولى بعده ابنه مراد الثالث. وفي عهد هذا السلطان تدخلت الدوله العثمانيه في انتخاب حليفها
“اتيين باتوري”، امير ترانسلڤانيا، ملكا على بولندا بعد شغور العرش، وبذا تحولت الحمايه العثمانيه على
بولندا من حمايه اسميه الى حمايه فعلية.[74] وساعد العثمانيون سلطان مراكش لاخماد ثوره اندلعت في
بلاده، فاصطدموا مع الثوار والبرتغاليين الذين ساندوهم في موقعه القصر الكبير وانتصروا عليهم واعادوا السلطان
الى الحكم.[66] اما اهم ما حصل في عهد السلطان مراد الثالث هو التوسع العثماني في
الشرق، على حساب الدوله الصفوية، فبعد وفاه الشاه طهماسب الاول من غير ان يسمي من
سيخلفه، تنازع ابناؤه على السلطة، فارسل الصدر الاعظم محمد باشا صقللي حمله عسكريه الى بلاد
فارس لفتح ما تيسر من مدنها، فضموا اليهم من املاكها بلاد الكرج، ثم اذربيجان الشمالية،
ثم بلاد داغستان.[75]
تعرضت الدوله العثمانيه بعد هذه الغزوات لخضه سياسيه عنيفة، عندما تقلص نفوذ الصدر الاعظم محمد
باشا صقللي، ومن ثم قتل في سنه 1579م، فعمت الفوضى بعد موته بفعل ضعف حلفائه
وتمرد الانكشارية، وراح الولاه يتنافسون فيما بينهم على منصب الصداره العظمى. وفي عام 1590م ابرم
العثمانيون صلحا مع الصفويين، اعترفوا فيه بما تم ضمه الى الدوله العثمانية، اضافه الى جنوب
اذربيجان بما فيها العاصمه تبريز.[66] وبعد ابرام الصلح استتب الامن على حدود الدولة، ان في
الشرق او في الغرب، فثار الانكشاريه في القسطنطينيه وفي الولايات نظرا لهبوط قيمه اجورهم، الامر
الذي دفع الصدر الاعظم الجديد، سنان باشا، ان يشغلهم بالحروب مع النمسا في المجر،[76] ونظرا
لما وصل اليه الانكشاريه من فوضى توالت عليهم الهزائم، وفقدوا بعض القلاع، وعلى الرغم من
ان سنان باشا استطاع ان يستردها لاحقا،[76] الا ان امراء الافلاق والبغدان وترانسلڤانيا استغلوا الموقف
وانتصروا على الجيوش العثمانيه في بضعه معارك واستردوا منهم بعض المدن.[76] وتوفي السلطان مراد الثالث
مساء 19 يناير سنه 1595م، الموافق فيه 8 جمادى الاولى سنه 1003ه، بعد ان اصيب
بداء عياء.[1]
موقعه كرزت بين الدوله العثمانيه والحلف النمساوي المجري.
تولى عرش ال عثمان بعد مراد الثالث ابنه محمد، الذي خرج عن القاعده التي استفحلت
منذ ايام جده سليم الثاني، وهي تولي الصدر الاعظم قياده الجيش، فقاد الجيوش بنفسه وخرج
لقتال المجر والنمسا، وانتصر عليهم في موقعه كرزت سنه 1596م.[77] وفي بدايه القرن السابع عشر
حصلت في الاناضول ثوره داخليه كادت ان تكون عاقبتها وخيمه على الدولة، خصوصا وان نار
الحروب كانت مشتعله على حدود المجر والنمسا، وخلاصتها ان قائد احدى فرق الانكشاريه التي نفيت
الى الاناضول عقابا لها لعدم ثباتها في موقعه كرزت، ادعى انه راى النبي محمد في
منامه يبشره بالنصر على العثمانيين،[78] فاعلن العصيان وثار على الدوله وقام بعدد من الفتن الى
جانب شقيقه، ثم مات بعد ان اصيب بجراح في احدى المعارك،[78] لكن شقيقه استمر يعصي
الدوله الى ان اعطته ولايه البوسنه ليحارب الاوروبيين حتى هلكت جيوشه عن اخرها في المناوشات
المستمره بينها وبين النمسا والمجر.[79] واعقبت هذه الثوره الكبيره ثوره اخرى في القسطنطينيه هي ثوره
الخيالة، الذين طالبوا بتعويضهم عما لحق بهم من اضرار جراء الثوره السابقة، فاستعانت الدوله عليهم
بجنود الانكشاريه وادخلتهم في طاعتها مجددا.[78]
الجيش العثماني يقاتل الجيش النمساوي المجري في سلوڤينيا خلال عهد ال كوبرولي.
المصلح الكبير فاضل احمد كوبرولي باشا.
حصار ڤيينا من قبل الجيش العثماني للمره الاخيره سنه 1683.
تميزت المده الممتده على مدار القرن السابع عشر بمظهر اقل روعه من مظهر مده القرن
السادس عشر بالنسبه للدوله العثمانية،[80] فبعد وفاه السلطان محمد الثالث ظهر سلاطين اكثر ضعفا وانغماسا
في الملذات، على الرغم من بروز بعض الشخصيات القويه منهم، مثل السلطان عثمان الثاني ومراد
الرابع، وبعض الوزراء الذين عملوا على صون هيبه وسلطان الدولة، ومن هؤلاء مراد باشا القبوجي،
الذي كان عونا وعضدا للسلطان احمد الاول الذي تولى وهو لم يتجاوز الرابعه عشر الا
بقليل.[81] وفي تلك الفتره تنازلت الدوله العثمانيه عن عراق العجم للدوله الصفوية، فكانت تلك اول
معاهده تركت فيها الدوله فتوحاتها، وكانت بمثابه فاتحه الانحطاط.[81] وبعد احمد الاول تولى اخيه مصطفى
العرش لثلاثه اشهر فقط، قبل ان يعين عثمان الثاني بدلا منه، الذي حدثت في عهده
سابقه كانت الاولى من نوعها، وتدل على مدى الانحطاط الذي وصلت اليه الدوله انذاك، اذ
تخاذل الانكشاريه في القتال، فاراد ان يؤدبهم ويستبدل بهم جنودا جددا مدربين، فثاروا عليه وقتلوه
واعادوا عمه مصطفى الى الحكم،[82] وما ان انتشر خبر قتل الخليفه حتى عمت الفوضى والثورات
ارجاء الدوله العثمانية، وقام الولاه يعلنون الاستقلال عن الدولة، فاشار الصدر الاعظم المعين بواسطه الانكشاريه
بعزل مصطفى الاول وتعيين ابن اخيه مراد الرابع.[83] استطاع مراد الرابع ان يطهر الدوله من
بعض الثورات مثل ثوره اباظه باشا والي ارضروم، وثوره قام بها الانكشارية، وحركه امير لبنان
فخر الدين المعني الثاني الاستقلالية، كما استرجع بغداد وهمدان وتبريز ويريڤان وكامل اذربيجان من الصفويين.[84]
وفي عهد خليفته ابراهيم الاول، انتعشت الدوله بعض الانتعاش، فدخل الاسطول العثماني جزيره كريت من
غير ان يلقى مقاومه تذكر،[65] وبعد هذا العهد عرف العثمانيون فتره من الضعف والعجز لم
ينتشلهم منها الا المصلح الكبير “محمد الكوبريللي” الذي تولى منصب الصداره العظمى عام 1656م في
عهد السلطان محمد الرابع، فنهض بالدوله نهضه جديده وطهرها من افاتها الفتاكة، وهكذا اشتد ساعدها
من جديد.[65] وبعد محمد كوبرولي تولى ابنه “فاضل احمد” ذات المنصب وسار على نهج ابيه،[85]
فقامت القوات العثمانيه سنه 1663م بهجوم على بلاد المجر وهددت ڤيينا نفسها بالسقوط.[65] وفي سنه
1672م استولى العثمانيون على اوكرانيا وكانت تابعه لملك بولندا.[86] وفي 17 يوليو سنه 1683م، حاصرت
جيوش السلطان محمد الرابع ڤيينا للمره الاخيرة، ولكنها صدت عنها.[65]
دور الركود (1683–1827)[عدل]
توسع الدوله العثمانيه منذ قيامها حتى بدايه دور الركود في سنه 1683.
عزل السلطان محمد الرابع بتاريخ 8 نوفمبر سنه 1687م، الموافق فيه 2 محرم سنه 1099ه،[87]
فعمت الفوضى بعد عزله، وتوالت الهزائم على الدوله العثمانية، فاحتلت النمسا بلغراد واجزاء من بلاد
الصرب، واحتلت البندقيه اجزاء كثيره من كرواتيا ودلماسيا واكثر اجزاء المورة.[88] ولم ينقذ الدوله من
تلك المشاكل الا “مصطفى كوبرولي باشا”، الابن الاخر للمصلح الكبير محمد كوبرولي، فبذل جهده في
بث روح النظام في الجنود، واحسن للنصارى بشكل كبير حتى استمال جميع مسيحيي الدولة، واستطاع
استرجاع بلغراد واقليم ترانسلڤانيا.[88] لكن على الرغم من ذلك، فان الدوله العثمانيه لم تحقق اي
فتوحات جديده وراء الحدود التي رسمها السلطان سليمان القانوني، فكانت حروبها وفتوحاتها خلال هذه الحقبه
لاسترداد ما سلب منها اجمالا، ففي عهد السلطان مصطفى الثاني، انتصر العثمانيون على بولندا واجبروا
قيصر الروس بطرس الاكبر على فك الحصار عن مدينه ازوف، واستعادوا البوسنه وبعض الجزر في
بحر ايجة، لكن الروس ما لبثوا ان عادوا لفتح ازوف، وانتصر النمساويون مره اخرى على
العثمانيين في “معركه زانطة”،[89] وتحالفوا مع بضعه دول اوروبيه ضد الدوله العثمانيه واجبروها على توقيع
معاهده “كارلوڤتش”، التي فقدت فيها مدينه ازوف لصالح روسيا، وما بقي لها من بلاد المجر
للنمسا، واوكرانيا وبودوليا لبولندا، وساحل دلماسيا وبعض جزر بحر ايجه للبندقية.[88]
ملك السويد كارل الثاني عشر، المعروف ايضا باسم “شارل الثاني عشر”. لجا الى الدوله العثمانيه
بعد هزيمته على يد الروس في سنه 1709، في عهد السلطان احمد الثالث.[معلومه 9]
ازداد وضع الدوله العثمانيه سوءا خلال السنوات القليله اللاحقة، ففي اوائل القرن الثامن عشر، وفي
عهد السلطان احمد الثالث تحديدا، طلبت السويد دعم العثمانيين في حربها ضد الروس، لكن الاخيره
رفضت في بدايه الامر، فمالت كفه الميزان لصالح الروس الذين هزموا السويد وارغموا ملكها على
الفرار ملتجئ الى بلاد الترك،[88] وعندما قررت الدوله العثمانيه خوض الحرب اخيرا، سنحت لها الفرصه
ان تقضي على القيصر بطرس الاكبر، لكن الصدر الاعظم رفع الحصار عنه بعد تلقيه رشوه
من خليله القيصر كاترين. كذلك اجبر العثمانيون على توقيع معاهده جديده هي معاهده “بيساروفتش”، وذلك
بعد ان استنجدت البندقيه بالنمسا لتجبر الاخيره العثمانيين على اعاده جزيره كريت الى البندقية، واضطرت
الدوله في هذه المعاهده ان تستغني عن بلغراد، ومعظم بلاد الصرب وجزءا من الافلاق للنمسا،
وان تظل البندقيه مسيطره على سواحل دلماسيا، مقابل عوده بلاد موره للعثمانيين.[88] استرجعت الدوله العثمانيه
ايضا بعض المدن التي فقدتها سابقا لصالح الصفويين، مثل همدان وتبريز واقليم لورستان، لكنهم عادوا
وهزموا وتنازلوا عن كل ما اخذوه من الصفويين.[88]
سجلت هذه المرحله بدايه اليقظه العثمانيه بالانفتاح على الغرب،[90] وبدات ترجمه بعض المؤلفات الغربية، وسمح
بانشاء مكتب للطباعه في العاصمة، وجرت الاستعانه بمجري اعتنق الاسلام، لبناء المطبعه وتشغيلها.[91] واخذت وجهه
الاصلاح تتجه نحو الاقتباس من الغرب الاوروبي مع المحافظه على الاصول العثمانيه الاسلامية، اذ كانت
الحضاره الغربيه تتسرب، بشكل او باخر، الى الدوله ولكن ببطء، وظهر عدد من المثقفين العلمانيين،
كما وفد الى البلاد عدد من الخبراء الاجانب الذين وضعوا خبراتهم في خدمه الدولة.[92]
قامت الحرب مجددا بين روسيا والدوله العثمانيه خلال عقد الثلاينيات من القرن الثامن عشر بسبب
احتلال الاخيره لبولندا بدعم من النمسا، فاتحدت الدوله العثمانيه مع الفرس واستطاعت دحر الجيش الروسي
والنمساوي وثارت لنفسها من النمسا بعد ان ارغمتها على توقيع معاهده بلغراد التي نصت على
عوده بلغراد وما استحوذت عليه النمسا من اراضي الصرب والافلاق الى الدوله العثمانية، وان تلتزم
روسيا بهدم قلاع مدينه ازوف، والا تبحر اي سفينه حربيه او تجاريه تابعه لها في
البحر الاسود.[93] لكن نيران الحرب عادت لتستعر مجددا بين الروس والعثمانيين خلال عقد السبعينيات من
القرن الثامن عشر، عندما فقد العثمانيون عده مدن لصالح الامبراطوريه الروسية، الى جانب اقليمي الافلاق
والبغدان. وحاول الروس احتلال طرابزون ولكنهم لم يستطيعوا،[88] ولكنهم استطاعوا لاحقا فصل القرم عن الدوله
العثمانية، وقاومت الدوله العثمانيه بكل ما اتيح لها من وسائل حتى اجلت الروس عن كثير
من المناطق التي احتلوها. وعند هذه النقطه لجات الامبراطوريه الروسيه الى اسلوب اخر لزعزعه كيان
الدوله العثمانية، هو اسلوب الفتنه الداخلية، فقامت باثاره مسيحيي الموره على العثمانيين،[88] واتجه الاسطول الروسي
الى الموره لدعم الثورة، ولكنه مني بالهزيمة، ولكن بعض السفن التي افلتت تمكنت من احراق
جزء كبير من الاسطول العثماني، ثم اتجهت لاحتلال جزيره “لمنوس”، فاجبرتها البحريه العثمانيه على التقهقر،
واخمدت الثوره في المورة. وفي 10 يونيو سنه 1772م، الموافق فيه 9 ربيع الاول سنه
1186ه، تهادن الفريقان مقابل بعض الامتيازات لصالح روسيا لعل اهمها هو حقها في حمايه جميع
المسيحيين الارثوذكس في الدوله العثمانية.[94] وفي غضون الحرب العثمانيه الروسية، ظهرت حركتان استقلاليتان عن الدوله
العثمانيه هي: حركه علي بك الكبير في مصر وحركه الشيخ ظاهر العمر في فلسطين، وقد
تمكن العثمانيون من القضاء عليها.[95][96][97]
السلطان الغازي سليم خان الثالث، رائد الحركه الاصلاحيه في الدوله العثمانية.
ابتدات محاولات الاصلاح الجديه في عهد السلطان سليم الثالث، الذي يعد من اوائل المصلحين والرواد
الحقيقيين في التاريخ العثماني كله، وقد قلده من جاء بعده، واستهدفت اصلاحاته نواحي الحياه كافة،
اداريه وثقافيه واقتصاديه واجتماعيه وعسكرية.[98] كانت ثقافه هذا السلطان اكثر اكتمالا من ثقافه من سبقه
من السلاطين، اذ تلقى بعض التدريب على الافكار الغربية، كما تلقى تعليما خاصا بالطرق الاوروبية،
واطلع على كتابات المؤلفين الاوروبيين، ويبدو انه استوعب الحاله المتدنيه للدوله بشكل افضل من اسلافه.
