احاديث عن العفو عن الناس سبيل المحسنين , الأخلاق الحميدة في الإسلام
فان العفو عن المخطئين من الاخلاق الاسلاميه الحميده التي ينبغي ان يتصف بها المسلمون، من
اجل ذلك اردت ان اذكر نفسي واخواني الكرام بهذا الموضوع المهم، فنقول وبالله التوفيق.
معنى العفو:
العفو هو التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه، واصله المحو والطمس، يقال عفا يعفو عفوا
فهو عاف وعفو (النهايه لابن الاثير).
العفو من اسماء الله الحسنى:
قال الله تعالى: {ان تبدوا خيرا او تخفوه او تعفوا عن سوء فان الله كان
عفوا قديرا} [النساء:149]، وقال سبحانه: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه
لينصرنه الله ان الله ل?عفو غفور} [الحج:60].
الفرق بين العفو والغفران:
يتمثل الفرق بين العفو والغفران في امور عديده اهمها:
– ان الغفران يقتضي اسقاط العقاب ونيل الثواب، ولا يستحقه الا المؤمن، ولا يكون الا
في حق الله تعالى. اما العفو فانه يقتضي اسقاط اللوم والذم، ولا يقتضي نيل الثواب
ويستعمل في العبد ايضا. العفو قد يكون قبل العقوبه او بعدها، اما الغفران، فانه لا
يكون معه عقوبه البتة، ولا يوصف بالعفو الا القادر عليه. في العفو اسقاط للعقاب، وفي
المغفره ستر للذنب وصون من عذاب الخزي والفضيحه (نضره النعيم).
الفرق بين الصفح والعفو:
الصفح والعفو متقاربان في المعنى فيقال صفحت عنه اعرضت عن ذنبه وعن تثريبه، الا ان
الصفح ابلغ من العفو، فقد يعفو الانسان ولا يصفح، وصفحت عنه اوليته صفحه جميله (نضره
النعيم).
العفو عن الناس وصيه رب العالمين:
حثنا الله تعالى في كتابه العزيز على العفو عن المخطئين، وذلك في مواضع عديدة، وسوف
نذكر بعضها فيما يلي:
قال الله تعالى: {ان تبدوا خيرا او تخفوه او تعفوا عن سوء فان الله كان
عفوا قديرا} [النساء:149] قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الايه الكريمة: “ان تظهروا ايها الناس
خيرا، او اخفيتموه، او عفوتم عمن اساء اليكم؛ فان ذلك مما يقربكم عند الله ويجزل
ثوابكم لديه، فان من صفاته تعالى ان يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم ولهذا
قال: {ان الله كان عفوا قديرا}” (تفسير ابن كثير).
وقال الله تعالى لنبيه: {فبما رحمه من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب
لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله
ان الله يحب المتوكلين} [ال عمران:159]. وقال سبحانه: {وجزاء سيئه سيئه مثلها فمن عفا واصلح
فاجره على الله انه لا يحب الظالمين} [الشورى:40]. قال ابن جرير الطبري عند تفسيره لهذه
الاية: “فمن عفا عمن اساء اليه، اساءته اليه، فغفرها له، ولم يعاقبه بها، وهو على
عقوبته عليها قادر، ابتغاء وجه الله؛ فاجر عفوه ذلك على الله، والله مثيبه عليه ثوابه”
(تفسير الطبري).
وقال سبحانه لنبيه: {خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين} [الاعراف:199]. قال ابن جرير: “خذ
العفو من اخلاق الناس، واترك الغلظه عليهم، وقد امر بذلك نبي الله في المشركين” (تفسير
الطبري).
عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: “قال النبي: «ما احد اصبر على اذى
سمعه من الله؛ يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم»” (البخاري).
نبينا يحثنا على العفو عن الناس:
نبينا حثنا على العفو عن المخطئين في كثير من احاديثه الشريفة، وسوف نذكر منها ما
يلي:
* عن انس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله قال: «ان الانصار كرشي
وعيبتي جماعتي وخاصتي الذين اثق بهم، وان الناس سيكثرون ويقلون فاقبلوا من محسنهم واعفوا عن
مسيئهم» (مسلم).
