ما هو تفسير سورة النازعات , اقرأ وتدبر بديع كلام الله عز وجل
اقسم الله تعالى بذكر هذه الاشياء التي يذكرها على ان القيامه حق فقال تعالى:
{والنازعات غرقا (1)} النازعات هي الملائكه تنزع ارواح الكفار، وغرقا اي نزعا بشدة.
{والناشطات نشطا (2)} اي الملائكه تنشط نفس المؤمن بقبضها، اي تسلها برفق.
{والسابحات سبحا (3)} هي الملائكه تتصرف في الافاق بامر الله تعالى تجيء وتذهب.
{فالسابقات سبقا (4)} هي الملائكه تسبق بارواح المؤمنين الى الجنة.
{فالمدبرات امرا (5)} هم الملائكه يدبرون امور المطر والسحاب والنبات وغير ذلك. وقد نزه الله
الملائكه عن التانيث وعاب قول الكفار حيث قال :{وجعلوا الملائكه الذين هم عباد الرحمن اناثا}
(سوره الزخرف/19). والمراد الاشياء ذات النزع والاشياء ذات النشط والسبح والتدبير وهذا القدر لا يقتضي
التانيث. ومن اول السوره الى هذا الموضع قسم اقسم الله به، قال الفراء: وجواب ما
عقد له القسم مضمر محذوف وتقديره لو اظهر: والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات
سبقا فالمدبرات امرا لتبعثن ثم لتحاسبن، فاستغنى (اي الله تعالى) بفحوى الكلام وفهم السامع عن
اظهاره، قال الشعبي: الخالق يقسم بما شاء من خلقه، والمخلوق لا يقسم الا بالخالق، والله
اقسم ببعض مخلوقاته ليعرفهم قدرته لعظم شانها عندهم ولدلالتها على خالقها ولتنبيه عباده على ان
فيها منافع لهم كالتين والزيتون.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري :”قال الشافعي: اخشى ان يكون الحلف بغير الله
معصيه (ومعناه انه مكروه كراهه شديدة)، وقال امام الحرمين: المذهب القطع بالكراهة، وجزم غيره بالتفصيل،
فان اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان
بذلك الاعتقاد كافرا وعليه يتنزل الحديث المذكور (يريد حديث الترمذي :”من حلف بغير الله فقد
كفر او اشرك”) واما اذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق
به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه”.
{يوم ترجف الراجفه (6)} الراجفة: هي النفخه الاولى، قاله ابن عباس، وبها تتزلزل الارض والجبال.
{تتبعها الرادفه (7)} الرادفة: هي النفخه الثانيه وبينهما اربعون سنة، قال ابن عباس: النفختان هما
الصيحتان اما الاولى فتميت كل شىء باذن الله، واما الثانيه فتتبع الاولى وتحيي كل شىء
باذن الله.
{قلوب يومئذ واجفه (8)} هي قلوب الكفار تكون شديده الخوف والاضطراب من الفزع.
{ابصارها خاشعه (9)} اي ابصار اصحاب هذه القلوب ذليله من هول ما ترى.
{يقولون} اي اصحاب القلوب والابصار استهزاء وانكارا للبعث.
{ائنا لمردودون في الحافره (10)} قال ابن عباس: يقولون انرد بعد الموت الى الحياة، اي
في القبور، قالوه على جهه الاستبعاد لحصوله، قرا ابن عامر واهل الكوفه :”ائنا” بهمزتين مخففتين
على الاستفهام، وقرا الباقون بتخفيف الاولى وتليين الثانية.
{ائذا كنا عظاما نخره (11)} اي عظاما باليه متفتتة، قاله القرطبي، ومراد الكفار بقولهم ذلك
هو: ائذا كنا عظاما متفتته باليه نحيا؟ انكارا وتكذيبا بالبعث كما تقدم، وقرا حمزه وابو
بكر عن عاصم :”ناخرة” قال الفراء: وهما بمعنى واحد في اللغة.
{قالوا تلك} اي قال الكفار: تلك، اي رجعتنا الى الحياة. {اذا} اي ان رددنا.
{كره خاسره (12)} اي نحن خاسرون لتكذيبنا بها، قالوا ذلك استهزاء منهم وتكذيبا بالبعث، اي
(على زعمهم) لو كان هذا حقا لكانت ردتنا خاسره اذ هي الى النار.
{فانما هي} اي الرادفه وهي النفخه الثانيه التي يعقبها البعث.