وعندما اعتلى هذا السلطان العرش كانت ثروات البلاد قد وصلت الى حاله متدنية، وكان العثمانيون
قد عادوا للحرب مع روسيا والنمسا، ولم يكن باستطاعه اي سلطان ان يقوم بحمله اصلاحات
ورحى الحرب دائرة، لكن جاءت عنايه القدر، عندما ظهرت الثوره الفرنسيه وانشغل الامبراطور النمساوي بها،
وخاف ان تمتد الى بلاده، فعقد صلحا مع العثمانيين اعاد اليهم بموجبه بلاد الصرب وبلغراد.[99]
واجهت السلطان سليم الثالث في بدايه حياته السياسية، المشكلات التقليديه القديمة: تفوق الغرب، والاتجاه المحافظ
لشعبه، وكان بطبعه ميالا للاصلاح بحيث لم يتردد في الاخذ ببعض الانماط الغربية، بعد ان
حصل على معلومات عن المؤسسات المدنيه والعسكريه لدول اوروبا الغربيه واسباب تفوقها على العثمانيين. فجاء
بفكره الجنود النظاميه ليتخلص من الانكشاريه الذين اصبحوا منبعا للفتن والهزائم، واصلح الثغور وبنى القلاع
الحصينه لحمايتها وجعل انشاء السفن على الطريقه الفرنسية، واستعان بالسويد في وضع المدافع، وترجم المراجع
العلميه في الرياضيات والفن العسكري،[99] كما وضع نظاما هرميا للقياده العسكرية، واخضع التجنيد لقواعد اكثر
صرامة، ووضع نظاما للجنود المشاه تضمن تعليمات لمساعده الجنود على التصرف كوحدة، ودعي هذا النظام
“بالنظام الجديد”.[98] كان من الطبيعي ان تبرز المعارضه لاصلاحات السلطان سليم الثالث العسكريه من جانب
المحافظين عند ادراكهم لنتائجها، فنظر الانكشاريه الى هذه الاصلاحات نظره ارتياب خاصه بعد فصل السلطان
الاسطول والمدفعيه عن فرقتهم، فثاروا ومعهم الجنود غير النظاميين واجبروا الخليفه على الغاء النظام العسكري
الجديد،[99] ولم يكتفوا بذلك بل عزلوا السلطان وقاموا بقتله لاحقا بناء على امر خليفته،[100] ويعتبر
سليم الثالث السلطان العثماني الوحيد الذي قتل بسلاح ابيض.[101]
معركه “ميشار” (1806) بين الثوار الصربيين تساندهم النمسا وروسيا، والدوله العثمانية، بريشه “افاناسيج شيلوموڤ”.
معركه ناڤارين (1827) بين الاسطول العثماني والاوروبي، بريشه لويس امبرواز گرناري.
وكان من ابرز الاحداث التي حصلت في عهد سليم الثالث قيام الحمله الفرنسيه على مصر
بقياده نابليون بونابرت الاول، فتحول اعداء الامس الى حلفاء والعكس صحيح، حيث انهارت الصداقه العثمانيه
الفرنسيه التي قامت منذ عهد السلطان سليمان القانوني، وتحالفت روسيا وبريطانيا مع الدوله العثمانيه لاخراج
الفرنسيين من مصر، وفي عهده ايضا تكونت جمهوريه مستقله في اليونان تحت حمايه الدوله العثمانية.[99]
وبعد سليم الثالث تولى مصطفى الرابع عرش ال عثمان، ولم يدم ملكه طويلا قبل ان
تثور الانكشاريه عليه ويقوموا بعزله وتنصيب اخاه محمود بدلا منه.[102] امتلا عهد محمود الثاني باحداث
مهمة، سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، فنتيجه للضعف الشديد الذي دب في اوصال الدوله
العثمانيه ظهر فيها اتجاهان: الاتجاه الاول الذي ارجع ما وصلت اليه الدوله العثمانيه من ضعف
الى الابتعاد عن الاسلام، والذي ما كان للمسلمين ان تقوم لهم قائمه في الارض الا
بالتمسك به؛ والاتجاه الثاني الذي يقوم على ضروره تقليد اوروبا تقليدا اعمى، لكي يصل العثمانيون
الى ما وصلت اليه من تقدم وازدهار.[99] وكان من نتيجه الايمان بالاتجاه الاول ان قامت
الحركه الوهابيه في شبه الجزيره العربية،[معلومه 10] واجتذبت اليها الكثير من اهلها، ودعت الى تطهير
الاسلام من كامل الشوائب التي تعلقت به عبر القرون.[103] ولما راى السلطان محمود انه من
الضروري قمع هذه الفئه التي يخشى من امتدادها على تفريق كلمه الاسلام، كلف محمد علي
باشا، والي مصر ومؤسس اسرتها الخديويه العلوية، بمحاربتها والقضاء عليها، ففعل ما طلب منه واباد
الحركه الوهابية، ثم شرع في اصلاح مصر وتنظيمها وفق النظام الاوروبي.[103] وفي بدايه عهد محمود
الثاني استقلت عده دول اوروبيه عن الدوله العثمانية، وكانت بدايه انشقاق اوروبا الشرقيه عن الدوله
العثمانيه عندما ثار الصربيون وطالبوا باستقلالهم، فقمعتهم الدوله العثمانيه مرتين، وتعهدت الا تتدخل في شؤون
الصرب الداخلية، وان تكون السيطره للعثمانيين في الصرب على القلاع فقط.[104][105] سرعان ما اعقب هذه
الثوره عصيان “علي باشا” والي مدينه يانيه الالبانية، حيث امتنع عن دفع الخراج واحترام الاوامر
التي ترسل اليه من الاستانة، فارسل اليه السلطان جيشا تمكن قائده من القبض عليه واعدامه.[106]
وما فتئت المشاكل تنهال على الدوله العثمانية، فقد ثار اليونانيون طلبا للاستقلال وهزموا فرقه عسكريه
عثمانيه ارسلت لقمعهم، فلم يجد السلطان لاخماد الثوره في اليونان غير محمد علي باشا والي
مصر، فاستجاب الاخير لطلبه وارسل سفنا حربيه محمله بالجنود الى اليونان،[107] استطاعت ان تحقق انتصارات
كاسحه على الثوار. غير ان ثوره اليونانيين نجحت، واستطاع الثائرون ان يستقلوا ببلدهم عن الدوله
العثمانيه بعد المساعدات التي تلقوها من الدول الاوروبية. كذلك كان الاسطول العثماني قد تحطم في
معركه ناڤارين عام 1827م، على يد السفن البريطانيه والروسية.[107]
دور الافول والتنظيمات (1828–1908)[عدل]
السلطان الغازي محمود خان الثاني “ابو الاصلاح”، بعد اقراره اعتماد اللباس الاوروبي لباسا رسميا.
تتميز هذه المرحله بانحدار الدوله العثمانيه سريعا وفقدانها لمعظم ممتلكاتها الباقيه في اوروبا، وقيام السلطان
محمود الثاني بعدد من الاصلاحات الكبيره الهادفه لجعل الدوله تواكب اوروبا الغربيه في التطور والازدهار.[108]
واول ما قام به السلطان محمود الثاني في هذا المجال كان الغائه لطائفه الانكشاريه بعد
ان اصبحت احدى عوامل تخلف وتراجع الدوله يقينا، فاعترض الانكشاريه على ذلك وحاولوا التمرد وتجمعوا
في احد ميادين الاستانة، فحصدتهم المدفعيه العثمانيه حصدا.[99] اعلن السلطان بعد قضائه على الانكشاريه نظاما
جديدا للجند قلد فيه الاوروبيين، كذلك قام بعدد من الاصلاحات المدنيه مثل اقامه المدارس الحديثه
ورفع يد الهيئه الاسلاميه عن الاشراف على التعليم،[108] وارسال بعثات طلابيه الى الخارج،[108] واتجه بالبلاد
الى تقليد اوروبا حتى انه تزيا بزيهم، واستبدل بالعمامه الطربوش، والعباءه والجلباب بالبذله الغربية.[108]
اعلنت روسيا الحرب على العثمانيين بعد ان رفضت الدوله العثمانيه الاعتراف بقرارات مؤتمر لندن الذي
نص على استقلال اليونان، وتمكنت من احتلال البغدان والافلاق، بل وصلت الى مدينه ادرنه وهددت
الاستانه بالسقوط، فتدخلت بريطانيا وفرنسا لوقف تقدم روسيا خوفا على مصالحها في الشرق، فعقدت بين
الروس والعثمانيين معاهده ادرنه التي نصت على عوده المناطق التي احتلها الروس الى الدوله العثمانيه
مقابل تمتع روسيا ببعض الامتيازات وتعويضها عن الخسائر التي تكبدتها في الحرب، واستقلال بلاد الصرب
وتسليم ما تحتفظ به الدوله من قلاعها.[109] وفي اواسط سنه 1830م، ساءت العلاقات بين الدوله
العثمانيه وفرنسا مجددا، بعد ان نفذت الاخيره ما كانت تنويه من مدة، الا وهو الاستيلاء
على ولايه الجزائر بدعوى منع تعدي القراصنه المسلمين على مراكبها التجارية،[110] وبذلك فقدت الدوله العثمانيه
الجزائر الى الابد، على الرغم من استبسال المقاومه بقياده الامير عبد القادر الجزائري، الذي اضطر
للاستسلام بعد ان دافع عن بلاده مده سبع عشره سنة.
محمد علي باشا، ابرز ولاه الشرق العربي العثماني في اواسط القرن التاسع عشر، واشهر من
اعلن العصيان على الدوله العثمانيه في ذلك الوقت.
استمرت المشاكل تنهال على الدوله العثمانيه بعد سقوط الجزائر، وذلك ان والي مصر محمد علي
باشا طمع في توسيع رقعه نفوذه بعد ان غدا اقوى ولاه السلطان العثماني في الشرق
العربي،[111] وكان السلطان محمود الثاني قد وعد محمد علي بان يوليه على بلاد الشام لقاء
خدماته الجليله التي قدمها للدولة،[معلومه 11] لكنه عاد واخلف وعده، اذ شعر ان وجود محمد
علي في الشام خطر على كيان السلطنه نفسها.[111] فقرر محمد علي ان يجتاح بلاد الشام
بالقوة، فوجه جيشه الى فلسطين واخضعها، ثم زحف على مدن الساحل اللبناني وفتحها الواحده تلو
الاخرى، وسرعان ما لحقت بها سوريا الوسطى والشمالية، وامتد زحف الجيش المصري الى الاناضول حيث
هزم الجيش العثماني حديث النشاه في قونية،[112][113] واصبح قاب قوسين او ادنى من الاستانة، حتى
خيل للعالم في ذلك الوقت ان نهايه الدوله العثمانيه اصبحت قريبة.[111] عقب هزيمه قونية، استنجد
السلطان محمود الثاني بالدول الاوروبيه للوقوف في وجه الخطر المداهم، فلم ينجده الا روسيا، التي
ارسلت 15 الف جندي الى الاستانه للدفاع عنها، فخشيت بريطانيا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي
وتوسطت للصلح مع محمد علي،[99] حيث اقر له السلطان بولايه مصر وجزيره كريت وفلسطين ولبنان
واضنة، لقاء نفس الاموال التي كان يؤديها عن الشام الولاه العثمانيون من قبل.[111] وفي غضون
ذلك توسع النفوذ الروسي في الدوله خصوصا بعد ان ابرم السلطان معاهده مع روسيا تعهدت
فيها الاخيره بالدفاع عن الدوله العثمانيه لو هاجمها المصريون او غيرهم. عمل السلطان محمود الثاني
في اواخر ايامه على استعاده الشام ومصر، فجمع جيشا جديدا، ونشط عملاؤه في الشام يحرضون
الشعب للثوره على المصريين، ثم سار الجيش وقام بهجوم عبر الفرات اسفر عن كارثه نزلت
به، اذ بدده الجيش المصري في معركه نصيبين عام 1839م. ولم تصل انباء هذه الهزيمه
الى السلطان محمود الثاني، اذ توفي قبل ذلك بايام.[111]
السلطان الغازي عبد المجيد خان الاول.
خلف السلطان عبد المجيد الاول اباه السلطان محمود الثاني، وهو صبي لم يبلغ الثامنه عشره
من عمره،[114] وكانت الدوله العثمانيه على شفير الانهيار، اذ اصبحت بلا جيش، بفعل خساره الجيوش
العثمانيه امام المصريين، وتشتيت القوى المسلحة، وبلا اسطول، بفعل انضمام الاسطول العثماني طواعيه الى الاسطول
المصري في الاسكندرية،[115] فسارع السلطان الفتى الى اجراء مفاوضات مع محمد علي، فاشترط الاخير، لعقد
الصلح، ان يكون الحكم في الشام ومصر حقا وراثيا في اسرته.[111] وكاد السلطان عبد المجيد
يقبل شروط محمد علي لو لم تصله مذكره مشتركه من الدول الاوروبيه الكبرى، عدا فرنسا،[معلومه
12] تطلب اليه بالا يتخذ قرارا يتعلق بمحمد علي الا بمشورتهم، ووعدوه بالتوسط بينه وبين
محمد علي، فوافق على ذلك.[111] ثم اجتمعت كل من بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وعقدوا اتفاقيه
صدق عليها العثمانيون، وعرضوها على محمد علي، وهي تنص على بقاء ولايه مصر وراثيه في
عائلته، وولايه عكا مدى حياته،[115] فرفض محمد علي ذلك وطرد المندوبين الاوروبيين والمندوب العثماني من
مصر،[115] وبناء على ذلك هاجمت البوارج الحربيه البريطانيه والنمساويه والعثمانيه مدن الساحل الشامي واستطاعت ان
تحرز انتصارا كبيرا على جيوش محمد علي بقياده ابنه ابراهيم باشا، واجبرته على العوده الى
مصر والانكماش فيها، وبذلك عادت الشام الى ربوع الدوله العثمانية، واصبحت سياده الدوله على مصر
سياده اسمية.[111] توصلت الدول الاوروبيه الكبرى، بعد انتهاء الازمه العثمانيه – المصرية، الى عقد اتفاقيه
جماعيه مع الدوله العثمانية، اطلق عليها تسميه “معاهده المضائق” او “اتفاقيه لندن للمضائق”، وقد ارست
هذه الاتفاقيه نظاما للمضائق العثمانيه ظل مطبقا بدون ادخال تعديلات جوهريه عليه حتى قيام الحرب
العالميه الاولى.[116] حدث في عهد السلطان عبد المجيد عدد من الفتن الداخليه في الولايات العثمانية،
وازدادت الدوله ضعفا على ضعف، مما زاد من اطماع الدول الاوروبيه فيها، فدعيت باسم “الرجل
المريض”، واخذ الاوروبيون يخططون لاقتسام تركتها مستقبلا.
حصار سيڤاستوبول من قبل الجيوش العثمانيه والاوروبيه خلال حرب القرم، بريشه فرانز روبو.
واقعه سينوب البحريه اثناء حرب القرم، التي نجم عنها انتصار الروس وانهزام العثمانيين،[117] بريشه ايڤان
ايڤازوڤسكي.