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ان رسول الله قال:
«تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد؛ فقد وجب» (حديث صحيح، صحيح ابي داود
للالباني).
* عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل الى النبي، فقال:
“يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟” فصمت، ثم اعاد عليه الكلام، فصمت، فلما كان
في الثالثه قال: «اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة» (حديث صحيح صحيح ابي داود
للالباني).
* عن ابي هريره رضي الله عنه عن رسول الله قال: «ما نقصت صدقه من
مال، وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا، وما تواضع احد لله الا رفعه الله»
(مسلم).
من اقوال السلف الصالح في العفو عن الناس:
* ابو الدرداء، سئل ابو الدرداء رضي الله عنه عن اعز الناس؟ قال: “الذي يعفو
اذا قدر، فاعفوا يعزكم الله” (احياء علوم الدين للغزالي).
* علي بن ابي طالب، قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه: “اذا قدرت
على عدوك، فاجعل العفو عنه، شكرا للقدره عليه” (المستطرف للابشيهي).
* معاويه بن ابي سفيان، قال معاويه بن ابي سفيان رضي الله عنه: “عليكم بالحلم
والاحتمال حتى يمكنكم الفرصة، فاذا امكنكم؛ فعليكم بالصفح والافضال” (احياء علوم الدين للغزالي).
* الحسن البصري، قال الحسن البصر? رحمه الله: “افضل اخلاق المؤمن العفو” (الاداب الشرعيه لابن
مفلح الحنبلي).
* سعيد بن المسيب، قال سعيد بن المسيب رحمه الله: “ما من شيء الا والله
يحب ان يعفى عنه ما لم يكن حدا” (موطا مالك، كتاب الاشربة).
* الاحنف بن قيس، قال الاحنف بن قيس رحمه الله: “اياكم وراي الاوغاد، قالوا وما
راى الاوغاد؟ قال الذين يرون الصفح والعفو عارا” (المستطرف للابشيهي).
نبينا هو القدوه في العفو عن الناس:
الله تعالى امر نبينا محمدا بالعفو عن الناس فامتثل امره، وكان نبينا هو القدوه في
العفو عن الناس بقوله وفعله، من ذلك:
* عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم غزوه نجد، فلما ادركته القائله وهو في واد كثير العضاه، فنزل تحت
شجره واستظل بها، وعلق سيفه؛ فتفرق الناس في الشجر يستظلون، وبينا نحن كذلك اذ دعانا
رسول الله فجئنا فاذا اعرابي قاعد بين يديه فقال: «ان هذا اتاني وانا نائم فاخترط
سيفي فاستيقظت وهو قائم على راسي مخترط سيفي صلتا»، قال: “من يمنعك مني؟” قلت: «الله»،
فشامه ثم قعد، فهو هذا قال ولم يعاقبه رسول الله (البخاري).
* عن عروه بن الزبير ان عائشه رضي الله عنها زوج النبي حدثته انها قالت
للنبي: “هل اتى عليك يوم كان اشد من يوم احد؟” قال: «لقد لقيت من قومك
ما لقيت، وكان اشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ اذ عرضت نفسي على ابن عبد
ياليل بن عبد كلال؛ فلم يجبني الى ما اردت، فانطلقت وانا مهموم على وجهي، فلم
استفق الا وانا بقرن الثعالب، فرفعت راسي فاذا انا بسحابه قد اظلتني فنظرت فاذا فيها
جبريل فناداني، فقال: “ان الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث
اليك ملك الجبال لتامره بما شئت فيهم” فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: “يا
محمد، ان الله قد سمع قول قومك لك، وانا ملك الجبال، وقد بعثني ربك اليك
لتامرني بامرك فما شئت؟ ان شئت ان اطبق عليهم الاخشبين”؛ فقال النبي: بل ارجو ان
يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» (البخاري، ومسلم).
* عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: “كاني انظر الى
النبي يحكي نبيا من الانبياء ضربه قومه فادموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول رب
اغفر لقومي فانهم لا يعلمون”(البخاري، ومسلم).
* عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت امشي مع رسول الله وعليه
برد نجراني غليظ الحاشية، فادركه اعرابي فجبذ بردائه جذب جبذه شديدة، قال انس: فنظرت الى
صفحه عاتق النبي وقد اثرت بها حاشيه الرداء من شده جبذته، ثم قال: “يا محمد
مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت اليه، فضحك ثم امر له بعطاء”(البخاري مسلم).
* عن عائشه رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسول الله شيئا قط بيده ولا
امراه ولا خادما، الا ان يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم
من صاحبه الا ان ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل” (مسلم).
عفو الرسول عن ثمامه بن اثال:
روى البخاري عن ابي هريره رضي الله عنه قال: بعث النبي خيلا قبل نجد فجاءت
برجل من بني حنيفه يقال له ثمامه بن اثال، فربطوه بساريه من سواري المسجد، فخرج
اليه النبي فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: “عندي خير يا محمد، ان تقتلني تقتل
ذا دم، وان تنعم تنعم على شاكر، وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت”؛
فترك حتى كان الغد، ثم قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: “ما قلت لك،
ان تنعم تنعم على شاكر”، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟»
فقال: “عندي ما قلت لك”، فقال: «اطلقوا ثمامة»، فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل
ثم دخل المسجد، فقال: “اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمدا رسول الله،
يا محمد والله ما كان على الارض وجه ابغض الي من وجهك؛ فقد اصبح وجهك
احب الوجوه الي، والله ما كان من دين ابغض الي من دينك؛ فاصبح دينك احب
الدين الي، والله ما كان من بلد ابغض الي من بلدك؛ فاصبح بلدك احب البلاد
الي، وان خيلك اخذتني وانا اريد العمرة، فماذا ترى؟” فبشره رسول الله وامره ان يعتمر؛
فلما قدم مكه قال له قائل: “صبوت؟” قال: “لا ولكن اسلمت مع محمد رسول الله،
ولا والله لا ياتيكم من اليمامه حبه حنطه حتى ياذن فيها النبي” (البخاري).
عفو الرسول عن المراه اليهودية:
روى البخاري عن انس بن مالك رضي الله عنه ان يهوديه اتت النبي بشاه مسمومة،
فاكل منها، فجيء بها فقيل: “الا نقتلها؟” قال: «لا، فما زلت اعرفها في لهوات رسول
الله» (البخاري).
عفو الرسول عن اهل مكة:
لما فتح الرسول مكة، اجتمع له اهلها عند الكعبة، ثم قال: «يا معشر قريش ما
ترون اني فاعل فيكم؟» قالوا: “خيرا، اخ كريم وابن اخ كريم” قال: «اذهبوا فانتم الطلقاء»
(سيره ابن هشام).
صور من عفو الصحابة:
ضرب اصحاب نبينا امثله رائعه في العفو عن الناس، وسوف نذكر بعضا من ذلك:
* ابو بكر الصديق، كان ابو بكر ينفق على مسطح بن اثاثه لفقره وقرابته منه،
وكان مسطح من الذين خاضوا في حادث الافك، وتكلم في عرض عائشة، فلما علم ابو
بكر بذلك، اقسم الا ينفق عليه بعد ذلك، فانزل الله تعالى: {ولا ياتل اولو الفضل
منكم والسعه ان يؤتوا اولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا الا تحبون
ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور:22] فقال ابو بكر: “بلى والله يا ربنا،
انا لنحب ان تغفر لنا، وعاد لمسطح بما كان يصنع” (البخاري).
* عمر بن الخطاب، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينه
بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن اخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين
يدنيهم عمر، وكان القراء اصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا او شبانا؛ فقال عيينه لابن
اخيه: “يا ابن اخي، هل لك وجه عند هذا الامير فاستاذن لي عليه” قال: “ساستاذن
لك عليه”، قال ابن عباس فاستاذن الحر لعيينة، فاذن له عمر فلما دخل عليه قال:
“هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل”، فغضب عمر حتى
هم ان يوقع به؛ فقال له الحر: “يا امير المؤمنين ان الله تعالى قال لنبيه:
{خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين} [الاعراف:199] وان هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها
عمر حين تلاها عليه؛ وكان وقافا عند كتاب الله (البخاري).