قصص عن عذاب يوم القيامة
سمعنا بقصه الرجل الذي تناقل الناس كلامه منذ ايام، حيث ذهب للمقبرة، وحضر جنازه امراة،
فلما وضعوها في اللحد، ووضعوا عليها اللبن، واهالوا عليها بعض التراب، تذكر ابوها ان مفاتيحه
سقطت داخل اللحد؛ فرفعوا التراب وازالوا اول لبنه مما يلي راسها، فما كان الا ان
سمعوا صوت ضربه من داخل اللحد، وفوجئ الذي ازال اللبنه بنار تلتهب في اللحد، وقد
اثرت في راسها، وشم رائحه احتراق الشعر، وشاهد جوانب القبر سوداء من لهب النار؛ فانزعج
لذلك حتى فقد وعيه، واخرجوه من القبر، وردوا اللبن والتراب كما كان، وانهوا دفنها، وذكروا
من اسباب ذلك انها كانت تفرط في الصلاه -او قالوا: تؤخر الصلاة- فما صحه هذا
الخبر؟ وهل ورد مثل هذا فيما سبق، او ذكر اهل العلم شيئا من ذلك؟ نرجو
ان توضحوا لنا ما بلغكم من ذلك.
الاجابة: اما القصه التي ذكرتم، فلا تستبعد، وقد سمعنا هذا من افواه الناس، والرجل الذي
تروى عنه معروف بالصدق فيما بلغنا.
وهذا مما يدل على عذاب القبر الذي شرع لنا الاستعاذه منه، لاسيما في التشهد الاخير
من كل صلاه -فريضه او نافلة-، وبعض اهل العلم اوجب ذلك وحمل الامر على الوجوب،
واوجب اعاده الصلاه على من لم يتعوذ بالله من عذاب القبر، والجمهور على انه مستحب
ومتاكد جدا، لكنه لا يبلغ حد الوجوب.
والايمان بعذاب القبر ونعيمه من عقيده اهل السنه والجماعة، خلافا للمعتزلة. وقد تواترت الاخبار عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر، ونعيمه لمن كان اهلا لذلك،
وسؤال الملكين للميت اذا وضع في قبره، فان اجاب سلم من عذاب القبر ونعم في
قبره، والا عذب بانواع العذاب.
فيجب اعتقاد ذلك، والايمان به، ولا يتكلم في كيفيه ذلك، ولا يسال عنه؛ لانه لا
مجال للعقول في ادراك كيفيته، وربما اطلع الله بعض خلقه على شيء من ذلك؛ للعبره
والاتعاظ.
▪ قال الحافظ ابن رجب في كتابه (اهوال القبور) بعد ان ذكر احاديث عذاب القبر
ونعيمه: وقد اطلع الله تعالى من شاء من خلقه وعباده على كثير مما ورد في
هذه الاحاديث حتى سمعوه وشاهدوه عيانا. وممن ذكر ذلك ابن ابي الدنيا في كتاب (القبور)،
والامام ابن القيم في كتاب (الروح)، والشيخ محمد السفاريني في (البحور الزاخرة)، وغيرهم.
▪ واليك بعض ما ورد في ذلك:
– عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة، فاتانا النبي صلى
الله عليه وسلم وقعدنا حوله، كان على رءوسنا الطير، وهو يلحد له. فقال: “اعوذ بالله
من عذاب القبر” (ثلاث مرات)، ثم قال: “ان العبد المؤمن اذا كان في اقبال من
الاخرة، وانقطاع من الدنيا، نزلت اليه الملائكة، كان على وجوههم الشمس، معهم كفن من اكفان
الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس
عند راسه، فيقول: ايتها النفس الطيبه اخرجي الى مغفره من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل
كما تسيل القطره من في السقاء، فياخذها فاذا اخذها لم يدعوها في يده طرفه عين
حتى ياخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وذلك الحنوط، وتخرج منها كاطيب نفحه مسك وجدت على
وجه الارض، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون بها -يعني: على ملا من الملائكة- الا قالوا:
ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان باحسن اسمائه التي كانوا يسمونه بها في
الدنيا، حتى ينتهوا بها الى السماء، فيستفتحون له؛ فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها
الى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها الى السماء التي فيها الله، فيقول الله عز
وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، واعيدوه الى الارض، فاني منها خلقتهم، وفيها اعيدهم، ومنها
اخرجهم تاره اخرى، قال: فتعاد روحه في جسده، فياتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟
فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الاسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي
بعث فيكم؟ فيقول: رسول الله، فيقولان له: ما علمك؟ فيقول: قرات كتاب الله؛ فامنت به
وصدقت. فينادي مناد من السماء: ان صدق عبدي؛ فافرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا الى
الجنة، قال: فياتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: وياتيه رجل
حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: ابشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد.