اتخذت المساله الشرقيه في اواخر القرن الثامن عشر، شكلها الحديث،[118] وبرزت مع بدايه انحسار المد
التوسعي العثماني عن اوروبا، ومع اتجاه العثمانيين المتزايد نحو فقدانهم تفوقهم العسكري امام الدول الاوروبية،
وبخاصه روسيا والنمسا، وقد تحكمت بها ثلاثه عوامل هي: ضعف الدوله العثمانيه المتزايد وظهور عدد
من القوميات المسيحيه الصغيره في شبه جزيره البلقان والفتن الداخليه المستمره في بعض الولايات، وقد
سمحت جميع هذه العوامل للدول الاوروبيه ان تتدخل في الشؤون الداخليه للدوله وتسيرها حسب مصالحها.[118]
ومن ابرز الاحداث التي استغلتها اوروبا للتدخل في الشؤون العثمانيه كانت الفتن الطائفيه التي وقعت
في بلاد الشام خلال عقد الاربعينيات من القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في جبل لبنان،
فتدخلت فرنسا بحجه حمايه الكاثوليك وبشكل رئيسي الموارنة، وتدخلت بريطانيا لدعم الدروز، وروسيا لدعم الارثوذكس،
فوقعت في البلاد مذابح عظيمه تخللتها سنوات قليله من السلام.[119] كما اتجهت الدوله نحو سياسه
نقل امور الولايات الى سلطه داخليه فانهوا حكم مماليك العراق في بغداد والبصره وال جليلي
في الموصل في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كما قضوا على الامارات الكرديه شبه المستقله في
حكاري وسوران وبادينان اثر ضغط دولي عقب مجازر بدر خان في الاربعينيات من نفس القرن.[120]
تعد حرب القرم التي ابتدات عام 1854م بين روسيا والدوله العثمانية، من اهم مراحل المساله
الشرقية، فقد دفعت هذه الحرب بالعلاقات الدوليه نحو التازم، وغيرت التحالفات السياسية، فوقفت بريطانيا وفرنسا
الى جانب الدوله العثمانيه للدفاع عن سلامه اراضيها ضد الروس.[121] وتتخلص هذه الحرب في ان
القيصر الروسي نيقولا الاول اعتقد ان بامكانه ان يطرح قضيه انهاء المساله الشرقيه بشكل جذري،
وابدى نيته في اقتسام املاك الدوله العثمانية، فعرض على بريطانيا تقسيم الدوله العثمانيه بينهما، فرفضت،
فحاول اغراء فرنسا بنفس الاغراء، فرفضت ايضا، فهددت روسيا باحتلال الافلاق والبغدان ان لم تعد
الدوله العثمانيه للامبراطوريه الروسيه حق حمايه المسيحيين الارثوذكس الذي فقدته وفق نص معاهده المضائق،[122] فلم
يعرها السلطان اي اهتمام بعد ان وعدته بريطانيا وفرنسا بالدفاع عن الدوله ضد اي هجوم
محتمل، فاقدمت روسيا على تنفيذ تهديدها، فتحالف العثمانيون مع بريطانيا وفرنسا والنمسا ومملكه البيمونت بايطاليا
والسويد، وقصفت اساطيلهم ميناء سيڤاستوبول في شبه جزيره القرم، وضربت الكثير من قلاعه بالاضافه للاغاره
على الكثير من موانئ روسيا على البحر الاسود، وتوغلت القوات المتحالفه في اراضي روسيا حتى
طلبت الصلح، فعقدت معاهده سلام في باريس انهت الحرب وانقذت الدوله العثمانيه من الخطر الروسي
الذي كان يتهددها، وبات من المنتظر ان تغدوا بلدا متحدا ياخذ بركب الحياه الدستوريه كما
عرفها الغرب، وتنضم الى سائر اعضاء المنظمه الدوله على قدم المساواة.[123]
وفي اواخر عهد السلطان عبد المجيد الاول، نشبت فتنه طائفيه كبرى في الشام، وتحديدا في
دمشق وسهل البقاع وجبل لبنان بين المسلمين والمسيحيين عموما، والدروز والموارنه خصوصا،[124] فوقعت مذابح مؤلمه
وبلغ عدد القتلى اثني عشر الفا،[124] وكان ممثلو بريطانيا وفرنسا يشجعون الفريقين على الانتقام ويساعدونهم
على الثار، فخشي السلطان ان تؤدي هذه الفتنه الى تدخل الدول الاجنبيه العسكري، فاوعز الى
المسؤولين العثمانيين في بيروت ودمشق بوجوب اخمادها حالا،[124] واوفد في الوقت ذاته وزير الخارجيه فؤاد
باشا الذي عرف بالدهاء والحزم، وخوله سلطات مطلقه لمعالجه الموقف، فقام بمهمته خير قيام واعدم
معظم الذين تسببوا بالمذابح وسجن الباقين ونفى بعضهم واعاد بعض المسلوبات الى اصحابها من المنكوبين
المسيحيين، وجمع تبرعات كثيره انفقها على ترميم القرى.[124] وكانت الدول الاوروبيه قد ضغطت على السلطان
وحملته على القبول بتشكيل لجنه دوليه يوكل اليها امر اعاده الهدوء الى جبل لبنان ودمشق،
وتصفيه ذيول الفتنة.[124] توفي السلطان عبد المجيد يوم 6 يونيو سنه 1861م، الموافق فيه 17
ذي الحجه سنه 1277ه، عن اربعين سنة،[125] بعد ان قام ببعض الاصلاحات الكبيره في الدولة،
ابرزها فرمانه الشهير الصادر سنه 1856م، الذي ساوى فيه بين جميع رعايا الدوله مهما اختلفت
عقيدتهم الدينية،[124] فتحسن وضع المسيحيين بشكل اكبر، وازدادت نسبه المتعلمين منهم،[126] الامر الذي ساهم في
انعاش اقتصاد الدوله لاحقا.[126]
حفل افتتاح قناه السويس في مدينه بور سعيد سنه 1869، خلال عهد السلطان عبد العزيز
الاول.
بويع السلطان عبد العزيز الاول بالخلافه وعرش ال عثمان بعد وفاه اخيه عبد المجيد، ومما
يذكر في عهده: افتتاح قناه السويس وقيام ثوره في جزيره كريت تم اخمادها.[115] وكان هذا
السلطان كثير التجوال في البلاد الخارجية، فزار مصر وزار فرنسا، وحاول تقريب روسيا اليه حتى
تخافه دول اوروبا، لكنه عزل بناء على فتوى شرعيه بسبب تبذيره اموال الدولة، كما تنص
بعض المصادر،[127] وعثر عليه ميتا في غرفته فقيل انه انتحر وقيل انه قتل،[115] وتولى بعده
ابن شقيقه عبد المجيد الاول مراد، ولم يستمر عهده اكثر من 3 اشهر، وتم عزله
بسبب اختلال عقله.[115]
السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني “الكبير”، اخر سلطان فعلي للدوله العثمانية.
رسم هزلي من مجله اللكمه البريطانيه يعود لتاريخ 17 يونيو سنه 1876، يصور الامبراطوريه الروسيه
بهيئه رجل، على وشك ان تطلق “كلاب الحرب” البلقانيه على الدوله العثمانية، بينما بريطانيا، ممثله
بهيئه شرطي، تحذرها من مغبه عملها. اعلنت الصرب والجبل الاسود الحرب على الدوله العثمانيه في
اليوم التالي لنشر هذا العدد من المجلة.
اخلاء المسلمين لمدينه نيكوبول البلغاريه بعد سقوطها بيد روسيا، وفق ما نصت عليه معاهده سان
ستيفانو.
وبعد مراد الخامس بويع عبد الحميد الثاني بالخلافه وعرش السلطنة، وفي ذلك الحين كانت البلاد
تمر في ازمات حاده ومصاعب ماليه كبيرة، وتشهد ثورات عاتيه في البلقان تقوم بها عناصر
قوميه تتوثب لتحقيق انفصالها، وتتعرض لمؤامرات سياسيه بهدف اقتسام تركه “الرجل المريض”. ومنذ اليوم الاول
لارتقائه العرش، واجه السلطان عبد الحميد موقفا دقيقا وعصيبا، فقد كانت الازمات تهدد كيان الدولة،
وازدادت سرعه انتشار الافكار الانفصالية، واصبح للوطنيه معنى جديد اخذت فكرته تنمو وتترعرع في الولايات
العثمانية، ووجد السلطان نفسه مشبع بالثوره والاضطراب.[128] فقد تجددت الثوره في اقليمي البوسنه والهرسك، واستمرت
في بلغاريا، وكان الصرب والجبل الاسود في حاله حرب مع الدولة.[128] ولهذه الاسباب تدخلت الدول
الاوروبيه لاستغلال الموقف بغيه تحقيق مصالحها بحجه احلال السلام. فشجعت روسيا والنمسا الصرب والجبل الاسود
على حرب العثمانيين، حيث رغبت النمسا بضم البوسنه والهرسك، بينما رغبت روسيا بضم الافلاق والبغدان
وبلغاريا، ووعدت روسيا النمسا والصرب والجبل الاسود بالوقوف بجانبهم اذا قامت حرب بينهم وبين العثمانيين.[129]
وبالفعل قامت الحرب بين الدوله العثمانيه وتلك الدول، الا ان الجيوش العثمانيه استطاعت الانتصار ووصلت
الى مشارف بلغراد، غير ان تدخل اوروبا اوقف الحرب.[129] قدمت الدول الاوروبيه الكبرى لائحه للدوله
العثمانيه تقضي بتحسين الاحوال المعيشيه لرعاياها المسيحيين، ومراقبه الدول الاوروبيه لتنفيذ اجراءات التحسين، فرفضت الدوله
اللائحة؛ لان هذا يعتبر تدخلا صريحا في شؤونها، فاستغلت روسيا الرفض واعتبرته سببا كافيا للحرب،
وفي هذه المره اطلقت اوروبا العنان لروسيا لتتصرف كيفما تشاء مع العثمانيين، فاحتلت الافلاق والبغدان
وبلغاريا ووصلت ادرنه واصبحت على بعد 50 كيلومترا فقط من الاستانة،[129] كذلك دخلت جيوشها الاناضول،[130]
وعادت الصرب والجبل الاسود لتعلن الحرب على الدوله العثمانية، فاضطرت الاخيره الى طلب الصلح، وابرمت
معاهده سان ستيفانو مع روسيا، التي اعترفت فيها باستقلال الصرب والجبل الاسود والافلاق والبغدان وبلغاريا،
ثم تم تعديل هذه المعاهده في مؤتمر عقد في برلين تم بموجبه سلخ المزيد من
الاراضي عن الدوله العثمانية.[131] كشفت قرارات مؤتمر برلين عن ضعف الدوله العثمانية، فاستغلت الكيانات السياسيه
والقوميه هذا الضعف، وقامت بانتفاضات على الحكم المركزي بهدف الحصول على الاستقلال الكامل، ودعمتها اوروبا
في سبيل تحقيق ذلك، وهكذا توالت الازمات السياسيه في وجه السلطان عبد الحميد الثاني بعد
الحرب العثمانيه الروسيه ومؤتمر برلين. انضمت تونس الى قائمه الاقاليم التي فقدتها الدوله العثمانيه لصالح
اوروبا في عهد عبد الحميد الثاني عندما احتلتها فرنسا، ثم لحقتها قبرص التي احتلتها بريطانيا،
واتبعتها بمصر والسودان، بحجه حمايه الدوله العثمانيه من اي اعتداء.[132]
لعل اهم الاحداث التي جرت في عهد عبد الحميد هي الازمه الارمنيه وقيام الحركه الصهيونية،
ويتفق المؤرخون، المسلمون منهم خاصة، ان هذين الحدثين هما ما ساهم في تشويه صوره الدوله
العثمانيه والسلطان عبد الحميد الثاني. وتفصيل الازمه الارمنيه ان الارمن طالبوا بعد مؤتمر برلين باستقلالهم،
خاصه ان السلطان لم يقم بتطوير يذكر لاوضاعهم، وعملت البعثات التبشيريه الاوروبيه والامريكيه على اذكاء
الشعور القومي الارمني، وفي الوقت نفسه اعتقدت الدوائر الحاكمه في الاستانه ان بعض الارمن يعملون
كعملاء لروسيا وبريطانيا، وساورها الشكوك حول ولائهم، ومن ثم نظرت اليهم على انهم خطر يهدد
كيان الدوله ومستقبلها وامنها.[133] وتصاعد التوتر في بلاد الارمن، ولم تلبث ان عمت الاضطرابات، فخرج
حوالي 4000 ارمني عن طاعه السلطان في بدليس بعد تاخر الاصلاحات الموعودة،[134] فقام العثمانيون بالرد
على ثوره الارمن بان ارسلوا جيشا مؤلفا بمعظمه من الاكراد[135] الى مناطق الثوره حيث دمروا
العديد من القرى الارمنيه وقتلوا كثيرا من الثوار ومن ساندهم، فيما اصبح يعرف باسم “المجازر
الحميدية”،[136] وتطور العنف ليشمل المسيحيين بشكل عام كالسريان كما في مجازر ديار بكر.[137] اما الحركه
الصهيونية، فنشات بقياده ثيودور هرتزل، ودعت الى انشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعه
للدوله العثمانيه وتشجيع اليهود على الهجره اليها، فاصدر السلطان عبد الحميد فرمانا يمنع هجره اليهود
الى الاراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهايه المطاف الى التهاون معها تحت ضغط الدول الاوروبية،
وخاصه بريطانيا.[138][معلومه 13]
دور الانحلال وخاتمه الدوله (1908–1922)[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقاله مفصلة: سقوط الدوله العثمانية
مظاهره لمؤيدي جمعيه تركيا الفتاه في ناحيه السلطان احمد من الاستانه في سنه 1908.
كانت الافكار القوميه قد تغلغلت بشكل كبير في جسم الدوله العثمانيه اواخر عهد السلطان عبد
الحميد الثاني، وانشا الداعون لهذه المفاهيم المؤسسات والجمعيات التي تحمل افكارهم، وكان من اهم هذه
الجمعيات جمعيه تركيا الفتاة، التي تاسست في باريس وكان لها فروع اخرى في برلين، وفي
انحاء الدوله العثمانيه في سالونيك والاستانة، واستطاعت ان تضع لها قدما في الجيش العثماني، وكان
لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني وكان لها جناح مدني هو الانتظام والترقي، واتفق
الفريقان ان تكون جمعيتهم باسم “الاتحاد والترقي”.[129] وامتد نفوذ الاتحاد والترقي في الدولة، فضم اليه
الكثير من ضباط الفيلق الاول المسيطر على الاستانة، وكذلك الفيلقين الثاني والثالث المرابطين في الولايات
العثمانيه الباقيه في اوروبا. وقد حاول السلطان عبد الحميد مقاومه هذه الجمعيات، فنادى وتمسك بفكره
الجامعه الاسلامية، لكنه فشل امامهم، خصوصا بعد ان سيطروا على اكثر الجيش.[129] فرض الاتحاديون على
السلطان اعلان دستور جديد للبلاد يخلف الدستور الاول او “القانون الاساسي” الذي اعلنه سنه 1876م،
فذعن لمطلبهم واعلن الدستور، فسيطر الاتحاديون على معظم مقاعد المجالس النيابية، ووجدوا ان السلطان سيكون
عائقا في تحقيق اهدافهم، فعزلوه وولوا اخاه محمد الخامس مكانه.[129]
مصطفى كمال “اتاتورك”، رئيس الجمهوريه التركيه مستقبلا، الى جانب بعض المقاومين الليبيين، اثناء الحرب العثمانيه
الايطالية.
تولى محمد “رشاد” الخامس العرش والدوله في احتضار، ولكنها كانت ما تزال متماسكة، واصبح الاتحاديون
هم الحكام الفعليين للبلاد، اما السلطان فكان مجرد العوبه في ايديهم، وفي ذلك الوقت كانت
الدوله قد اضاعت كثيرا من بلادها في اوروبا، والافكار القوميه تنتشر يوما بعد يوم، والبلاد
في حاله افلاس بسبب الحروب المتواصلة، والاوروبيون قد تسلطوا على ماليه الدوله لاستيفاء ما لهم
عليها من ديون.[139] وفي نفس السنه لاعتلاء محمد رشاد العرش، سيطرت الامبراطوريه النمساويه المجريه على
البوسنه والهرسك، وبعد ثلاث سنوات هاجمت ايطاليا ليبيا، اخر الممتلكات العثمانيه الفعليه في شمال افريقيا،
فقاومها العثمانيون بكل طاقتهم، لكنهم لم يستطيعوا شيئا، فسقطت البلاد بعد سنه من المعارك الشديدة.[139]
ثم جاءت حرب البلقان الاولى التي تولى كبرها كل من مملكه صربيا ومملكه الجبل الاسود
ومملكه اليونان ومملكه بلغاريا، وفقدت فيها الدوله العثمانيه ما تبقى لها من ممتلكات في البلقان
عدا تراقيا الشرقيه ومدينه ادرنة، وانسحب حوالي 400,000 مسلم من سكان تلك البلاد الى تركيا
خوفا من ما قد تقدم عليه جنود العدو.[140] وفي تلك الفتره ظهرت النزعه التركيه الطورانيه
بقوه وعنف، وسعى حزب الاتحاد والترقي الى تتريك الشعوب غير التركيه المشتركه مع الاتراك في
العيش تحت ظل الدوله العثمانية، مثل العرب والشركس والاكراد والارمن.[139] وفي سنه 1913م عقد الوطنيون
العرب مؤتمرا في باريس، واتخذوا مقررات اكدوا فيها على رغبه العرب في الاحتفاظ بوحده الدوله
العثمانيه بشرط ان تعترف الحكومه بحقوقهم، كون العرب اكبر الشركاء في الدولة، وطالب هؤلاء ان
تحكم الاراضي العربيه حكما ذاتيا وفق نظام اللامركزية، وقد وعد الاتحاديون الزعماء العرب الاحرار بقبول
مطالبهم، لكن ذلك لم يتحقق بفعل نشوب الحرب العالميه الاولى.[141]
الحرب العالميه الاولى (1914–1918)[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقاله مفصلة: الحرب العالميه الاولى
احدى البوارج الالمانيه تفر هاربه الى داخل البحر الاسود، وتبدو في الخلفيه السفن البريطانيه في
اثرها.
