الرواية دى محدش كان لاقيها , قراءة في رواية “رماد الحب”

 قراءة فرواية “رماد الحب”

 20160627 2049

يقدم لنا الكاتب العراقي “على خيون” فروايتة الحديثة “رماد الحب” (دار الاداب: 2009) عالما متماوجا تتعدد به الرؤى،
وتزدحم العقد،
وتلتبس المشاهد و الاحداث متيحة لقارئيها فرصة النظر اليها من زوايا كثيرة تختلف فيما بينها اختلاف و جهات نظرهم،
وتتعدد بتعدد مناحيهم الفكرية و توجهاتهم النقدية.

فمن ناحية نفسية ممكن الارتكاز على مقولات عقدة اوديب الفرويدية و على ما عجت فيه طفولة البطل من يتم و حرمان و جدانى لم يجد متنفسا لهما الا فغرامة الاول الذي التبس – دون ان يعلم – بابية الافتراضى المجهول: “سعيد ادهم” الذي اتي مقتلة تجسيدا لنزوع الانتقام الاوديبى من جهة،
واحالة الى اضطراب نفسية البطل و تخبطة العاطفى فضلا عن ضياعة الطويل،
وتسكعة بين اكثر من و جة انثوى يتوهم فتقاسيمة الحانية شيئا من تقاسيم و جة امة الغائب و ابتساماتها المفتقدة التي لا ينى يلاحقها،
ويستجديها من اية امراة ثانية يقابلها.

 20160627 2050

ومن ناحية عاطفية خالصة ربما تكتفى القراءة بالتركيز على الجانب الرومانسي البحت و بتتبع خيبات الحب الاول و فواجعة التي افسدت على البطل حياته،
وجعلت من الانتقام و الظفر بحبيبة الصبا هاجسة الاوحد و حلمة الدفين الذي استنفد كل طاقاتة الروحية و الابداعية.

ومن الممكن كذلك مقاربة ذلك النص مقاربة تناصية تستحضر من خلالها نماذج ادبية ثانية تتداخل معه و تمتزج به بشكل يتراوح بين التلميح و التصريح و الخفاء و التجلي؛
كاسطورة اوديب مثلا التي تشغل الجانب التاويلى العميق من نفسيات الشخوص،
ومسرحيتى “هاملت” و ”روميو و جولييت” اللتين اطلتا من اثناء العمل المسرحى الذي ابتدعة البطل سبيلا للانتقام من غريمه.

ورواية “الحب فزمن الكوليرا” كذلك التي اتي اصرار البطل على استعادة حبيبتة بعد ثلاثين عاما من القطيعة محيلا الى اصرار بطل ما ركيز على استعادة حبيبتة كذلك بعد اكثر من نص قرن على الفراق،
لولا ان بطل ما ركيز استعان على غايتة بالصبر و الانتظار فيما حاول بطلنا هنا الاستعانة بالقتل فسبيل غايته.

 20160627 2051

وما يعنينى فقراءتى هذي هو استجلاء الجانب الدرامي و تدافع الاحداث بعقدها و حلولها،
التى ممكن ملاحظة مستويين متكاملين يتحكمان بها و يوجهانها،
هما: مستوي الفرد بكل ما يموج فاعماقة من مشاعر و نزوات و هواجس و رغبات تتحكم فسلوكه،
وتوجة و عيه،
وتشكل ضغطا يعلو او ينخفض على و جوده،
وعلي علاقاتة مع الاخرين المحيطين به،
الذين ربما ينسجمون قليلا مع حالاتة او يختلفون.

ومستوي السياق الاجتماعى المرافق لحركات البطل،
والذى اتي على الرغم من تخفية هنا مضطلعا بتوجية شق كبير من تحركات البطل و من سير الاحداث.

