ذهبت في رحله مدرسيه الى احدى مدن المغرب العتيقة
كان يختارها دائما، وكنت استغرب هذا الاصرار على زياراته المتكرره الى المغرب، بل الى نفس
المدينه ونفس الفندق بل نفس القهوه العربيه التي يقضي بها ساعات منصتا “للحكواتيه”، ومستمتعا بنكهه
الشاى الاخضر بالنعناع الطازج وبرائحه البخور والعطور والتوابل التى تفوح من جنباتها، ولما سالته عن هذا الاصرار كان يبتسم ابتسامه العالم بالسر وهو يتمتم قائلا: ليس
من راى كمن لم يرى. وحينئذ كنت الوذ بالصمت في صبر لعلي اكون من الناظرين.
اما اليوم وقد رايتها… تلك المدينه المغربيه الفاتنه “المدينه الحمراء”، او” البهجة” كما يحب ان
يطلق سكانها عليها، مدينه الشمس والقمر، والثلوج والنخيل، والحضاره والتاريخ. وصفها مؤرخها ابن المؤقت بانها:
“دار الفقه والعلم والصلاح، قاعده بلاد المغرب وقطرها ومركزها وقطبها، فسيحه الارجاء، صحيحه الهواء، بسيطه
الساحه ومستطيله المساحة، كثيره المساجد، عظيمه المشاهد، جمعت بين عذوبه الماء واعتدال الهواء، وطيب التربة،
وحسن الثمرة، وسعه الحرث، وعظيم البركة”.
رايتها وفهمت السر، وعرفت لماذا يعشق الناس مراكش، ورايت بعيني كيف ترحب هذه الفاتنه بزائريها
مره وكش.. مراكش
اعارت مدينه مراكش اسمها للمغرب فتره من فترات التاريخ؛ فكانت المغرب هي مراكش، وهي المدينه
الجنوبيه التي سلبت لب السلطان “يوسف بن تاشفين”- سلطان دوله المرابطين- عندما اراد تاسيس عاصمه
لدولته بموقعها المتميز على بعد 30 كيلومتر من سفوح جبال اطلس بارتفاع 450 مترا عن
سطح البحر، ولما راها وسحرته احتار ماذا يسميها وبينما هو في حيرته سمع رجلا يسال
ابنه: هل حقا سقيت هذا الحقل؟، فيجيب الابن: نعم قد فعلت مره وكش. وكان المعنى:
سقيته مره وقد نشف. فاعجب الخليفه بالكلمه الماخوذه من هاتين الكلمتين مره وكش فاتخذها اسما
لعاصمه دوله المرابطين، واهتم بها وخط شوارعها وقصورها وزرع حدائقها واهتم بمدارسها لتكون مراكش تحت
حكم المرابطين مركزا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا لا نظير له.
وعندما تراخت دوله الموحدين استولى المرينيون القادمون من الشرق سنه 1269م على المدينة، واتخذوا مدينه
فاس عاصمه لهم مما ادى الى تراجع مراكش، ثم استعادت المدينه مكانتها كعاصمه للسعديين بين
1589 و1659م، وشيدت بها بنايات جديده اهمها قصر البديع، واخذت شكلها النهائي الذى هياها لتكون
في مكانتها اليوم قبله للسياحه العربيه والعالمية.
حدائق زرقاء في قلب المدينه الحمراء
تتمتع مراكش بمناخ جميل وشمس دافئه طوال العام، ويقولون ان شمس مراكش هي مطرها، وتغري
الشمس اللطيفه في فصل الربيع بالمشى بين جنبات المدينه وزياره حدائقها كحدائق المناره وحدائق ماجوريل
التي بناها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل عام 1924، وحرص على دهان مبانيها باللون الازرق وهو
ما فاجئ سكان المدينه الحمراء، لتظل الحديقه محتفظه بطابعها الخاص حتى عام 1980، عندما اشترى
مصمم الازياء العالمي ايف سان لوران، والكاتب الفرنسي بيير بيرجي الحديقة. وتم تحويل المبنى المحيط
بها الى متحف للفنون الاسلامية، كما تحتوي الحديقه على نباتات وازهار وصبارات نادره قادمه من
مختلف انحاء الارض.
كما افتتح في قلب حديقه ماجوريل في شهر ديسمبر 2011، المتحف الامازيغي والذي يعتبر الاول
من نوعه في المغرب، ويضم 600 تحفه فنيه امازيغيه موزعه بعنايه في اربع قاعات تؤرخ
للثقافه والحياه الامازيغية، كما يضم المتحف مكتبه كبيره تقدم مجموعه من الكتب المرتبطه بالثقافه الامازيغية.
التاريخ في مراكش
اما عشاق التاريخ والاثار فلهم موعد مع مدينه مراكش الاثرية، والتي خلف فيها ساكنوها القدامى
من المرابطين الموحدين والسعديين كما هائلا من الاثار الخالدة، ولعل الاثر الاكبر والاعظم هو جامع
“الكتبية” بمنارته الشهيره وهو يعد من اجمل واشهر الاثار في المغرب العربي، ولا تنسى عزيزى
الزائر التجول بين جنبات القصور التاريخيه العظيمه كاطلال قصر” البديع” الذى يحتوي على 360 غرفة،
واستغرق بناؤه ربع قرن من الزمن، ويميزه كثره الزخارف وتنوع المواد المستعمله في تزيينه كالرخام
والتيجان، والاعمده المكسوه باوراق الذهب والخشب المنقوش والمصبوغ، حتى انه اعتبر احدى عجائب الدنيا السبع
في زمن بنائه.
ومن قصر “البديع” الى قصر “الباهيه ” الذي بني عام 1880 ليكون سكن الوزير “با
احمد”، ومنه الى دار”السي سعيد” الذى يعود تاريخ بنائها الى نهايه القرن التاسع عشر، وتحوي
متحفا للفن المغربي.
كما توجد مجموعه من البيوت الاثريه القديمه تسمى “الرياض”، والتي تثير شغف عدد من الفنانين
العالمين الذين يزورون المغرب خصيصا للدراسه والتعرف على الحقب التاريخيه المختلفه عبر هذه البيوت القديمة
كدار “تسكوين” وتضم المجموعه الشخصيه للفنان الهولندي بيرت فلينت.