جنود روس يتفقدون جثث جنود عثمانيين قضوا اثناء حمله القوقاز على الجبهه الشرقية.
الجيش العثماني قبل هجومه على قناه السويس بوقت قصير.
ترحيل ارمن من الازيغ بالاناضول الشرقيه الى الشام.
انطلقت شراره الحرب الاولى في 28 يونيو عام 1914م عندما كان الارشيدوق فرانز فرديناند، ولي
عهد العرش النمساوي المجري يقود سيارته في مدينه سراييڤو في البوسنه الخاضعه للنمسا، فاغتاله احد
القوميين الصرب، فاعتبرت الامبراطوريه النمساويه المجريه صربيا مسؤوله عن هذا الاغتيال، فتدخلت روسيا لدعم صربيا
مدعومه من فرنسا وتحركت المانيا ضدهما، وما لبثت ان دخلت بريطانيا الحرب بعد ذلك بفتره
قليلة، ومن ثم تشكلت الاحلاف، فدخلت الدوله العثمانيه الحرب الى جانب معسكر دول المحور، اي
المانيا والنمسا وبلغاريا،[142] بعد ان فقد العثمانيون الامل في محاولات التقارب مع بريطانيا وفرنسا، وفشلوا
في الحصول على قروض عاجله منهما لدعم الخزينة، وعزلت الدوله سياسيا بعد حروب البلقان وايطاليا؛
فلم يكن لهم سوى خيار التقارب مع المانيا التي رات مصلحتها في “الانتشار نحو الشرق”.[143]
وفي 10 اغسطس سنه 1914م، دخلت الدوله العثمانيه الحرب بشكل فعلي،[144] بعد ان سمحت لبارجتين
المانيتين كانتا تطوفان البحر المتوسط، بعبور مضيق الدردنيل نحو البحر الاسود هربا من مطارده السفن
البريطانية.[145] وخطا الباب العالي خطوه هامه باتجاه الاشتراك بالحرب، حيث اعلن الصدر الاعظم الغاء الامتيارات
الاجنبية، ملبيا بذلك احدى المطالب الرئيسيه للقوميين الاتراك، ثم اتخذ خطوه اخرى في طريق التحدي
باغلاقه المضائق بوجه الملاحه التجارية، كما الغى مكاتب البريد الاجنبيه وجميع السلطات القضائيه غير العثمانية.[143]
بعثت الانتصارات الالمانيه الخاطفه على الجبهه الروسيه الامل في نفوس الاتحاديين، بشان امكانيه استعاده الاراضي
العثمانيه المفقوده لصالح روسيا المهزومة، فهاجم الاسطول العثماني الموانئ الروسيه في البحر الاسود، وقد شكل
ذلك امرا واقعا زج بالدوله العثمانيه في الحرب، فاعلنت روسيا الحرب على الدوله العثمانية، واقتدت
بها كل من بريطانيا وفرنسا، ورد السلطان محمد الخامس باعلان الحرب، ودعا المسلمين الى الجهاد،
الا ان ذلك لم يتحقق، فاغلب مسلمي العالم كانوا يزرحون تحت نير الاستعمار البريطاني او
الفرنسي، وكانت السلطات الاستعماريه قد جندت بعضا منهم ايضا في جيوشها.[143] خاضت الجيوش العثمانيه الحرب
على جبهات متعدده من دون استعداد كامل، فعلى الجبهه الروسيه منيت الحمله العثمانيه بهزيمه فادحة،
حيث فتك القتال والصقيع والوباء بتسعين الف جندي عثماني، وفي الجنوب نزل البريطانيون في الفاو
على الخليج العربي واستولوا على العراق، اما عمليه قناه السويس فجرت قبل الموعد المحدد، وفيها
اتفق العثمانيون مع المصريين على قتال البريطانيين، لكنها اسفرت عن هزيمه العثمانيين واودت بحياه الكثيرين
دون طائل. وقام اسطول الحلفاء بمهاجمه مضيق الدردنيل في خطوه للاستيلاء على الاستانه واخراج الدوله
العثمانيه من الحرب، وامداد الجبهه الروسية،[146] لكن هذا الاسطول الضخم عجز عن اجتياز المضيق وهزم
العثمانيون طاقمه هزيمه كبيره في معركه برية، كانت النجاح الوحيد لهم في مقابل سلسله من
الاخفاقات، وبرز في هذه المعركه القائد مصطفى كمال.[143]
واثيرت اثناء المعارك، التي اندلعت على الجبهه الشرقيه وهجوم الحلفاء في الدردنيل وغاليبولي، قضيه الارمن
مره اخرى، اذ قام الاتحاديون بنقل سكان المناطق الارمنيه في ولايات الشرق وكيليكيا والاناضول الغربيه
الى بلاد الشام، بهدف تامين حياه السكان المدنيين وحمايه القوات المسلحه من خيانه محتمله من
جانب العناصر المواليه لروسيا.[143] وكان بعض الارمن قد تطوعوا في الجيش الروسي،[147] وقتلوا عددا من
السكان المسلمين في الاناضول الشرقية، ونتيجه لذلك تعرض المرحلون لعمليات تعذيب وقتل فيما اصبح يعرف
باسم “مذابح الارمن”.[148][149][150] بعد فشل الحمله العثمانيه على مصر، جرت اتصالات سريه بين البريطانيين في
مصر وشريف مكه حسين بن علي الهاشمي، وبعض الزعماء العرب، وتم الاتفاق بين الفريقين على
ان يثور العرب على الاتراك وينضموا الى الحلفاء مقابل وعد من هؤلاء بمنح العرب الاستقلال
واعاده الخلافه اليهم. وتنفيذا لهذا الاتفاق اعلن شريف مكه حسين في يونيو سنه 1916م الثوره
العربيه على الاتراك، فاخرجهم من الحجاز وارسل قواته شمالا بقياده ولديه فيصل وعبد الله لتشارك
القوات البريطانيه في السيطره على بلاد الشام.[151] وفي غضون ذلك سحقت المقاومه البلغاريه في البلقان،
مما ارغم حكومه صوفيا على طلب الهدنة، فادرك الباب العالي خطوره الموقف، لان الحرب اضحت
قريبه من الاراضي التركية، ويمكن للعدو ان يتغلغل بحريه في تراقيا الشرقيه ويزحف حتى ابواب
الاستانة، فابرم العثمانيون معاهده مودروس مع الحلفاء، خرجوا بموجبها من الحرب.[143]
حرب الاستقلال التركيه (1919–1922)[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقاله مفصلة: حرب الاستقلال التركية
مظاهره في الاستانه مندده بالاحتلال بتاريخ 23 مايو سنه 1919.
توفي السلطان محمد الخامس قبل اشهر من انتهاء الحرب، وخلفه اخاه محمد “وحيد الدين” السادس.
وبعد مرور شهر على توقيع هدنه مودروس، دخلت البحريه البريطانيه والفرنسيه والايطاليه ثم الامريكيه الى
القرن الذهبي، وانزلت قواتها في الاستانه التي حولتها الى قاعده لنشاط الحلفاء في المنطقه كلها.
سيطر الحلفاء على موانئ البحر الاسود كلها، واقتسموا الاراضي التركية، فاحتل الفرنسيون مرسين واضنة، والايطاليون
انطاكيه وكوشا داسي وقونية، واحتل اليونانيون القسم الغربي من الاناضول، بالاضافه الى تراقيا.[152] كان رد
الفعل الداخلي لاتفاق الهدنه سلبيا، فقد رفض الاتراك الخضوع للاحتلال والقبول بمشاريعه، فقامت ثوره وطنيه
في جميع انحاء البلاد احتضنتها الحركه الوطنيه بزعامه القائد مصطفى كمال،[153] والتي عرفت باسمه “الحركه
الكمالية”، لتواجه خضوع الحكومه لرغبات الحلفاء وتعاون السلطان محمد السادس مع المحتلين، ومحاولات اليونان توسيع
المناطق التي احتلتها، وازدياد الثورات الارمنية. وعقدت الحركه الكماليه مؤتمرات عديده في طول البلاد وعرضها
لاستنهاض الوعي القومي وانقاذ البلاد من التقسيم، وتشكلت حكومه وطنيه برئاسه مصطفى كمال بهدف اقامه
دوله تركيه مستقلة، الغت جميع القوانين والتعليمات التي اصدرتها الحكومه السابقة، ووضعت السلطان وحكومته خارج
اطار القانون.[152] وقد حاول السلطان القضاء على هذه الحركه فلم يفلح.
السلطان محمد “وحيد الدين” السادس، اخر سلاطين بني عثمان، يغادر البلاد الى المنفى في سنه
1922.
وفي تلك الفتره فرضت معاهده سيڤر على السلطان، التي مزقت اوصال الدولة، وقد وقع عليها
مرغما، في حين رفضتها الحكومه الكمالية، ووضعت مخططا لانقاذ تركيا بمعزل عن السلطان. تمكن مصطفى
كمال بعد جهود مضنيه واصطدامات شديده مع اليونانيين، من الانتصار، فاستعاد كمال الاراضي التي احتلوها،
وفرض على الحلفاء توقيع هدنه جديده اعترفت فيها اليونان بانتصارات تركيا،[152] فاضحى مصطفى كمال بطلا
قوميا، وبرز في الواجهه السياسيه في حين ظل السلطان في الظل، فما كان منه الا
ان تنازل عن العرش واعتزل الحياه السياسية، وغادر البلاد على ظهر بارجه بريطانيه نقلته الى
جزيره مالطة، في 17 اكتوبر سنه 1922م، الموافق فيه 27 ربيع الاول سنه 1341ه.[152]
اعتلى عرش السلطنه العثمانية، بعد تنازل السلطان محمد السادس، ولي العهد عبد المجيد الثاني، وبعد
ان اصبح مصطفى كمال سيد الموقف، وقع معاهده لوزان مع الحلفاء التي تنازل بمقتضاها عن
باقي الاراضي العثمانيه غير التركية،[154] ثم جرد السلطان من السلطه الزمنيه وجعله مجرد خليفة، اي
اشبه بشيخ الاسلام، ولكن من غير سلطه روحيه ايضا. ثم الغى الخلافه سنه 1924 وطرد
عبد المجيد من البلاد، وبهذا سقطت الدوله العثمانيه فعليا بعد ان استمرت لما يقرب من
600 سنة، وانهارت معها الخلافه الاسلاميه بعد ان استمرت ما يزيد عن الف سنة.[155] وقد
رثا امير الشعراء احمد شوقي الدوله العثمانيه والخلافه الاسلاميه بابيات من الشعر قال فيها:[156]
ضجت عليك ماذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهه ومصر حزينه تبكي عليك بمدمع سحاح
والشام تسال والعراق وفارس امحا من الارض الخلافه ماح؟!
المدعون بالحق في عرش ال عثمان[عدل]
ارطغرل عثمان، اخر وريث شرعي لعرش ال عثمان ولد في ربوع الدوله العثمانية.
عندما طرد مصطفى كمال عبد المجيد الثاني من البلاد، طرد معه كامل افراد الاسره العثمانيه
وصادر املاكهم،[157] فذهب هؤلاء ليعيشوا في المنفى ومنعوا من العوده الى تركيا. وفي سنه 1974م،
اصدر البرلمان التركي قرارا نص على جواز منح الجنسيه التركيه للمنفيين المتحدرين من نسل عثمان
الاول، وتم اعلامهم بذلك عن طريق السفاره التركيه في كل بلد يعيشون فيه. يندرج ضمن
قائمه المدعين بالحق في العرش العثماني: “محمد اورخان” ابن الامير محمد عبد القادر، الذي توفي
في سنه 1994، و”ارطغرل عثمان” اصغر احفاد السلطان عبد الحميد الثاني. يشتهر ارطغرل عثمان برفضه
حمل الجنسيه التركيه رغم عرضها عليه عده مرات، قائلا انه “مواطن عثماني”، لكنه على الرغم
من ذلك قال انه لا يتمنى نهوض الدوله العثمانيه من جديد، وافاد ان “الديمقراطيه تسري
سريانا جيدا في تركيا”.[158] عاد ارطغرل عثمان الى تركيا في سنه 1992م، وكانت تلك المره
الاولى التي يدوس فيها ارض وطنه الام منذ نفيه وافراد الاسره الحاكمه في عشرينيات القرن
العشرين، وحصل على الجنسيه والهويه التركيه في سنه 2002م.[159] توفي ارطغرل عثمان في 23 سبتمبر
سنه 2009م في اسطنبول عن عمر يناهز 97 عاما ولم يخلف اولادا، وبموته لم يتبق
احد من المدعين بالحق في العرش العثماني من الذين ولدوا في الفتره التي كانت الدوله
فيها لا تزال قائمة. كان الاتراك يلقبون ارطغرل عثمان باسم “العثماني الاخير”،[160] ولو قدر له
ان يحكم بصفته سلطانا، لكان اكبر سلاطين الدوله سنا منذ نشاتها، ولعرف باسم السلطان ارطغرل
الثاني.
يعتبر “ابراهيم توفيق”، وهو حفيد حفيد السلطان عبد المجيد الاول الوريث الاول لعرش ال عثمان،
كذلك تقول الحكومه التركيه ان احد المواطنين الامريكيين من اصل تركي، واسمه “عدنان گلكور”، هو
الوريث الاصغر لعرش الدوله العثمانية.[161]
الاقتصاد[عدل]
رسم للسوق الكبير المغطى في الاستانه خلال العهد العثماني. بنى السلطان محمد الفاتح هذا السوق
لانعاش اقتصاد المدينه بعد ان فتحها لا سيما وانها كانت تعاني من التدهور الاقتصادي.
اعتنى العثمانيون بالعواصم المختلفه لدولتهم عنايه خاصة، فجعلوا من مدن بورصه وادرنه والقسطنطينيه مراكز صناعيه
وتجاريه مهمه في الشرق الاوسط واوروبا الشرقية، بل في العالم عندما بلغت الدوله ذروه مجدها
وقوتها، واستقطبوا اليها الصناع والحرفيين والتجار المهره من مختلف انحاء الاراضي الخاضعه لهم.[162] ومن ابرز
السلاطين الذين عملوا على تنميه الدوله العثمانيه من الناحيه الاقتصادية: محمد الفاتح وخليفته بايزيد الثاني
وحفيده سليم الاول، فخلال عهد هؤلاء السلاطين فتحت مناطق كثيره في اوروبا الشرقيه والعالم العربي،
وكان العثمانيون ينقلون معهم غالبا امهر الصناع والحرفيين الى عاصمتهم، كما فعل السلطان سليم الاول
عندما فتح تبريز ومن ثم القاهرة،[163] وفي ذلك العهد ايضا كان عدد من المسلمين واليهود
الاندلسيين قد غادر شبه الجزيره الايبيريه بفعل اضطهاد الاسبان لهم بعد سقوط الاندلس، فاستقبلهم العثمانيون
وقدموا لهم الكثير من التسهيلات ليستقروا في البلاد ويساهموا في نهضتها الاقتصادية.[164]
نظم العثمانيون ماليه دولتهم وخزينتها بشكل افضل واكثر فعاليه من اي دوله اسلاميه سابقة، واستمر
نظامهم المالي افضل نظم عصره وفاق جميع النظم الماليه لكل الدول من امبراطوريات وجمهوريات وممالك
وامارات معاصره حتى القرن السابع عشر، عندما اخذت الدول الاوروبيه الغربيه تتفوق عليها في هذا
المجال.[165] يعزى ازدهار الخزينه العثمانيه خلال العصر الذهبي للدوله الى انشائهم لوزاره خاصه تختص بالامور
الماليه للدوله من انفاق واستدانه وادانة، عرفت لاحقا باسم “وزاره المالية”، وكان يراسها شخص مختص
هو “الدفتردار” الذي اصبح يعرف لاحقا باسم “وزير المالية”،[165] وكان لحسن تدبير بعض وزراء الماليه
اثر كبير في نجاح فتوحات السلاطين وحملاتهم العسكرية، اذ استطاعوا بفضل هؤلاء وسلامه سياستهم الماليه
التي رسموها للدولة، ان يصرفوا على الجيش ويزودوه بكامل المعدات اللازمه واحدث اسلحه العصر.[166]
العملة[عدل]
عمله ورقيه عثمانيه من فئه 100 ليرة.
