ايات قرانيه عن طاعه الوالدين
اوصى الله عباده بطاعه الوالدين، واوجب ذلك، لكن تلك الطاعه مقيده في غير معصيه الله؛
فالوالدان هما سبب ايجاد الولد في هذه الحياة، وتحملا تبعه تربيته والعنايه به حتى شب
وكبر، وهذا عمل يستوجبان عليه الطاعه والبر، ولكن هذه الطاعه لها حدود، وحدودها ان تبقى
في دائره الايمان، فلا يطاعان بمعصية؛ لان ذلك يؤدي الى معصيه الموجد، وهو الله سبحانه
وتعالى، فطاعه الموجد مقدمه على طاعه من كان سببا في الايجاد؛ لانه هو تعالى صاحب
النعم، وهو المربي على الحقيقة، والحافظ، والمحيي، والرزاق، فلا تقدم طاعه من كان سببا ومسخرا
على طاعه من كان منشئا وموجدا؛ قال الله تعالى: ﴿ وان جاهداك على ان تشرك
بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من
اناب الي ثم الي مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون ﴾ [لقمان: 15]، وفي ايه اخرى
قال تعالى: ﴿ ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به
علم فلا تطعهما الي مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون ﴾ [العنكبوت: 8]
اما في غير المعصيه لله تعالى، فطاعتهما واجبة؛ فعن ابن عمر قال: كانت تحتي امراه
احبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها، فابيت، فاتى عمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكر ذلك له، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طلقها))[3]، قال الترمذي:
حديث حسن صحيح، وهذا الامر يحتاج الى توضيح، هل يستجيب الولد لاراده ابويه او احدهما
في مثل هذه المساله ام يمتنع؟ واذا امتنع، هل يكون عاقا؟
في مثل هذه المسائل ينظر فيها الى امور عدة، منها:
1- الضرر الذي سيلحق الوالدين من عدم تلبيه رغبتهما.
2- مقدار تقوى الوالدين وورعهما وعلمهما.
3- اهميه الامر الذي نهيا عنه، وما مقدار الضرر الذي سيعود على الوالدين من جراء
هذا النهي.
ومما لا شك فيه ان عمر بن الخطاب عندما اراد من ولده تطليق زوجته، انما
كان ينظر ويرى شيئا لم يره ولده، ونحن نعرف مقدار تقوى عمر وورعه، ومقدار نظرته
الثاقبه للامور، وكذلك يؤثر عن ابراهيم عليه السلام انه امر ولده اسماعيل عليه السلام بتطليق
زوجته عندما راى منها تصرفا لا يليق بها ان تكون زوجه لنبي، فاذا توفر اباء
يخشون الله ويتقونه، فيجب على الولد تلبيه طلبهم، والا كان عاقا، كذلك ينظر للامر ان
كان فيه ضرر على الابوين، فان كانت امراه الولد تكيدهما، وتنغص عيشهما، ولم ترتدع بالتهديد
لتغيير معاملتها – فالاولى تلبيه طلب الوالدين ان طلبا طلاقها، اما ان كان الامر لا
يلحق بهما ضررا لا من قريب ولا من بعيد، كان تكون في مسكن وحدها، ولا
يصدر منها ما يؤذي الوالدين، فعدم تلبيه رغبتهما او احدهما بطلاقها لا يعد عقوقا، ويبقى
الابن على الاحسان لهما وبرهما ما استطاع، وان كان الامر يتعلق في تجاره ونحوها واشارا
عليه بعدم العمل بها، فهذا امر راجع الى تقديره، ويعد رايهما من باب المشاورة، ان
شاء اخذ به، وان شاء امضى تجارته، وهكذا تقدر الامور من قبل الولد الحصيف لارضاء
والديه وكسب مودتهما، وقد ورد في الحديث عن ابي الدرداء رضي الله عنه ان رجلا
اتاه فقال: ان لي امراه وان امي تامرني بطلاقها، فقال له ابو الدرداء: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوالد اوسط ابواب الجنة))[4]، فان شئت فاضع ذلك الباب
او احفظه.
وفي طاعتهما صلتهما؛ فعن اسماء بنت ابي بكر قالت: قدمت علي امي وهي مشركه في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت:
قدمت علي امي وهي راغبه – عن الاسلام – افاصل امي؟ قال: ((صلي امك))، والصله
هنا: العطيه والانعام.