مقال عن فتنه المحيا والممات
السؤال:
ما هي فتنه المحيا والممات؟ ارجو الشرح. وهل الديمقراطيه من فتنه الدجال؟ فقد سمعت رجلا
متدينا يقول بذلك.
الجواب :
الحمد لله
ورد التعوذ من فتنه المحيا والممات ومن فتنه المسيح الدجال في عده احاديث منها :
عن عائشه رضي الله عنها ، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو
في الصلاه : ( اللهم اني اعوذ بك من عذاب القبر ، واعوذ بك من
فتنه المسيح الدجال ، واعوذ بك من فتنه المحيا والممات ، اللهم اني اعوذ بك
من الماثم والمغرم . فقال له قائل : ما اكثر ما تستعيذ من المغرم ؟
فقال : ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ، ووعد فاخلف ) رواه
البخاري ( 832 ) ، ومسلم ( 589 ) .
و”فتنه المحيا” : هي الفتن التي يلاقيها المسلم في حياته ، فقد يمتحن الانسان بدواعي
المعصيه ، او البدعه ، او حتى الكفر – نسال الله تعالى ان ينجينا من
الفتن – وهذا الدواعي اما ان تكون من الشبهات ، او الشهوات .
واما فتنه الممات : فيمكن ان يكون المراد بها : ما يعرض للمسلم عند احتضاره
، وقرب مماته، فقد يعرض له الشيطان في اخر لحظات حياته ، يحاول ان يضله
، فسميت فتنه الممات لقربها من الموت ، وكذا فتنه عذاب القبر ؛ فالانسان يفتن
في قبره .
عن هشام بن عروه عن امراته فاطمه عن جدتها اسماء بنت ابي بكر انها قالت
: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( … ولقد اوحي الى
انكم تفتنون في القبور مثل – او قريب من – فتنه الدجال – لا ادري
اى ذلك قالت اسماء- يؤتى احدكم فيقال : ما علمك بهذا الرجل ؟ فاما المؤمن
– او الموقن ، لا ادري اى ذلك قالت اسماء – فيقول : هو محمد
رسول الله ، جاءنا بالبينات والهدى ، فاجبنا وامنا واتبعنا ، فيقال : نم صالحا
، فقد علمنا ان كنت لمؤمنا ، واما المنافق – او المرتاب ، لا ادري
اى ذلك قالت اسماء – فيقول : لا ادري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته
” رواه البخاري ( 184 ) ، ومسلم ( 905 ) .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى :
” ( فتنه المحيا ) ما يتعرض له الانسان مده حياته ، من الافتتان بالدنيا
والشهوات والجهالات ، واشدها واعظمها – والعياذ بالله تعالى : امر الخاتمه عند الموت .
و( فتنه الممات ) يجوز ان يراد بها الفتنه عند الموت ؛ اضيفت الى الموت
لقربها منه .
وتكون فتنه المحيا ، على هذا : ما يقع قبل ذلك في مده حياه الانسان
وتصرفه في الدنيا ؛ فان ما قارب شيئا يعطى حكمه ، فحاله الموت تشبه بالموت
، ولا تعد من الدنيا .
ويجوز ان يكون المراد بفتنه الممات : فتنه القبر ، كما صح عن النبي –
صلى الله عليه وسلم – في فتنه القبر ( كمثل – او اعظم – من
فتنه الدجال ) ” انتهى من ” احكام الاحكام ” ( 1 / 294 )
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
” فتنه المحيا : هي ان يفتتن الانسان بالدنيا ، وينغمس فيها ، وينسى الاخره
؛ وهذا ما انكره الله تعالى على العباد ( بل تؤثرون الحياه الدنيا ، والاخره
خير وابقى ) .
ومن فتن الدنيا : الشبهات ؛ ان يقع في قلب الانسان شك وجهل فيما انزل
الله على رسوله صلى الله عليه وسلم .
اما فتنه الممات فتشمل شيئين : الاول ما يحدث عند الموت ، والثاني ما يحدث
في القبر .
فاما الاول : وهو الذي يحدث عند الموت : فان الشيطان ، اعاذنا الله منه
، احرص ما يكون على اغواء بني ادم عند موته ، لانها هي الساعه الحاسمه
فيحول بين المرء وقلبه ؛ بمعنى : انه يوقع الانسان في تلك اللحظه فيما يخرجه
عن دين الاسلام … يحرص حرصا كاملا على اغواء بني ادم في تلك اللحظه .
وقد ذكروا عن الامام احمد رحمه الله انه كان حين احتضاره يغمى عليه ، فيسمعونه
يقول : بعد ، بعد ، فلما افاق ، قيل له : يا ابا عبد
الله ما قولك بعد ، بعد ؟ قال : ان الشيطان يتمثل امامي يقول :
فتني يا احمد ، فتني يا احمد ، فاقول له : بعد ، بعد –
يعني – لم افتك ؛ لان الانسان لا ينجو من الشيطان الا اذا مات ،
اذا مات انقطع عمله ، ولا رجاء للشيطان فيه ان كان مؤمنا ، فيقول :
اني اقول بعد ، بعد ؛ اي : لم افتك لجواز ان يحصل من الشيطان
فتنه عند موت الانسان .
ولكنني ابشر اخواني الذين امنوا بالله حقا ، واتبعوا رسوله صدقا ، واستقاموا على شريعه
الله ؛ ابشرهم ان الله بفضله وكرمه لن يخذلهم ، لن يختم لهم بسوء الخاتمه
… فمن صدق مع الله ، فليبشر بالخير …
اما الثاني مما يتناوله فتنه الموت : فهو فتنه الانسان في قبره ، فان الانسان
اذا مات ودفن وتولى عنه اصحابه : اتاه ملكان يسالانه عن ربه ودينه ونبيه …
” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” ( 6/ 2 ) .
واما فتنه المسيح الدجال : فهي اعظم ما يمر بالعبد من الفتن في حياته الدنيا
، بل هي اعظم فتنه خلقها الله على وجه هذه الارض ، نسال الله ان
يسلمنا منها ، بمنه وكرمه .
وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : ” ما بين خلق ادم الى قيام الساعه خلق اكبر من
الدجال ” رواه مسلم برقم (5239). وفي روايه احمد عن هشام بن عامر الانصاري قال
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما بين خلق ادم الى ان تقوم الساعه
فتنه اكبر من فتنه الدجال . مسند الامام احمد(15831)
لكن هذه الفتنه ، مع عظمها ، لا علاقه لها بقضيه “الديمقراطية” وحكمها بوجه من
الوجوه ، وبغض النظر عن حكم “الديمقراطية” : وهل هي صواب او خطا ، ايمان
او ضلاله ؛ فان ذلك لا مدخل له بوجه بالدجال وفتنه ، وانما هذا من
التكلف الباطل ، وتحريف الكلم عن مواضعه .
وليس كل خطا : هو من فتنه الدجال ، وليس كل شر وشرك : هو
من فتنه الدجال ، كما لا يخفى على عاقل .