كانت العمله العثمانيه في بدايه عهد الدوله تعرف باسم “الغروش” او “القروش”، وكانت تسك من
معدن البرونز النحاس، وفي اواخر عهد الدوله اصبحت “الليرة” مرادفا لاسم العمله العثمانية، وكان يضاف
اليها اسم السلطان الذي صدرت في عهده، فكان يقال “ليره مجيدية” و”ليره رشادية” على سبيل
المثال. وكانت الليره العثمانيه تساوي مئه واثنين وستين قرشا،[167] واطلق عليها العرب اسم “العثملية”. كانت
الليرات العثمانيه عباره عن نقود ذهبيه في بادئ الامر، ثم اصدرت الدوله في عهد الحرب
العالميه الاولى اوراقا نقديه لاول مره في تاريخ البلاد، بسبب المبالغ الطائله التي انفقتها على
الحرب،[167] واكثرت من الكميات التي انزلتها الى السوق، فهبطت قيمه هذه العمله بالنسبه للنقد الذهبي
والفضي، هبوطا كبيرا، ولكن الحكومه كانت تصر على اعتبار الليره الورقيه مساويه لليره الذهبية، وكانت
تجبر الناس على قبضها والتعامل بها.[167] تعامل الشوام في اواخر العهد العثماني ايضا بالعمله المصرية،
ومنها اكتسبت النقود تسميه “مصاري” و”مصريات” اللتان لا تزالان تستعملان في بلاد الشام للاشاره الى
النقود.
التجارة[عدل]
رسم لسوق اقمشه في الاستانه سنه 1878م.
بنى العثمانيون الكثير من المراكز التجاريه والاسواق الكبيره والخانات على الطرق الرئيسيه للتجاره لينزل فيها
التجار المسافرون والقوافل. وكان هناك مراكز تجمع فيها البضائع التجاريه وتقوم قيمها وتثبت اسعارها، اي
كانت تعمل عمل البورصه حاليا، وكان يطلق على هذه المراكز التجاريه اسم “بدستان”.[168] تاسست هذه
المراكز اولا في مدينه بورصه وفي ادرنه ثم انتشرت منهما الى سائر ارجاء الدوله العثمانية.
كانت جميع انواع السلع والبضائع تباع وتشترى في هذه المراكز التجارية، وكان بعضها يتخصص في
بيع انواع معينه من البضائع، مثل المجوهرات او البسط او الاقمشه او البهارات او الكتب
او العطورات، وكان يوجد حول تلك المراكز بياعو الحاجيات اليوميه من اغذيه او وقود او
مواد خام.[168]
كانت التجاره الدوليه في القرن الرابع عشر بيد البرتغاليين والبنادقة، وكانت البضائع الثمينه تتجمع في
الموانئ، حيث تتم التجاره فيها عن طريق النقل البحري بواسطه السفن. كانت الدوله العثمانيه على
وعي بان ازدهار التجاره في اي بلد يساعد على ازدهاره، وتخلفها يعني تخلفه. لذا قامت
باحياء طريق الحرير التاريخي، وامنت بذلك تحول التجاره الى الطريق البري مره اخرى.[168] لذا بنت
الخانات ومراكز التجاره على الطرق التجاريه المهمة، وانشات هذه المراكز في داخل المدن ايضا. واستطاعت
الدوله – بتحقيقها الامن والامان للتجاره والتجار في اراضيها الواسعه وتيسير سبل التجاره امامهم –
السيطره على التجاره الدوليه بدء من القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر.[168]
كان التجار في العهد العثماني على نوعين: التجار المتجولون، والتجار المقيمون في المدن. فكانت مباني
البدستان محل عمل التجار المقيمين في المدن ومركزا لتعيين اسعار البضائع، كما كانت دائره لاستيفاء
الضرائب. وكان الموظفون الرسميون الذين يعينون الاسعار ويستوفون الضرائب يقيمون هناك، لذا لم يكن يسمح
بزياده الاسعار خارج الحد المعقول، اي لم يكن يسمح بالتعامل بالسوق السوداء.[168] كان اصحاب الحرف
المختلفه يعملون في البدستان كعائله واحدة، وكانت لهم منظمات ذات تقاليد عريقه ومستقره مثل “نقابه
الاخوة”. ولم يكن يؤخذ الى هذه النقابه من اصحاب المهن من لم يمر بمرحله التدريب
والتعليم التي تتدرج من مرحله المتعلم الناشئ او العامل المبتدئ الى المتدرب الى المعلم او
“الاسطة”.[168]
الزراعه والصناعة[عدل]
تاجر حرير يبتاع شرانق ديدان قز في انطاكيه قرابه سنه 1895م.
كانت الدوله العثمانيه تسيطر على اراض زراعيه خصبه جدا موزعه في جميع انحائها، ومنها السهول
الخصبه في بلاد الشام، وحوض نهر الدانوب، وحوضي دجله والفرات، ووادي النيل، وسهول اسيا الصغرى
وشمال افريقيا. وقد اشتهرت جميع هذه المناطق في سائر العصور بخصب تربتها ووفره مياهها وغنى
انتاجها. وكان الانتاج الزراعي متنوعا، فالقمح الحبوب الاخرى كان يعتمد في انتاجها على سهول الشام
ومصر والاناضول، وزيت الزيتون كان ينتج في الشام والاناضول والبلقان. واشتهرت اليونان وسوريا ولبنان وفلسطين
وبعض انحاء شمالي افريقيا بالفاكهه والاثمار، كالعنب والتين والكرز والخوخ والاجاص والتفاح والدراق والسفرجل واللوز
وغير ذلك.[169] ولم تكن الثروه الحيوانيه اقل اهميه من الانتاج الزراعي، فقد كانت قطعان الغنم
الماعز البقر والابل وجواميس الماء سارحه في هضاب البلقان واسيا الصغرى وبوادي الشام ووادي النيل.[169]
وانتشرت في الكثير من انحاء الدوله الصناعات الغذائيه والمستخرجه من مصادر حيوانيه ونباتية، وابرزها صناعه
الحرير والصوف والصابون.[169] وفي عصر الدوله الذهبي نشطت الصناعه العسكريه لتلبي حاجه الجيوش الفاتحة، وفي
مقدمتها صناعه الاسلحه الناريه من بنادق ومسدسات ومدافع، وفي الكثير من الاحيان تولى هذه الصناعه
مهندسون مجريون ونمساويون وفرنسيون وسويديون، وتليها صناعه الاسلحه البيضاء من سيوف ورماح ونبال، وصناعه الدروع.
وقد تضائلت اهميه هذه الصناعه مع ازدياد ضعف الدوله وتراجعها مقابل تقدم اوروبا الغربية.
نظام الحكم[عدل]
اتبع العثمانيون تنظيما بسيطا لدولتهم، حيث ابتكروا جهازين اداريين للحكم: جهاز اداري مركزي وجهاز اداري
محلي، وكان يتم اتباع هرميه معينه في كل جهاز منها، وكان السلطان بوصفه حاكم البلاد،
وخليفه المسلمين، يقبع على قمه هذا الهرم. اخذ العثمانيون بالكثير من العادات العربيه والفارسيه والبيزنطيه
في تنظيمهم للاجهزه الادارية، ودمجوا معها بعض العادات التركيه القديمة، وصهروها كلها في بوتقه واحده
مميزة، مما جعل الدوله العثمانيه تظهر بمظهر الوريث الشرعي لجميع تلك الحضارات التي سبقتها.[170]
الجهاز الاداري المركزي[عدل]
السلطان مصطفى الثاني يستقبل السفير الفرنسي “شارل ال فريول” في الديوان السلطاني سنه 1699، بريشه
“جان بابتيست ڤامور”.
كان الجهاز الاداري المركزي يتكون من السلطان وحاشيته، وهؤلاء جميعا يعرفون باسم “ال عثمان”، ويعاونهم
في الحكم ما يعرف باسم “الديوان”، وهو جهاز اداري مضمن يتكون من الصدر الاعظم وافراد
الطبقه الحاكمة. ومنصب الصدر الاعظم هو اعلى مناصب الدوله بعد منصب السلطان، وكان من يتبوا
هذا المنصب يلعب دور رئيس الوزراء ورئيس الديوان، ومن صلاحياته تعيين قاده الجيش وجميع اصحاب
المناصب الاداريه المركزيه او الاقليمية. اما الطبقه الحاكمه فكان يشار الى افرادها باسم “العساكرة” او
“العسكر”، ومفردها “عسكري”، وهي تشمل: الدفتردار، اي الشخص المكلف بالشؤون الماليه وحساب موارد الدوله ومصاريفها؛
الكاهيه باشا، وهو الموظف العسكري الذي يتكلف بتسير الشؤون العسكريه للدولة؛ الشاويش باشا (بالتركيه العثمانية:
چاويش پاشا؛ نقحرة: تشاويش پاشا) وهو موظف ينفذ الاحكام القضائيه التي يصدرها القضاة؛ رئيس الكتاب،
وشيخ الاسلام وطبقه العلماء. كان السلطان العثماني هو صاحب القرار النهائي الفاصل في اغلب الاحيان،
وقد استمر الامر على هذا المنوال حتى عهد السلطان مراد الرابع، عندما ازداد نفوذ الديوان
واخذ السلاطين لا يشاركون في جلساته اكثر فاكثر. جرت العاده منذ العهد العثماني على اطلاق
تسميه “الباب العالي” على الحكومه العثمانية، وهي تسميه تعني في الاصل قصر السلطان، ومع مرور
الوقت اصبح المقصود بالباب العالي: اعلى سلطه تتجسد في قوه السلطان المستمده من قوه جيشه.
طغراء السلطان سليمان القانوني (1520).
تعتبر السلاله العثمانيه اطول سلالات الاسر الاسلاميه الحاكمه عمرا،[171] وكان راس الاسره هو السلطان، وهو
في نفس الوقت راس الدولة، وخليفه المسلمين، وكان يشار اليه باسم “پاديشاه” بمعنى “ملك الملوك”
او “سيد الملوك”، وكان يحكم الدوله حكما مطلقا، ولا يقيده الا حدود الشريعه الاسلامية، حيث
كان شيخ الاسلام يتمتع بسلطه عزل السلطان لو ثبت انه تخطى حدود الشريعه او اصيب
بعاهه عقليه او جسديه تمنعه من ممارسه عمله والاهتمام بشؤون العباد على اكمل وجه.[معلومه 14]
وقد كان السلاطين الاوائل الذين بلغت الدوله في عهدهم ذروه مجدها وقوتها ملتزمين بحدود الشريعه
عادة، اما بعد عهد السلطان سليمان القانوني، اصيب البلاط العثماني بفساد شديد استمر حتى تولي
السلطان مصطفى الرابع العرش،[143] فقد حكم خلال هذه المده ثمانيه عشر سلطانا، لم يكن احد
منهم على مستوى يؤهله لان يمارس الحكم الا بواسطه وزراء كانوا احيانا مثالا للفساد، واحيانا
اخرى مشفقين على الدوله من الانهيار، كما كانوا يقومون باصلاحات تعطي الدوله حيويه تمكنها من
اداره امورها لسنوات عدة.[172] كانت الاسره العثمانيه اسره تركيه من الناحيه العرقيه والارثيه فقط، وفي
واقع الامر اصبح البيت العثماني في ذروه اتساع الدوله عباره عن مزيج ثقافي واسع للحضارات
والثقافات المجاورة، الامر الذي جعل العنصر التركي للدوله يفقد هيمنته مع مرور الزمن، واصبحت الدوله
ككل يشار اليها في اوروبا باسم “المشرق”.[173] كان لكل سلطان ختم خاص به يصنع في
بدايه عهده ويستخدمه لختم الفرمانات والرسائل التي يبعثها للملوك والاباطره وغيرهم من الحكام، ويعرف هذا
الختم باسم “الطغراء”، وقد تطور شكل الطغراء منذ ان ابتدعها السلطان اورخان الاول حتى عهد
السلطان سليمان القانوني، عندما اتخذت شكلا ثابتا استخدمه باقي السلاطين الذين تلوه.[174]
دار الحريم في قصر الباب العالي.
يلاحظ خلال مده القرنين السابع عشر والثامن عشر، ضعف اهتمام السلاطين بمزاوله شؤون الدولة. وكان
عدد من هؤلاء السلاطين، قبل ان يتولوا العرش، سجناء في دار الحريم او في اقبية،
ما انعكس سلبا على سلوكهم خلال توليهم الحكم، ومنهم من كان شديد الاسراف في الابهه
والقتل، فيما البعض الاخر شغل بالقنص ومعاقره الخمر والفساد والسطو على ماليه الدوله واخذ الرشوه
وبيع المناصب، وكان لنساء القصر تاثيرهن القوي على السلاطين، وخصوصا في القرن السابع عشر، حيث
كانت الدوله في بعض الاوقات تحت حكمهن.[175]
استمر السلاطين هم الحكام الفعليين للدوله منذ عهد مصطفى الرابع حتى عبد الحميد الثاني، عندما
اصبح تسيير امور البلاد بيد جمعيه الاتحاد والترقي واصبح السلطان مجرد اداه في ايديهم يسيرونها
كما يشاؤون، وتحول لقبه الى “سلطان العثمانيين وخليفه المسلمين”،[176] بعد ان كان لقب السلطان من
اطول القاب الحكام في العالم سابقا، فالسلطان سليمان القانوني مثلا كان يلقب “سلطان السلاطين وبرهان
الخواقين وامير المؤمنين وخليفه رسول رب العالمين، متوج الملوك ظل الله في الارضين وسلطان البحرين
وخادم الحرمين الشريفين، ملك الاناضول والروملي وقرمان الروم وولايه ذي القدريه وديار بكر وكردستان واذربيجان
والعجم والشام وحلب ومصر وجميع ديار العرب واليمن وممالك كثيره اخرى، السلطان سليمان خان بن
السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان”.[177]
الصدر الاعظم “ابراهيم باشا” يستقبل اعضاء الوفد الفرنسي الى الباب العالي بتاريخ 10 اكتوبر سنه
1724م.
كان لقب “الوزير” هو المستخدم خلال المراحل الاولى للدوله العثمانية. واول من لقب بالصدر الاعظم
كان الوزير “خليل خير الدين باشا” وزير السلطان مراد الاول. والغرض من اللقب الجديد هو
تمييز حامل الختم السلطاني من الوزراء الاخرين. ثم بدا اللقب الجديد “صدر اعظم” يحل محل
اللقب القديم “وزير اعظم” تدريجيا وان كانا لهما نفس المعنى والرتبة. وخلال التاريخ العثماني ظهرت
القاب جديده للصدر الاعظم مثل الصدر العالي والوكيل المطلق وصاحب الدوله والسردار الاكرم والسردار الاعظم
والذات العالي. وقد برزت اهميه الصدور العظام بعد عهد السلطان سليمان القانوني، عندما اصبحوا يتولون
شؤون الدولة، ومن اشهرهم ال “كوبرولي”.[178] وبعد فتره التنظيمات في القرن التاسع عشر، اصبح من
يتولى منصب الصدر الاعظم يقوم بدور اكبر مما هو في منصب رئيس الوزراء في الملكيات
الغربية. وبعد اقرار دستور سنه 1908 اصبح الصدر الاعظم مسؤولا عن اعماله امام البرلمان.[179]
الجهاز الاداري المحلي[عدل]
الولايات العثمانيه سنه 1900.