فيقول له: من انت؟ فوجهك الذي يجيء بالخير. فيقول: انا عملك الصالح. فيقول: يارب اقم
الساعه حتى ارجع الى اهلي ومالي. قال: وان العبد الكافر اذا كان في انقطاع من
الدنيا، واقبال من الاخرة، نزل اليه من السماء ملائكه سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه
مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند راسه، فيقول: ايتها النفس الخبيثة، اخرجي
الى سخط من الله وغضب. قال: فتتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف
المبلول، فياخذها فاذا اخذها لم يدعوها في يده طرفه عين حتى يجعلوها في تلك المسوح،
ويخرج منها كانتن ريح خبيثه وجدت على وجه الارض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على
ملا من الملائكه الا قالوا: ما هذا؟ فيقولون: فلان بن فلان باقبح اسمائه التي كان
يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها الى السماء الدنيا، فيستفتح له؛ فلا يفتح له”،
ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون
الجنه حتى يلج الجمل في سم الخياط} (1)، “فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في
سجين في الارض السفلى، فتطرح روحه طرحا”، ثم قرا: {ومن يشرك بالله فكانما خر من
السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق} (2) قال: “فتعاد روحه في
جسده، وياتيه ملكان فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا ادري. فيقولان له: ما
هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا ادري. فينادي مناد من السماء: ان
كذب؛ فافرشوه من النار، وافتحوا له بابا الى النار؛ فياتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه
قبره حتى تختلف اضلاعه، وياتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: ابشر بالذي
يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من انت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر. فيقول:
انا عملك الخبيث.فيقول: رب لا تقم الساعة” (3) (رواه الامام احمد وابو داود، وروى النسائي
وابن ماجه اوله، ورواه الحاكم، وابوعوانه الاسفرائيني وابن حبان في صحيحيهما)، وذهب الى موجب هذا
الحديث جميع اهل السنه والحديث، وله شواهد من الصحيح.
– واخرج ابن ابي الدنيا في كتاب (القبور) من طريق يزيد بن طريف، قال: مات
اخي فلما الحد، وانصرف الناس، وضعت راسي على قبره؛ فسمعت صوتا ضعيفا من داخل القبر
اعرف انه صوت اخي، وهو يقول: الله. فقال الاخر: فما دينك؟ قال: الاسلام، وفي لفظ:
من ربك؟ ومن نبيك؟ فسمعت اخي يقول وعرفت صوته: الله ربي ومحمد نبيي. قال: ثم
ارتفع شبه سهم من داخل القبر الى اذني، فاقشعر جلدي وانصرفت.
– واخرج ابن ابي الدنيا عن عمر بن مسلم عن رجل حفار للقبور، قال: حفرت
قبرين، وكنت في الثالث، فاشتد علي الحر؛ فالقيت كسائي على ما حفرت، واستظللت فيه، فبينا
انا كذلك، اذ رايت شخصين على فرسين اشهبين فوقعا على القبر الاول. فقال احدهما لصاحبه:
اكتب. قال: ما اكتب؟ قال: فرسخ في فرسخ، ثم تحول الى الاخر، وقال: اكتب. قال:
وما اكتب؟ قال: مد البصر، ثم تحولا الى الاخر الذي انا فيه، قال: اكتب. قال:
وما اكتب؟ قال: فترا (4) في فتر، فقعدت انظر الجنائز، فجيء برجل معه نفر يسير،
فوقفوا على القبر الاول، قلت: ما هذا الرجل؟ قالوا: انسان قراب -يعني: سقاء- ذو عيال
ولم يكن له شيء؛ فجمعنا له. فقلت: ردوا الدراهم على عياله، ودفنته معهم، ثم اتي
بجنازه ليس معها الا من يحملها، فسالوا عن القبر فجاءوا الى القبر الذي قال: مد
البصر. قلت من ذا الرجل. فقالوا: انسان غريب مات على مزبلة، ولم يكن معه شيء،
فلم اخذ منهم شيئا، وصليت عليه معهم، وقعدت انتظر الثالث، فلم ازل انتظر الى العشاء،
فاتي بجنازه امراه لبعض القواد، فسالتهم الثمن؛ فضربوا براسي، ودفنوها فيه، فسبحان اللطيف الخبير.