فعلي المستوي الاول – مستوي الفرد – نلاحظ ان البطل: “حامد” هو الشخصية المهيمنة على مسار الرواية،
وهو العنصر الناتئ الذي تنضوى تحت معطفة بقية الشخوص الثانية و تتحدد ملامحها: فهو محور كل التغيرات،
وتقلبات مزاجة هي التي تحدد مسار الاحداث،
وتؤسس بؤرتها العميقة و جذوتها الدفينة التي انطلق خيطها الاول بعد حوالى ثلاثين عاما من بداية القصة الاصلية حين اكتشفت الزوجة ان زوجها – حامد – يعشق امراة ثانية سواها،
ويحتفظ بصورها و رسائلها الية كنزا ثمينا يخبؤة فاعماق احدي الحقائب،
ويتكتم عليه طوال عقود زواجهما،
الذى لم يكن الا مهربا لجا الية حين غصت ايامة بماساة فقدانة حبيبة الصبا “شمس” التي تركتة الى رجل احدث اصبح فيما بعد غريمة و عدوة اللدود الذي لا ينى يلهج بشتمه،
ويستنزل عليه اللعنات،
طاويا اعماق نفسة على هذا الحقد المدمر الذي لم يكن انزلاقة الية الا احد نتائج طفولتة غير السوية و شخصيتة الانطوائية التي من العنت الشديد عليها ان تنفتح على الاخرين او تكاشفهم بشيء من الامها و خباياها،
مما يكرس سلطة الذات و دورها فتسلسل الاحداث و تصاعد المفاجات التي لم يكن اغلبها الا و ليد فرد واحد مضطرب،
ومتعثر الخطوات  نجدة فمواقف كثيرة منكفئا على نفسه،
لاعقا جراحها الحقيقية و الموهومة،
ومتشبثا بطفولتة المحرومة و مراهقتة البائسة التي لم يتخلص بها ابدا من شعورة المبكر باليتم،
ومن ميلة الى العزلة و كثرة التامل،
حين راح يواصل دراستة فصعوبة شديدة،
متلعثما جميع حين،
ومجتنبا المراة – على توقة الشديد لها – الى عالم احدث من صنعة و من و حى خيالة الجامح (ص45-46) حيث غدا و جة امة البعيد هاجسة الاوحد و عذابة الدفين،
ولعنتة التي لم تفارقة حتي بعد نضوجه،
وتجاوزة مرحلة الطفولة و المراهقة.

 20160627 2052

  اما المستوي الثاني – المستوي الجمعى او المستوي المتبدى من اثناء السياقات الاجتماعية

والسياسية المحيطة بالفرد – فلم يكن المبدع ليرتكز عليه كثيرا فهذا العمل،
بل تركة فالكواليس؛
فى نقطة خفية لا تسفر عن و جهها مباشرة بل تفاجئنا من حين الى احدث فبعض الفصول بشكل يوحى بان لها من الاهمية ما لا يقل ابدا عن اهمية البطل الفرد و سلطتة المكرسة منذ بداية العمل: فالحقيبة السوداء التي تحتضن سره،
وتخبئ فاحشائها قلبة النابض،
ودمة و دموعة لم تكن لينتهك احد غموضها لولا تلك “المفرزة الاجنبية” المكلفة بتفتيش الدور،
والتنقيب فخزائنها المغلقة بحثا عن “اسلحة و متفجرات” (ص 25)،
ولجوء ذلك البطل الى بيت =احد اصدقائة – بعد انهيار زواجة و ضياع اسرتة – لم يكن ليضفى ذلك الطابع الماساوى على جو الرواية لولا ان ذلك الصديق قتل غدرا و بسبب الهوية!
(ص 62-63)،
والمفارقة الدرامية نفسها التي يحويها ذلك العمل لم تكن لتبلغ نقطة احتدامها القصوي لولا مقتل ابن الحبيبة/ الارملة المشتهاة و ابيها بمجرد سماعهما خبر مصرع الزوج،
ولولا ان موتهما لم يكن الا بسبب احدي العبوات الناسفة التي غصت فيها شوارع المدينة فطريقهما للشروع فاجراءات جنازتة و مراسيم دفنه.(ص 150)

الي جانب مصرع المخرج “سامي الماهر” الصديق الحميم للزوج غريم العاشق و ضحيته،
والذى لم يوضح لنا الكاتب ظروف رحيلة و ملابساتة بل اوحي لنا بانها ميتة مجانية ثانية لا تقل جرعة العبث بها عن بقية الميتات السابقة،
التى ممكن و صفها كلها – على حد تعبيرة هو نفسة – بانها لا تزيد على ان تكون “خطا فالاخراج و خروجا عن النص!!” (ص 155)

ومقتل ابن خال البطل: “فارس” لم يكن كذلك ليحصل لولا انفلات الامن و غياب القانون(ص 164).