نظرا لاتساع رقعه الدوله فقد قسمها العثمانيون الى ولايات او “ايالات”، ثم قسموا كل ولايه
الى سناجق او مقاطعات، وكل سنجق الى نواح، وكل ناحيه الى احياء وحارات. وكان حاكم
الولاية، او الوالي ولقبه “الباشا”، تبعا للحكومه المركزيه في الاستانة، في حين كان حاكم السنجق،
او “الحكمدار” ولقبه “البك”، تابعا للباشا، ويساعده ديوان و”صوباشي”، اي ضابط امن؛ وكان حاكم الناحية،
ولقبه “الاغا” تابعا للبك، وكان على رئس كل حي او حاره “مختار” تابع للاغا.[180] وكان
الوالي يعيد شراء منصبه من الصدر الاعظم كل سنة، فكان طبيعيا ان يعمد الى ابتزاز
ما دفع من الضرائب الباهظه التي كان يفرضها على الرعيه ومن الموظفين الخاضعين لسلطته، كما
كان طبيعيا ان يعمد هؤلاء الموظفون بدورهم الى ابتزاز المال بمختلف الوسائل من افراد الشعب،
وعرف هذا النظام، اي جبايه الضرائب السنويه عن مساحه من الارض من اهلها من الفلاحين،
باسم “نظام الالتزام”.[143] كان والي الشام متميزا عن غيره من الولاه باضافه منصب اماره الحج
عليه، وكانت مهمه “امير الحج” الاشراف على قافله الحج الشامي التي تضم حجاجا من انحاء
بلاد الشام والاناضول والبلقان، وتامين ما يلزم لسلامه الحجاج، من ماء وجنود ودليل خبير بالطريق
او اكثر من دليل، وغير ذلك من الامور. كان عدد ولايات الدوله يتفاوت بين الحين
والاخر، وفق ما تكسبه او تفقده من البلدان، او بسبب دمج بعض الولايات ببعض.[180]
انشا العثمانيون خلال بعض الفترات من تاريخهم تقسيمات اداريه محليه جديدة، ففي عهد التوسع والفتوحات
اصبحت الدوله تضم الويه جديده كان من الصعب ربطها بالعاصمة، فاضطرت الى ضم عدد منها
في ولايه واحدة، وعين على راس كل ولايه امير امراء الالوية، ولقبه “بكلر بك”. كذلك
انشا العثمانيون نظام “المتصرفية” خلال فتره افول نجم الدولة، بضغط من الاوروبيين، وهذا النظام يهدف
من الاساس لحمايه الاقليات الدينيه المسيحيه في الدوله واعطائها نوعا من الاستقلال الذاتي، كما في
حاله متصرفيه جبل لبنان، او لحمايه بعض المناطق المقدسه عند اهل الكتاب عموما، مثل متصرفيه
القدس. وكان يعين على راس المتصرفيه موظف عثماني يعرف باسم “المتصرف”، وفي حاله متصرفيه جبل
لبنان، فقد كان يجب ان يكون مسيحيا عثمانيا غير لبناني او تركي.[181]
البرلمان والدستور العثماني[عدل]
السلطان عبد العزيز خان الاول، اول سلطان عثماني اسس مجلس ذو طابع شبه دستوري.
ترجع بدايه الحياه الدستوريه في الدوله العثمانيه الى عام 1808م، وهو العام الذي تبوا فيه
السلطان محمود الثاني عرش السلطنة، ففي بدايه عهده دعا الصدر الاعظم مصطفى باشا البيرقدار الى
عقد مجلس استشاري في الاستانه وعرض فيه برنامجا اصلاحيا ابرز ما جاء فيه الزام حكام
الولايات بالولاء للسلطان، وتعهد الدوله المركزيه بالطاعه التامه لقراراته، وحدد الاتفاق العلاقات بين حكام الولايات
بعضهم ببعض، وبالتالي بين موظفي الدوله على اساس ضمانات متبادله قائمه على العدالة.[182] وكان يمكن
لهذا الاتفاق ان يكون اساس دستور حقيقي للدوله العثمانية، الا انه لم يعش طويلا، فالسلطان
لم يوقع عليه الا مرغما، حين راى نفسه مضطرا لتصديقه واصداره، بفعل انه عده انتقاصا
من سلطته، لذا قرر الغاءه عند سنوح اول فرصة، واستطاع ذلك عندما قتل البيرقدار، وخلال
السنوات التاليه اخضع السلطان الولايات العثمانيه لحكومه مركزيه قوية.[182]
صدرت في عهد السلطان عبد المجيد الاول قوانين اصلاحيه عده ذات طابع شبه دستوري، مثل
منشور الكلخانه ومنشور التنظيمات الخيرية، وينظر بعض المؤرخين الى هذين المنشورين على انهما وثيقتان دستوريتان
لاشتمالهما على مبادئ عامه في الحكم والادارة، لكنهما في واقع الامر لا يعدان قانونين دستوريين
بفعل انهما لم يقيدا حريه السلطان او يحدا من صلاحياته، كما انهما لم ينشئا المجالس
النيابيه او القضائية.[183] وفي عام 1856م انشا السلطان عبد المجيد مجلسا عرف باسم “مجلس اعيان
الولايات” يتكون من عضوين عن كل ولاية، يختارات من بين اصحاب المعرفه والاحترام، هدفه ابداء
الراي بالاصلاحات الواجب ادخالها على اجهزه الدولة، على ان يبدي كل منهم وجهه نظهره في
ذلك. كانت هذه التجربه الاولى من نوعها في تاريخ الحياه النيابيه في الدوله العثمانية، الا
انها باءت بالفشل لعدم قدره المندوبين على استيعاب المشكله برمتها، كما داخلهم الشك في نوايا
الحكومه المركزية.[182] وانشا السلطان عبد العزيز الاول في عام 1876م “مجلس الدولة” او “شوري دولت”،
الذي تميز بطابع شبه دستوري، وشملت اختصاصاته اعداد مشاريع القوانين للدوله وابداء الراي للوزارات بالمسائل
الخاصه بتطبيق القوانين، كما كان بمثابه محكمه ينظر بالقضايا الاداريه ويحاكم الموظفين المتهمين بالانحراف.[184] وقد
وصف هذا المجلس بانه بدايه انطلاق لمجلس النواب.[182]
الصفحه الاولى من الدستور العثماني.
اشتهر السلطان عبد الحميد الثاني انه اول سلطان دستوري في تاريخ الدوله العثمانية، فقد اعلن
دستورا للبلاد بعد ان اقنعه زعيم تكتل “اتفاق الحمية” مدحت باشا ان الاقدام على هذا
العمل يجعل الدول الاوروبيه تتوقف عن تدخلها في الشؤون الداخليه للدوله لا سيما وانه سيصلح
وضع الرعايا المسيحيين في البلقان والشام. تشكلت لجنه عامه برئاسه مدحت باشا، ولجان فرعيه لدرس
مشروع الدستور قبل اصداره، وانتهت بعد مداولات طويله الى وضع هيكل للنظام البرلماني يقوم على
مجلسين: مجلس شيوخ، يطلق عليه “مجلس الاعيان”، ومجلس نواب يطلق عليه “مجلس المبعوثان”.[185]
حفل اعلان الدستور العثماني وافتتاح البرلمان.
كان الدستور العثماني ينص على تقييد السلطه المطلقه للسلطان وانه حامي الدين الاسلامي، يتمتع شخصه
بحرمه قدسية، وهو غير مسؤول عن تصرفاته امام احد، وحدد الدوله وعاصمتها والحقوق العامه للرعايا.[185]
وانتقص الدستور كثيرا من سلطات الصدر الاعظم التنفيذيه واعطاها للسلطان. جعل الدستور للسلطان الحق في
تعيين اعضاء مجلس الاعيان مدى الحياة، على ان لا تقل سن العضو عن اربعين عاما،
اما مجلس المبعوثان فكان اعضاؤه يعينوا عن طريق اجراء انتخابات عامة، وكان المجلسان يجتمعان كل
سنه في دوره عادية، تبدا في الاول من شهر نوفمبر وتنتهي في اخر شهر فبراير،
ويحق للسلطان تقديم موعد الدوره او اختصار مدتها. كانت الحكومه هي التي تقترح التشريعات الجديده
على البرلمان، اما اقتراحات اعضاء المجلسين فيجب ان تعرض على السلطان، فاذا وافق عليها يحيلها
الى البرلمان عن طريق مجلس الدوله الذي يوافق عليها، وينتهي الامر بصدور موافقه السلطان، اما
اذا رفض احد المجلسين مشروع قانون فلا يعيد النظر فيه في دوره انعقاده نفسها.[186]
الواقع ان الحياه الدستورية، بمعناها الحديث، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، كانت تجربه فاشله
قدر لها الاخفاق، ومرت بمرحلتين: بدات المرحله الاولى بصدور الدستور في 23 ديسمبر سنه 1876م،
الموافق فيه 6 ذي الحجه سنه 1293ه، وانتهت بحل البرلمان وايقاف العمل بالدستور في 14
فبراير سنه 1878م، الموافق فيه 11 صفر سنه 1295ه.[182] وبدات المرحله الثانيه حين قرر السلطان
عبد الحميد اعاده العمل بالدستور في شهر يوليو من عام 1908م، واستمرت الى ما بعد
عهده، حيث انتهت في 18 مارس سنه 1920م، الموافق فيه 26 جمادى الاخره سنه 1338ه،
حين قرر البرلمان ايقاف جلساته الى اجل غير مسمى، ثم اصدر السلطان محمد السادس في
11 ابريل من نفس العام قرارا بحله.[182]
المجتمع والثقافة[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقاله مفصلة: ثقافه الدوله العثمانية
ثقافة
الدوله العثمانية
التركيه العثمانيه · الشعر · النثر (en) · العماره · المطبخ (en) · الموسيقى (en)
· المنمنمات (en) · مصارعه الزيت (en)
Osmanli-nisani.svg
يكاد المؤرخون يجمعون على انه لم تكن ثمه حضاره عثمانيه بالمعنى الدقيق للكلمة.[187] فقد كانت
الحضاره العثمانيه مجرد مزيج من حضارات الامم التي سبقتها وحضارات الامم التي عاصرتهم. فبرز فيها
اثر العرب واثر الفرس من ناحية، واثر البيزنطيين واثر الاوروبيين من ناحيه ثانية.[187] والواقع ان
خير ما يمكن ان يقال في هذا الموضوع هو ان الحضاره العثمانيه امتداد للحضاره والخلافه
العربيه الاسلاميه التي بلغت اوجها في العصر العباسي، ولكنه امتداد طبعه العثمانيون بطابعهم التركي وطعموه
بكثير من المؤثرات البيزنطيه اولا، ثم بكثير من المؤثرات الاوروبيه بعد ذلك.[187]
البنيه الاجتماعية[عدل]
راوي في احدى المقاهي يروي قصه لتسليه الناس. كانت هذه الظاهره الثقافيه ظاهره مشتركه بين
العديد من المدن في ارجاء الدوله العثمانية.
اتسم العثمانيون بعدم اتباعهم لسياسه هضم القوميات، الامر الذي ساعد على نمو العصبات الحاكمه وحفظ
للقوميات طابعها القومي، فقد وضع السلاطين نظاما خاصا عرف بنظام “الملل”، قسموا بمقتضاه الشعوب الخاضعه
لهم، ووضعوا كل مله او عصبيه تحت حكم زعيم لها هو المسؤول عنها امام السلطان.[188]
يقول بعض المؤرخين ان هذه السياسه هي احد الاسباب الرئيسيه التي ادت لضعف الدوله وانفصال
بعض القوميات عنها في وقت لاحق، بينما يقول اخرون ان التعدديه هي ما كان وراء
دوام استمرار الدوله لسنين طويلة.[188] منح السلاطين بعض الاقليات العرقيه والدينيه حق الاقامه في ربوع
الدوله العثمانيه واعطوهم الامان وسمحوا لهم بممارسه شعائرهم الدينيه بحريه لقاء الجزية، كما فعل السلطان
محمد الفاتح مع اليهود والروم الفناريه عندما دعاهم ليسكنوا القسطنطينية. طبعت بعض المدن الكبرى في
الدوله العثمانيه بطابع ثقافي واجتماعي مختلط كما القسطنطينية، كونها كانت اما مرافئ تجاريه مهمه او
عواصم ولايات، او ذات اهميه دينية، ومن هذه المدن التي ما زالت تحتفظ بطابع عثماني:
سراييڤو، سكوبيه، سالونيك، دمشق، بغداد، بيروت، مكة، القدس، والجزائر، فلا يزال المرء يشاهد في هذه
المدن عدد من المعالم المعماريه العثمانيه الاثريه والحديثه المبنيه على هذا الطراز، كما ان العديد
من سكان هذه المدن نزح اليها من مناطق اخرى خلال العهد العثماني.[189] كان للانتماء المجالي
تاثير كبير على وضعيه ومكانه صاحب منصب ما في الدوله العثمانية، ويتمثل ذلك في ترابيه
اجهزه الدوله وفيما يخص بروتوكول الاستقبال. فقاضي الروملي كان اقرب واعلى مكانه للسلطان من قاضي
الاناضول، وهذان القاضيان هما اول من يدخل على السلطان، يليهما الصدر الاعظم ثم رئيس الكتاب
ورئيس بيت المال ولا يرى غيرهم. وقد اتبع اسلوب التشريفات هذا بعض الحكام المحليين وطبقوه
كما كان يطبق في القسطنطينية.[190]
التعليم[عدل]
مدرسه العشائر السلطانية، انشئت في سنه 1892 على يد السلطان عبد الحميد الثاني واغلقت في
سنه 1907.[191]
اهملت الدوله العثمانية، خلال مراحل تاريخها، تنشيط التعليم المدني، الا في نطاق المدارس التابعه للهيئه
الدينيه الاسلامية، وقامت الى جانب هذه المدارس، مدارس الملل باشراف الطوائف الدينيه غير الاسلاميه او
البعثات التبشيرية.[192] ولم يتطور التعليم في الدوله العثمانيه الا في بدايه عهد السلطان عبد المجيد
الاول وباقي السلاطين الذين تلوه، وابرزهم عبد الحميد الثاني، الذي انشا المدارس المتوسطه والعليا والمعاهد
الفنيه لتخريج الشباب العثماني، واعداده لتولي المناصب الحكوميه والنهوض بالدولة. واهتم السلطان اهتماما بالغا بالمدرسه
التي انشات عام 1859م على عهد السلطان عبد المجيد الاول، فاعاد تنظيمها وفق خطه علمية،
وتحديثها بمناهج دراسيه جديدة، وفتح ابوابها للطلاب القائمين في العاصمة، والوافدين من مختلف الاقاليم العثمانية،
حتى غدت مركزا ثقافيا هاما. وانشا السلطان بدءا من عام 1878م، المدرسه السلطانيه للشؤون المالية،
ومدرسه الحقوق، ومدرسه الفنون الجميلة، ومدرسه التجارة، ومدرسه الهندسه المدنية، ومدرسه الطب البيطري، ومدرسه الشرطة،
ومدرسه الجمارك، كما انشا مدرسه طب جديده في عام 1898م.[193]
مدخل جامعه اسطنبول سنه 1900.
وتوج السلطان عبد الحميد الثاني جهوده في الحقل التعليمي بتطوير “مدرسه استانبول الكبرى”، التي انشئت
في عهد السلطان محمد الفاتح، واضحت جامعه اسطنبول، وضمت، في اول امرها، اربع كليات هي:[194]
العلوم الدينية، والعلوم الرياضية، والعلوم الطبيعية، والعلوم الادبية، وعدت مدرستا الحقوق والطب كليتين ملحقتين بالجامعة.[195]
وتطلبت المدارس الملكية، او المدنية، بدورها انشاء عدد من دور المعلمين لتخريج معلمين اكفاء يتولون
التدريس فيها، وكانت اول دار للمعلمين في الدوله انشئت، في عام 1848م، على عهد السلطان
عبد المجيد الاول، واضحى عددها في عام 1908م، ثمان وثلاثين دارا منتشره في العاصمه وحواضر
الولايات والسنجقيات،[196] وانشا السلطان عددا كبيرا من المدارس الرشديه التي كانت بمثابه مدارس متوسطة. ومن
الجامعات الكبرى التي تاسست خارج الحدود التركيه في اواخر العهد العثماني: الكليه السوريه الانجيليه التي
اصبحت الجامعه الامريكيه في بيروت، سنه 1866م، وجامعه القديس يوسف، سنه 1874م، وجامعه القاهرة، سنه
1908م، وغيرها. يفيد بعض الادباء والمؤرخين الذين عاصروا اواخر العهد العثماني ان اليوم الدراسي كان
يبدا بتلاوه سوره الفاتحة، عند المسلمين، والمزمور 23، عند المسيحيين، ثم يتلوها عباره “عاش مولانا
السلطان” (بالتركيه العثمانية: پاديشاه متشوق يا شاه) ثم تتلوها ترتيله تركية.[197]
العبودية[عدل]
احد الخصيان السود على باب دار الحريم في قصر السلطان.
