كيف تكون السعاده الحقيقية
فان السعاده كلمه خفيفه على اللسان، حبيبه الى قلب كل انسان، وهي شعور داخلي يحسه
الانسان بين جوانبه يتمثل في
سكينه النفس ، وطمانينه القلب ، وانشراح الصدر ، وراحه الضمير, وما من انسان الا
وهو يسعى الى تحقيقها في حياته، فاكثر
الناس يظن ان السعاده في المال والثراء ، ومنهم من يتصور ان السعاده في ان
يكون له بيت فاخر وسياره فارهة، ومنهم من
يعتقد ان السعاده في كثره الاولاد والاحفاد ، او تكون له وجاهه في المجتمع، او
يتبوا اعلى المناصب ، ويظنها البعض الاخر في ان
يتزوج امراه ذات مال وجمال ودلال.. وللناس فيما يعشقون مذاهب,
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته : : : اتعبت جسمك فيما فيه خسران
اقبل على الروح واستكمل فضائلها : : : فانت بالروح لا بالجسم انسان
ان هذه المتع متع دنيويه زائله من عاش لاجلها والتكثر منها ولم يبتغ غيرها لم
يذق طعم السعاده الحقيقيه وليس له في الاخره من حظ ولا نصيب ,
فالسعاده ليست في مال يجمعه الانسان والا لسعد قارون، وليست في طلب الوزاره والمنصب ولو
كانت كذلك لسعد هامان وزير فرعون، وليست في متعه دنيويه ما تلبث ان تنقضي بل
السعاده الحقيقيه في طاعه الله، والبعد عن معصيته التي هي سبب في الفوز الابدي (فمن
زحزح عن النار وادخل الجنه فقد فاز) )سوره ال عمران(185)، وذلك بان يسير الانسان في
هذه الدار على الصراط المستقيم، وان يتبع الرسول الكريم، وان يتقي الله ويراقبه في السر
والعلانية، والغيب والشهادة، فبذلك يفوز الانسان ويسعد..
ولست ارى السعاده جمع مال : : : ولكن التقي هو السعيد
ان القليل من الناس هم الذين عرفوا حقيقه السعاده فعملوا من اجلها وجعلوا مقامهم في
الدنيا معبرا للاخره ولم تلههم الدنيا وزينتها عن الاخره (من كان يريد الحياه الدنيا وزينتها
نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * اولئك الذين ليس لهم في الاخره
الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)هود:15-16] وقال تعالى: {من كان يريد
العاجله عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا
* ومن اراد الاخره وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا * وقال
تعالى: (من كان يريد حرث الاخره نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا
نؤته منها وما له في الاخره من نصيب)
ان من اراد ان يحقق السعاده في حياته فليلتزم بالاسباب التي من قام بها حصلت
له السعاده والحياه الطيبه في دنياه واخراه وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله
جمله منها في كتابه الوسائل المفيده في الحياه السعيده ومن اهمها ما يلي:
1- الايمان والعمل الصالح:
قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياه طيبه
ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون } [سوره النحل: 97]. وقال ايضا
(..فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (123) ومن اعرض عن ذكري فان له معيشه
ضنكا ونحشره يوم القيامه اعمى (124)
فالحياه الطيبه تكون لاهل الايمان والعمل الصالح واما غيرهم حتى وان تمتعوا بالملذات المحسوسه
فانهم في ضيق ونكد؛ لان مدار السعاده على القلب وراحته وصدق من قال:
لبيت تخفق الارواح فيه … احب الي من قصر منيف
ولبس عباءه وتقر عيني … احب الي من لبس الشفوف
بل ان المؤمن الذي يرجو ما عند الله حتى وان ضيق عليه في الدنيا وامتحن
فيها فانه بايمانه وعمله الصالح يشعر بسعاده غامرة, ولهذا يذكر ابن القيم رحمه الله انه
سمع شيخ الاسلام ابن تيميه قدس الله روحه يقول: ان في الدنيا جنه من لم
يدخلها لا يدخل جنه الاخرة, وقال لي مره (يعني شيخ الاسلام): ما يصنع اعدائي بي؟
ان جنتي وبستاني في صدري اني رحت فهي معي لا تفارقني، ان حبسي خلوه وقتلي
شهاده واخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه
القلعه ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه
عن ربه تعالى والماسور من اسره هواه. ولما دخل الى القلعه وصار داخل سورها نظر
اليه وقال فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمه وظاهره من قبله عذاب, يقول
ابن القيم: ( وعلم الله ما رايت احدا اطيب عيشا منه مع ما كان فيه
من ضيق العيش فهو من اطيب الناس عيشا واشرحهم صدرا واقواهم قلبا واسرهم نفسا تلوح
نضره النعيم على وجهه)
2- الاحسان الى الخلق بالقول والعمل وانواع المعروف فان الله يدفع به الهموم والغموم عن
العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده قال الامام ابن القيم رحمه الله: “من رفق بعباد
الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن احسن اليهم احسن اليه، ومن جاد عليهم
جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل
خلقه بصفه عامله الله بتلك الصفه بعينها في الدنيا والاخرة، فالله لعبده حسب ما يكون
العبد لخلقه” . قال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقه
او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاه الله فسوف نؤتيه اجرا
عظيما } [سوره النساء: 114].
3- الاشتغال بعمل من الاعمال او علم من العلوم النافعه مما تانس به النفس وتشتاقه،
فان ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الاعصاب، وربما نسي بسبب ذلك
الاسباب التي اوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه.
4- اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وترك الخوف من المستقبل او الحزن
على الماضي، فيصلح يومه ووقته الحاضر،ويجد ويجتهد في ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (احرص
على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وان اصابك شيء، فلا تقل لو اني فعلت
كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فان لو تفتح عمل الشيطان)
رواه مسلم.
5- الاكثار من ذكر الله، فان ذلك من اكبر الاسباب لانشراح الصدر وطمانينه
القلب، وزوال همه وغمه،قال تعالى: {الا بذكر الله تطمئن القلوب }. [سوره الرعد: 28].
6- ان ينظر الانسان الى من هو اسفل منه ولا ينظر الى من هو اعلى
منه في الرزق والصحه وغيرها وقد ورد في الحديث عن ابي هريره رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا الى من اسفل منكم، ولا تنظروا
الى من هو فوقكم، فهو اجدر ان لا تزدروا نعمه الله) رواه مسلم.
فبهذه النظره يرى انه يفوق كثيرا من الخلق في العافيه وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول
قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله.
7- السعي في ازاله الاسباب الجالبه للهموم، وفي تحصيل الاسباب الجالبه للسرور، وذلك بنسيان ما
مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته ان اشتغال فكره فيها من باب
العبث والمحال، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها.
8- تقويه القلب وعدم التفاته للاوهام والخيالات التي تجلبها الافكار السيئة؛ لان الانسان متى استسلم
للخيالات وانفعل قلبه للمؤثرات من الخوف والامراض وغيرها، اوقعه ذلك في الهموم والغموم والامراض القلبيه
والبدنيه والانهيار العصبي.
9- الاعتماد والتوكل على الله والوثوق به والطمع في فضله، فان ذلك يدفع الهموم والغموم،
ويحصل للقلب من القوه والانشراح والسرور الشيء الكثير.
10- انه اذا اصابه مكروه او خاف منه فليقارن بينه وبين بقيه النعم الحاصله له
دينيه او دنيوية، فانه سيظهر له كثره ما هو فيه من النعم وتستريح نفسه وتطمئن
لذلك. اسال الله سبحانه وتعالى ان يوفقني واياكم لتحقيق هذه الاسباب لنحيا حياه طيبه في
الدنيا ونفوز بجنه ربنا في الاخرى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه
وسلم.