فضلا عن كلمات كثيرة تطل علينا فعديد من الفصول و تلقى بظلال عميقة على ظروف الوطن و على تفشى العنف و الدمار فارجائة تفشيا بات معه الموت و اقع الناس و حديثهم اليومي المكرور الذي لا مفر ابدا من تجاهلة او محاولة التملص منه و اجتنابه،
مما ممكن ملاحظتة فعديد من المشاهد و الكلمات التي لا ينطقها المبدع على لسان ابطالة عرضا و اعتباطا،
بل ليوحى بمدي تازم ظروفهم و عنت ازمنتهم و ايامهم: فالوضع الامنى المنفلت،
وحظر التجول هو الذي يجبر المخرج على قضاء ليلتة – بعد تاخر الوقت – فبيت صديقة الممثل (ص9)،
وهذا الاخير مضطر للسبب نفسة الى اجراء تدريباتة المسرحية كلها فبيته ايضا(ص11)،
ووقوعة المفاجئ لحظة تداعى المناضد و الكراسي لم يكن الا “كدوى انفجار عبوة طائشة” (ص21)،
ولدي انهيار اسرة البطل لحظة اكتشاف زوجتة سرة الخطير كان انكفاؤة على نفسة و حيدا يدخن و يفكر مترافقا مع “اطلاق كثيف” (ص26) و مثلة كان اطلاق كثيف احدث و اصوات طائرات ليلية تقض عليه مضجعة حين كان لاجئا الى بيت =صديقة المغتال.(ص40)

اما بعد ان تمت له غايتة و تمكن من قتل غريمة الممثل فانه و لدي اجتماعة بالمخرج الذي يلومة كثيرا على نصة القاتل اخذ ينصت الى دوى انفجار سيارة ملغمة من مكان قريب،
ولم يملك الا ان يعلق على هذا ببرود قائلا: “لم يعد الموت عجبا..
يحدث جميع دقائق و فكل شارع”(ص146)

والممثل نفسة – كما جاء فالصفحة نفسها – اصيب ذات يوم بعطب نفسي طويل سببة فقدان و لدية من زوجتة الاولي فحرب الخليج.

وحين لم ير ذلك البطل “شيرين” زميلة الصبا و زوجة المخرج فبيتها لم يجد لغيابها سوي تفسير واحد من ثلاثة: فهي اما ان تكون ربما جمحت مع رجل احدث غير زوجها،
او انها امراة شموس صعبة،
او انها ما تت بانفجار عابر!
(ص76)

وهذا ما يؤكد ان المبدع لم يتجاهل ابدا سياقات بيئتة و ظروف مجتمعة بل عمد الى ابرازها بكيفية الماحية،
لا تقحم نفسها بفجاجة على الاحداث او على تقلبات نفس البطل بل تحتضن كليهما بتلقائية يمتزج بها الهم الجمعى الممثل فازمات الوطن و انفلاتاتة الامنية بالهم الفردى الممثل فازمات البطل و مشكلات قلبة التي عن طريقها بدات شرارة الاحداث الاولي تنقدح و تتالي فيما بينها،
حاملة فكل موجة منها بعض العقد و الاشتباكات التي لا نكاد نظفر بحل لها حتي يستجلب معه ازمة اخرى،
تنفرج بدورها قليلا بعدها تضيق مرة اخرى،
ولا يظل فالختام سوي حل مفصلى و حيد: هو موت البطل او انتحارة الذي فيه و حدة تتوقف – و لو قليلا – سلسلة المازق و العقد.