كانت طبقه العبيد تشكل جزءا مهما لا غنى عنه في المجتمع العثماني،[198] وكانت هذه الطبقه
تتالف من الصبيه والبنات الاوروبيين الذين يخطفهم القراصنه او يتم سبيهم خلال المعارك والحروب، ومن
الافارقه الذين كان يخطفهم تجار الرقيق من قراهم جنوب الصحراء الكبرى. الغى السلطان محمود الثاني
تجاره الرقيق الابيض في اوائل القرن التاسع عشر،[199] فتحرر جميع العبيد من يونانيين وجورجيين وارمن
وشركس، واصبحوا مواطنين عثمانيين يتمتعون بسائر الحقوق التي يتمتع بها الاحرار. الا ان تجاره الرقيق
الاسود استمرت قائمه حتى اواخر عهد الدوله العثمانية، كذلك يفيد بعض المؤرخين ان تجاره الاماء
استمرت قائمه حتى سنه 1908م.[200] كان حريم السلطان يتالف بمعظمه من الاماء، وقد تزوج بعض
السلاطين بامه او اكثر مما ملكوا، مثل السلطان سليمان القانوني، الذي عشق امته الاوكرانيه المدعوه
“روكسلانا” عشقا شديدا وتزوج بها، فولدت له السلطان سليم الثاني.[201] وقد حقق بعض العبيد العثمانيين
شهره كبيره ووصلوا الى مراكز مهمة، ومنهم علي بك الكبير يوناني الاصل، الذي كان والي
مصر، ثم تمرد على الدوله العثمانيه وسمى نفسه سلطان مصر وخاقان البحرين (الاحمر والمتوسط)،[95] واحمد
باشا الجزار بشناقي الاصل، الذي اصبح والي عكا واستطاع صد هجوم نابليون بونابرت على المدينة.[202]
اخذت الدوله العثمانيه بنظام الخصاء في قصور السلاطين، على الرغم من ان الشريعه الاسلاميه تحرم
مبدا الخصاء،[203] وكان اخذ الدوله بهذا النظام غير الشرعي من الحالات النادره التي خرجت فيها
على الشريعه الاسلامية. بينما يقول مؤرخون اخرون ان العثمانيين كانوا يشترون العبيد الخصيان من خارج
حدود الدوله حيث تكون عمليه الاخصاء قد اجريت للعبد في صغره ليتم بيعه في سوق
النخاسه الى الملوك والامراء حيث كان اخصاء العبيد وبيعهم للخدمه في قصور ملوك الدول المختلفه
تجاره رائجه في العصور القديمه والوسطى وشطر من العصور الحديثه قبل منع الرق دوليا.[204] كانت
هناك طائفتان من الخصيان: الخصيان السود وهم المخصيون خصاء كاملا، والخصيان البيض وهم المخصيون خصاء
جزئيا، وكان يطلق على رئيسهم “قبو اغاسي”،[205] في حين كان يطلق على رئيس الخصيان السود،
الذي هو في الوقت نفسه الرئيس الاعلى في القصور السلطانية، “قيزلر اغاسي، اي “اغا البنات”
و”اغا دار السعادة”،[206] ووضعت الدوله انظمه خاصه تطبق على خدمتهم في القصور السلطانية. وقام تنافس
شديد بين هذين النوعين كان مرده رغبه كل فريق الاستئثار بالنفوذ الاعلى في دوائر القصور
السلطانيه وفي شؤون الدولة، وقد ارتفع مقام رئيس الخصيان السود نتيجه اتصاله المباشر بالسلطان ووصل
الى المركز الثالث من حيث الاهميه بعد الصدر الاعظم وشيخ الاسلام،[205] واضحى الوزراء يتملقونه والمستوزرون
يتقربون منه. يتحدر اليوم جميع الاتراك من اصل افريقي من هؤلاء الاشخاص الذين عملوا كرؤساء
للخصيان في قصر السلطان.
العمران[عدل]
Crystal Clear app kdict.png طالع ايضا: عماره اسلاميه عماره بيزنطية
عني العثمانيون بالناحيه العمرانيه عنايه واضحة، فاقاموا شبكه واسعه من الطرق والجسور في طول الدوله
وعرضها مستعينين على ذلك بمهره الصناع البيزنطيين البلغار.[207] ومع ان هذه الشبكه انشئت، في المقام
الاول، لاغراض عسكرية، الا انها سهلت حركه المواصلات العامه واسدت اليها خدمه جليله ايضا. كذلك
عني العثمانيون بتشييد المدارس ومعاهد التعليم التي كانت تتسع لسكنى الاساتذه والطلاب، وباقامه المستشفيات والبيمارستانات
ودور العجزة، وبانشاء المطاعم الشعبيه والتكايا للفقراء، والخانات التي كان التجار الغرباء ينزلون فيها؛ وكذلك
عنوا ببناء الحمامات الشعبية، والمكتبات العامة، والمتاحف والقصور، والمساجد، وبخاصه في الاستانه وعواصم الولايات.[207] تاثر
النمط العمراني العثماني بالانماط الفارسيه والبيزنطيه والاسلاميه في بدايه عهده، فجاء خليطا بينها ومطورا لبعضها،
فعلى سبيل المثال، اقتبس العثمانيون القبه الفارسيه من الفرس الساسانيون، وادخلوا عليها بعض التعديلات حتى
اصبحت سمه بارزه في معظم اثارهم المعمارية.[208][209] ازدهرت العماره العثمانيه في عهد التوسع والفتوحات، ثم
اصبح النشاط المعماري راكدا كما الدوله في فتره الركود، وفي فتره لاحقه ادخل المعماريون انماطا
معماريه من اوروبا الغربيه ودمجوها مع النمط العثماني، ومن هذه الانماط: الباروكيه، الروكوكو، والنمط الامبراطوري.
منازل عثمانيه تقليديه في قريه “صفرانبلو”، احدى مواقع التراث العالمي.
مسجد السلطان سليم الثاني او مسجد سليميه في ادرنة.
مدخل قصر الباب العالي في اسطنبول.
جسر محمد باشا في البوسنه والهرسك. احد مواقع التراث العالمي.
مدخل قصر دولما بهجه في اسطنبول.
خان اسعد باشا في دمشق، سوريا.
مسجد السلطان احمد او المسجد الازرق.
تعتبر بعض المساجد من ابرز اثار العماره العثمانية، ومنها: مسجد السلطان محمد الفاتح في اسطنبول،
وقد عهد السلطان محمد ببنائه الى مهندس يوناني يدعى “خريستو دولوس”،[207] وهو من اروع اثار
العماره العثمانيه واقربها الى الكمال. ومسجد السلطان احمد في اسطنبول ايضا، ومسجد السلطان بايزيد الذي
يمتاز بفخامه مواده البنائيه وبزخرفته على الطريقه الفارسية.[207] ومسجد السلطان سليمان القانوني، الذي نافس في
جماله ايا صوفيا، والذي عهد بتشييده الى المهندس العثماني الشهير “سنان اغا”. والواقع ان سنان
هذا كان اعظم المهندسين العثمانيين على الاطلاق، فقد انشا، بالاضافه الى هذا المسجد العظيم، عشرات
المساجد الاخرى منها مسجد السلطان سليم الثاني، او مسجد سليمية، وخمسا وخمسين مدرسة، وسبعه عشر
مطعما عموميا، وثلاثه مستشفيات، وسبعه جسور، وثلاثه وثلاثين قصرا، وثمانيه عشر خانا، وخمسه متاحف.[207] وقد
بلغ من براعه سنان اغا وبعض المهندسين الذين تلوه انهم دمجوا في تصاميمهم النمط البيزنطي
بالنمط الصيني.[210]
الفنون والاداب[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقالات مفصلة: شعر عثماني ادب تركي
موسيقيون من حلب في اواسط القرن الثامن عشر يعزفون على الات تركيه وعربيه هي: (من
اليسار الى اليمين) الدف، التنبور، الناي، الکمانچه، وطبله النقرة.
اهتمت الطبقه الحاكمه العثمانيه بالموسيقى والطرب، وبلغ من درجه اهتمام بعض السلاطين بالموسيقى والغناء ان
نظموا بعض المقاطع الموسيقيه بانفسهم ولحنوها، ومن هؤلاء السلطان سليم الثالث. تتميز الموسيقى العثمانية، كما
معظم السمات الحضاريه للعثمانيين، انها خليط بين الموسيقى البيزنطيه والعربيه والفارسية، وكانت تنظم وفق وحدات
ايقاعيه تسمى “اصول”، ووحدات لحنيه تسمى “مقام”. استخدم العثمانيون ادوات موسيقيه ابتكرت في اسيا الوسطى
مثل الساز والکمانچه، واخرى ابتكرها العرب مثل العود والتنبور القانون الناي، ومن ثم اضافوا اليها
بعض الادوات الاوروبيه مثل الكمان البيانو. برز نوعان من الموسيقى في الدوله العثمانيه بفعل اتساع
رقعه الدوله وبعد الاقاليم عن بعضها البعض: الموسيقى العثمانيه التقليديه او الكلاسيكية، والموسيقى العثمانيه الفلكلورية؛
وكان هناك اشكل مميزه من الموسيقى العثمانيه ابرزها: موسيقى الانكشارية، وموسيقى الغجر، وموسيقى الرقص الشرقي،
وموسيقى الترك الفلكلورية. وقد اقتبس اليونانيون الشوام المصريون وبعض الشعوب الاخرى بعض اشكال الموسيقى العثمانيه
ودمجوها في ثقافتهم.
تاثر الشعر العثماني بنظيره الفارسي بشكل كبير، وبالشعر العربي الى حد اقل، وكان لهذا الدمج
بين اللغتين العربيه والفارسيه تاثير كبير في نشاه اللغه التركيه العثمانية،[211] وقد استمر الشعراء، وبعض
السلاطين العثمانيين، ينظمون الشعر بالفارسيه والعربيه حتى وقت متاخر من القرن التاسع عشر، عندما اخذ
الاتراك يلجؤون الى اللغه التركيه في نظم الشعر.[212] كان النثر العثماني عباره عن سرد لاحداث
قديمه وقعت بالفعل، واستمر بصفته هذه حتى القرن التاسع عشر عندما تاثر بالروايات الاوروبية، وخاصه
الفرنسية، واخذ الكتاب يبتدعون قصصا خيالة.
اهمل العثمانيون فن التمثيل في بدايه عهدهم، واستعاضوا عنه بعروض الدمى المتحركة، المعروفه باسم “كركوز
وعواظ”، وقد انتشرت هذه الظاهره الثقافيه في معظم البلدان الشرقيه الخاضعه للدولة، ولجا اليها الناس
للترفيه عن انفسهم طيله العهد العثماني، واستمرت قائمه في بعض الاماكن لحين ظهور دور السينما
ثم المذياع والتلفاز.[213]
المطبخ[عدل]
قهوه تركية، من ابرز سمات المطبخ العثماني المشتركه حاليا بين تركيا وبلاد الشام والبلقان وشمال
افريقيا.
يقصد بالمطبخ العثماني ذاك المطبخ الذي كان سائدا في العاصمه وعواصم الولايات، وما زالت مطابخ
هذه المناطق العثمانيه السابقه متطابقه احيانا ومشتركه في انواع معينه من الماكولات في احيان اخرى.
انصهرت هذه المطابخ جميعها في الاستانة، ذلك ان السلاطين كانوا يحيطون انفسهم بعدد من الطباخين
من مختلف الولايات العثمانية، ويسمحون لهم بتجربه اشكال جديده من الوصفات او خلط تلك الخاصه
بهم مع اخرى خاصه بشعب اخر. وكان هؤلاء الطباخين ينشرون الماكولات الجديده التي تعرفوا عليها
في العاصمه في بلدانهم عندما يرجعون اليها، وبهذه الطريقة، بالاضافه الى الولائم التي كان الولاه
او السلطان يقيموها للرعايا وللفقراء في شهر رمضان، تعرفت الشعوب الخاضعه للدوله العثمانيه على مطابخ
الدوله المختلفة.[214] يمكن ملاحظه اثر المطبخ العثماني اليوم في الكثير من المطابخ الاوروبيه الشرقيه والشامية،
مثل المطبخ اليوناني والصربي والبوسني والحلبي واللبناني والفلسطيني والدمشقي والارمني وغيرها. من ابرز الماكولات المشتركه
بين تركيا وعدد من الولايات العثمانيه السابقة: القهوه التركية، اللحم بعجين، الكباب المعروف باسم “الشاورما”،
اليبرق او “ورق العريش” او “ورق العنب”، البقلاوة، راحه الحلقوم، البوريك وغيرها كثير.
الديمغرافيا[عدل]
يشكل احتساب عدد سكان الدوله العثمانيه موضع جدال بين المؤرخين، ذلك لان المصادر الاولى التي
تشير لهذه المساله ضئيله ومبهمة. ولم تعتمد الدوله العثمانيه احصاء للسكان باستخدام الاساليب الحديثه حتى
سنه 1831م، ولم يظهر الاحصاء الرسمي الاول حتى سنه 1881م،[215] الا ان هذه الاحصاءات لا
تساعد بالرغم من هذا على تحديد اجمالي عدد السكان، فاحصاء سنه 1831 على سبيل المثال
احتسب الرجال فقط دون النساء ولم يغط كافه انحاء الدولة.[216]
اللغة[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقاله مفصلة: لغه تركيه عثمانية
كان هناك ثلاث لغات كبرى سائده في الدوله العثمانية: التركية، وهي اللغه الام للاتراك، وقد
تكلم بها اغلبيه سكان الاناضول وتراقيا، بالاضافه الى المسلمين البلقانيين عدا الالبان وسكان البوسنة، وبطبيعه
الحال انتشرت اللغه التركيه بين الاشخاص المثقفين من غير الاتراك وبشكل خاص اولئك الموظفين في
الدوائر الحكومية.[217] كذلك كان للغه الفارسيه انتشار محدود بين المثقفين العثمانيين،[217] اما ثاني لغه من
حيث الاهميه فكانت اللغه العربية، وقد تكلمها سكان المناطق العربيه الخاضعه للحكم العثماني، بالاضافه الى
الاتراك وباقي الشعوب المسلمه في الدولة، كونها لغه الدين الاسلامي، غير ان من اتقنها وتكلمها
بطلاقه كما العرب كان الطبقه المثقفه ايضا.[217] كانت اللغه التركيه هي اللغه الرسميه للدوله العثمانية،
وتختلف اللغه التركيه العثمانيه عن اللغه التركيه الحديثة، من ناحيه انها كانت اكثر تاثرا باللغتين
العربيه والفارسية، واقتبست منهما مصطلحات عديده اختفت اليوم من المعجم التركي.[217]
انتشرت بعض اللغات الاخرى على نطاق ضيق في الدوله العثمانية، ومنها: الكردية، والصربية، واليونانية، والمجرية،
والارمنية، والبلغارية، كذلك كان لبعض الطوائف لغاتها الطقسيه الخاصة، مثل السريانيه والقبطيه للمسيحيين الشوام والمصريين،
والعبريه بالنسبه لليهود. اقتبس العرب، وبشكل خاص الشوام والمصريين عدد من الكلمات التركيه واصبحت تشكل
جزءا من لغه التواصل اليوميه في بلادهم، ومن هذه الكلمات: بصمة، واصلها “باصماق” وتشير الى
وطاه القدم؛ “بلكي” وتعني التوقع والاحتمال؛ “بويا” اصلها “بوياغ” وتعني الطلاء؛ “جمرك” وتعني الضريبه التي
تؤخذ على البضائع، “دوغري” اصلها “دوغرو” وتعني المستقيم، وتستخدم ايضا للاشاره في السير الى الامام؛
“اوضة” اصلها “اودة” وتعني غرفة؛ “برطمان” اي اناء زجاجي، وكلمات اخرى كثيرة.[218]
الدين[عدل]
Allah1.png
هذه المقاله جزء من سلسلة:
الاسلام
العقائد في الاسلام◄
اركان الاسلام◄
مصادر التشريع الاسلامي◄
شخصيات محورية◄
الفرق◄
التاريخ والجغرافيا◄
اعياد ومناسبات◄
الاسلام في العالم◄
انظر ايضا◄
دراويش مولويون من سنه 1887.
كان الاسلام هو الدين الرسمي في الدوله العثمانية، وقد اعتنقته الاغلبيه الساحقه من السكان في
الولايات الاسيويه والافريقية، وفي بعض انحاء البلقان، وفقا للمذهب السني، وكان هناك اقليه شيعيه تنتشر
بشكل رئيسي في بعض مناطق العراق كالنجف وبعض انحاء الشام، كذلك كان هناك نسبه قليله
من الدروز والعلويين في لبنان وسوريا وفلسطين والاناضول. اتبع عدد من المسلمون العثمانيون الاتراك، بما
فيهم كثير من السلاطين، عده طرق صوفية، ومنها الطريقه البكداشيه والماترديه والباطنيه والمولوية. ظهرت خلال
العهد العثماني حركه عقائديه صوفيه كبرى ذات ابعاد سياسيه واقتصادية، وانطوت على محاوله التقريب بين
الاسلام والمسيحيه واليهودية، تلك كانت حركه الشيخ “بدر الدين”، وهي تتصدر اهم الحركات الدينيه والاجتماعيه
على مدار التاريخ العثماني، كون الداعي لها قال ببعض الافكار التي تناقض المعتقدات الاسلامية، ومنها
انكار الجنه والنار ويوم القيامه والملائكه والشياطين، وقصر الشهاده على قسمها الاول، اي “لا اله
الا الله” وحذف نصفها الثاني، اي “محمد رسول الله”، ودعا الى الزهد المطلق والمهدي المنتظر.
