مقالات منوعة جديدة

قصة محمد رسول الله كاملة , اعرف كل المعلومات عن حبيبك واشرف المرسلين

قصة محمد رسول الله كاملة - اعرف كل المعلومات عن حبيبك واشرف المرسلين 20140423 1149401656238474

قصه محمد رسول الله كاملة

قصة محمد رسول الله كاملة - اعرف كل المعلومات عن حبيبك واشرف المرسلين 3Ce6F8840F416Be89893F10786C344Be
نسب النبي صلى الله عليه وسلم
«الصادق المصدوق»
ولد محمد صلى الله عليه وسلم من اسره زكيه المعدن نبيله النسب، جمعت خلاصه ما
في العرب من فضائل، وترفعت عما يشينهم من معائب. ويرتفع نسبه صلى الله عليه وسلم
الى نبي الله اسماعيل بن خليل الرحمن ابراهيم عليهما السلام. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن نفسه: “ان الله اصطفى كنانه من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة،
واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”. واسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. نسب النبي
صلى الله عليه وسلم واسرته: لنسب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثه اجزاء: جزء اتفق
على صحته اهل السير والانساب وهو الى عدنان، وجزء اختلفوا فيه ما بين متوقف فيه
وقائل به، وهو ما فوق عدنان الى ابراهيم عليه السلام، وجزء لا نشك ان فيه
امورا غير صحيحة، وهو ما فوق ابراهيم الى ادم عليه السلام. الجزء الاول : محمد
بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه شيبه بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف
واسمه المغيره بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي بن
غالب بن فهر وهو الملقب بقريش واليه تنتسب القبيله بن مالك بن النضر واسمه قيس
بن كنانه بن خزيمه بن مدركه واسمه عامر بن الياس بن مضر بن نزار بن
معد بن عدنان. الجزء الثاني : ما فوق عدنان ،وعدنان هو ابن اد بن هميسع
بن سلامان بن عوص بن بوز بن قموال بن ابي بن عوام بن ناشد بن
حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض
بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن
يلحن بن ارعوي بن عيض بن ديشان بن عيصر بن افناد بن ايهام بن مقصر
بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن
اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . الجزء الثالث : ما فوق ابراهيم عليه السلام، وهو
ابن تارح واسمه ازر بن ناحور بن ساروع اوساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر
بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن
اخنوخ يقال هو ادريس عليه السلام بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن انوشه بن
شيث بن ادم عليهما السلام.

عبد المطلب زعيما لقريش
تولى هاشم بن عبد مناف سقايه الحجاج واطعامهم (الرفادة)، كان هاشم موسرا ذا شرف كبير
وهو اول من اطعم الثريد للحجا بمكه ،وكان اسمه عمرو، وسمى هاشما لهشمه الخبز للناس
واطعامهم في سنه مجدبة، وهو اول من سن الرحلتين لقريش رحله الشتاء ورحله الصيف، ومرت
الايام وتولى عبد المطلب بن هاشم السقايه والرفادة، واقام لقومه ما كان اباؤه يقيمون لقومهم
وشرف في قومه شرفا لم يبلغه احد من ابائه ، واحبه قومه.

قصة محمد رسول الله كاملة - اعرف كل المعلومات عن حبيبك واشرف المرسلين 20160713 3091

حفر بئر زمزم »
بينما عبد المطلب نائم في حجر الكعبه اذ اتاه هاتف يامره بحفر زمزم يقول عبد
المطلب: اني لنائم في الحجر اذ اتاني ات فقال: احفر طيبة. قلت: وما طيبة؟ ثم
ذهب عني، فلما كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة. فقلت:
وما المضنونة؟ ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال:
احفر زمزم. قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف ابدا ولا تذم، تسقى الحجيج الاعظم (اي
ان ماءها لا ينتهي ابدا) ولما بين له شانها ودله على موضعها وعرف انه قد
صدق، اصبح بمعوله ومعه ابنه الحارث، ليس له يومئذ ولد غيره، فحفر فيها، فلما بدا
لعبد المطلب الحجاره التي تغطي البئر كبر، فعرفت قريش انه قد ادرك حاجته، فقاموا اليه
فقالوا: يا عبد المطلب، انها بئر ابينا اسماعيل، وان لنا فيها حقا، فاشركنا معك فيها.
قال: ما انا بفاعل، ان هذا الامر قد خصصت به دونكم، فقالوا له: فانصفنا فانا
غير تاركيك حتى نخاصمك فيها. قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم احاكمكم اليه، قالوا: كاهنه
بني سعد هذيم، قال: نعم، وكانت على حدود الشام، فركب عبد المطلب ومعه جماعه من
بني عبد مناف، وركب من كل قبيله من قريش جماعة، والارض اذ ذاك صحراء لا
نهايه لها، فخرجوا حتى اذا كانوا بعض تلك الصحراء بين الحجاز والشام فني ماء عبد
المطلب واصحابه؛ فظمئوا حتى ايقنوا بالهلاك، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فابوا عليهم وقالوا:
انا بمفازه (اي صحراء) ونحن نخشى على انفسنا مثل ما اصابكم، فلما راى عبد المطلب
ما صنع القوم، وما يتخوف على نفسه واصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما راينا الا
تبع لرايك، فمرنا بما شئت. قال: فاني ارى ان يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه
بما بكم الان من القوة؛ فكلما مات رجل دفعه اصحابه في حفرته ثم واروه حتى
يكون اخركم رجلا واحدا، فضيعه رجل واحد ايسر من ضيعه القافله جميعا. قالوا: نعم ما
امرت به. فقام كل واحد منهم فحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا. ثم ان
عبد المطلب قال لاصحابه: والله ان القاءنا بايدينا هكذا للموت، لا نضرب في الارض (اي
لا نسير لطلب الرزق) ولا نبتغى لانفسنا لعجز، فعسى الله ان يرزقنا ماء بعض البلاد؛
ارتحلوا، فارتحلوا، حتى اذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون اليهم ما هم فاعلون،
تقدم عبد المطلب الى راحلته فركبها، فلما قامت به انفجرت من تحت خفها عين من
ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر اصحابه، ثم نزل فشرب وشرب اصحابه وملاوا اسقيتهم. ثم
دعا القبائل من قريش فقال: هلم الى الماء فقد سقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاءوا وشربوا
واستقوا ثم قالوا: قد والله قضي لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في
زمزم ابدا، ان الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاه لهو الذي سقاك زمزم، فارجع الى
سقايتك راشدا! فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا الى الكاهنة، وخلوا بينه وبين زمزم. وعندئذ نذر
عبد المطلب: لئن ولد له عشره نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه (اي حتى يكبروا
ويحموه) لينحرن احدهم لله عند الكعبة.

نجاه عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم من الذبح
كان عبد المطلب بن هاشم، قد نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر
زمزم، لئن ولد له عشره نفر، ثم كبروا حتى يحموه، لينحرن احدهم لله عند الكعبة،
فلما تكامل بنوه عشره وعرف انهم سيمنعونه، جمعهم ثم اخبرهم بنذره، ودعاهم الى الوفاء لله
بذلك، فاطاعوه، فكتب اسماءهم في القداح (وهي عصي كانوا يقترعون بها عند الهتهم) واقترع فخرج
القدح على عبدالله ،فاخذه عبد المطلب واخذ الشفره ثم اقبل به الى الكعبه ليذبحه، فمنعته
قريش ولاسيما اخواله من بنى مخزوم واخوه ابو طالب، فقال عبد المطلب: فكيف اصنع بنذري؟
فاشاروا عليه ان ياتي عرافه فيستشيرها، فاتاها فامرت ان يضرب القداح على عبدالله وعلى عشر
من الابل، فان خرجت على عبدالله يزيد عشرا من الابل حتى يرضى ربه، فان خرجت
على الابل نحرها، فرجع واقرع بين عبدالله وبين عشر من الابل فوقعت القرعه على عبدالله
،فلم يزل يزيد من الابل عشرا عشرا ولا تقع القرعه الا عليه الى ان بلغت
الابل مائه فوقعت القرعه عليها، فنحرت عنه ثم تركها عبد المطلب لا يرد عنها انسانا
ولا سبعا، وكانت الديه في قريش وفي العرب عشرا من الابل فاصبحت بعد هذه الوقعه
مائه من الابل، واقرها الاسلام بعد ذلك، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
قال “انا ابن الذبيحين” يعنى نبي الله اسماعيل واباه عبدالله.

قصة محمد رسول الله كاملة - اعرف كل المعلومات عن حبيبك واشرف المرسلين 20160713 3092
وقعه اصحاب الفيل

كان ابرهه الصباح الحبشي النائب العام عن النجاشي على اليمن، فلما راى العرب يحجون الكعبه
بنى كنيسه كبيره بصنعاء سماها القليس، واراد ان يجعل حج العرب اليها، وسمع بذلك رجل
من بني كنانه فدخلها ليلا فقضى حاجته فيها امتهانا لها، ولما علم ابرهه بذلك ثار
غيظه، وسار بجيش عرمرم، عدده ستون الف جندي، الى الكعبه ليهدمها، ومعهم ثلاثه عشر فيلا،
واختار ابرهه لنفسه فيلا من اكبر الفيلة، وهزم كل من حاول الوقوف امامه من قبائل
العرب، واصل سيره حتى بلغ المغمس وهناك عبا جيشه ،وهيا فيله، ثم بعث بعض رجاله
الى مكه فاستولوا على الاغنام والابل التي وجدوها، وكان فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن
هاشم كبير قريش وسيدها. بعدها بعث ابرهه احد رجاله الى مكه وقال له: سل عن
سيد هذا البلد وشريفها، ثم قل له: ان الملك يقول لك: اني لم ات لحربكم،
انما جئت لهدم هذا البيت، فان لم تتعرضوا لي فلا حاجه لي في دمائكم. فلما
قال ذلك لعبد المطلب قال له: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة،
هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله ابراهيم عليه السلام، فان يمنعه منه فهو حرمه، وان
يخل بينه وبينه فوالله ماعندنا دفع عنه، فقال له رسول ابرهة: فانطلق معي اليه، فانه
قد امرني ان اتيه بك، فذهب اليه مع بعض ابنائه، وكان عبد المطلب وسيما جميلا
مهابا، فلما راه ابرهه اجله واعظمه، ونزل عن كرسيه وجلس بجانبه على الارض، ثم قال
له: ما حاجتك؟ فقال عبد المطلب: حاجتي ان يرد علي الملك مائتي بعير اصابها لي،
فقال ابرهة: قد كنت اعجبتني حين رايتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني! اتكلمني في مائتي
بعير اخذت منك وترك بيتا هو دينك ودين ابائك قد جئت لاهدمه لا تكلمني فيه؟
قال له عبد المطلب: اني انا رب الابل، وان للبيت ربا سيمنعه! قال ابرهة: ما
كان ليمتنع مني، قال: عبد المطلب انت وذلك. فلما اخذ عبد المطلب ابله عاد الى
قريش فاخبرهم الخبر وامرهم بالخروج من مكه والتحصن بالجبال خوفا عليهم من الجيش، ثم قام
عبد المطلب يدعو الله ويستنصره ومعه جماعه من قريش، ثم لحقوا بقومهم في الجبال ينتظرون
ما ابرهه فاعل بمكه اذا دخلها. وتهيا ابرهه لدخول مكه ، فلما كان بين المزدلفه
ومنى برك الفيل ،ولم يقم ليقدم الى الكعبه ،و كانوا كلما وجهوه الى الجنوب او
الشمال او الشرق يقوم يهرول ، واذا صرفوه الى الكعبه برك، فبينا هم كذلك اذ
ارسل الله عليهم طيرا ابابيل ، ترميهم بحجاره من سجيل فجعلهم كعصف ماكول وكانت الطير
امثال الخطاطيف والبلسان (الخطاف طائر اسود، والبلسان: الزرزور) مع كل طائر ثلاثه احجار ،حجر في
منقاره وحجران في رجليه امثال الحمص ،لا تصيب منهم احدا الا صار تتقطع اعضاؤه وهلك،
وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض فتساقطوا بكل طريق وهلكوا علي كل منهل، واما ابرهه
فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه انامله (اي اصابعه) ولم يصل الى صنعاء الا وهو
مثل الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك . واما قريش فكانوا قد تفرقوا في
الجبال خوفا على انفسهم من الجيش، فلما نزل بالجيش ما نزل رجعوا الى بيوتهم امنين.