ولو تتبعنا هذي الاحداث لوجدنا اولها منصبا على شاب منطو ينفتح قلبة – بعد مكابدات كثيرة – على حب اول محتدم سرعان ما يفشل بسبب نوبات الشك الكثيرة التي تعصف به،
وتنتهى بانفلات الحبيبة الى حب اخر،
وزوج يستحيل الخصم و العدو الذي لا يدخر ذلك المحب المهجور سبيلا الى الانتقام منه و التنكيل فيه كعادة بعض من المحبين المهملين امثاله.

ولا يجد من و سيلة امثل لذا من التاويل السياسى و توريطة مع جهاز المخابرات،
ثم يفر الى الخارج لدي اكتشاف كذبته،
مما ممكن ان نعتبرة الحركة الاولي من مسار الخط الدرامي: محب يائس يشى بغريمة كذبا،
ثم يفر خشية افتضاح فعلته…

وهي حركة تتميز بانفتاحها الشاسع و تقاطعها مع كثير من قصص الحب و تقلباتة التي ربما يتحول بها عهد الوفاء القاطع و الاخلاص الى نقيضة من الخيانة و الدنس،
وحتي القتل الذي لا يفاجئنا فيه البطل فاحدي لحظات ياسة الاخير.

وتبدا الحركة الاخرى لحظة الهرب و الانفتاح على تجارب انسانية و غرامية ثانية تاتى جرعا مخدرة تتناسي فيها لوعة الحب الاول و خيباته،
التى ياتى الزواج بعدين و بسببها ليحيل الى حل جزئى يوهمنا بحالة ما من التصالح مع الذات لا سيما بعد الرجوع الى الوطن و الانغماس فانشغالات الحياة اليومية و مطالبها التي لم يبق معها امام “حامد” سوي التسليم بدورة الجديد فالحياة: زوجا مخلصا بعدها ابا حنونا،
لا هم له الا اسعاد اسرتة الصغيرة و رعايتها،
وان كان شيء من اشواقة الاولي ربما اطل من اثناء تسميتة ابنتة بالاسم نفسة الذي تسمت فيه حبيبته.

وما تتميز فيه هذي الحركة هو تنازلها،
وهدوؤها و امتدادها المائل الى ان تكون حلا كدنا نسلم فيه لولا ان ذلك الزوج العاشق لم يتوقف ابدا عن استحضار مشاهد حبه،
ولحظاتة الغابرة التي لم يكتف بتذكرها فقط،
بل تركها محنطة فرسائل و صور قديمة،
ملا فيها حقيبتة السوداء التي لم يلبث سرها ان انكشف و فضحه…

وهنا ممكن القول بان الصراع الاول الذي خاضة البطل مع نفسة و مع عواطفة العاصفة و نزواته،
والذى انتهي بحل – او شبية حل – معقول،
لم يلبث ان تزحزح هدوؤة بعد اكثر من ربع قرن من التجاهل و الخمود،
فتبعثرت مكنونات قلبة فلحظة قدرية طائشة ممكن عدها العقدة الاخرى هنا،
او نقطة التازم الحاسمه و لحظة سقوط الاقنعة التي ازدادت بها حدة التوتر،
والضغط على البطل: فلا هو حظي بوصل حبيبتة الغائبة،
ولا هو حافظ على قناعة المراوغ،
واستمر فدور الزوج الذي اعتادة منذ عقود،
فضلا عن لجوئة الى بيت =صديقة “القتيل على الهوية” حيث يخالة جميع ليلة الى جانبة يقاسمه السرير،
وينزف دما،
ثم يقتحم احلامة و يحيلها الى كوابيس يسالة بها جميع لحظة عن اسباب مقنع لقتله.(ص62-63)

