نبذه عن عمرو بن العاص
انه الصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل السهمي -رضي الله عنه- احد فرسان قريش
وابطالها، اذكى رجال العرب، واشدهم دهاء وحيلة، اسلم قبل فتح مكة، وكان سبب اسلامه انه
كان كثير التردد على الحبشة، وكان صديقا لملكها النجاشي، فقال له النجاشي ذات مرة: يا
عمرو، كيف يعزب عنك امر ابن عمك؟ فوالله انه لرسول الله حقا. قال عمرو: انت
تقول ذلك؟ قال: اي والله، فاطعني. [ابن هشام واحمد]. فخرج عمرو من الحبشه قاصدا المدينة،
وكان ذلك في شهر صفر سنه ثمان من الهجرة، فقابله في الطريق خالد بن الوليد
وعثمان بن طلحة، وكانا في طريقهما الى النبي ( فساروا جميعا الى المدينة، واسلموا بين
يدي رسول الله (، وبايعوه.
ارسل اليه الرسول ( يوما فقال له: (خذ عليك ثيابك، وسلاحك، ثم ائتني)، فجاءه، فقال
له رسول الله (: (اني اريد ان ابعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وارغب لك
رغبه صالحه من المال). فقال: يا رسول الله، ما اسلمت من اجل المال، ولكنى اسلمت
رغبه في الاسلام، ولان اكون مع رسول الله (. فقال (:
(نعم المال الصالح للرجل الصالح) [احمد].
وكان عمرو بن العاص مجاهدا شجاعا يحب الله ورسوله، ويعمل على رفع لواء الاسلام ونشره
في مشارق الارض ومغاربها، وكان رسول الله ( يعرف لعمرو شجاعته وقدرته الحربية، فكان يوليه
قياده بعض الجيوش والسرايا، وكان يحبه ويقربه، ويقول عنه: (عمرو بن العاص من صالحي قريش،
نعم اهل البيت ابو عبد الله، وام عبد الله، وعبد الله) [احمد]. وقال (: (ابنا
العاص مؤمنان، عمرو وهشام) [احمد والحاكم].
وقد وجه رسول الله ( سريه الى ذات السلاسل في جمادى الاخره سنه ثمان من
الهجرة، وجعل اميرها عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد جعل النبي ( عمرو بن
العاص واليا على عمان، فظل اميرا عليها حتى توفي النبي ( . وقد شارك عمرو
بن العاص في حروب الرده وابلى فيها بلاء حسنا.
وفي عهد الفاروق عمر -رضي الله عنه- تولى عمرو بن العاص اماره فلسطين، وكان عمر
يحبه ويعرف له قدره وذكاءه، فكان يقول عنه: ما ينبغي لابي عبد الله ان يمشي
على الارض الا اميرا. [ابن عساكر]، وكان عمر اذا راى رجلا قليل العقل او بطيء
الفهم يقول: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.
وكان عمرو يتمنى ان يفتح الله على يديه مصر، فظل يحدث عمر بن الخطاب عنها،
حتى اقنعه، فامره الفاروق قائدا على جيش المسلمين لفتح مصر وتحريرها من ايدي الروم، فسار
عمرو بالجيش واستطاع بعد كفاح طويل ان يفتحها، ويحرر اهلها من ظلم الرومان وطغيانهم، ويدعوهم
الى دين الله عز وجل، فيدخل المصريون في دين الله افواجا.
واصبح عمرو بن العاص واليا على مصر بعد فتحها، فانشا مدينه الفسطاط، وبنى المسجد الجامع
الذي يعرف حتى الان باسم جامع عمرو، وكان شعب مصر يحبه حبا شديدا، وينعم في
ظله بالعدل والحريه ورغد العيش، وكان عمرو يحب المصريين ويعرف لهم قدرهم، وظل عمرو بن
العاص واليا على مصر حتى عزله عنها عثمان ابن عفان -رضي الله عنه-، ثم توفي
عثمان، وجاءت الفتنه الكبرى بين علي ومعاويه -رضي الله عنهما-، فوقف عمرو بن العاص بجانب
معاوية، حتى صارت الخلافه اليه.
فعاد عمرو الى مصر مره ثانية، وظل اميرا عليها حتى حضرته الوفاة، ومرض مرض الموت،
فدخل عليه ابنه عبد الله -رضي الله عنه-، فوجده يبكي، فقال له: يا ابتاه! اما
بشرك رسول الله ( بكذا؟ اما بشرك رسول الله ( بكذا؟ فاقبل بوجهه فقال: اني
كنت على اطباق ثلاث (احوال ثلاث)، لقد رايتني وما احد اشد بغضا لرسول الله (
مني، ولا احب الى ان اكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال
لكنت من اهل النار.
فلما جعل الله الاسلام في قلبي اتيت النبي ( فقلت: ابسط يمينك فلابايعك، فبسط يمينه،
قال فقبضت يدي، فقال: (مالك يا عمرو؟) قال: قلت: اردت ان اشترط: قال: (تشترط بماذا؟)
قلت: ان يغفر لي، قال: (اما علمت ان الاسلام يهدم ما كان قبله؟ وان الهجره
تهدم ما كان قبلها؟ وان الحج يهدم ما كان قبله؟)، وما كان احد احب الى
من رسول الله ( ولا اجل في عيني منه، وما كنت اطيق ان املا عيني
منه اجلالا له، ولو سئلت ان اصفه ما اطقت؛ لانني لم اكن املا عيني منه
اجلالا له، ولو مت على تلك الحال لرجوت ان اكون من اهل الجنة.
ثم ولينا اشياء ما ادرى ما حالي فيها، فاذا انا مت، فلا تصحبني نائحه ولا
نار، فاذا دفنتموني فشنوا على التراب شنا، ثم اقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور
(الوقت الذي تذبح فيه ناقة)، ويقسم لحمها؛ حتى استانس بكم، وانظر ماذا اراجع به رسل
ربي) [مسلم].
وتوفي عمرو -رضي الله عنه- سنه (43 ه)، وقد تجاوز عمره (90) عاما، وقد روى
عمرو عن النبي ( (39) حديثا