وفاه عبد الله والد الرسول صلى الله عليه وسلم»

اختار عبد المطلب لولده عبدالله امنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهره بن كلاب
وهي يومئذ تعد افضل امراه في قريش نسبا وموضعا، وابوها سيد بنى زهره نسبا وشرفا،
فتزوجها عبدالله في مكه وبعد قليل ارسله عبد المطلب الى المدينه يشتري لهم تمرا،فدخل المدينه
وهو مريض، فتوفي بها ودفن في دار النابغه الجعدي، وله اذ ذاك خمس وعشرون سنة،
وكانت وفاته قبل ان يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما بلغ نعيه الى
مكه رثته امنه باروع الاشعار. وجميع ما خلفه عبدالله خمسه جمال وقطعه غنم ،وجاريه حبشيه
اسمها بركه وكنيتها ام ايمن، وهي حاضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولاده الرسول صلى الله عليه وسلم

ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بشعب بنى هاشم بمكه في صبيحه يوم الاثنين
التاسع من شهر ربيع الاول ،لاول عام من حادثه الفيل ولاربعين سنه خلت من ملك
كسرى انوشروان ،ويوافق ذلك العشرين او الثاني والعشرين من شهر ابريل سنه 571 م (احدى
وسبعين وخمسمائة). ويقال ان امنه بنت وهب ام رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت
تحدث: انها اتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: انك قد
حملت بسيد هذه الامة، فاذا وقع الى الارض فقولي: اعيذه بالواحد من شر كل حاسد!
ثم سميه محمدا. ورات حين حملت به انه خرج منها نور رات به قصور بصرى
من ارض الشام. وقد روي ان ارهاصات بالبعثه قد وقعت عند الميلاد فسقطت اربع عشره
شرفه من ايوان كسرى وخمدت النار التي يعبدها المجوس وانهدمت الكنائس حول بحيره ساوه بعد
ان غاضت (اي جف ماؤها) استقبل “عبد المطلب” ميلاد حفيده باستبشار، ولعله راى في مقدمه
عوضا عن ابنه الذي توفي في ريعان شبابه، فحول مشاعره عن الراحل الذاهب الى الوافد
الجديد يرعاه ويغالي به. ومن الموافقات الجميله ان يلهم “عبد المطلب” تسميه حفيده “محمد”. انها
تسميه اعانه عليها ملك كريم. ولم يكن العرب يالفون هذه الاعلام، لذلك سالوه لم رغب
عن اسماء ابائه؟ فاجاب: اردت ان يحمده الله في السماء، وان يحمده الخلق في الارض،
فكان هذه الاراده كانت استشفافا للغيب، فان احدا من خلق الله لا يستحق ازجاء عواطف
الشكر والثناء على ما ادى واسدى كما يستحق ذلك النبي العربي المحمد.

قصة محمد رسول الله كاملة - اعرف كل المعلومات عن حبيبك واشرف المرسلين 20160713 3093

الرضاعة

اول من ارضعت الرسول صلى الله عليه وسلم من المراضع بعد امه كانت ثويبه مولاه
ابي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح، و كانت قد ارضعت قبله حمزه بن
عبد المطلب وكانت العاده عند اهل الحضر من العرب (خلاف البدوين) ان يلتمسوا المراضع لاولادهم،
ابتعادا لهم عن امراض المدن؛ لتقوى اجسامهم، وتشتد اعصابهم، ويتقنوا السان العربي في مهدهم ،
فالتمس عبد المطلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم المرضعات، واسترضع له امراه من بني
سعد بن بكر وهي حليمه بنت ابي ذؤيب السعديه وكان زوجها الحارث بن عبد العزى
المكنى بابي كبشه من نفس القبيله . واخوته صلى الله عليه وسلم هناك من الرضاعه
عبدالله بن الحارث وانيسه بنت الحارث، وحذافه او جذامه بنت الحارث (وهي الشيماء) وكانت تحضن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ،ابن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رات حليمه من بركته صلى الله عليه وسلم
ما عجبت منه اشد العجب . كانت حليمه تحدث انها خرجت من بلدها مع زوجها
وابن لها صغير ترضعه، في نسوه من بني سعد لجلب الرضعاء، وذلك في سنه مجدبه
شديدة، خرجت على انثى حمار بيضاء، ومعهم ناقه ليس فيها قطره لبن، وانهم لم يناموا
طوال اليل من بكاء الصبي من الجوع، وليس في ثديها ما يكفيه، وما في الناقه
ما يغذيه، وبسبب ضعف الاتان التي كانت تركبها حليمه فقد تاخرت عن باقي المرضعات حتى
ضايقهم ذلك، حتى قدموا مكة، فما منهن امراه الا وقد عرض عليها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فتاباه اذا قيل لها انه يتيم، وذلك ان كل واحده منهن كانت
ترجو المعروف من ابي الصبى، فكانت تقول: يتيم! وما عسى ان تصنع امه وجده!. وفي
نهايه اليوم لم تبق امراه ليس معها رضيع، الا حليمة، فلما هموا بالانصراف قالت حليمه
لزوجها: والله اني لاكره ان ارجع من بين صواحبي ولم اخذ رضيعا، والله لاذهبن الى
ذلك اليتيم فلاخذنه! قال: لا عليك ان تفعلي، عسى الله ان يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت اليه فاخذته، وما حملني على اخذه الا اني لم اجد غيره فلما اخذته
رجعت به الى رحلي، فلما وضعته في حجري اقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن؛
فشرب حتى روي، وشرب معه اخوه حتى روي ثم ناما، وما كنا ننام منه قبل
ذلك. وقام زوجها الى ناقتهم فاذا ضرعها مليء بالبن، فحلب منها و شرب، وشربت معه
حليمه حتى انتهيا ريا وشبعا، فبات الجميع بخير ليلة! فقال زوجها: تعلمي والله يا حليمه
لقد اخذت نسمه مباركة! فقالت: والله اني لارجو ذلك. ثم خرجوا وركبت حليمه الاتان العجفاء
التي ات عليها، وحملت النبي صلى الله عليه وسلم معها، فسبقت جميع المرضعات، حتى ان
صواحبها ليقلن لها: يا ابنه ابي ذؤيب، ويحك اربعي علينا (اي تمهلي) اليست هذه اتانك
التي كنت خرجت عليها؟ فتقول لهن: بلى والله انها لهي ! فيقلن: والله ان لها
لشانا! ثم قدموا منازلهم من بلاد بني سعد، وليس في ارض الله اجدب منها؛ فكانت
غنم حليمه ترعى وتعود شباعا مملوءه لبنا، فيحلبون، ويشربون، وما يحلب انسان قطره لبن، ولا
يجدها في ضرع، حتى كان قومها من بني سعد يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح
راعي بنت ابي ذؤيب، فتروح اغنامهم جياعا ما فيها قطره لبن، وتروح غنم حليمه شباعا
تمتلىء لبنا. ولم تزل حليمه واهلها ياتيهم من الله الزياده والخير حتى مضت سنتا الرضاعه
وفصلته (اي فطمته). وكان صلى الله عليه وسلم يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ
سنتيه حتى كان غلاما فتيا، فقدموا به على امه وهم احرص شيء على مكثه فيهم؛
لما كانوا يرون من بركته، فقالت حليمه لامه امنة: لو تركت بني عندي حتى غلظ،
فاني اخاف عليه وباء مكة؟ واخذوا يلحون عليها حتى ردته معهم، فرجعوا به.

حادثه شق الصدر
»
بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سعد، حتى اذا كانت السنه الرابعه
او الخامسه من مولده وقع حادث شق صدره. روى مسلم عن انس ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم اتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فاخذه فصرعه، فشق عن قلبه،
فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من
ذهب بماء زمزم، ثم لامه (اي اغلق قلبه) ثم اعاده الى مكانه، وجاء الغلمان يسعون
الى امه (يعني مر ضعته) فقالوا: ان محمدا قد قتل. تقول حليمة: فخرجت انا وابوه
نحوه فوجدته قائما منتقعا وجهه، فالتزمته (اي فاحتضنته) والتزمه ابوه، فقلنا: مالك يا بني؟ قال:
جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فاضجعاني وشقا بطني فالتمسا فيه شيئا لا ادرى ما هو؟
فرجع به الى خبائنا وقال لي ابوه: يا حليمة، لقد خشيت ان يكون هذا الغلام
قد اصيب فالحقيه باهله قبل ان يظهر ذلك به، فاحتملناه فقدمنا به على امه؛ فقالت:
ما اقدمك به يا ظئر (الظئر: المرضعة) وقد كنت حريصه عليه وعلى مكثه عندك؟ فقلت:
قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي، وتخوفت الاحداث عليه، فاديته اليك كما تحبين. قالت:
ما هذا شانك فاصدقيني خبرك. فلم تدعني حتى اخبرتها. قالت: افتخوفت عليه الشيطان؟ قلت: نعم.
قالت: كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، وان لبني لشانا، افلا اخبرك خبره؟ قلت:
بلى. قالت: رايت حين حملت به انه خرج مني نور اضاء قصور بصرى، من ارض
الشام، ثم حملت به فوالله ما رايت من حمل قط كان اخف على ولا ايسر
منه، وقع حين ولدته وانه لواضع يديه بالارض، رافع راسه الى السماء، دعيه عنك وانطلقي
راشدة

وفاه امنه ام الرسول صلى الله عليه وسلم وكفاله جده له
»
رات امنه وفاء لذكرى زوجها الراحل ان تزور قبره بيثرب فخرجت من مكه قاطعه رحله
تبلغ خمسمائه كيلو مترا ومعها ولدها اليتيم محمد صلى الله عليه وسلم وخادمتها ام ايمن
،وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرا، ثم رجعت، وبينما هي راجعه اذ يلاحقها المرض، ويلح عليها
في اوائل الطريق، فمات بالابواء بين مكه والمدينة. وعاد به عبد المطلب الى مكه ،وكانت
مشاعر الحنان في فؤاده تزيد نحو حفيده اليتيم ، الذي اصيب بمصاب جديد نكا الجروح
القديمه ، فرق عليه رقه لم يرقها على احد من اولاده ، فكان لا يدعه
لوحدته ، بل يؤثره على اولاده ، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبه
، وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج اليه لا يجلس عليه احد من
بنيه اجلالا له ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ياتي وهو غلام صغير
حتى يجلس عليه ، فياخذه اعمامه ليؤخروه عنه ، فيقول عبد المطلب اذا راى ذلك
منهم : دعوا ابني هذا فوالله ان له لشانا ثم يجلس معه على فراشه ،ويمسح
ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع. ولثماني سنوات وشهرين وعشره ايام من عمره صلى الله
عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكه ، وراى قبل وفاته ان يعهد بكفاله حفيده
الى عمه ابي طالب شقيق ابيه .

وفاه جده وكفاله عمه »

نهض ابو طالب بحق ابن اخيه على اكمل وجه ،وضمه الى اولاده ، وقدمه عليهم
، واختصه بفضل احترام وتقدير ، وظل فوق اربعين سنه يعز جانبه ، ويبسط عليه
حمايته ،ويصادق ويخاصم من اجله وظهرت بركه محمد صلى الله عليه وسلم وهو مع عمه
في مواقف عديده منها هذا الموقف: فقد حدث ان اصاب مكه جدب ، فقال بعض
كبراء قريش لابي طالب، يا ابا طالب اقحط الوادي، واجدبت البلاد، فهلم نستسق فقال ابو
طالب: نعم هلم بنا، فاحضر محمدا صلى الله عليه وسلم ليستسقي للقوم، واخذ ابو طالب
النبي صلى الله عليه وسلم والصق ظهره بالكعبة، ثم امسك بيديه ورفعهما الي السماء ودعا،
وبعد ان كانت السماء خاليه ليس فيها سحابه واحدة، اذا بالسحاب يقبل من هنا وهناك
ويملا السماء، واذا بالمطر يفيض على الوادي كله. والى هذا اشار ابو طالب حين قال:
وابيض يستسقى الغمام بوجهه. وقد حج احدهم في الجاهليه فاذا به برجل يطوف بالبيت وهو
يرتجز ويقول: رب رد الي راكبي محمدا رده الي واصطنع عندي يدا فقال:من هذا؟ فقالوا:
عبد المطلب بن هاشم، بعث بابن ابنه محمد في طلب ابل له ولم يبعثه في
حاجه الا نجح فيها، وقد ابطا عليه، فلم يلبث ان جاء محمد والابل فعانقه، وقال:
يا بني لقد جزعت عليك جزعا لم اجزعه على شيء قط، والله لا ابعثك في
حاجه ابدا، ولا تفارقني بعد هذا ابدا
بحيرا الراهب
»
خرج ابو طالب في قافله تاجرا الى الشام، فلما تهيا للرحيل تعلق به رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فرق له ابو طالب وقال: والله لاخرجن به معي ولا يفارقني
ولا افارقه ابدا. فخرج به معه، فلما نزلت القافله بصرى وبها راهب يقال له “بحيرا”
في صومعه له، وكان اعلم اهل النصرانية، و كانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك
فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا قريبا من صومعته صنع
لهم طعاما كثيرا. وذلك انه راى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته
وفي الركب حين اقبلوا، وغمامه تظله من بين القوم، ثم اقبلوا فنزلوا في ظل شجره
قريبا منه، فنظر الى الغمامه حين اظلت الشجرة، وتدلت اغصان الشجره على رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما راى ذلك بحيرا نزل من صومعته، ثم ارسل
اليهم فقال: اني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش فاني احب ان تحضروا كلكم
صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحركم. فقال له رجل منهم: والله يا بحيرا ان لك اليوم لشانا،
فما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شانك اليوم؟ قال له
بحيرا: صدقت، كان قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد احبت ان اكرمكم واصنع لكم
طعاما فتاكلوا منه كلكم. فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين
القوم لحداثه سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير
الصفه التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش، لا يتخلفن احد منكم عن طعامي،
قالوا: يا بحيرا، ما تخلف عنك احد ينبغي له ان ياتيك الا غلام ، وهو
احدث القوم سنا فتخلف في رحالهم، فقال: لا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال
رجل من قريش مع القوم: والات والعزى، ان كان للؤم بنا ان يتخلف ابن عبد
المطلب عن طعام من بيننا ثم قام فاحتضنه واجلسه مع القوم، فلما راه بحيرا جعل
يلحظه لحظا شديدا وينظر الى اشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى
اذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام اليه بحيرا فقال له: يا غلام، اسالك بحق
الات والعزى الا ما اخبرتني عما اسالك عنه وانما قال له بحيرا ذلك لانه سمع
قومه يحلفون بهما فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسالني
بالات والعزى، فوالله ما ابغضت شيئا قط بغضهما ‍ فقال له بحيرا: فبالله الا ما
اخبرتني عما اسالك عنه. فقال له: سلني ما بدا لك. فجعل يساله عن اشياء من
حاله في قومه وهيئته واموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك
ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر الى ظهره فراى خاتم النبوه بين كتفيه على
موضعه من صفته التي عنده. فلما فرغ اقبل على عمه ابي طالب فقال له: ما
هذا الغلام منك؟ قال: ابني قال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام
ان يكون ابوه حيا. قال: فانه ابن اخي. قال: فما فعل ابوه؟ قال: مات وامه
حبلى به. قال: صدقت، فارجع بابن اخيك الى بلده واحذر عليه يهود، فوالله لئن راوه
وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فانه كائن لابن اخيك هذا شان عظيم! هذا سيد
العالمين، هذا يبعثه الله رحمه للعالمين .فقال ابو طالب: وما علمك بذلك؟ فقال: انكم حين
اشرفتم من العقبه لم يبق حجر ولا شجر الا وخر ساجدا، ولا تسجد الا لنبي،
واني اعرفه بخاتم النبوه في اسفل غضروف كتفه مثل التفاحة، وانا نجده في كتبنا، وسال
ابا طالب ان يرده، ولا يقدم به الى الشام، خوفا عليه من اليهود فبعثه عمه
مع بعض غلمانه الى مكة.

