التكبر او الكبرياء في الاسلام , أحاديث تنهي غرائب في الحياة
عن ابي هريره قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
( قال الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمه ازاري ، فمن نازعني واحدا
منهما قذفته في النار ) ، وروي بالفاظ مختلفه منها ( عذبته ) و( وقصمته
) ، و( القيته في جهنم ) ، و( ادخلته جهنم ) ، و( القيته
في النار ) الحديث اصله في صحيح مسلم واخرجه الامام احمد وابو داود وابن ماجه
وابن حبان في صحيحه وغيرهم وصححه الالباني .
معاني المفردات
نازعني : المعنى اتصف بهذه الصفات وتخلق بها .
قذفته : اي رميته من غير مبالاه به .
قصمته : القصم الكسر ، وكل شيء كسرته فقد قصمته .
معنى الحديث
هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر والاستعلاء على الخلق ، ومعناه ان العظمه
والكبرياء صفتان لله سبحانه ، اختص بهما ، لا يجوز ان يشاركه فيهما احد ،
ولا ينبغي لمخلوق ان يتصف بشيء منهما ، وضرب الرداء والازار مثالا على ذلك ،
فكما ان الرداء والازار يلصقان بالانسان ويلازمانه ، ولا يقبل ان يشاركه احد في ردائه
وازاره ، فكذلك الخالق جل وعلا جعل هاتين الصفتين ملازمتين له ومن خصائص ربوبيته والوهيته
، فلا يقبل ان يشاركه فيهما احد .
واذا كان كذلك فان كل من تعاظم وتكبر ، ودعا الناس الى تعظيمه واطرائه والخضوع
له ، وتعليق القلب به محبه وخوفا ورجاء ، فقد نازع الله في ربوبيته والوهيته
، وهو جدير بان يهينه الله غايه الهوان ، ويذله غايه الذل ، ويجعله تحت
اقدام خلقه ، قال – صلى الله عليه وسلم – : ( يحشر المتكبرون يوم
القيامه امثال الذر في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان ، فيساقون الى
سجن في جهنم يسمى بولس ، تعلوهم نار الانيار ، يسقون من عصاره اهل النار
طينه الخبال ) رواه الترمذي وحسنه الالباني .
واذا كان المصور الذي يصنع الصوره بيده من اشد الناس عذابا يوم القيامه ، لتشبهه
بالخالق جل وعلا في مجرد الصنعه ، فما الظن بالتشبه به في خصائص الربوبيه والالوهيه
، وقل مثل ذلك فيمن تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي الا له وحده
، كمن تسمى ب” ملك الملوك ” و” حاكم الحكام ” ونحو ذلك ، وقد
ثبت في الصحيح عنه – صلى الله عليه وسلم – انه قال : ( اخنع
الاسماء عند الله رجل تسمى بملك الاملاك ) ، فهذا مقت الله وغضبه على من
تشبه به فى الاسم الذى لا ينبغي الا له سبحانه فكيف بمن نازعه صفات ربوبيته
والوهيته .
الكبر ينافي حقيقه العبودية
واول ذنب عصي الله به هو الكبر ، وهو ذنب ابليس حين ابى واستكبر وامتنع
عن امتثال امر الله له بالسجود لادم ، ولذا قال سفيان بن عيينه : ”
من كانت معصيته في شهوه فارج له التوبه ، فان ادم عليه السلام عصى مشتهيا
فغفر له ، ومن كانت معصيته من كبر فاخش عليه اللعنه ، فان ابليس عصى
مستكبرا فلعن ” ، فالكبر اذا ينافى حقيقه العبوديه والاستسلام لرب العالمين ، وذلك لان
حقيقه دين الاسلام الذى ارسل الله به رسله وانزل به كتبه هي ان يستسلم العبد
لله وينقاد لامره ، فالمستسلم له ولغيره مشرك ، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر ،
قال سبحانه :{ ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق } (الاعراف: 146)
، وقال سبحانه : { ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } (غافر:
60) ، وثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – انه قال
: ( لا يدخل الجنه من كان في قلبه مثقال ذره من كبر ) .
والكبر هو خلق باطن تظهر اثاره على الجوارح ، يوجب رؤيه النفس والاستعلاء على الغير
، وهو بذلك يفارق العجب في ان العجب يتعلق بنفس المعجب ولا يتعلق بغيره ،
واما الكبر فمحله الاخرون ، بان يرى الانسان نفسه بعين الاستعظام فيدعوه ذلك الى احتقار
الاخرين وازدرائهم والتعالي عليهم ، وشر انواعه ما منع من الاستفاده من العلم وقبول الحق
والانقياد له ، فقد تتيسر معرفه الحق للمتكبر ولكنه لا تطاوعه نفسه على الانقياد له
كما قال سبحانه عن فرعون وقومه : { وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا }
(النمل: 14) ، ولهذا فسر النبي – صلى الله عليه وسلم – الكبر بانه بطر
الحق : اي رده وجحده ، وغمط الناس اي : احتقارهم وازدراؤهم .
من تواضع لله رفعه
والصفه التي ينبغي ان يكون عليها المسلم هي التواضع ، تواضع في غير ذله ،
ولين في غير ضعف ولا هوان ، وقد وصف الله عباده بانهم يمشون على الارض
هونا في سكينه ووقار غير اشرين ولا متكبرين ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ان الله اوحى الي ان
تواضعوا حتى لا يفخر احد على احد ولا يبغي احد على احد ) .
اسوته في ذلك اشرف الخلق واكرمهم على الله نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم
– الذي كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم ، وكانت الامه تاخذ بيده فتنطلق به
حيث شاءت ، وكان اذا اكل لعق اصابعه الثلاث ، وكان يكون في بيته في
خدمه اهله ، ولم يكن ينتقم لنفسه قط ، وكان يخصف نعله ، ويرقع ثوبه
، ويحلب الشاه لاهله ، ويعلف البعير ، وياكل مع الخادم ، ويجالس المساكين ،
ويمشي مع الارمله واليتيم في حاجتهما ، ويبدا من لقيه بالسلام ، ويجيب دعوه من
دعاه ولو الى ايسر شيء ، وكان كريم الطبع ، جميل المعاشره ، طلق الوجه
، متواضعا في غير ذله ، خافض الجناح للمؤمنين ، لين الجانب لهم ، وكان
يقول: ( الا اخبركم بمن يحرم على النار ، او بمن تحرم عليه النار ،
على كل قريب هين سهل ) رواه الترمذي ، ويقول : ( لو دعيت الى
ذراع او كراع لاجبت ، ولو اهدي الي ذراع او كراع لقبلت ) رواه البخاري
، وكان يعود المريض ، ويشهد الجنازه ، ويركب الحمار ، ويجيب دعوه العبد ،
فهذا هو خلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا عز ولا رفعه
في الدنيا والاخره الا في الاقتداء به ، واتباع هديه ، ومن اعظم علامات التواضع
الخضوع للحق والانقياد له ، وقبوله ممن جاء به .