كل ذلك العبث و اللامعقول: حقيبة منسية تتبعثر مكنوناتها فلحظة تفتيش عابرة،
وصديق عزيز يقتل غدرا لان طائفتة و مذهبة لا يعجبان القتلة،
كان له اثرة فتصعيد المازق الى اقصي طاقاتة التي تفتقت فذلك الجو الجنائزى الكئيب – جو شقة الصديق المغتال – عن خطة انتقامية قوامها نصف مسرحى مجنون،
يؤدية الممثل المستهدف بصدق و انفعال ربما يقضيان عليه،
لانة مضطر الى ان يتقمص دور هاملت – الذي يعد من اصعب الادوار المسرحية – و ان يبنى عرشا و اهيا من الكراسي و الطاولات فتسارع زمنى يصل من خلالة الى سقف المسرح لينشد بانفعال عبارات شاعرية ربما يبلغ تاثرة فيها ان يسقط من الاعلي بحركة خاطئة،
او ربما ينجو من السقوط،
لينهكة الصعود و النزول مع الظما،
وارتفاع الحرارة،
وتقدمة فالسن.(ص73-74)

اى ان الحل الذي ارتاة العاشق لازمتة كان موت غريمة و تشفية بمصرعة دون ان يتهمة به احد و هو ما تم له فعلا لحظة تداعى “العرش الخشبي”،
وسقوط الممثل سقوطا خاطفا فارق على اثرة الحياة مباشرة.

وهي اللحظة التي بدات فيها الرواية،
والتى ممكن و صفها بالبداية الاستباقية التي لا ينسج بها الراوى مسار احداثة من اول حركة درامية فيها،
بل يبدا من منتصف الاحداث – او من ختامها – من لحظة التازم الحادة،
او من الحل الجزئى المتاح: موت الغريم،
الذى يلوح حلا سهلا لا تنتهى فيه دوامة البطل و ما زقة بل يتلوة حل هش احدث هو: موت ابي الحبيبة و ابنها اللذين اتي رحيلهما المفاجئ شافيا لاحقادة و ضغائنه؛
فالاب المتسلط كان ذات يوم عائقا امام سعادتة برفضة خطبة ابنتة له،
والابن هو و جة احدث من اوجة غريمة و بقاياه،
برحيلة سيستريح منه،
ومن ذكراه.

وتنبع هشاشة ذلك الحل من كونة يحمل فاعماقة ازمة جديدة،
ومن كونة محك التجربة و الاختبار؛
قد تظل معه فعلة ذلك العاشق مجهولة مما يعني تذليل كل العوائق،
والحواجز امامه،
لانة سيصبح فمثل هذي الحال مرفا الامان،
ومصدر الامل و العزاء،
والذكريات الرائعة الغابرة التي ربما يصبح فاقترابة سبيل ما الى استعادتها و تلمسها من جديد.

وقد تنكشف جريمتة المدبرة و يضاف اليها التسبب كذلك – و لو عن غير قصد – فمقتل الاب و الابن مما يقضى على جميع امل فاللقاء،
ويبدد سحابة الوصل المنشود.

ولا يمهلنا المبدع هنا كثيرا،
لانة سرعان ما يفاجئنا – بعد ان اوهمنا بامكانية ان يصبح فموت الاب و الابن حل ما – بازمة جديدة،
ومازق عصى ينكشف به امام العاشق – المازوم اصلا و المعذب الضمير بعد تسببة كذلك فمقتل ابن خالة – سر قاتل،
يكتشف من خلالة ان ذاك الذي ناصبة العداء دهرا،
ولم يقنع الا بموتة ليس سوي منقذة من الهلاك و ابية الافتراضى – ان جاز للابوة ان تكون افتراضية – اي انه و بعد جميع تلك الخطط و المكائد،
وبعد جميع تلك الاشتعالات و الحرائق لم يفعل شيئا سوي قتل ابية (الروحي)!!

وهنا قمة التشابك و الاحتباس،
وتماما كما فعل اوديب الاغريقى حين قتل نفسة مجازا بسمل عينيه،
لا يجد البطل هنا من مخرج لمازقة سوي قتل نفسه،
لا مجازا كما فعل سلفة الاسطورى بل حقيقة و بالكيفية نفسها التي قتل فيها غريمه/ ابوه: بعرش و همى ممكن عدة الترميز التاويلى لسطوة الحب و طغيان سلطانه: فالمحبان – كما جاء فالتصدير الماخوذ عن قول اونامونو – طاغيتان و عبدان: كلاهما طاغية و عبد للاخر فان واحد (ص5)،
وكل عرش قوامة الطغيان و التجبر مصيرة التهشم حتما؛
اما بتهشيم الطرف الاخر – كما جاء فبداية العمل – حين لم يجد العاشق غضاضة فموت الزوج و بقاء الحبيبة من بعدة “ارملة ثكلي فالخمسين” او بتهشيم الانا و احتضان الموت جثة هامدة لم تجد سواة مهربا و ملاذا تتقى فيه التحديق فمملكتها البائدة و عرشها المزال.