حرب الفجار»

ولخمس عشره سنه من عمره صلى الله عليه وسلم كانت حرب الفجار بين قريش ومن
معهم من كنانه وبين قيس عيلان ،وكان قائد قريش وكنانه كلها حرب بن اميه لمكانته
فيهم سنا وشرفا ،وكان الظفر في اول الامر لقيس على كنانه ، وبعد ذلك كان
الظفر لكنانه على قيس، وسميت بحرب الفجار لانتهاك حرمات الحرم والاشهر الحرم فيها ،وقد حضر
هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ينبل على عمومته، اي يجهز
لهم النبل للرمي. كانت حرب الفجار بالنسبه الي قريش دفاعا عن قداسه الاشهر الحرم،ومكانه ارض
الحرم .وهذه الشعائر بقيه مما احترم العرب من دين ابراهيم وكان احترامها مصدر نفع كبير
لهم ، وضمانا لانتظام مصالحهم وهدوء عداواتهم، ولكن اهل الجاهليه ما لبثوا ان ابتلوا بمن
استباحها، فظلموا انفسهم بالقتال في تلك الاشهر الحرم، وكانت حرب الفجار من اثار هذه الاستباحه
الجائرة، وقد ظلت اربعه اعوام ،كان عمر محمد صلى الله عليه وسلم اثناءها بين الخمسه
عشر والتسعه عشر.

حلف الفضول »

على اثر حرب الفجار وقع حلف الفضول في ذي القعده في شهر حرام، تداعت اليه
قبائل من قريش : بنو هاشم وبنو المطلب ،واسد بن عبدالعزى ، وزهره بن كلاب
، وتيم بن مره ، فاجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان التيمي لسنه وشرفه ،
فتعاقدوا وتعاهدوا على ان لا يجدوا بمكه مظلوما من اهلها وغيرهم من سائر الناس الا
قاموا معه ،وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ،وشهد هذا الحلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،وقال بعد ان اكرمه الله بالرساله : لقد شهدت في دار
عبدالله بن جدعان حلفا ما احب ان لي به حمر النعم ، ولو ادعى به
في الاسلام لاجبت .

جد في الصبا وكفاح في الشباب

»
عاش محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه حياه الكدح فليس من شان الرجال ان
يقعدوا،.ومن قبله كان المرسلون ياكلون من عمل ايديهم، ويحترفون مهنا شتى ليعيشوا على كسبها. وقد
صح ان محمدا عليه الصلاه والسلام اشتغل صدر حياته برعي الغنم وقال:كنت ارعاها علي قراريط
لاهل مكة، كما ثبت ان عددا من الانبياء اشتغل برعايتها، وقد احاطته العنايه الالهيه وهو
في تلك السن المبكره من جميع مظاهر العبث او اللهو التي كانت شائعه انذاك، لقد
جمع الله لنبيه منذ صغره خير ما في طبقات الناس من ميزات ،وكان طرازا رفيعا
من الفكر الصائب والنظر السديد، ونال حظا وافرا من حسن الفطنه واصاله الفكره وسداد الوسيله
والهدف، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التامل وادمان الفكره واستنتاج الحق، وطالع بعقله الخصب
وفطرته الصافيه صحائف الحياه وشئون الناس واحوال الجماعات فابى ما فيها من خرافه وناى عنها،
ثم عايش الناس على بصيره من امره وامرهم ، فما وجد حسنا شارك فيه، والا
عاد الى عزلته العتيده ،فكان لا يشرب الخمر ،ولا ياكل مما ذبح على النصب، ولا
يحضر للاوثان عيدا، ولا احتفالا، بل كان من اول نشاته نافرا من هذه المعبودات الباطله
، حتى لم يكن شيء ابغض اليه منها، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف
بالات والعزى. ولا شك ان القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع
الدنيا ،وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحموده تتدخل العنايه الربانيه للحيلوه بينه وبينها، روى
ابن الاثير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هممت بشيء مما كان
اهل الجاهليه يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني وبينه، ثم ما هممت به
حتى اكرمني برسالته، قلت ليله للغلام الذي يرعى معي الغنم باعلى مكة: لو ابصرت لي
غنمي حتى ادخل مكه واسمر بها كما يسمر الشباب ! فقال :افعل ، فخرجت حتى
اذا كنت عند اول دار بمكه سمعت عزفا ، فقلت ما هذا ؟ فقالوا عرس
فلان بفلانه ، فجلست اسمع فضرب الله على اذني فنمت ، فما ايقظني الا حر
الشمس فعدت الى صاحبي فسالني ، فاخبرته ثم قلت ليله اخرى مثل ذلك ،ودخلت بمكه
فاصابني مثل اول ليله .. ثم ما هممت بسوء”. وروى البخاري عن جابر بن عبدالله
قال: لما بنيت الكعبه ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس
للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل ازارك على رقبتك يقيك من الحجاره فعل فخر الى
الارض، وطمحت عيناه الى السماء (اي نظر لاعلى وتعلقت عيناه بالسماء) ثم افاق فقال: ازاري،
ازاري، فشد عليه ازاره، فما رؤيت له عوره بعد ذلك. وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يمتاز في قومه بخلال عذبه واخلاق فاضلة، وشمائل كريمه فكان افضل قومه مروءة، واحسنهم
خلقا، واعزهم جوارا، واعظمهم حلما، واصدقهم حديثا، والينهم عريكه (العريكة: الطبيعه والمعاملة) واعفهم نفسا، واكرمهم
خيرا، وابرهم عملا، واوفاهم عهدا، وامنهم امانة، حتى سماه قومه “الامين”؛ لما جمع فيه من
الاحوال الصالحه والخصال المرضيه ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الخامسه والعشرين من سنه خرج
تاجرا الى الشام في مال خديجه رضى الله عنها ، وكانت خديجه بنت خويلد امراه
تاجره ذات شرف ومال ، تستاجر الرجال في مالها ليتاجروا لها، فلما بلغها عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم امانته وكرم اخلاقه بعثت
اليه، فعرضت عليه ان يخرج في مال لها الى الشام تاجرا، وتعطيه افضل ما كانت
تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله
عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسره حتى قدما الي الشام.

زواجه من السيده خديجه رضى الله عنها

»
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا في مال السيده خديجة، وخرج معه غلامها
ميسره حتى قدم الشام. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجره قريبا
من صومعه راهب من الرهبان يدعى نسطورا، فاطلع الراهب الى ميسره فقال: من هذا الرجل
الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال له ميسرة: هذا رجل من قريش من اهل الحرم.
فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجره قط الا نبي! ثم باع رسول الله
صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما اراد ان يشتري، ثم اقبل
عائدا الى مكه ، فكان ميسره اذا كانت الظهيره واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من
الشمس وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكه على خديجه بمالها باعت ما جاء به
فربح الضعف او قريبا. ورات خديجه في مالها من الامانه والبركه ما لم تر قبل
هذا، واخبرها غلامها ميسره بما راى فيه صلى الله عليه وسلم من خلال عذبة، وشمائل
كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج امين، وعرفت انها وجدت ضالتها المنشوده وكان السادات والرؤساء
يحرصون على زواجها، فتابى عليهم ذلك فتحدثت بما في نفسها الى صديقتها نفيسه بنت منية،
وهذه ذهبت اليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه ان يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم اعمامه
فذهبوا الى عم خديجه وخطبوها اليه، وعلى اثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم
ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، واصدقها عشرين من الابل، وكانت سنها اذ
ذاك اربعين سنة،وكانت يومئذ افضل نساء قومها نسبا وثروه وعقلا، وهي اول امراه تزوجها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،ولم يتزوج عليها غيرها حتى مات. وقد استانف محمد عليه
الصلاه والسلام ما الفه بعد زواجه من حياه التامل والعزلة. وهجر ما كان عليه العرب
في احتفالاتهم الصاخبه من ادمان ولغو وقمار، وان لم يقطعه ذلك عن اداره تجارته،وتدبير معايشه،
والضرب في الارض والمشي في الاسواق. ان حياه الرجل العاقل وسط جماعه طائشه تقتضي ضروبا
من الحذر والروية، وخصوصا اذا كان الرجل علي خلق عظيم يتسم بلين الجانب وبسط الوجه

بناء الكعبه وقضيه التحكيم

»
ولخمس وثلاثين سنه من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش بناء الكعبه ،وذلك لان
الكعبه كانت عباره عن حجاره مرصوصه ارتفاعها تسعه اذرع من عهد اسماعيل ،ولم يكن لها
سقف ، فسرق بعض الصوص كنزها الذي كان في جوفها ، وكانت مع ذلك قد
تعرضت باعتبارها اثرا قديما للعوامل الجويه التي اضعفت بنيانها ، وصدعت جدرانها . وقبل بعثه
صلى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف مكه سيل عرم ، انحدر الى البيت الحرام
،فاوشكت الكعبه منه على الانهيار فاضطرت قريش الى تجديد بنائها حرصا على مكانتها ،واتفقوا على
ان لا يدخلوا في بنائها الا طيبا ،فلا يدخلوا فيها مهر بغي ،ولا بيع ربا
،ولا مظلمه احد من الناس ، وكانوا يهابون هدمها ، فابتدا بها الوليد بن المغيره
المخزومي ،وتبعه الناس لما راوا انه لم يصبه شيء ، ولم يزالوا في الهدم حتى
وصلوا الى قواعد ابراهيم ،ثم ارادوا الاخذ في البناء ،فجزاوا الكعبه وخصصوا لكل قبيله جزءا
منها فجمعت كل قبيله حجاره على حده واخذوا يبنونها ،وتولى البناء بناء رومي اسمه باقوم،
ولما بلغ البنيان موضع الحجر الاسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه واستمر النزاع
اربع ليال او خمسا واشتد حتى كاد يتحول الى حرب ضروس في ارض الحرم، الا
ان ابا اميه بن المغيره المخزومي عرض عليهم ان يحكموا فيما شجر بينهم اول داخل
عليهم من باب المسجد فارتضوه ،وشاء الله ان يكون ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فلما راوه هتفوا : هذا الامين رضيناه ، هذا محمد ، فلما انتهى
اليهم واخبروه الخبر طلب رداء ،فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين ان يمسكوا
جميعا باطراف الرداء ،وامرهم ان يرفعوه ، حتى اذا اوصلوه الى موضعه اخذه بيده فوضعه
في مكانه، وكان هذا حلا حصيفا رضى به القوم. ولم تكف النفقه الطيبه التي اخرجتها
قريش تكاليف البناء، فاخرجوا من الجهه الشماليه نحوا من سته اذرع ،وهي التي تسمي بالحجر
والحطيم ،ورفعوا بابها من الارض لئلا يدخلها الا من ارادوا ،ولما بلغ البناء خمسه عشر
ذراعا سقفوه على سته اعمدة

في غار حراء »