– وقال السفاريني في (البحور الزاخرة) قلت: وقد اخبرني بعض اخواني -وهو عندي غير متهم-
ان رجلا من بلدهم ماتت زوجته. قال: وكانت تتعاطى الربا -بالباء الموحدة- فلما كان وقت
العشاء سمع زوجها صريخا من داخل القبر، وكان جالسا في باب داره، فلما سمعها اخذته
الحشومه من اجلها، وكان ذا شده وباس، فاخذ سلاحه، وذهب الى عند قبرها، فوقف عليها،
وقال لها: لا تخافي فاني عندك، زعما منه انه سينقذها مما هي فيه؛ لشده عتوه
وجهله، وتناول حجرا من القبر. قال: فما رفع راسه حتى ضرب ضربه ابطلت حركته، وارخت
مفاصله، وادلع لسانه، فرجع على حاله قبيحة، وهيئه فضيحة. قال: فوالله لقد رايته، وهو قد
ارتخى حنكه، وبصاقه ينزل على صدره. قال: وهذا خبر استفاض عند اهل البلد كلها.
– وقال ايضا: ولقد سمعت اذناي، ووعى قلبي -وعمري اذ ذاك نحو تسع سنين- صراخ
ميت من خشخاشة، وذلك اني كنت مع اجير لنا يدعى احمد ناحيه الجبانة، وكان قد
دفن رجل -يقال له: شحاذه الهمشري- في خشخاشه في طرف الجبانه فلما دنوت من الجبانه
سمعته يتضجر ويصيح تضجر الذي يضرب بالسياط وابلغ، وسمع ذلك اجيرنا، ففزعت لذلك فزعا شديدا،
وسمع ذلك من تلك الخشخاشه جماعه في مرات متعددة، ومضى علي مده طويله لا استطيع
ان اصل الى الجبانة؛ بسبب ذلك حتى من الله علي بقراءه القران وذلك سنه احدى
وثلاثين ومائه والف، وعمري اذ ذاك ست عشره سنة.
– قال: وذكر لي رجل من اهل القران، انه سال حفارا عن اعجب ما راى
من اهوال القبور. قال: كشفت يوما عن قبر فرايت فيه جثه انسان، وفي وسط تلك
الجثه عقرب عظيم، واذا زباناه مثل المرود، واذا به يضرب تلك الجثه فتنضم وتنطوي، فاذا
قلع زباناه منها امتدت كما كانت، وهكذا. والرجل الذي اخبرني اسمه محمد، والحفار اسمه عطاء
الله. وهذا سمعته سنه تسعه وثلاثين. وسالت ولد عطاء الله عن ذلك فقال: والله سمعت
ذلك من والدي، وهذا عندي غير متهم. وهذا شيء قد عاينه الناس، وتواتر وكثرت الحكايات
فيه، وهو مما يجب الايمان به، ولا ينكره الا ضال ونعوذ بالله من الضلال.
▪ والمشي بالنميمه بين الناس، وعدم التنزه من البول من اسباب عذاب القبر، -نعوذ بالله
منه- سواء وجدا مجتمعين او منفردين؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: “انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، اما
احدهما فكان لا يستبرئ من البول، واما الاخر، فكان يمشي بالنميمة”، ثم اخذ جريده رطبه
فشقها باثنتين، ثم غرز على كل قبر منهما واحده قالوا: لم فعلت هذا يا رسول
الله؟ قال: “لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا” (5) (اخرجه البخاري ومسلم).
– وذكر السيوطي عن المقريزي انه قدم في سنه 697 البريد بان رجلا من الساحل
قد ماتت امراته فدفنها، وعاد فذكر انه نسي في القبر منديلا فيه مبلغ دراهم، فاخذ
فقيه القرية، ونبش القبر؛ لياخذ المال، والفقيه على شفير القبر، فاذا المراه جالسه مكتوفه بشعرها،
ورجلاها قد ربطتا بشعرها، فحاول حل كتافها؛ فلم يقدر، فاخذ يجهد نفسه في ذلك فخسف
به وبالمراة، حيث لم يعلم لهما خبر، فغشي على الفقيه مده يوم وليلة، فبعث السلطان
بخبر هذه الحادثه الى الناس؛ ليعتبروا بذلك.
– واخرج ناصر السنه ابن الجوزي رحمه الله عن عبد الله بن محمد الديني عن
صديق له، انه خرج الى ضيعه له، قال: فادركتني صلاه المغرب الى جنب مقبرة، فصليت
المغرب قريبا منها، فبينما انا جالس اذ سمعت من ناحيه القبور صوت انين، فدنوت الى
القبر الذي سمعت منه الانين، وهو يقول: اوه! قد كنت اصلي، قد كنت اصوم. فاصابتني
قشعريره فدنا من حضرني، فسمع مثل ما سمعت، ومضيت الى ضيعتي ورجعت في اليوم الثاني،
فوصلت موضعي الاول، وصبرت حتى غابت الشمس، وصليت المغرب، ثم استمعت الى ذلك القبر، فاذا
هو يئن يقول: اوه! قد كنت اصلي، قد كنت اصوم. فرجعت الى منزلي وحممت، فمكثت
شهرين محموما.
