امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء
{ امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض االه مع الله قليلا
ما تذكرون }
ضمن الله تعالى اجابه المضطر اذا دعاه، واخبر بذلك عن نفسه؛ والسبب في ذلك ان
الالتجاء اليه سبحانه ينشا عن الاخلاص، وقطع القلب عما سواه. وللاخلاص عنده سبحانه موقع وذمة،
وجد من مؤمن او كافر، طائع او فاجر؛
كما قال {حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبه وفرحوا بها جاءتها ريح
عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين
لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} وقوله {فلما نجاهم الى البر اذا هم يشركون}
فاجابهم عند ضرورتهم ووقوع اخلاصهم، مع علمه انهم يعودون الى شركهم وكفرهم. وفي الحديث: (ثلاث
دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوه المظلوم ودعوه المسافر ودعوه الوالد على ولده) ذكره صاحب
الشهاب؛ وهو حديث صحيح. فيجيب المظلوم لموضع اخلاصه بضرورته بمقتضى كرمه، واجابه لاخلاصه وان كان
كافرا، وكذلك ان كان فاجرا في دينه؛
ففجور الفاجر وكفر الكافر لا يعود منه نقص ولا وهن على مملكه سيده، فلا يمنعه
ما قضى للمضطر من اجابته. وفسر اجابه دعوه المظلوم بالنصره على ظالمه بما شاء سبحانه
من قهر له، او اقتصاص منه، او تسليط ظالم اخر عليه يقهره كما قال عز
وجل :{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} . وفي هذا تحذير من الظلم جملة، لما فيه
من سخط الله ومعصيته ومخالفه امره؛ حيث قال على لسان نبيه في صحيح مسلم وغيره:
(يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...) الحديث. فالمظلوم
مضطر، ويقرب منه المسافر؛ لانه منقطع عن الاهل والوطن منفرد عن الصديق والحميم، لا يسكن
قلبه الى مسعد ولا معين لغربته. فتصدق ضرورته الى المولى، فيخلص اليه في اللجوء، وهو
المجيب للمضطر اذا دعاه. وكذلك دعوه الوالد على ولده، لا تصدر منه مع ما يعلم
من عطفه عليه وشفقته، الا عند تكامل عجزه عنه، وصدق ضرورته؛ واياسه عن بر ولده،
مع وجود اذيته، فيسرع الحق الى اجابته.