لما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم الاربعين، كانت تاملاته الماضيه قد وسعت الشقه العقليه
بينه وبين قومه، وحب اليه الخلاء، فكان ياخذ السويق (هو طعام الخبز والشعير) والماء ويذهب
الى غار حراء في جبل النور، على مبعده نحو ميلين من مكة، ومعه اهله قريبا
منه، فيقيم فيه شهر رمضان، يطعم من جاءه من المساكين، ويقضي وقته في العباده والتفكير
فيما حوله من مشاهد الكون، وفيما وراءها من قدره مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه
قومه من عقائد الشرك المهلهلة، وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح، ولا منهج
محدد، ولا طريق قاصد يطمئن اليه ويرضاه. وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزله
طرفا من تدبير الله له، وليعده لما ينتظره من الامر العظيم، ولا بد لاي روح
يراد لها ان تؤثر في واقع الحياه البشريه فتحولها وجهه اخرى. لابد لهذه الروح من
خلوه وعزله بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الارض وضجه الحياة، وهموم الناس الصغيره التي تشغل
الحياة. وهكذا دبر الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يعده لحمل الامانه الكبرى ،وتغيير
وجه الارض ، وتعديل خط التاريخ، دبر له هذه العزله قبل تكليفه بالرساله بثلاث سنوات
، ينطلق في هذه العزله شهرا من الزمان ، مع روح الوجود الطليقه ،ويتدبر ما
وراء الوجود من غيب مكنون ، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما ياذن
الله . ولما تكامل له اربعون سنه بدات اثار النبوه تلوح وتلمع له من وراء
افاق الحياه ،وتلك الاثار هي الرؤيا ، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق
الصبح ،حتى مضت على ذلك سته اشهر، ويروى عنه صلى الله عليه وسلم: اني لاعرف
حجرا بمكه كان يسلم علي قبل ان ابعث. فلما كان رمضان من السنه الثالثه من
عزلته صلى الله عليه وسلم بحراء شاء الله ان يفيض من رحمته على اهل الارض
، فاكرمه بالنبوه ،وانزل اليه جبريل بايات من القران. وكان ذلك على ارجح الاقوال يوم
الاثنين لاحدى وعشرين ليله مضت من شهر رمضان ليلا ،ويوافق العاشر من اغسطس سنه عشر
وستمائه للميلاد، وكان عمره صلى الله عليه وسلم اذ ذاك بالضبط اربعين سنه قمرية، وسته
اشهر، واثني عشر يوما ،وذلك نحو تسع وثلاثين سنه شمسيه وثلاثه اشهر واثني عشر يوما.
ولنستمع الى عائشه الصديقه رضي الله تعالى عنها تروى لنا قصه هذا الحدث العظيم الذي
كان شعله من النور غيرت مجرى الحياه وعدلت خط التاريخ، قالت عائشه رضي الله عنها:
اول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحه في
النوم، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ،ثم حب اليه الخلاء ،
وكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه (اي يتعبد) اليالي ذوات العدد قبل ان ينزع
(اي يرجع) الى اهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع الى خديجه فيتزود لمثلها ،
حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرا ، قال:
ما انا بقارئ، قال: فاخذني فغطني (اي عصره عصرا شديدا) حتى بلغ مني الجهد ،
ثم ارسلني فقال : اقرا ، فقلت: ما انا بقارئ، فاخذني فغطني الثانيه حتى بلغ
مني الجهد، ثم ارسلني، فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ!؟ فاخذني فغطني الثالثه ، ثم
ارسلني فقال اقرا باسم ربك الذي خلق . خلق الانسان من علق اقرا وربك الاكرم,الذي
علم بالقلم ,علم الانسان مالم يعلم ) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
يرجف فؤاده ، فدخل على خديجه بنت خويلد فقال : زملوني زملوني (اي غطوني) فزملوه
حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجه ،مالي واخبرها الخبر ، لقد خشيت على نفسي
، فقالت خديجه كلا ، والله ما يخزيك الله ابدا انك لتصل الرحم ، وتحمل
الكل (اي يحمل عن غيره ما يهمه من الامور) وتكسب المعدوم وتقري الضيف (اي تكرمه)
وتعين على نوائب الحق ، فانطلقت به خديجه حتى ات به ورقه بن نوفل بن
اسد بن عبد العزى ابن عم خديجه وكان امرءا تنصر في الجاهليه ،وكان يكتب الكتاب
العبراني ، فيكتب من الانجيل بالعبرانيه ما شاء الله ان يكتب ،وكان شيخا كبيرا قد
عمي فقالت له خديجه يا ابن عم ! اسمع من ابن اخيك ، فقال له
ورقه : يا ابن اخي ماذا ترى ؟ فاخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم
خبر ما راى ، فقال له ورقه : هذا الناموس (الناموس: صاحب سر الملك، كنايه
عن جبريل عليه السلام لانه المختص بابلاغ الوحي عن الله تعالى) الذي نزله الله على
موسى ، يا ليتني فيها جذعا (اي شابا قويا) ليتنى اكون حيا اذ يخرجك قومك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: او مخرجي هم ؟ قال: نعم، لم يات
رجل قط بمثل ما جئت به الا عودي ، وان يدركني يومك انصرك نصرا مؤزرا
، ثم لم ينشب ورقه ان توفي وفتر الوحي (الفتور: الضعف، والمراد انقطع). وكان انقطاع
الوحي مده ايام سميت بزمن الفترة.

انقطاع الوحي ثم عودته
»
وانقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بقي رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ايام الفتره كئيبا محزونا ، تعتريه الحيره والدهشه ، فقد روى البخاري في
كتاب التعبير ما نصه : وفتر الوحي فتره حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما بلغنا حزنا عدا (اي جرى) منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ،
فكلما اوفى بذروه جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال : يا محمد
انك رسول الله حقا ،فيسكن لذلك جاشه (اي قلبه) وتقر نفسه ، فيرجع ،فاذا طالت
عليه فتره الوحي غدا لمثل ذلك ،فاذا اوفي بذروه الجبل تبدى له جبريل فقال له
مثل ذلك. قال ابن حجر : وكان ذلك (اي انقطاع الوحي) اياما ليذهب ما كان
صلى الله عليه وسلم وجده من الروع (اي الخوف) وليحصل له التشوف الى العود، فلما
تقلصت ظلال الحيره ، وثبت اعلام الحقيقه ،وعرف صلى الله عليه وسلم معرفه اليقين انه
اضحى نبي الله الكبير المتعال ، وان ما جاءه سفير الوحي ينقل اليه خبر السماء،
وصار تشوفه وارتقابه لمجيء الوحي سببا في ثباته واحتماله عندما يعود ، جاءه جبريل للمره
الثانيه ، روى البخاري عن جابر بن عبدالله انه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحدث عن فتره الوحي ، قال: فبينا انا امشي سمعت صوتا من السماء فرفعت
بصري قبل السماء ، فاذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والارض
، فجثثت (اي فزعت) منه حتى هويت الى الارض ، فجئت اهلي فقلت : زملوني
(اي غطوني) زملوني ،فزملوني ، فانزل الله تعالى: يا ايها المدثر الى قوله فاهجر، ثم
حمي الوحي وتتابع.

الرعيل الاول»
بدا النبي صلى الله عليه وسلم يستجيب لامر الله فاخذ يدعو الي عباده الله وحده
ونبذ الاصنام، ولكنه كان يدعو الى ذلك سرا حذرا من وقع المفاجاه علي قريش التي
كانت متعصبه لشركها وثنيتها، فلم يكن عليه السلام يظهر الدعوه في المجالس العموميه لقريش، ولم
يكن يدعو الا من كانت تشده اليه صله قرابه او معرفه سابقة. وكان من الطبيعي
ان يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الاسلام اولا على الصق الناس به وال بيته
، واصدقائه، فدعاهم الى الاسلام ،ودعا اليه كل من توسم فيه خيرا ممن يعرفهم ويعرفونه
، يعرفهم بحب الحق والخير ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فاجابه من هؤلاء الذين لم تخالجهم
ريبه قط في عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم وجلاله نفسه وصدق خبره جمع عرفوا
في التاريخ الاسلامي بالسابقين الاولين ،وفي مقدمتهم زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ام المؤمنين
خديجه بنت خويلد ،ومولاه زيد بن حارثه بن شرحبيل الكلبي وابن عمه علي بن ابي
طالب وكان صبيا يعيش في كفاله الرسول وصديقه الحميم ابو بكر الصديق . اسلم هؤلاء
في اول يوم من ايام الدعوه . ثم نشط ابو بكر في الدعوه الى الاسلام
،وكان رجلا مؤلفا محبا سهلا ، ذا خلق ومعروف ،وكان رجال قومه ياتونه ويالفونه لعلمه
بالانساب ولتجارته ، ولحسن مجالسته ، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن ياتيه
ويجلس اليه ، فاسلم بدعوته عثمان بن عفان الاموي ، والزبير بن العوام الاسدي ،وعبد
الرحمن بن عوف ، وسعد بن ابي وقاص الزهريان ، وطلحه بن عبيد الله التيمي
. فكان هؤلاء النفر الثمانيه الذين سبقوا الناس هم الرعيل الاول وطليعه الاسلام . ومن
اوائل المسلمين بلال بن رباح الحبشي ، ثم تلاهم امين هذه الامه ابو عبيده عامر
بن الجراح من بني الحارث بن فهر ، وابو سلمه بن عبد الاسد ، والارقم
بن ابي الارقم المخزوميان ،وعثمان بن مظعون واخواه قدامه وعبد الله ، وعبيده بن الحارث
بن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد العدوي ،وامراته فاطمه بنت الخطاب العدويه اخت
عمر بن الخطاب ،وخباب بن الارت وعبد الله بن مسعود الهذلي وخلق سواهم، واولئك هم
السابقون الاولون ،وهم من جميع بطون قريش وعدهم ابن هشام اكثر من اربعين نفرا ثم
دخل الناس في الاسلام رجالا ونساء حتى فشا ذكر الاسلام بمكة، وتحدث به. اسلم هؤلاء
سرا وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم ويرشدهم الى الدين متخفيا ؛ لان
الدعوه كانت لا تزال فرديه وسريه ، وكان الوحي قد تتابع وحمى نزوله بعد نزول
اوائل المدثر ،وكانت الايات وقطع السور التي تنزل في هذا الزمان ايات قصيره ، ذات
فواصل رائعه منيعه ،وايقاعات هادئه خلابة، تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق ، تشتمل على
تحسين تزكيه النفوس ،وتقبيح تلويثها برذائل الدنيا، تصف الجنه والنار كانهما راى عين ، تسير
بالمؤمنين في جو اخر غير الذي كان فيه المجتمع البشري انذاك .

الصلاة»
كان في اوائل ما نزل في الاسلام الامر بالصلاه ، قال مقاتل بن سليمان: فرض
الله في اول الاسلام الصلاه ركعتين بالغداه وركعتين بالعشى ،لقوله تعالى : ( وسبح بحمد
ربك بالعشي والابكار) وعن زيد بن حارثه : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
في اول ما اوحي اليه اتاه جبريل ، فعلمه الوضوء ، فلما فرغ من الوضوء
اخذ غرفه من ماء فنضح بها فرجه ،وكان ذلك من اول الفريضه . وذكر بعض
اهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا حضرت الصلاه خرج الى
شعاب مكة، وخرج معه على بن ابي طالب مستخفيا من ابيه ومن جميع اعمامه وسائر
قومه فيصليان الصلوات فيها، فاذا امسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله ان يمكثا، ثم
ان ابا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا ابن اخي، ما هذا الدين الذي اراك تدين به؟ قال: اي عم، هذا دين
الله ودين ملائكته ودين رسله ودين ابينا ابراهيم بعثني الله به رسولا الى العباد، وانت
يا عم احق من بذلت له النصيحة، ودعوته الى الهدى، واحق من اجابني اليه واعاني
عليه، فقال ابو طالب: اي ابن اخي، اني لا استطيع ان افارق دين ابائي وما
كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص اليك بشيء تكرهه ما بقيت.

خبر الدعوه يصل الي قريش اجمالا»
ترامت انباء الدعوه الى قريش فلم تعرها اهتماما ،ولعلها حسبت محمدا صلى الله عليه وسلم
احد اولئك الديانين الذين يتكلمون في الالوهيه وحقوقها ، كما صنع اميه بن ابي الصلت
،وقس بن ساعده ،وعمرو بن نفيل واشباههم ، الا انها توجست خيفه من ذيوع خبره
وامتداد اثره ،واخذت ترقب على الايام مصيره ودعوته . وظل النبي صلي الله عليه وسلم
يدعو الي الاسلام سرا مده ثلاث سنوات.

الجهر بالدعوة
»
مرت ثلاث سنين والدعوه لم تزل سريه وفرديه ،وخلال هذه الفتره تكونت جماعه من المؤمنين
تقوم على الاخوه والتعاون ،وتبليغ الرساله وتمكينها من مقامها، ثم نزل الوحي يكلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمعالنه قومه ، ومجابهه باطلهم ومهاجمه اصنامهم . واول ما فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الايه انه دعا بني هاشم فحضروا
ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف فكانوا خمسه واربعين رجلا . فبادره ابو
لهب وقال : وهؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصباه واعلم انه ليس لقومك
بالعرب قاطبه طاقه ، وانا احق من اخذك، فحسبك بنو ابيك (اي اقصر دعوتك على
اهلك فقط) ،وان اقمت على ما انت عليه فهو ايسر عليهم من ان يثب بك
بطون قريش ، وتمدهم العرب ، فما رايت احدا جاء على بني ابيه بشر مما
جئت به ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولم يتكلم في ذلك المجلس
. ثم دعاهم ثانيه وقال ” الحمد لله احمده واستعينه ،واومن به ، واتوكل عليه
، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ثم قال : ان
الرائد لا يكذب اهله والله الذي لا اله الا هو ، انى رسول الله اليكم
خاصه والى الناس عامه ،والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما
تعملون ،وانها الجنه ابدا او النار ابدا ، “فقال ابو طالب “: ما احب الينا
معاونتك ،واقبلنا لنصيحتك ,واشد تصديقنا لحديثك ،وهؤلاء بنو ابيك مجتمعون ، وانما انا احدهم غير
اني اسرعهم الى ما تحب ، فامض لما امرت به فوالله لا ازال احوطك وامنعك
، غير ان نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب . فقال ابو لهب
: هذه والله السوءه ، خذوا على يديه قبل ان ياخذ غيركم ، فقال ابو
طالب :والله لنمنعه ما بقينا