زجره واحده (13)} اي نفخه واحده يحيا بها الجميع فاذا هم قيام ينظرون، قاله الربيع
بن انس. وذلك يتضمن سهوله البعث على الله وانه ليس امرا صعبا عليه تبارك وتعالى
وذلك لان قولهم :{ائنا لمردودون في الحافرة} يتضمن استبعاد النشاه الثانيه واستصعاب امرها فرد الله
قولهم.
{فاذا هم بالساهره (14)} اي فاذا الخلائق اجمعون على وجه الارض بعد ان كانوا في
بطنها امواتا، قال ابن مسعود :”تبدل الارض ارضا كانها فضه لم يسفك فيها دم حرام
ولم يعمل عليها خطيئة”، قال الحافظ ابن حجر :”اخرجه البيهقي في الشعب ورجاله رجال الصحيح”.
{هل اتاك حديث موسى (15)} قال القرطبي وغيره: قد جاءك يا محمد وبلغك قصه موسى
وتمرد فرعون وما ءال اليه حال موسى من النجاه وحال فرعون من الهلاك وفي ذلك
تسليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتبشير بنجاته صلى الله عليه وسلم من اذى
المشركين وهلاكهم.
{اذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى (16)} قال الحسن: هو واد بفلسطين، قال ابن عباس:
واسمه طوى، والمقدس اي المبارك المطهر.
{اذهب الى فرعون انه طغى (17)} اي ان فرعون (وهو لقب الوليد بن مصعب ملك
مصر، وكل عات فرعون قاله الجوهري، والفرعنة: الدهاء والتكبر) تجاوز الحد في الكفر.
{فقل هل لك الى ان تزكى (18)} اي ادعوك الى ان تسلم وتعمل خيرا وتتحلى
بالفضائل وتتطهر من الرذائل، وقرا ابن كثير ونافع: “تزكى” بتشديد الزاي.
{واهديك الى ربك فتخشى (19)} اي ارشدك الى معرفه الله تعالى بالبرهان فتخافه عز وجل
فتؤدي الواجبات وتجتنب المحرمات، وفي الايه دلاله على ان الايمان بالله مقدم على العمل بسائر
الطاعات لان الله ذكر الهدايه اولا وجعل الخشيه مؤخره عنها ومفرعه عليها.
{فاراه الايه الكبرى (20)} اي فذهب موسى وبلغ ما امره به ربه فطلب فرعون ءايه
فاراه (اي موسى) الايه الكبرى اي العلامه العظمى، روى البخاري في تعاليقه: “قال مجاهد: الايه
الكبرى عصاه ويده”.
{فكذب وعصى (21)} اي ان فرعون كذب موسى وعصى الله تعالى بعد ظهور المعجزه الداله
على صدق موسى فيما اتى به.
{ثم ادبر} اي فرعون ولى مدبرا معرضا عن الايمان {يسعى (22)} اي يعمل بالفساد في
الارض ويجتهد في نكايه امر موسى.
{فحشر فنادى (23)} اي جمع السحره للمعارضه وجنوده وقام فيهم خطيبا وقال لهم بصوت عال.
{فقال انا ربكم الاعلى (24)} يريد فرعون لا رب لكم فوقي، والعياذ بالله.
{فاخذه الله نكال الاخره والاولى (25)} اي اخذه الله اخذا هو عبره لمن رءاه او
سمعه، وعاقبه على كلمته الاولى وهي قوله :{ما علمت لكم من اله غيري} وكلمته الاخره
وهي قوله {انا ربكم الاعلى}، وكان بين الكلمتين اربعون سنه وذلك ان الله اهلكه بالغرق
في الدنيا، وفي الاخره يعذب في نار جهنم.
{ان في ذلك لعبره لمن يخشى (26)} اي ان الذي جرى لفرعون فيه عظه لمن
يخاف الله عز وجل.
{ءانتم اشد خلقا ام السماء بناها (27)} يريد الله بهذا الخطاب اهل مكه الذين انكروا
البعث، والكلام يجري مجرى التقريع والتوبيخ والاستدلال على من انكر البعث، والمعنى اخلقكم بعد الموت
مع ضعف الانسان اشد ام خلق السماء في تقديركم مع ما هو مشاهد من ديمومه
بقائها وعدم تاثرها الى ما شاء الله، فنسبه الامرين الى قدره الله نسبه واحده لان
قدره الله تامه لا يلحقها عجز ولا نقص. ثم يصف الله السماء بانه هو الذي
جعلها فوقنا كالبناء، قال عز وجل:
{رفع سمكها فسواها (28)} اي ان الله جعل مقدار ذهابها في العلو مديدا رفيعا مسيره
خمسمائه عام بين الارض والسماء، وكذا بين كل سماء وسماء الى سبع سموات. والسمك: هو
الارتفاع الذي بين سطح السماء الذي يلينا وسطحها الذي يلي ما فوقها، قاله المفسر ابو
حيان في تفسيره النهر الماد. ومعنى “فسواها” اي جعلها ملساء مستويه بلا عيب ليس فيها
مرتفع ولا منخفض محكمه الصنعه متقنه الانشاء.