– واخرج ابن ابي الدنيا عن عمرو بن دينار قال: كان رجل من اهل المدينه
له اخت فماتت، ورجع الى اهله، فذكر انه نسي كيسا كان معه في القبر، فاستعان
برجل من اصحابه، فاتيا القبر فنبشاه؛ فوجد الكيس، فقال للرجل: تنح حتى انظر الى حال
اختي، فرفع بعض ما على اللحد، فاذا القبر يشتعل نارا، فرده وسوى القبر ورجع الى
امه، فسالها عن حال اخته. فقالت: كانت تؤخر الصلاه ولا تصلي -فيما اظن بوضوء-، وتاتي
ابواب الجيران اذا ناموا، فتلقم اذنها ابوابهم فتخرج حديثهم.
– وحكى الحافظ ابن رجب وغيره: ان جماعه من التابعين خرجوا لزياره ابي سنان، فلما
دخلوا عليه، وجلسوا عنده. قال: قوموا بنا نزور جارا لنا مات اخوه، ونعزيه فيه. قال
محمد بن يوسف الفريابي: فقمنا معه، ودخلنا على ذلك الرجل، فوجدناه كثير البكاء والجزع على
اخيه، فجعلنا نعزيه، ونسليه، وهو لا يقبل تسلية، ولا عزاء. فقلنا له: اما تعلم ان
الموت سبيل لا بد منه؟! قال: بلى، ولكن ابكي على ما اصبح وامسى فيه اخي
من العذاب. فقلنا له: قد اطلعك الله على الغيب؟! قال: لا، ولكن لما دفنته وسويت
عليه التراب، وانصرف الناس، جلست عند قبره، واذا صوت من قبره يقول: اواه افردوني وحيدا
اقاسي العذاب، قد كنت اصلي قد كنت اصوم. فابكاني كلامه، وقلت: صوت اخي، والله اعرفه.
فقلت: لعله خيل اليك. قال: ثم سكت، فاذا انا بصوته يقول: اواه لا ادري -في
الثانيه او في الثالثة- فنبشته حتى بلغت قريبا من اللبن، فاذا بطوق من نار في
عنقه، فادخلت يدي؛ رجاء ان اقطع ذلك الطوق، فاحترقت اصابعي؛ فبادرت باخراجها. فاذا يده قد
احترقت اصابعها. قال: فرددت عليه التراب وانصرفت. فكيف لا ابكي على حاله، واحزن عليه؟! فقلنا:
فما كان اخوك يعمل في الدنيا؟ قال: كان لا يؤدي الزكاه من ماله. فقلنا: هذا
تصديق قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيرا لهم
بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} (6) واخوك عجل له العذاب
في قبره، ثم خرجنا من عنده.
– وذكر الحافظ ابن رجب ايضا في (اهوال القبور) له: ان ابن ابي الدنيا اخرج
عن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان جالسا فاتاه قوم، فقالوا: انا خرجنا حجاجا
-ومعنا صاحب لنا- حتى اتينا ذات الصفاح، فمات فيها فهياناه، ثم انطلقنا فحفرنا له قبرا،
ولحدنا اللحد، فلما فرغنا من لحده، اذا نحن باسود قد ملا اللحد؛ فحفرنا غيره، فلما
فرغنا من لحده، فاذا نحن بالاسود قد ملا اللحد؛ فتركناه وحفرنا له مكانا اخر، فلما
فرغنا من لحده اذا نحن بالاسود قد ملا اللحد؛ فتركناه واتيناك. قال ابن عباس: ذلك
عمله الذي يعمل به، انطلقوا فادفنوه في بعضها، فوالذي نفسي بيده لو حفرتم الارض كلها
لوجدتموه فيه. فانطلقنا فدفناه في بعضها، فلما رجعنا قلنا لامراته: ما عمله ويحك؟ قالت: كان
يبيع الطعام، فياخذ كل يوم منه قوت اهله، ثم يقرض القصب مثله، فيلقيه فيه يعني:
يغش الطعام، وهو حب البر، فيقرض القصب، ويلقيه فيه: حتى يعوض ما اخذ منه. فهذا
عقوبه الذين يغشون عند البيع، ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “من غشنا
فليس منا” (7) نسال الله العفو والعافية.
▪ والاثار المرويه في هذا كثيره معروفة؛ فلا نطيل بذكرها، ومن اراد الزياده على ما
ذكرنا، فعليه بكتاب (الروح) للمحقق ابن القيم، و(اهوال القبور) لابن رجب، و(البحور الزاخرة) للسفاريني، وغيرها
مما الف في معناها، والله اعلم.