على جبل الصفا
»
وبعدما تاكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد ابي طالب بحمايته ، وهو يبلغ
عن ربه ، قام يوما على الصفا فصرخ : يا صباحاه : فاجتمع اليه بطون
قريش، فدعاهم الى التوحيد والايمان برسالته وباليوم الاخر. وقد روى البخاري طرفا من هذه القصه
عن ابن عباس . قال: لما نزلت (وانذر عشيرتك الاقربين) صعد النبي صلى الله عليه
وسلم على الصفا ، فجعل ينادي يا بني فهر‍ يا بنى عدي لبطون قريش، حتى
اجتمعوا فجعل الرجل اذا لم يستطع ان يخرج ارسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء ابو
لهب وقريش .فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :ارايتكم لو اخبرتكم ان خيلا بالوادي
تريد ان تغير عليكم ، اكنتم مصدقي؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك الا
صدقا ،قال : فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال ابو لهب تبا
لك سائر اليوم الهذا جمعتنا ؟ فنزلت ( تبت يدا ابي لهب ) . هذه
الصيحه العاليه هي غايه البلاغ ، فقد اوضح الرسول صلى الله عليه وسلم لاقرب الناس
اليه ان التصديق بهذه الرساله هو حياه الصلات بينه وبينهم . وان عصبيه القرابه التي
يقوم عليها العرب ذابت في حراره هذا الانذار الاتي من عند الله. ولم يزل هذا
الصوت يرتج دويه في ارجاء مكه حتى نزل قوله تعالى : ( فاصدع بما تؤمر
واعرض عن المشركين ) [15 : 94] فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعكر
على خرافات الشرك وترهاته ،ويذكر حقائق الاصنام وما لها من قيمه في الحقيقه ،يضرب بعجزها
الامثال ، ويبين بالبينات ان من عبدها وجعلها وسيله بينه وبين الله فهو في ضلال
مبين

رد فعل المشركين »

انفجرت مكه بمشاعر الغضب ، وماجت بالغرابه والاستنكار ، حين سمعت صوتا يجهر بتضليل المشركين
وعباد الاصنام كانه صاعقه قصفت السحاب ، فرعدت وبرقت وزلزلت الجو الهادئ وقامت قريش تستعد
لحسم هذه الثوره التي اندلعت بغته ، ويخشي ان تاتى على تقاليدها وموروثاتها . ولكن
ماذا سيفعلون امام رجل صادق امين ، اعلى مثل للقيم البشريه ولمكارم الاخلاق ، لم
يعرفوا له نظيرا ولا مثيلا خلال فتره طويله من تاريخ الاباء والاقوام ؟ ماذا سيفعلون
؟ تحيروا في ذلك وحق لهم ان يتحيروا . فاجتمعت قريش للنبي صلي الله عليه
وسلم يوما ، فقالوا : انظروا اعلمكم بالسحر والكهانه والشعر ، فليات هذا الرجل الذي
قد فرق جماعتنا ، وشت امرنا ، وعاب ديننا ، فليكلمه ولينظر ما يرد عليه
، قالوا : ما نعلم احدا غير عتبه بن ربيعه ، قالوا : انت يا
ابا الوليد ، فاتاه عتبه فقال : يا محمد انت خير ام عبد الله ؟
فسكت الرسول صلي الله عليه وسلم قال : انت خير ام عبد المطلب ؟ فسكت
الرسول صلي الله عليه وسلم قال : فان كنت تزعم ان هؤلاء خير منك فقد
عبدوا الالهه التي عبت ، وان كنت تزعم انك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك
، اما والله ما راينا سخطه اشام علي قومك منك ، فرقت جماعتنا ، وشت
امرنا ، وعبت ديننا ، وفضحتنا في العرب حتى طار فيهم ان في قريش ساحرا
، وان في قريش كاهنا ، ما ينتظر الا مثل صيحه الحبلى بان يقوم بعضنا
لبعض بالسيوف حتى نتفانى ، ايها الرجل : ان كان انما بك الحاجه جمعنا لك
من اموالنا حتى تكون اغني قريشا رجلا, وان كان انما بك الباءه فاختر اي نساء
قريش فنزوجك عشرا ، فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم : افرغت ؟ قال
: نعم فقال رسول صلي الله عليه وسلم : ( حم * تنزيل من الرحمن
الرحيم ) حتى بلغ ( فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقه مثل صاعقه عاد وثمود )
فقال عتبه : حسبك ، ما عندك غير هذا ؟ قال : لا، فرجع الي
قريش فقالوا : ما وراءك ؟ فقال : ما تركت شيئا ارى انكم تكلمونه به
الا كلمته ، قالوا : هل اجابك ؟ قال : نعم ، قال : والذي
نصبها بنيه ما فهمت شيئا مما قال غير انه قال انذرتكم صاعقه مثل صاعقه عاد
وثمود ، قالوا : ويلك يكلمك رجل بالعربيه فلا تدرى ما قال ، قال :
لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقه . وبعد اداره فكرتهم لم
يجدوا سبيلا الا ان ياتوا الى عمه ابي طالب فيطلبوا منه ان يكف ابن اخيه
عما هو فيه ، وراوا لالباس طلبهم لباس الجد والحقيقه ان يقولوا ان الدعوه الى
ترك الهتهم ، والقول بعدم نفعها وقدرتها سبه قبيحه واهانه شديده لها ، وفيه تسفيه
وتضليل لابائهم الذين كانوا على هذا الدين ، وجدت قريش هذا السبيل فتسارعوا الى سلوكها
. فمشى رجال من اشراف قريش الى ابي طالب ، فقالوا : يا ابا طالب
ان ابن اخيك قد سب الهتنا وعاب ديننا وسفه احلامنا ، وضل اباءنا فاما ان
تكفه عنا ، واما تخلي بيننا وبينه ، فانك على مثل ما نحن عليه من
خلافه ، فنكفيكه فقال ابو طالب قولا رقيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ، ومضى
رسول صلي الله عليه وسلم على ما هو عليه ، يظهر دين الله ويدعو اليه

دار الارقم»

كان من الحكمه تلقاء هذه الاضطهادات ان يمنع رسول الله صلى الله عليه المسلمين عن
اعلان اسلامهم قولا او فعلا ، وان لا يجتمع بهم الا سرا ؛ لانه اذا
اجتمع بهم علنا فلا شك ان المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكيه المسلمين
وتعليمهم الكتاب والحكمه ، وربما يفضي ذلك الى تصادم الفريقين ، بل وقع ذلك فعلا
في السنه الرابعه من النبوه ، وذلك ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانوا يجتمعون في الشعاب ، فيصلون فيها سرا فراهم نفر من كفار قريش ، فسبوهم
وقاتلوهم ، فضرب سعد بن ابي وقاص رجلا فسال دمه ، وكان اول دم اهريق
في الاسلام . ومعلوم ان المصادمه لو تعددت وطالت لافضت الى تدمير المسلمين وابادتهم ،
فكان من الحكمه الاختفاء ، فكان عامه الصحابه يخفون اسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، اما
الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوه والعباده بين ظهراني المشركين ،لا يصرفه عن
ذلك شئ ، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرا ؛ نظرا لصالحهم وصالح الاسلام ،وكانت
دار الارقم بن ابي الارقم المخزومي على الصفا ،وكانت بمعزل عن اعين الطغاه ومجالسهم ،
فاتخذها مركزا لدعوته ،ولاجتماعه بالمسلمين من السنه الخامسه من النبوه . وفي هذه الدار تربى
الجيل الذي حمل لواء الاسلام بعد ذلك.
الحبشة»
كانت بدايه الاضطهادات في اواسط او اواخر السنه الرابعه من النبوة، بدات ضعيفه ثم لم
تزل يوما فيوما وشهرا فشهرا حتى اشتدت وتفاقمت في اواسط السنه الخامسه ، حتى ضاق
بهم المقام في مكه ، وراحوا يفكرون في حيله تنجيهم من هذا العذاب الاليم وفي
رجب سنه خمس من النبوه هاجر اول فوج من الصحابه الى الحبشة، كان مكونا من
اثني عشر رجلا واربع نسوه ،رئيسهم عثمان بن عفان ، ومعه السيده رقيه بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: انهما اول
بيت هاجر في سبيل الله بعد ابراهيم ولوط عليهما السلام . كان رحيل هؤلاء تسلا
في ظلمه اليل حتى لا تفطن لهم قريش، خرجوا الى البحر ، واتجهوا الى ميناء
شعيبة، وقيضت لهم الاقدار سفينتين تجاريتين ابحرتا بهم الى الحبشة، وفطنت لهم قريش ، فخرجت
في اثارهم ،لكن لما بلغت الى الشاطئ كانوا قد انطلقوا امنين ،واقام المسلمون في الحبشه
في احسن جوار. وفي رمضان من نفس السنه خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى
الحرم ، وهناك جمع كبير من قريش ، كان فيه ساداتها وكبراؤها ،فقام فيهم ،
واخذ يتلو سوره النجم بغته ، ان اولئك الكفار لم يكونوا سمعوا كلام الله قبل
ذلك ،لان اسلوبهم كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضا، من قولهم: (لا تسمعوا
لهذا القران والغوا فيه لعلكم تغلبون ) [26:41] فلما باغتهم بتلاوه هذه السوره ، وقرع
اذانهم كلام الهي رائع خلاب، لا يحيط بروعته وجلالته البيان، بقي كل واحد مصغيا اليه
، لا يخطر باله شئ سواه ، حتى اذا تلا في خواتيم هذه السوره قوارع
تطير لها القلوب ثم قرا ( فاسجدوا لله واعبدوا ) [62:53] ثم سجد ، لم
يتمالك احد نفسه حتى خر ساجدا، وفي الحقيقه كانت روعه الحق قد صدعت العناد في
نفوس المستكبرين والمستهزئين، فما تمالكوا ان يخروا لله ساجدين. واسقط في ايديهم لما احسوا ان
جلال كلام الله لوى زمامهم ، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه
وافنائه ،وقد توالى عليهم الوم والعتاب من كل جانب ، ممن لم يحضر هذا المشهد
من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتروا عليه انه
عطف على اصنامهم بكلمه تقدير ، وانه قال عنها: “تلك الغرانقه العلى، وان شفاعتهن لترتجى”
جاءوا بهذا الافك المبين ، ليعتذروا عن سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليس
يستغرب هذا من قوم كانوا يؤلفون الكذب ، ويطيلون الدس والافتراء. وبلغ هذا الخبر الى
مهاجري الحبشه ،ولكن في صوره تختلف تماما عن صورته الحقيقيه ، بلغهم ان قريشا اسلمت
، فرجعوا الى مكه في شوال من نفس السنه ، فلما كانوا دون مكه ساعه
من نهار ، وعرفوا جليه الامر ، رجع منهم من رجع الى الحبشه ، ولم
يدخل مكه منهم احد الا مستخفيا ، او في جوار رجل من قريش . ثم
اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم ، فقد كان صعب
على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار ،ولم ير رسول الله صلى الله
عليه وسلم بدا من ان يشير على اصحابه بالهجره الى الحبشه مره اخرى ،وكانت هذه
الهجره الثانيه اشق من سابقتها ، فقد تيقظت لها قريش وقررت احباطها ، بيد ان
المسلمين كانوا اسرع ويسر الله لهم السفر ، فانحازوا الى نجاشي الحبشه قبل ان يدركوا.
وفي هذه المره هاجر من الرجال ثلاثه وثمانون رجلا ،وثمان عشره او تسع عشره امراة

قريش تحاول اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

»
وبعد فشل قريش وخيبتهم مع ابي طالب عادوا الى ضراوتهم وتنكيلهم باشد مما كان قبل
ذلك ، وخلال هذه الايام نشات في طغاتهم فكره اعدامه صلى الله عليه وسلم، وكانت
هذه الفكره وتلك الضراوه هي التي تسببت في تقويه الاسلام بطلين جليلين من ابطال مكة،
وهما: حمزه بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما. فمن تلك الضراوه ان
عتيبه بن ابي لهب اتى يوما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
انا اكفر ب (النجم اذا هوي) و (بالذي دنا فتدلى ) ثم تسلط عليه بالاذى
، وشق قميصه ، وتفل في وجهه ، الا ان البزاق لم يقع عليه ،
وحينئذ دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك
،وقد استجيب دعاؤه صلى الله عليه وسلم ، فقد خرج عتيبه مره في نفر من
قريش ، حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ، فطاف بهم الاسد
تلك اليله ، فجعل عتيبه يقول : يا ويل اخي ، وهو والله اكلي كما
دعا محمد علي، قتلني وهو بمكة، وانا بالشام، فغدا عليه الاسد من بين القوم واخذ
براسه فقتله. ومنها ما ذكر ان عقبه بن ابي معيط وطئ على رقبته الشريفه وهو
ساجد حتى كادت عيناه تبرزان . ومما يدل على ان طغاتهم كانوا يريدون قتله صلى
الله عليه وسلم ما رواه ابن اسحاق في حديث طويل قال : قال ابوجهل :
يا معشر قريش ان محمدا قد ابى الا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم
ابائنا ،وتسفيه احلامنا ،وشتم الهتنا ، واني اعاهد الله لاجلسن له بحجر ما اطيق حمله
، فاذا سجد في صلاته فضخت به راسه ، فاسلموني عند ذلك او امنعوني ،
فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم ، قالوا: والله لا نسلمك لشيء
ابدا، فامض لما تريد . فلما اصبح ابو جهل، اخذ حجرا كما وصف، ثم جلس
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في انديتهم ، ينتظرون ما ابوجهل فاعل
، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل ابو جهل الحجر ثم اقبل
نحوه حتى اذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره
، حتى قذف الحجر من يده وقامت اليه رجال قريش فقالوا له: ما لك يا
ابا الحكم ؟قال قمت اليه لافعل به ما قلت لكم البارحه ، فلما دنوت منه
عرض لي دونه فحل من الابل ، ولا والله ما رايت مثل هامته ، ولا
مثل قصرته (اي عنقه) ولا انيابه لفحل قط فهم بي ان ياكلني . فذكر ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لاخذه
. اما طغاه فريش فلم تزل فكره الاعدام تنضج في قلوبهم ، روى ابن اسحاق
عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر ، فذكروا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقالوا : ما راينا مثل ما صبرنا عليه من
امر هذا الرجل ، لقد صبرنا منه على امر عظيم ، فبينا هم كذلك اذ
طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاقبل يمشي حتى استلم الركن ،ثم مر
بهم طائفا بالبيت ، فغمزوه بعض القول ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانيه غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجهه ،
ثم مر بهم الثالثه فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال : اتسمعون يا معشر قريش
، اما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فاخذت القوم كلمته ، حتى ما
منهم رجل الا كانما على راسه طائر واقع حتى ان اشدهم فيه ليرفؤه باحسن ما
يجد ،ويقول : انصرف يا ابا القاسم ، فوالله ما كنت جهولا . فلما كان
الغد اجتمعوا كذلك يذكرون امره اذ طلع عليهم ، فوثبوا اليه وثبه رجل واحد ،
واحاطوا به ، فلقد رايت رجلا منهم اخذ بمجمع ردائه ، وقام ابو بكر دونه
، وهو يبكي ويقول : اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله؟