وفى كلا الطرفين التدميريين – تدمير الاخر او تدمير الانا – يسود نسيج دائرى احداثة محكمة،
ومازقة و حلولة متماوجة،
متناوبة الحضور و التاثير،
حاملة فاعماقها و فجميع لحظات مدها و جزرها جرعا لا تعد من العبث و اللامعقول،
والسخرية التي تصل احيانا حدها الاقصى/ المضحك المبكي: كالميتات الخمس المتتالية – ميتات الممثل،
وابنه،
وابي زوجته،
وصديقة المخرج و ابن خال العاشق،
والعاشق نفسة – التي كان سببها على حد تعبير المخرج: “خطا فالاخراج و خروج عن النص!!”: جمرة عشق تفجرت فجاة و تسببت فجميع تلك الماسي.

والشخص الوحيد الذي كانت منيتة بعيدة عن لعنة اهواء البطل و محرقة تقلباتة و هو صديقة الحميم “صابر” لم ينج كذلك من عبث احدث اشد شمولية و اشرس انيابا: عبث الهوس الطائفى و القتل المجانى على الهوية؛
علي الاسم و على الكينونة القدرية التي لم يخترها يوما اي حي!

ولذا كانت صرخات زوجتة الملتاعة: “قتلوا صديقك يا حامد..
قتلوة دون ذنب!!” (ص151-152) بمثابة نشيد استصراخي قصير،
قد لا يصبح محوريا فسياق حوارات الابطال و تقلبات الاحداث،
لكنة ينير جزءا لا باس فيه من جو العبث و المفارقات الذي ساد ذلك العمل منذ بداياته،
والذى لم يدخر المبدع جهدا من اجل ابرازه،
وتوجية و عينا اليه،
فحتي فسياق سردة لاحدي مغامرات البطل الهروبية نجدة يوظف كذلك بنية المفارقة،
ويجعل للهندية الحسناء،
والحبيبة الطارئة ابا يحدثنا و دموعة تسيل – على لسان احد المؤلفين – عن التناحر الطائفى فالهند،
وعن المذابح الدامية بين المسلمين و الهندوس،
خاتما جديدة بالسؤال الجوهري: “لماذا يقتل شخص على ايدى اناس لا يعرفونه؟!!” (ص91)

وهذا السؤال بشموليتة و اتساعة ممكن اسقاطة على بعض مما لدينا من احداث: زوج امن يقتلة مجهولون لا يعرفهم بسبب الهوية!

وزوج احدث امن مثلة يترصدة مجهول احدث – لم يعرفة ناضجا و ان كان ربما عرفة رضيعا – لاجل الهوية ايضا،
لا الهوية الطائفية بل الهوية القدرية الاخرى: انه دون جميع الرجال زوج الحبيبة و بالتالي غاصبها،
ومحتكر مباهجها!!

وحتي فبعض المواقف الثانية البعيدة عن جنائزية الموت و كابتة تطالعنا السخرية الدرامية القاسية نفسها: فجميع الشكوك الملحة التي ارقت العاشق حول سلوك حبيبتة و علاقتها الغرامية المحتملة مع الفنان التشكيلى المعروف “فهمى النقاش” تكشفت له عن حقيقة ساخرة؛
هى انها محض اضاليل و اوهام كان يكفية لتبديدها ان يستنفد بضع دقيقة فحوار مراوغ او صريح مع الفنان على ان يصطلى بلظاها طيلة جميع تلك العقود،
ويخسر بسببها حبيبة العمر!
(ص159)