{واغطش ليلها واخرج ضحاها (29)} اغطش ليلها: اي اظلم ليلها، واخرج ضحاها: اي ابرز نهارها
وضوء شمسها، واضاف الضحى الى السماء لان في السماء سبب الظلام والضياء وهو غروب الشمس
وطلوعها، قاله القرطبي.
{والارض بعد ذلك دحاها (30)} اي ان الله خلق الارض قبل السماء، ثم ان الله
خلق سبع سموات ثم دحا الله الارض اي بسطها، قاله ابن عباس.
{اخرج منها ماءها ومرعاها (31)} اي اخرج من الارض العيون المتفجره بالماء والنبات الذي يرعى.
{والجبال ارساها (32)} اي اثبتها على وجه الارض لتسكن.
{متاعا لكم ولانعامكم (33)} اي ان الله خلق ذلك لمنفعتكم ومواشيكم، والانعام والنعم الابل والبقر
والغنم، قاله النووي في تحرير الفاظ التنبيه.
{فاذا جاءت الطامه الكبرى (34)} قد مر بيان انه تعالى ذكر كيفيه خلق السماء والارض
ليستدل بها على كونه قادرا على النشر والحشر، فلما قرر ذلك وبين امكان الحشر عقلا
اخبر بعد ذلك عن وقوعه بقوله تعالى :{فاذا جاءت الطامه الكبرى} قال المبرد: الطامه عند
العرب الداهيه التي لا تستطاع، والمراد بالطامه الكبرى: يوم القيامة، عظمه الله، قاله ابن عباس.
{يوم يتذكر الانسان ما سعى (35)} اي ذاك اليوم يتذكر الانسان ما عمله في الدنيا
من خير او شر يراه مدونا في صحيفته وكان قد نسيه من فرط الغفله او
طول المدة.
{وبرزت الجحيم لمن يرى (36)} اي اظهرت جهنم يراها تتلظى كل ذي بصر فيشكر المؤمن
نعمه الله، وقرا ابن عباس ومعاذ: “لمن راى” بهمزه بين الراء والالف.
{فاما من طغى (37)} اي تجاوز الحد في العصيان والكفر.
{وءاثر الحياه الدنيا (38)} اي انهمك فيها باتباع الشهوات والركون اليها وترك الاستعداد للاخرة.
{فان الجحيم هي الماوى (39)} اي ان جهنم هي ماوى من طغى وءاثر الحياه الدنيا.
{واما من خاف مقام ربه} اي حذر مقامه يوم القيامه للحساب.
{ونهى النفس عن الهوى (40)} اي زجرها عن المعاصي والمحرمات.
{فان الجنه هي الماوى (41)} اي ان من عمل الصالحات فان منزله الجنة.
{يسالونك عن الساعه ايان مرساها (42)} اي يسالك كفار مكه متى وقوع الساعه وزمانها استهزاء.
{فيم انت من ذكراها (43)} اي فيم يسالك المشركون عنها ولست ممن يعلمها حتى تذكرها
لهم، وفيه انكار على المشركين في مسالتهم له عليه السلام.
{الى ربك منتهاها (44)} اي الى الله منتهى علم الساعه فلا يوجد عند غيره علم
وقتها وزمنها قال تعالى :{ان الله عنده علم الساعة} (سوره لقمان/34).
{انما انت منذر من يخشاها (45)} اي انما ينتفع بانذارك يا محمد وتخويفك من يخاف
هولها فيمتنع عن الكفر والطغيان وان كان رسول الله منذرا لكل مكلف. وقرا ابو جعفر:
“منذر” بالتنوين.
{كانهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية} اي ان الكفار يوم يرون الاخره كانهم لم
يقيموا في الدنيا الا قدر عشية، والعشيه من صلاه المغرب الى العتمة، قاله الرازي في
مختار الصحاح.
{او ضحاها (46)} وهو حين تشرق الشمس، قاله الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي، والمراد ان
الدنيا ذاك الوقت تتصاغر عند الكفار وتقل في اعينهم. والله سبحانه وتعالى اعلم.