وفاه ابي طالب
»
الح المرض بابي طالب ، فلم يلبث ان وافته المنيه ،وكانت وفاته في رجب سنه
عشر من النبوه بعد الخروج من الشعب بسته اشهر ولما حضرته الوفاه دخل عليه النبي
صلى الله عليه وسلم وعنده ابو جهل ، فقال : اي عم قل : لا
اله الا الله، كلمه احاج لك بها عند الله ، فقال ابو جهل وعبد الله
بن ابي اميه : يا ابا طالب ترغب عن مله عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلماه
حتى قال اخر شئ كلمهم به : على مله عبد المطلب فقال النبي صلى الله
عليه وسلم لاستغفرن لك ما لم انه عنك ،فنزلت : ( ما كان للنبي والذين
امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب
الجحيم ) ونزلت (انك لا تهدي من احبت ) ومع ان ابا طالب كان الحصن
الذي تحتمي به الدعوه الاسلاميه من هجمات الكبراء والسفهاء ، الا انه بقي على مله
الاشياخ من اجداده ، فلم يفلح كل الفلاح . في الصحيح عن العباس بن عبدالمطلب
انه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما اغنيت عن عمك ، فانه كان يحوطك
ويغضب لك ؟قال : هو في ضحضاح من نار ، ولولا انا لكان في الدرك
الاسفل من النار.

وفاه ام المؤمنين خديجه بنت خويلد
»
وبعد وفاه ابي طالب بنحو شهرين توفيت ام المؤمنين خديجه رضي الله عنها، كانت وفاتها
في شهر رمضان في السنه العاشره من النبوه ولها خمس وستون سنة، ورسول الله صلى
الله عليه وسلم اذ ذاك في الخمسين من عمره . ان خديجه كانت من نعم
الله الجليله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقيت معه ربع قرن تحن عليه
ساعه قلقه وتؤازره في احرج اوقاته، وتعينه على ابلاغ رسالته، وتشاركه في مغارم الجهاد المر
وتواسيه بنفسها ومالها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: امنت بي حين كفر بي
الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، واشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها،
وحرم ولد غيرها. وفي الصحيح عن ابي هريره قال : اتى جبريل النبي صلى الله
عليه وسلم، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه خديجة، قد ات، معها
اناء فيه ادام او طعام او شراب، فاذا هي اتك فاقرا عليها السلام من ربها،
وبشرها بيت في الجنه من قصب لا صخب فيه ولا نصب

——————————————————————————–

عام الحزن
»
وفيه وقعت حادثتان مؤلمتان، وفاه ابي طالب ثم خديجه ام المؤمنين، خلال ايام معدوده ،فاهتزت
مشاعر الحزن والالم في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم تزل
تتوالى عليه المصائب من قومه ، فقد تجراوا عليه ،وكاشفوه بالاذى بعد موت ابي طالب
،فازداد غما على غم ،حتى يئس منهم ,وخرج الى الطائف ، رجاء ان يستجيبوا لدعوته
او يئوه وينصروه على قومه ، فلم ير من يئوي ولم ير ناصرا، واذوه مع
ذلك اشد الاذى ونالوا منه ما لم ينله قومه. وكما اشتدت وطاه اهل مكه على
النبي صلى الله عليه وسلم اشتدت على اصحابه، حتى التجا رفيقه ابو بكر الصديق رضي
الله عنه الى الهجره عن مكه فخرج حتى بلغ برك الغماد ، يريد الحبشه فارجعه
ابن الدغنه في جواره قال ابن اسحاق : لما هلك ابو طالب نالت قريش من
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاذى ما لم تطمع به في حياه ابي
طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على راسه ترابا ، ودخل بيته والتراب
على راسه، فقامت اليه احدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لها:لا تبكي يا بنيه فان الله مانع اباك، قال ويقول
بين ذلك : ما نالت مني قريش شيئا اكرهه حتى مات ابو طالب . ولاجل
توالي مثل هذا الالام في هذا العام سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
الحزن، وبهذا القب صار معروفا في التاريخ ومع هذا كله كان المسلمون يعرفون منذ اول
يوم لاقوا فيه الشده والاضطهاد بل ومن قبله ان الدخول في الاسلام ليس معناه جر
المصائب والحتوف، بل ان الدعوه الاسلاميه تهدف منذ اول يومها الى القضاء على الجاهليه الجهلاء
ونظامها الغاشم، وان من اهدافها الاساسيه بسط النفوذ على الارض والسيطره على الموقف السياسي في
العالم ، لتقود الامه الانسانيه والجمعيه البشريه الى مرضاه الله . وتخرجهم من عباده العباد
الى عباده الله . وكان القران ينزل بهذه البشارات مره بالتصريح واخرى بالكنايه في تلك
الفترات القاصمه التي ضيقت الارض على المسلمين وكادت تخنقهم ،وتقضي على حياتهم ،كانت تنزل الايات
بما جرى بين الانبياء السابقين وبين اقوامهم الذين قاموا بتكذيبهم والكفر بهم ، وكانت تشتمل
هذه الايات على ذكر الاحوال التي تطابق تماما احوال مسلمي مكه وكفارها، ثم تذكر هذه
الايات ما تمخضت عنه تلك الاحوال من اهلاك الكفره والظالمين وايراث عباد الله الارض والديار،
فكانت في هذه القصص اشارات واضحه الى فشل اهل مكه في المستقبل ونجاح المسلمين مع
نجاح الدعوه الاسلامية. قال خباب بن الارت: اتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد
برده ، وهو في ظل الكعبه ،وقد لقينا من المشركين شده ، فقلت: الا تدعو
الله ، فقعد وهو محمر وجهه ، فقال : لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط
الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه ،وليتمن الله هذا
الامر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ما يخاف الا الله والذئب على غنمه
ولكنكم تستعجلون . ولم تكن هذه البشارات مخفيه مستوره بل كانت فاشيه مكشوفه ، يعلمها
الكفره ، كما كان يعلمها المسلمون ، حتى كان الاسود بن المطلب وجلساؤه اذا راوا
اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تغامزوا بهم، وقالوا: قد جاءكم ملوك الارض سيغلبون على
ملوك كسرى وقيصر ثم يصفرون ويصفقون . واما هذه البشارات بالمستقبل المجيد المستنير في الدنيا
، مع ما فيه من الرجاء الصالح الكبير البالغ الى النهايه في الفوز بالجنه ،
كان الصحابه يرون ان الاضطهادات التي تتوالى عليهم من كل جانب ،والمصائب التي تحيط بهم
من كل الارجاء ، ليست الا “سحابه صيف عن قليل تقشع ” هذا ولم يزل
الرسول صلى الله عليه وسلم يغذي ارواحهم برغائب الايمان ، ويزكي نفوسهم بتعليم الحكمه والقران
، ويربيهم تربيه دقيقه عميقه ، يعلو بنفوسهم الى منازل سمو الروح ونقاء القلب ،
ونظافه الخلق ، والتحرر من سلطان الماديات ،والمقاومه للشهوات ، والنزوع الى رب الارض والسماوات
،ويذكي جمره قلوبهم ، ويخرجهم من الظلمات الى النور ،وياخذهم بالصبر على الاذى والصفح الجميل
وقهر النفس، فازدادوا رسوخا في الدين ،وعزوفا عن الشهوات ،وتفانيا في سبيل مرضاه الله، وحنينا
الى الجنه ،وحرصا على العلم ، وفقها في الدين ومحاسبه للنفس ، وقهرا للشهوات، وغلبه
على العواطف ، وتسيطرا على الثائرات والهائجات، وتقيدا بالصبر والهدوء والوقار.

استماع الجن للنبي صلى الله عليه وسلم وايمانهم

»
عندما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف راجعا الي مكه مكث بوادي
نخله اياما، وحدث ان قام صلى الله عليه وسلم، من جوف اليل يصلي، فمر به
النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى وهم سبعه نفر من جن اهل نصيبين
فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولوا الى قومهم منذرين، قد امنوا واجابوا الى ما
سمعوا. وقد ذكرهم الله في موضعين من القران في سوره الاحقاف ( واذ صرفنا اليك
نفرا من الجن يستمعون القران فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين
قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي
الى الحق والى طريق مستقيم يا قومنا اجيبوا داعي الله وامنوا به يغفر لكم من
ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم وفي سوره الجن ( قل اوحي الي انه استمع نفر
من الجن فقالوا انا سمعنا قرانا عجبا يهدى الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا
احدا) الى تمام الايه الخامسه عشره . وحقا كان هذا الحادث نصرا اخر امده الله
من كنوز غيبه المكنون بجنوده التي لا يعلمها الا هو، ثم ان الايات التي نزلت
بصد هذا الحادث كانت في طيها بشارات بنجاح دعوه النبي صلى الله عليه وسلم، وان
اي قوه من قوات الكون لا تستطيع ان تحول بينها وبين نجاحها ( ومن لا
يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اولياء ،واولئك في ضلال
مبين ) ( وانا ظننا ان لن نعجز الله في الارض ولن نعجزه هربا)

عرض الاسلام على القبائل
»
في ذي القعده سنه عشر من النبوه في اواخر يونيو او اوائل يوليو لسنه 619
م عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكه ؛ليستانف عرض الاسلام على القبائل
والافراد ،ولاقتراب الموسم كان الناس ياتون الى مكه رجالا ، وعلى كل ضامر ياتين من
كل فج عميق ، لقضاء فريضه الحج وليشهدوا منافع لهم ،ويذكروا الله في ايام معلومات،
فانتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفرصه كالعادة، فاتاهم قبيله قبيله يعرض عليهم
الاسلام ، ويدعوهم اليه ،كما كان يدعوهم منذ السنه الرابعه من النبوه .. و من
القبائل الذين اتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعاهم وعرض نفسه عليهم بنو
عامر بن صعصعه ، ومحارب بن خصفه وفزاره ،وغسان ، ومره ، وحنيفة، وسليم ،وعبس
، وبنو نصر ، وبنو البكاء ،،وكنده ،وكلب ،والحارث بن كعب ،وعذره ،والحضارمه ، فلم
يستجب منهم احد يقول ربيعه بن عباد. وهو احد من حضر ذلك الموسم: اني لغلام
شاب مع ابي بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من
العرب، فيقول: يا بني فلان، اني رسول الله اليكم، يامركم ان تعبدوا الله ولا تشركوا
به شيئا، وان تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الانداد، وان تؤمنوا بي وتصدقوا
بي وتمنعوني، حتى ابين عن الله ما بعثني به. وخلفه رجل احول وضيء (اي جميل
نظيف) له غديرتان (اي ضفيرتان) عليه حله عدنية، فاذا فرغ رسول الله صلى الله عليه
وسلم من قوله وما دعا اليه، قال هذا الرجل: يا بني فلان، ان هذا انما
يدعوكم الى ان تسلخوا الات والعزى من اعناقكم، وحلفاءكم من بني مالك بن اقيش، الى
ما جاء به من البدعه والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه. فقلت لابي: من هذا
الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول؟ قال: هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب، ابو
لهب. واتى كنده في منازلهم، وفيهم سيد يقال له مليح، فدعاهم الى الله عز وجل،
وعرض عليهم نفسه فابوا عليه. واتى بني عامر بن صعصعه فدعاهم الى الله عز وجل
وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له “بيحره بن فراس”: والله لو اني
اخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به العرب، ثم قال له: ارايت ان نحن بايعناك
على امرك ثم اظهرك الله على من خالفك، ايكون لنا الامر (اي الحكم والملك) من
بعدك؟ قال: الامر الى الله يضعه حيث يشاء، فقال له: افنهدف نحورنا للعرب دونك، فاذا
اظهرك الله كان الامر لغيرنا؟ لا حاجه لنا بامرك، فابوا عليه. فلما عاد الناس رجعت
بنو عامر الى شيخ لهم قد كانت ادركته السن حتى لا يقدر ان يحضر معهم
المواسم، فكانوا اذا رجعوا اليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك
العام سالهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتى من قريش، ثم احد بني عبد
المطلب، يزعم انه نبي، يدعونا الى ان نمنعه ونقوم معه ونخرج به الى بلادنا، فوضع
الشيخ يديه على راسه ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف، هل لذناباها
من مطلب (يقصد هل هناك سبيل لتدارك الموقف والحاق بهذا الشرف) والذي نفس فلان بيده
ما تقولها اسماعيلي قط (اي من بني اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام) وانها لحق فاين
رايكم كان عنكم. كذلك اتى صلى الله عليه وسلم بني حنيفه في منازلهم فدعاهم الى
الله، وعرض عليهم نفسه، فلم يكن احد من العرب اقبح عليه ردا منهم. واتى بطنا
من بني كلب يقال لهم بنو عبد الله،فدعاهم الى الله،وعرض عليهم نفسه، حتى انه ليقول
لهم: يا بني عبد الله،ان الله قد احسن اسم ابيكم، فلم يقبلوا منه ما عرض
عليهم . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من امره، كلما اجتمع
له الناس بالموسم اتاهم يدعو القبائل الى الله والى الاسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء
به من الله من الهدى والرحمة، ولا يسمع بقادم يقدم مكه من العرب، له اسم
وشرف الا تصدى له فدعاه وعرض عليه ما عنده.