والحقيبة نفسها التي كانت اسباب كل تلك الماسى و الاحداث لم ينتة فيها مصيرها الا الى ان تكون حفنة بائسة من الرماد،
لامر ما لم يبق منه سوي عينين عاتبتين للحبيبة،
وبقايا قصاصة متاكلة تضم كلمتين: “ايقظ شعورك..” هما البؤرة العميقة التي تختصر بها مقاصد ذلك العمل،
ويختزل مغزاه: الا يصبح الحب يوما ذريعة للحقد و الانتقام،
وانة و هج الهى اسمي من ان يستحيل يوما الى حزمة اوراق مدفونة او نثار من رماد.

وعليه ممكن القول بان ذلك العمل يحمل بامتياز ملامح الحياة العراقية و انشغالاتها،
وان لم يعمد به المبدع الى حصر المكان،
او الارتكاز على خصوصياته،
فلم يحدد لنا فاية مدينة تدور الاحداث،
ولم يذكر ابدا اسم اي شارع او محلة،
ولا هو اشار اشارة صريحة الى شيء من تاريخ العراق،
وتقلبات ظروفة السياسية و حروبة الكثيرة،
مما يعني شمولية فالرؤيا،
وشساعة فالتعبير،
ونفسا انسانيا لم تعد به المعاني مقتصرة على قومية واحدة منكفئة على همومها الممعنة فالفردية و الانطواء – مهما اتسعت – بل ان ما يلحظ هنا: تضافر المحلى مع الانسانى و غلبة ذلك الاخير على ما قبله؛
فالمقال الرئيس لهذه الرواية هو الحب بمعنييه:

–  المشرق اولا: حب الذات و حب الاخر،
والانفتاح على اختلافة بتقبل نقصه،
والاستبشار باكتماله.

– المتعفن ثانيا: اي الانانى و المجرد من التسامح و العطاء؛
“حب الغرف المظلمة،
والراس الثقيل،
والنفس القلقة” على حد تعبير البطل (ص55) حيث يغدو هوية للقتل،
وذريعة لتحقير الاخر و تهميشة و الانتقام منه.  و هو الحب الذي تورط به ذلك البطل فانتهي فيه الامر الى ان يكرة الاخر،
ويكرة نفسة ايضا،
يدمرة و يدمر نفسة معه،
ويعاديهما كليهما معا،
حالة حال كل القتلة الذين و قعوا فدائرة الكرة الاعمى،
والقتل المجاني؛
كلاهما – و دون ان يدرى – عدو لنفسة و للاخرين: يقتلهم اليوم و يقتل نفسة غدا!

والي جانب ذلك ممكن ملاحظة جوانب انسانية ثانية تطالعنا منذ بداية العمل،
وتكرس فكرة الاقبال على الحياة،
والتفانى فحبها على الرغم من كل الماسى و الحروب: فالحبيبة التي تقدم فيها العمر كثيرا لا يزال الراوى يصفها بذات الجسد الرشيق ذى الخمسين ربيعا.(ص10)

والعاشق نفسة يصر على ان يبدا من جديد،
ويستعيد حبة و هو فالخمسين.

وفضلا عن ذلك فان المهن التي اختارها الكاتب لشخوصه؛
مهن الكتابة،
والتمثيل،
والاخراج  و الرقص كذلك هي مهن تتميز عن غيرها بعلو جرعة الحركية بها و الاحتفاء بالحياة،
حيث يقوم المسرح علامة حياة تتحدي كل بوادر الموت و الدمار المنتشرة: فهنالك دوما عروض لا تكاد تتوقف،
وهنالك استعراضات،
وحيوات كثيرة،
واكثر من غجرية حسناء ك“ذهب” غادية و رائحة.

واخيرا فان ما يميز ذلك العمل هو ذاك النفس الانسانى الذي ربما تختصرة جملة واحدة: ربما تعصف بالبلد حروب كثيرة و ملمات… لكن فالنفس توقا مقدسا،
واشواقا لن يصادرها الموت ابدا مهما طال.

 


الرواية دى محدش كان لاقيها , قراءة في رواية “رماد الحب”