وقد تمكنت هذه الدعوه من جذب الكثير من المسيحيين وقليل من اليهود وعدد من المسلمين،
وقد استطاع العثمانيون ايقاف هذه الدعوه وتحجيمها، لكن اتباعها استمروا، واصبحوا يعرفون باسم “العلاهيين”.[219]
بطاقه بريديه عثمانيه من اوائل القرن العشرين تظهر كنيسه القديس اسطفان البلغاريه في الاستانة.
سمح العثمانيون لليهود والمسيحيين ان يمارسوا شعائرهم الدينيه بحريه تحت حمايه الدولة، وفقا لما تنص
عليه الشريعه الاسلامية، وبهذا فان اهل الكتاب من غير المسلمين كانوا يعتبرون رعايا عثمانيين لكن
دون ان يطبق عليهم قانون الدولة، اي احكام الشريعه الاسلامية، وفرض العثمانيون، كجميع الدول الاسلاميه
من قبلهم، الجزيه على الرعايا غير المسلمين مقابل اعفائهم من الخدمه في الجيش. كانت المله
الارثوذكسيه اكبر الملل غير الاسلاميه في الدوله العثمانية، وقد انقسم اتباعها الى عده كنائس ابرزها
كنيسه الروم، والارمن، والاقباط، والبلغار، والصرب، والسريان، وكانت هذه الكنائس تطبق قانون جستنيان في مسائل
الاحوال الشخصية. خص العثمانيون المسيحيين الارثوذكس بعدد من الامتيازات في مجالي السياسه والتجارة، وكانت هذه
في بعض الاحيان بسبب ولاء الارثوذكسيين للدوله العثمانية.[220][221] اتبع بعض المسيحيين الخاضعين للدوله العثمانيه المذهب
الكاثوليكي، لكنهم كانوا يشكلون اقليه طيله عهد الدولة، وقد انتمت معظم الكنائس الكاثوليكيه الى الفرع
الشرقي، وابرزها: الكنيسه المارونيه والكنيسه الاشوريه والروم الكاثوليك وغيرها. كانت علاقه الدوله العثمانيه ببعض الكنائس
علاقه سلميه اغلب عهدها، فكان الروم الارثوذكس يذعنون عن طيب خاطر للسلطان طالما لم يتعرض
لهم احد في دينهم، وسمح السلاطين، واولهم محمد الفاتح، سمحوا للارمن ببناء كنائسهم داخل حدود
الاستانة، فيما كان البيزنطيين يعتقدون ان الارمن هراطقه ولم يسمحوا لهم بممارسه شعائرهم داخل جدران
القسطنطينية، واعطى العثمانيون للموارنه امتيازا ميزهم عن سائر الطوائف المسيحية، وهو عدم وجوب طلب البطريرك
والمطارنه الفرمان من الباب العالي، كي تعترف الحكومه بسلطتهم على رعاياهم،[222] واعاد العثمانيون انشاء الكنيسه
البلغاريه الارثوذكسية، بعد ان كانت قد حلت سابقا ودمجت في جسم كنيسه الروم الارثوذكس.[223]
رسم ليهود عثمانيين من القرن السابع عشر.
سكن اليهود مناطق عديده من الدوله العثمانية، وقد ازداد عدد اليهود السفارديون بعد سقوط الاندلس،
عندما وفدت جموع منهم الى جانب الاندلسيين المسلمين الى انحاء مختلفه من الدولة، وبشكل خاص
الاستانه وسالونيك وبعض مدن الشام ومصر، وكان رئيس الطوائف اليهوديه يعرف باسم “حاخام باشي” او
“باشا الحاخامات”. يقول بعض المؤرخين ان اليهود العثمانيين لعبوا دورا في اسقاط الدوله العثمانيه عن
طريق تعاونهم مع اليهود الاوروبيون والداعين للصهيونية، كما وساهموا في تشويه صوره الدوله لاحقا،[224] ويوضح
اخرون ان سياسه الدوله العثمانيه كانت تقوم على تشجيع اليهود على الهجره الى ممتلكاتها، غير
انها كانت تخشى ان يقيم اليهود دوله لهم في منطقه حول القدس، فيؤدي ذلك الى
فصم بلاد الشام منها، والاستئثار بالمدينه المقدسة.[225]
ساءت علاقه العثمانيين بالعديد من الطوائف غير الاسلاميه في اواخر عهد الدوله لاسباب مختلفة، منها
بروز الحركات القوميه التي تبنتها شعوب غالبا ما كانت تتعاطف معها بعض الطوائف كونها تنتمي
لذات القوميه او المذهب الديني، وعند نشوب الحرب العالميه الاولى ضيق العثمانيون الخناق على الرعايا
المسيحيين منعا لحصول اي اتصال بينهم وبين اعداء الدوله من البريطانيين والروس والفرنسيين، وخلال هذه
الفتره ارتكبت الدوله بضعه اعمال واتخذت بعض الاجراءات التي نجم عنها قتل وتشريد الكثير من
المسيحيين واليهود، وقد اعتبر البعض هذه الاعمال مجازر ومذابح هادفه لاضطهاد الاقليات الدينية، فيما اعتبرها
اخرون اعمال قد تقوم بها اي دوله في زمن الحرب للحفاظ على امنها.
القانون والقضاء[عدل]
Crystal Clear app kdict.png طالع ايضا: شريعه اسلاميه مجله الاحكام العدلية
كانت الشريعه الاسلاميه هي اساس القانون العثماني. وفي بادئ الامر كان “قاضي العسكر” هو راس
الهيئه القضائية. ثم عين الى جانبه قاضيان اخران احدهما لافريقيا والثاني لاوروبا.[180] ولم تكن سلطه
قضاه الجيش هؤلاء مقصوره على الشؤون العسكرية، بل تعدتها الى نواحي القانون باكمله. وكان هؤلاء
القضاه هم الذين يعينون الموظفين القضائيين والقضاه ونوابهم. وكان يتلو قضاه الجيش في الترتيب “العلماء
الكبار” وهم قضاه العاصمة، ثم “العلماء الصغار” الذين كانوا يتولون القضاء في عشر مدن ثانويه
من مدن الولايات كبغداد وصوفيا.[180] اما قضاه الدرجه الثانيه وما دونها فكانوا ينقسمون الى طبقات
ثلاث وهم: المفتشون، والقضاة، ونواب القضاة. وكانت الهيئات القضائيه كلها تخضع لمفتي الاستانه الذي كان
يحمل لقب “شيخ الاسلام”. وكان شيخ الاسلام هذا يفتي في ما يرفع اليه من المسائل
القضائية، وكثيرا ما كان السلاطين يستصدرون منه الفتوى كلما اقدموا على اتخاذ قرار مصيري يتصل
بشؤون السلم او الحرب.[180]
جلسه محاكمه عثمانيه من سنه 1877.
اعتمد السلطان عبد المجيد الاول تدوين القانون المدني العثماني كخطوه من خطواته التنظيمية، فجعل كبار
الفقهاء والعلماء يجمعون التشريعات في ما اصبح يعرف بمجله الاحكام العدلية. تتكون هذه المجله من
سته عشر كتاب اولها كتاب البيوع واخرها كتاب القضاء، وكل كتاب يتناول موضوع ومكون من
ابواب، وكل باب مكون من فصول.[226] صدرت المجله سنه 1882م، وهي تعتبر اول تدوين للفقه
الاسلامي في المجال المدني في اطار بنود قانونية، على مذهب الامام ابي حنيفه النعمان. وهي
القاعده التي بني عليها القانون المدني في اغلب الدول العربيه مثل العراق ومصر والاردن.
الجيش[عدل]
Crystal Clear app kdict.png طالع ايضا: القوات المسلحه العثمانيه قائمه معارك الدوله العثمانية
القوات غير النظاميه (1237–1365)[عدل]
درع عثماني من الفتره السابقه على انشاء الجيش النظامي.
لم يكن للاماره العثمانيه عند قيامها جيش نظامي تعتمد عليه، وقد وقع عبء الفتوح الاولى
على عاتق المجاهدين والباحثين عن الغنائم وجماعات الدراويش، وكانوا كلهم من الفرسان، فيجتمعون في مكان
محدد عن طريق المنادين ثم يخرجون الى الحرب، فاذا انتهت تفرقت جموعهم وعاد كل واحد
الى عمله الاساسي.[227] وقد اعتمد العثمانيون منذ اول ظهورهم في التاريخ، نظاما اقطاعيا كان الهدف
منه تامين مصدر ثابت لامداد جيوشهم بالجند، يغنيهم عن انشاء جيش نظامي دائم ويوفر لهم
نفقاته، وكان اساس هذا النظام هو اقطاع او منح المحاربين بعض المقاطعات الزراعيه مقابل التزامهم
بان يكونوا دوما على استعداد للسير الى الحرب متى يدعون اليها، مع اعداد من الفرسان
من اتباعهم تتناسب ومساحه الاقطاعه الممنوحه لكل منهم، وان يجهزوهم بكل ما يحتاجون اليه من
خيل وسلاح.[227]
الجيش النظامي الاول (1365–1828)[عدل]
Crystal Clear app kdict.png طالع ايضا: انكشارية
جندي من الانكشارية.
يعتبر السلطان اورخان الاول مؤسس الجيش العثماني الحقيقي، فقد ادرك من خلال معاركه حاجته الى
جيش من المشاه يستطيع فتح القلاع واقتحام الاسوار المنيعة، ولا يعرف افراده حرفه سوى القتال،[227]
فانشا اول الامر جيشا نظاميا مؤلفا من فرق متعددة، كل فرقه منقسمه الى وحدات تتالف
من عشره انفار، ومئه نفر، والف نفر.[227] ثم اختار الفا من اسرى الحروب، واغلبهم من
صغار السن، بين السابعه والعاشرة، وضم اليهم الاولاد المسيحيين المشردين والايتام الذين توفي اباؤهم او
امهاتهم خلال الغزوات والمعارك، ثم صهر الجميع في بوتقه واحدة، وانشاهم على الدين الاسلامي وعلى
التعلق بشخصه والاخلاص له وللدين والوطن، فكان هؤلاء هم نواه جيش الانكشاريه (بالتركيه العثمانية: يکيچرى؛
اي الجيش الحديث).[228] كان الانكشاريه لا يعرفون حرفه ولا عمل الا القتال والحرب، وتالف الجيش
الانكشاري من ثلاث فرق مختلفه هي: السكمان والجماعه والفرقة، وكان رئيسه الاعلى يعرف باسم “اغا
الانكشارية”. تكاثر عدد الانكشاريه مع الزمن فبلغ في بعض الاحوال ستين الفا،[228] وجميع المؤرخون متفقون
على اطراء روح النظام التي تميز بها هؤلاء الجنود في العصر الذهبي للدولة، فلم يكن
عندهم مكان للخمر او للقمار او غير ذلك من الافات التي عرفتها جيوش اوروبا في
تلك العهود.[228] ولكن الفساد ما لبث ان دب الى هذا الجيش مع الزمن، فاعتاد الانكشاريه
ان يتمردوا ويطالبوا بالهبات السخيه كلما ارتقى العرش سلطان جديد. وقد شكلوا في العهود المتاخره
عقبه كانت تحول دون الاصلاح والتجديد، فابادهم السلطان محمود الثاني عن بكره ابيهم والغى جميع
ازيائهم والقابهم.[227] انشا العثمانيون الى جانب جيش المشاه جيشا من الفرسان عرف باسم “الفرسان السواري”
او سپاهی، ويعرفهم معظم الكتاب العرب باسم “الفرسان السيباه”، وقد لعب هؤلاء دورا كبيرا في
تقدم الفتوح عبر اوروبا، لكنهم اصيبوا بالفساد كما الانكشاريه في اواخر عهدهم، واشتركوا معهم في
نفس المصير.[229] عني العثمانيون بسلاح المدفعيه عنايه عظمى، وانشاوا فرقه خاصه في الجيش هي فرقه
المدفعيه او “الطوبجية”. وكانت المدفعيه تتقدم الجيش عند الهجوم، في حين كان الانكشاريه يرافقون طليعه
الجيش.[227]
الجيش النظامي الثاني (1826-1922)[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقاله مفصلة: الجيش العثماني (1826-1922)
رسم للخياله العثمانيون بعد الاصلاحات العسكريه للسلطانين محمود الثاني وعبد المجيد الاول.
يا خير جيش يا خير عسكر
‘انت الغضنفر في البحر فاظفر
في اليد درع في اليد خنجر
نحو الاعادي’ يا خير عسكر
لو كل شيء في البحر ينصر
نحن ننادي الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
وليكن جيشنا دوما مظفر
—نشيد الجيش العثماني على يوتيوب
بعد ان قضى السلطان محمود الثاني على الانكشارية، اقدم على الغاء جميع الفرق العسكريه غير
المنتظمة، واضحى الجيش كله مؤلفا من جنود منتظمين مسلحين باحدث الاسلحه وصل تعدادهم بحلول عام
1826م الى اثني عشر الف جندي وارتفع هذا العدد الى خمسه وسبعين الفا بحلول عام
1828م.[230] اطلق السلطان على الجيش الجديد اسم “العساكر المنصوره المحمدية”، واستدعى ضباطا ومهندسين فرنسيين والمانا
لتدريب افراده وفق النموذج الاوروبي. واسس السلطان اكاديميه عسكريه في عام 1834م، وارسل بعض خريجيها
الى العواصم الاوروبيه لاستكمال دراساتهم العليا.[231] استمر الجيش العثماني موجودا بصفه رسميه حتى قيام الجمهوريه
التركية، عندما اصبحت جميع القوات العثمانيه الى جانب قوات مصطفى كمال تشكل القوات المسلحه التركية.
البحريه والاسطول[عدل]
صوره للاسطول العثماني داخل مضيق القرن الذهبي على بطاقه بريديه المانيه تعود للسنوات الاولى من
الحرب العالميه الاولى.
انشا العثمانيون اسطولا بحريا كبيرا ساعدهم في كثير من فتوحاتهم البريه والبحريه على السواء. ولعل
الفضل في تعزيز الاسطول العثماني يعود الى السلطان محمد الفاتح اولا، ولما تولى العرش السلطان
سليم الاول واصل تعزيز هذا السلاح، ثم جاء سليمان القانوني فزاد عدد سفنه فبلغت ثلاثمئة.[228]
وكان الاسطول العثماني يتالف من دوارع ثقيله وطرادات خفيفة، وكان مزودا بمدفعيه قوية. ولكن الدوله
اهملت الاسطول، في اواخر القرن السادس عشر، فتضاءل عدد قطعه، واقتصر نشاطه على خفر السواحل
تقريبا.[228] وفي عهد الاصلاحات والتنظيمات حاول السلطان محمود الثاني النهوض بالبحريه فبنى سفينه “المحمودية” التي
كانت طيله سنوات اكبر سفينه حربيه في العالم، وحاول السلطان عبد العزيز الاول احياء البحريه
العثمانيه من جديد وزياده قطعها، فبنى اسطولا كان الاكبر في العالم بعد اساطيل بريطانيا وفرنسا،
واستحصل من بريطانيا على اول غواصه حربيه من نوعها.[232] لكن على الرغم من كل ذلك،
اعتقد السلطان بان الاسطول العثماني غير مؤهل ليواجه نظيره الروسي في معركه مباشرة، فامر بابقاء
السفن داخل مضيق القرن الذهبي، فحبست طيله 30 سنة.[228] اسست جمعيه الاتحاد والترقي، بعد ان
استلمت الحكم في البلاد، “جمعيه البحريه العثمانية” الهادفه لشراء سفن حربيه جديده بغيه تطوير الاسطول
العثماني.
سلاح الجو[عدل]
شعار سلاح الجو العثماني
تاسس سلاح الجو العثماني في شهر حزيران/يونيو من سنه 1909م، وبهذا فهو يعتبر من اقدم
اسلحه الجو في العالم، وقد تلقى الطيارون العثمانيون تدريبهم في المانيا اجمالا، وقاتلوا على جبهات
عديده اثناء الحرب العالميه الاولى: من غاليسيا غربا الى القوقاز شرقا، واليمن جنوبا.