——————————————————————————–

الاسراء والمعراج وفرض الصلاة
»
وبينما النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرحله التي كانت دعوته تشق فيها طريقا
بين النجاح والاضطهاد ،وكانت تتراءى نجوم ضئيله تتلمح في افاق بعيده ،وقع حادث الاسراء والمعراج
. وقد اختلف في تعين زمنه،والراجح ان الاسراء انما وقع اما قبيل بيعه العقبه الاولى
او بين بيعتي العقبه الاولى والثانية، وفي هذه الحادثه اسري برسول الله صلى الله عليه
وسلم ، بجسده على الصحيح ، من المسجد الحرام الى بيت المقدس راكبا على البراق
صحبه جبريل عليهما الصلاه والسلام ، فنزل هناك ، وصلى بالانبياء اماما ، وربط البراق
بحلقه باب المسجد ، وقد حكى النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل تلك الرحلة، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا انا نائم في الحجر اذ جاءني جبريل فهمزني
بقدمه، فجلست فلم ار شيئا فعدت الى مضجعي؛ فجاءني الثانيه فهمزني بقدمه، فجلست فلم ار
شيئا، فعدت الى مضجعي؛ فجاءني الثالثه فهمزني بقدمه، فجلست فاخذ بعضدي، فقمت معه، فخرج بي
الى باب المسجد، فاذا دابه ابيض، بين البغل والحمار، في فخذيه جناحان يحفز بهما (اي
يدفع) رجليه، يضع يده في منتهى طرفه، فحملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا
افوته. قال الحسن في حديثه: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى جبريل عليه
السلام معه حتى انتهى به الى بيت المقدس، فوجد فيه ابراهيم وموسى وعيسى في نفر
من الانبياء عليهم السلام فامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ثم عرج
به في تلك اليله من بيت المقدس الى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبريل فتح
له ، فراى هنالك ادم ابا البشر ، فسلم عليه فرحب به ،ورد عليه السلام
، واقر بنبوته ، واراه الله ارواح الشهداء عن يمينه وارواح الاشقياء عن يساره .
ثم عرج به الى السماء الثانيه ، فاستفتح له ، فراى فيها يحيى بن زكريا
وعيسى بن مريم ، فلقيهما وسلم عليهما فردا عليه ، ورحبا به ،واقرا بنبوته .
ثم عرج به الى السماء الثالثه ، فراى فيها يوسف ، فسلم عليه ،فرد عليه
ورحب به واقر بنبوته . ثم عرج به الى السماء الرابعه ، فراى فيها ادريس
،فسلم عليه ،ورحب به واقر بنبوته . ثم عرج به الى السماء الخامسه فراى فيها
هارون بن عمران ، فسلم عليه ، ورحب به ، واقر بنبوته. ثم عرج به
الى السماء السادسه فلقي فيها موسى بن عمران ، فسلم عليه ورحب به ، واقر
بنبوته . فلما جاوزه بكى موسى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال :
ابكي لان غلاما بعث من بعدي يدخل من الجنه من امته اكثر مما يدخلها من
امتي . ثم عرج الى السماء السابعه ، فلقي فيها ابراهيم عليه السلام ، فسلم
عليه ، ورحب به واقر بنبوته . ثم رفع الى سدره المنتهى ، ثم رفع
له البيت المعمور . ثم عرج به الى الجبار جل جلاله ،فدنا منه حتى كان
قاب قوسين او ادنى ، فاوحى الى عبده ما اوحى ، وفرض عليه خمسين صلاه
، فرجع حتى مر على موسى ، فقال له : بم امرك ؟ قال بخمسين
صلاه : قال : ان عشيرتك لا تطيق ذلك ، ارجع الى ربك فاساله التخفيف
لامتك ،فالتفت الى جبريل كانه يستشيره في ذلك فاشار ان نعم ، ان شئت، فعلا
به جبريل حتى اتى به الجبار تبارك وتعالى، وهو في مكانه، فوضع عنه عشرا ،
ثم انزل حتى مر بموسى ،فاخبره ،فقال : ارجع الى ربك فاساله التخفيف ، فلم
يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل ،حتى جعلها خمسا ،فامره موسى بالرجوع وسؤال
التخفيف ، فقال قد استحيت من ربي ، ولكني ارضى واسلم، فلما بعد نادى مناد
: قد امضيت فريضتي وخفت عن عبادي وقد وقع حادث شق صدره صلى الله عليه
وسلم هذه المره ايضا، وقد راى ضمن هذه الرحله امورا عديدة: عرض عليه البن والخمر
فاختار البن فقيل: هديت الفطره اما انك لو اخذت الخمر غوت امتك. وراى اربعه انهار
في الجنه نهرين ظاهران ونهران باطنان، والظاهران هما النيل والفرات، ومعنى ذلك ان رسالته ستوطن
الاوديه الخصبه في النيل والفرات، وسيكون اهلها حمله الاسلام جيلا بعد جيل، وليس معناه ان
مياه النهرين تنبع من الجنة، وراى مالك خازن النار، وهو لا يضحك، وليس على وجهه
بشر وبشاشه وكذلك راى الجنه والنار. وراى اكله اموال اليتامى ظلما لهم مشافر كمشافر الابل،
يقذفون في افواههم قطعا من نار كالافهار(اي كالاحجار) فتخرج من ادبارهم. وراى اكله الربا لهم
بطون كبيرة، لا يقدرون لاجلها ان يتحولوا عن مكانهم، ويمر بهم ال فرعون حين يعرضون
على النار فيطئونهم. وراى الزناه بين ايديهم لحم سمين طيب الى جنبه لحم غث منتن،
ياكلون من الغث المنتن، ويتركون الطيب السمين. وراى النساء الاتي يدخلن على الرجال من ليس
من اولادهم، راهن معلقات بثديهن. وراى عيرا من اهل مكه في الاياب والذهاب وقد دلهم
على بعير ند لهم (اي تاه) ، وشرب ماءهم من اناء مغطى وهم نائمون ثم
ترك الاناء مغطى، وقد صار ذلك دليلا على صدق دعواه في صباح ليله الاسراء. قال
ابن القيم: فلما اصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه اخبرهم بما اراه
الله عز وجل من اياته الكبرى فاشتد تكذيبهم له واذاهم واستضرارهم عليه، وسالوه ان يصف
لهم بيت المقدس فجلاه الله له، حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن اياته، ولا يستطيعون ان
يردوا عليه شيئا، واخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، واخبرهم عن وقت قدومها واخبرهم عن
البعير الذي يقدمها وكان الامر كما قال، فلم يزدهم ذلك الا نفورا، وابى الظالمون الا
كفورا. فقال اكثر الناس: “هذا والله الامر البين (الامر اي العجيب المنكر) والله ان العير
لتطرد شهرا من مكه الى الشام مدبره وشهرا مقبلة، افيذهب ذلك محمد في ليله واحده
ويرجع الى مكة. قال: فارتد كثير ممن كان اسلم، وذهب الناس الى ابي بكر فقالوا
له: هل لك يا ابا بكر في صاحبك، يزعم انه قد جاء هذه اليله بيت
المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة، فقال لهم ابو بكر: انكم تكذبون عليه. فقالوا: بلى
هاهو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال ابو بكر: والله لئن كان قاله لقد
صدق، فما يعجبكم من ذلك، فوالله انه ليخبرني ان الخبر لياتيه من الله من السماء
الى الارض في ساعه من ليل او نهار فاصدقه، فهذا ابعد مما تعجبون منه ثم
اقبل حتى انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، احدثت
هؤلاء القوم انك جئت بيت المقدس هذه اليلة؟ قال: نعم. قال: يا نبي الله فصفه
لي، فاني قد جئته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرفع لي حتى نظرت
اليه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لابي بكر ويقول ابو بكر صدقت،
اشهد انك رسول الله. حتى اذا انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي
بكر: وانت يا ابا بكر الصديق. فيومئذ سماه “الصديق”.

الهجره الى المدينة»

هجره الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اشتد اذى قريش لرسول الله صلى الله عليه
وسلم اذن الله لرسوله بالهجره الى المدينه حيث انصار الله ورسوله.وفى اليله التى اختارتها قريش
لتنفيذ جريمه القتل فى سيد ولد ادم صلى الله عليه وسلم وبعد ان حاصروه فى
بيته ليقتلوه، اعمى جبار السموات والارض اعينهم عن نبيه عليه افضل الصلاه واتم التسليم واخرجه
من بينهم دون ان يروه،وقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ابى بكر فاصطحبه
معه فى طريق هجرته. ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ان قريشا
ستبعه لتقتله وانهم لا شك سيفكرون انه خرج يقصد اصحابه فى المدينه الى الشمال من
مكه فقد اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكمته جنوبا ليضللهم حتى وصل الى
جبل ثور، وكمن هو وابو بكر فى غار فى قمه الجبل ثلاثه ايام حتى يهدا
الطلب. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر قد استاجرا عبد الله بن
اريقط ليدلهما على الطريق، فخرج بهما بعد ثلاثه ايام الى المدينه متجنبا فى ذلك الطريق
الطبيعى اليها وسالكا طريقا اخرى مهجوره لا يعرفها الا قليل من الناس، حتى وصل الى
قباء فتلقاه المسلمون هناك وقد حملوا السلاح ايذانا بدء عهد النصره والمنعة.

طلائع الهجرة»

وبعد ان تمت بيعه العقبه الثانية، ونجح الاسلام في تاسيس وطن له وسط صحراء تموج
بالكفر والجهاله وهو اخطر كسب حصل عليه الاسلام منذ بدايه دعوته اذن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالهجره الى هذا الوطن. ولم يكن معنى الهجره الا اهدار المصالح، والتضحيه
بالاموال، والنجاه بالنفس فحسب، مع الاشعار بانه مستباح منهوب، قد يهلك في اوائل الطريق او
نهايتها، وبانه يسير نحو مستقبل مبهم، لا يدري ما يسفر عنه من قلاقل واحزان. وبدا
المسلمون يهاجرون وهم يعرفون كل ذلك، واخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم، لما كانوا يحسون
من الخطر، وهاك نماذج من ذلك: 1 كان من اول المهاجرين ابو سلمة، هاجر قبل
العقبه الكبرى بسنه هو وزوجته وابنه، فلما اجمع على الخروج قال له اصهاره: هذه نفسك
غلبتنا عليها، ارايت صاحبتنا هذه؟ علام نترك تسير بها في البلاد؟ فاخذوا منه زوجته، وغضب
ال ابي سلمه لرجلهم، فقالوا: لا نترك ابننا معها اذ نزعتموها من صاحبنا، وتجاذبوا الغلام
بينهم فخلعوا يده، وذهبوا به. وانطلق ابو سلمه وحده الى المدينة، وكانت ام سلمه بعد
ذهاب زوجها وضياع ابنها تخرج كل غداه بالابطح تبكي حتى تمسى، ومضى على ذلك نحو
سنة، فرق لها احد ذويها وقال: الا تخرجون هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها ولدها
فقالوا لها: الحقي بزوجك ان شئت، فاسترجعت ابنها من عصبته، وخرجت تريد المدينه رحله تبلغ
خمسمائه كيلو متر وليس معها احد من خلق الله، حتى اذا كانت بالتنعيم لقيها عثمان
بن طلحه بن ابى طلحة، وبعد ان عرف حالها شيعها حتى اقدمها الى المدينة، فلما
نظر الى قباء قال: زوجك في هذه القريه فادخليها على بركه الله، ثم انصرف راجعا
الى مكة. 2 ولما اراد صهيب الهجره قال له كفار قريش: اتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر
مالك عندنا وبلغت الذي بلغت، ثم تريد ان تخرج بمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك.
فقال لهم صهيب: ارايتم ان جعلت لكم مالي، اتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم. قال: فاني قد
جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ربح صهيب ربح
صهيب. 3 وتواعد عمر بن الخطاب، وعياش بن ابي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل
موضعا يصبحون عنده، ثم يهاجرون الى المدينة، فاجتمع عمر وعياش وحبس عنهما هشام. ولما قدما
المدينه ونزلا بقباء قدم ابو جهل واخوه الحارث الى عياش وام الثلاثه واحده فقالا له:
ان امك قد نذرت ان لا يمس راسها مشط ، ولا تستظل بشمس حتى تراك،
فرق لها. فقال له عمر: يا عياش، انه والله ان يريدك القوم الا ليفتنوك عن
دينك فاحذرهم ، فوالله لو اذى امك القمل لامتشطت، ، ولو قد اشتد عليها حر
مكه لاستظلت، فابي عياش الا الخروج معهما؛ ليبر قسم امه، فقال له عمر: اما اذ
قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فانها ناقه نجيبه ذلول، فالزم ظهرها، فان رابك
من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما، حتى اذا كانوا بعض الطريق قال له
ابو جهل: يا ابن اخي والله لقد استغلظت بعيري هذا، افلا تعقبني على ناقتك هذه؟
قال: بلى، فاناخ واناخا ليتحول عليها، فلما استوا بالارض عدوا عليه فاوثقاه وربطاه، ثم دخلا
به مكه نهارا موثقا، وقالا: يا اهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.
هذه ثلاثه نماذج لما كان المشركون يفعلونه بمن يريد الهجره اذا علموا بذلك. ولكن مع
كل ذلك خرج الناس ارسالا يتبع بعضهم بعضا. وبعد شهرين وبضعه ايام من بيعه العقبه
الكبرى لم يبق بمكه من المسلمين الا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابوبكر وعلي
الذان اقاما بامره لهما، والا من احتبسه المشركون كرها، وقد اعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج واعد ابو بكر جهازه. روى البخاري عن عائشه
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلين، اني اريت دار هجرتكم ذات نخل
بين لابتين (الابة: ارض يعلوها حجاره سود، وكان يحيط بالمدينه جبلان من الحجاره السود) فهاجر
من هاجر الى المدينة، ورجع عامه من كان هاجر بارض الحبشه الى المدينة، وتجهز ابو
بكر للهجرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك فاني ارجو ان
يؤذن لي، فقال له ابو بكر: وهل ترجو ذلك بابي انت؟ قال: نعم، فحبس ابو
بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه

مطارده قريش للنبي صلي الله عليه وسلم
»
غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته في ليله 27 من شهر صفر سنه
14 من النبوه الموافق 13 سبتمبر سنه 622 م. واتى الى دار رفيقه ابي بكر
رضي الله عنه. ثم غادرا منزل الاخير من باب خلفي ليخرجا من مكه على عجل،
وقبل ان يطلع الفجر. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ان قريشا ستجتهد
في الطلب، وان الطريق الذي ستجه اليه الانظار لاول وهله هو طريق المدينه الرئيسي المتجه
شمالا، فقد سلك الطريق الذي يضاده تماما، وهو الطريق الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن.
سلك هذا الطريق نحو خمسه اميال، حتى بلغ جبلا يعرف بجبل ثور، وهذا جبل شامخ،
وعر الطريق، صعب المرتقى، ذا احجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فحمله ابو بكر حتى انتهى به الى غار في قمه الجبل، عرف في التاريخ بغار
ثور. ولما انتهيا الى الغار قال ابو بكر: والله لا تدخله حتى ادخله قبلك، فان
كان فيه شئ اصابني دونك، فدخل فنظر فيه، وجد في جانبه ثقبا فشق ازاره وسدها
به، وبقي منها اثنان فوضع فيهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ادخل. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع راسه في حجرابي بكر ونام، فلدغ
ابو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافه ان ينتبه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مالك يا
ابا بكر؟ قال: لدغت، فداك ابي وامي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب
ما يجده. وكمنا في الغار ثلاث ليال، ليله الجمعه وليله السبت وليله الاحد. وكان عبد
الله بن ابي بكر يبيت عندهما. وامر ابو بكر ابنه عبد الله ان يتسمع لهما
ما يقول الناس فيهما نهارا ثم ياتيهما اذا امسى بما يكون في ذلك اليوم من
الخبر. وامر عامر بن فهيره مولاه ان يرعى غنمه نهارا ثم يريحها عليهما،وياتيهما اذا امسى
في الغار، وكانت اسماء بنت ابي بكر تاتيهما من الطعام اذا امست بما يصلحهما. اما
قريش فقد جن جنونها حينما تاكد لديها افلات رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح
ليله تنفيذ المؤامرة. فاول ما فعلوا بهذا الصد انهم ضربوا عليا، وسحبوه الى الكعبه وحبسوه
ساعة، علهم يظفرون بخبرهما. ولما لم يحصلوا من علي على شيء جاءوا الى بيت ابي
بكر، وطرقوا بابه، فخرجت اليهم اسماء بنت ابي بكر، فقالوا لها: اين ابوك؟ قالت: لا
ادري والله اين ابي؟ فرفع ابو جهل يده فلطم خدها لطمه طرح منها قرطها. وقررت
قريش في جلسه طارئه مستعجله استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين، فوضعت
جميع الطرق النافذه من مكه (في جميع الجهات) تحت المراقبه المسلحه الشديدة، كما قررت اعطاء
مكافاه ضخمه قدرها مائه ناقه بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما الى قريش حين او
ميتين، كائنا من كان. وحينئذ هب الفرسان والمشاه وقصاص الاثر، وانتشروا في الجبال والوديان، والوهاد
والهضاب، لكن دون جدوى وبغير عائد. وقد وصل المطاردون الى باب الغار، ولكن الله غالب
على امره، روى البخاري عن انس عن ابي بكر قال: كنت مع النبي صلى الله
عليه وسلم في الغار فرفعت راسي، فاذا انا باقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو
ان بعضهم طاطا بصره رانا. قال: اسكت يا ابا بكر، ما ظنك يا ابا بكر
باثنين الله ثالثهما. وقد كانت معجزه اكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد
رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم الا خطوات معدودة.

في الطريق الي المدينه »

بعد ان خمدت نار الطلب، وتوقفت اعمال دوريات التفتيش، وهدات ثائرات قريش بعد استمرار المطارده
الحثيثه ثلاثه ايام بدون جدوى، تهيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه للخروج الى
المدينة. وكانا قد استاجرا عبدالله بن اريقط اليثي، وكان دليلا ماهرا بالطريق، وكان على دين
كفار قريش، وامناه على الرغم من ذلك، وسلما اليه راحلتيهما، واعداه غار ثور بعد ثلاث
ليال براحلتيهما، فلما كانت ليله الاثنين غره ربيع الاول سنه 1 ه / 16 سبتمبر
سنه 622 م جاءهما عبدالله بن اريقط بالراحلتين وحينئذ قال ابو بكر للنبي صلى الله
عليه وسلم: بابي انت يا رسول الله، خذ احدى هاتين، وقرب اليه افضلهما. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالثمن. واتهما اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما بسفرتهما،
ونسيت ان تجعل لها رباطا، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفره فاذا ليس لها رباط، فشقت
نطاقها باثنين (النطاق ما يربط به الوسط كالحزام) فعلقت السفره بواحد، وانتطقت بالاخر، فسميت ذات
النطاقين. ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر رضي الله عنه، وارتحل
معهما عامر بن فهيرة، واخذهم الدليل عبدالله بن اريقط على طريق السواحل. واول ما سلك
بهم بعد الخروج من الغار انه سار في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربا
نحو الساحل، حتى اذا وصل الى طريق لم يالفه الناس اتجه شمالا على مقربه من
شاطئ البحر الاحمر، وسلك طريقا لم يكن يسلكه احد الا نادرا. وقع لهم في الطريق
بعض الاحداث منها ما رواه 1لبخاري عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه قال: اسرينا
ليلتنا (اي سرنا تلك اليلة) ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق، لا يمر
فيه احد، فرفعت لنا صخره طويله لها ظل لم تات عليها الشمس، فنزلنا عندها، وسويت
للنبي صلى الله عليه وسلم مكانا بيدي، ينام عليه، وبسطت عليه فروة، وقلت: نم يا
رسول الله، وانا انفض (اي اراقب) لك ما حولك، فنام، وخرجت انفض ما حوله، فاذا
انا براع مقبل بغنمه الى الصخرة، يريد منها مثل الذي اردنا (اي الراحة) فقلت له:
لمن انت يا غلام؟ فقال رجل من اهل المدينه او مكة. قلت: افي غنمك لبن؟
قال: نعم. قلت: افتحلب ؟ قال: نعم. فاخذ شاة، فقلت: انفض الضرع من التراب والشعر
والقذى، فحلب في كعب كثبه من لبن (الكثبة: القليل من الماء او البن او الطعام)
ومعي اداوه (وعاء) حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم يرتوي منها يشرب ويتوضا، فاتيت النبي
صلى الله عليه وسلم فكرهت ان اوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصبت من الماء على البن
حتى برد اسفله، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قال: الم يان
الرحيل؟ قلت: بلى، قال: فارتحلنا. وكان من عاده ابي بكر رضي الله عنه انه كان
يركب خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شيخا يعرف، ونبي الله صلى الله عليه
وسلم شاب لا يعرف، فيلقى الرجل ابا بكر فيقول: من هذا الرجل الذي بين يديك؟
فيقول هذا الرجل يهديني الطريق، فيحسب الحاسب انه يعني به الطريق، وانما يعني سبيل الخير.
وتبعهما في الطريق سراقه بن مالك،اتاه رجل وهو جالس في مجلس من مجالس قومه بني
مدلج، فقال: يا سراقه اني رايت انفا خيالا بالساحل، اراه محمدا واصحابه. قال سراقة: فعرفت
انهم هم ولكني قلت له: انهم ليسوا هم، ولكنك رايت فلانا وفلانا انطلقوا الان امام
اعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فامرت جاريتي ان تخرج فرسي، واخذت
رمحي فخرجت به من ظهر البيت، ثم اتيت فرسي، فركبتها، حتى دنوت منهم، فعثرت بي
فرسي فخرت عنها، فقمت، فتحت كنانتي، فاستخرجت منها الازلام (وهي عصي كان يصنعها المشركون يستشيرون
بها الهتهم) فاستقسمت بها (اي عملت قرعة) اضرهم ام لا؟ فخرج الذي اكره فركبت فرسي
وعصيت الازلام، واقتربت حتى اذا سمعت قراءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا
يلتفت، وابو بكر يكثر الالتفات غاصت يدا فرسي في الارض، ، حتى بلغتا الركبتين، فخرت
عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمه اذا لاثر يديها غبار
ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالازلام، فخرج الذي اكره، فناديتهم بالامان، فوقفوا، فركبت فرسي
حتى جئتهم، وقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم ان امر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ظاهر وانه ممنوع مني، فقلت له: ان قومك قد جعلوا
فيك الدية، واخبرتهم اخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزاني (اي
لم ياخذا مني شيئا) ولم يسالاني الا ان قال: اخف عنا، فسالته ان يكتب لي
كتابا بالامن يكون ايه بيني وبينه، فامر عامر بن فهيرة، فكتب له، ثم مضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ومر صلى الله عليه وسلم في مسيره ذلك حتى مر
بخيمتي ام معبد الخزاعية، وكانت امراه تطعم وتسقي من مر بها، فسالاها: هل عندها شئ؟
فقالت: والله لو كان عندنا شئ ما حجبته عنكم فنظر رسول الله صلى الله عليه
وسلم الى شاه في جانب الخيمة، فقال: ما هذه الشاه يا ام معبد؟ قالت: شاه
ضعيفه ليس بها لبن، فقال: اتاذنين لي ان احلبها؟ قالت: نعم بابي وامي، ان رايت
بها حلبا فاحلبها. فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمى الله ودعا،
فدر البن بغزارة، فدعا باناء كبير يكفي جماعة، فحلب فيه حتى علته الرغوة، فسقاها، فشربت
حتى رويت، وسقى اصحابه حتى روا، ثم شرب، وحلب فيها ثانيا، حتى ملا الاناء، ثم
غادره عندها فارتحلوا. فما لبثت ان جاء زوجها ابو معبد يسوق عنزات عجافا، فلما راى
البن عجب، فقال: من اين لك هذا ولا حلوبه في البيت؟ فقالت: لا والله الا
انه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت، ومن حاله كذا وكذا، قال:
اني والله اراه صاحب قريش الذي تطلبه، صفيه لي يا ام معبد، فوصفته بصفاته الرائعه
بكلام رائع كان السامع ينظر اليه وهو امامه فقال ابو معبد: والله هذا صاحب قريش
الذي ذكروا من امره ما ذكروا، لقد هممت ان اصحبه ولافعلن ان وجدت الى ذلك
سبيلا، واصبح صوت بمكه عاليا يسمعونه ولا يرون القائل: جزى الله رب العرش خير جزائه
رفيقين حلا خيمتي ام معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به وافلح من امسى رفيق محمد
فيا لقصي ما روى الله عنكم به من فعال لا يحاذى وسؤد ليهن بني كعب
مكان فتاتهم ومقعدها للمؤني بمرصد سلوا اختكم عن شاتها وانائها فانكم ان تسالوا الشاه تشهد
قالت اسماء: ما درينا اين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ اقبل رجل
من الجن من اسفل مكه فانشد هذه الابيات، والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه، حتى
خرج من اعلاها. قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وان وجهته الى المدينة. وفي الطريق لقي النبي صلى الله عليه وسلم ابا بريدة،
وكان رئيس قومه، خرج في طلب النبي صلى الله عليه وسلم وابي بكر؛ رجاء ان
يفوز بالمكافاه الكبيره التي كانت قد اعلنت عنها قريش، ولما واجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكلمه اسلم مكانه مع سبعين رجلا من قومه، ثم نزع عمامته وعقدها برمحه،
فاتخذه رايه تعلم بان ملك الامن والسلام قد جاء ليملا الدنيا عدلا وقسطا. وفي الطريق
لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير، و هو في ركب المسلمين، كانوا تجارا
قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وابا بكر ثيابا بيضاء.

Previous post
حلى بسيط وسهل وسريع بالصور , شاتوه البسكويت من عمايلك ايديكي ببساطة
Next post
اماكن مشوفتهاش بحياتي كلها , اغرب الاماكن في الارض لا يمكن دخولها