لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
ص: 366 ] ( وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى
في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ( 87 )
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ( 88 ) ) .
هذه القصه مذكوره هاهنا وفي سوره ” الصافات ” وفي سوره ” ن ” وذلك
ان يونس بن متى ، عليه السلام ، بعثه الله الى اهل قريه ” نينوى
” ، وهي قريه من ارض الموصل ، فدعاهم الى الله ، فابوا عليه وتمادوا
على كفرهم ، فخرج من بين اظهرهم مغاضبا لهم ، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث .
فلما تحققوا منه ذلك ، وعلموا ان النبي لا يكذب ، خرجوا الى الصحراء باطفالهم
وانعامهم ومواشيهم ، وفرقوا بين الامهات واولادها ، ثم تضرعوا الى الله عز وجل ،
وجاروا اليه ، ورغت الابل وفصلانها ، وخارت البقر واولادها ، وثغت الغنم وحملانها ،
فرفع الله عنهم العذاب ، قال الله تعالى : ( فلولا كانت قريه امنت فنفعها
ايمانها الا قوم يونس لما امنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياه الدنيا ومتعناهم الى
حين ) [ يونس : 98 ] .
واما يونس ، عليه السلام ، فانه ذهب فركب مع قوم في سفينه فلججت بهم
، وخافوا ان يغرقوا . فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه ، فوقعت
القرعه على يونس ، فابوا ان يلقوه ، ثم اعادوا القرعه فوقعت عليه ايضا ،
فابوا ، ثم اعادوها فوقعت عليه ايضا ، قال الله تعالى : ( فساهم فكان
من المدحضين ) [ الصافات : 141 ] ، اي : وقعت عليه القرعه ،
فقام يونس ، عليه السلام ، وتجرد من ثيابه ، ثم القى نفسه في البحر
، وقد ارسل الله ، سبحانه وتعالى ، من البحر الاخضر – فيما قاله ابن
مسعود – حوتا يشق البحار ، حتى جاء فالتقم يونس حين القى نفسه من السفينه
، فاوحى الله الى ذلك الحوت الا تاكل له لحما ، ولا تهشم له عظما;
فان يونس ليس لك رزقا ، وانما بطنك له يكون سجنا .
وقوله : ( وذا النون ) يعني : الحوت ، صحت الاضافه اليه بهذه النسبه
.
وقوله : ( اذ ذهب مغاضبا ) : قال الضحاك : لقومه ، ( فظن
ان لن نقدر عليه ) [ اي : نضيق عليه في بطن الحوت . يروى
نحو هذا عن ابن عباس ،ومجاهد ، والضحاك ، وغيرهم ، واختاره ابن جرير ،
واستشهد عليه بقوله تعالى : ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله لا
يكلف الله نفسا الا ما اتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ) [ الطلاق :
7 ] .
وقال عطيه العوفي : ( فظن ان لن نقدر عليه ) ، اي : نقضي
عليه ، كانه جعل ذلك بمعنى التقدير ، فان العرب تقول : قدر وقدر بمعنى
واحد ، وقال الشاعر : [ ص: 367 ]
فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يكن ، فلك الامر
ومنه قوله تعالى : ( فالتقى الماء على امر قد قدر ) [ القمر :
12 ] ، اي : قدر .
وقوله : ( فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من
الظالمين ) قال ابن مسعود : ظلمه بطن الحوت ، وظلمه البحر ، وظلمه الليل
. وكذا روي عن ابن عباس ، وعمرو بن ميمون ، وسعيد بن جبير ،
ومحمد بن كعب ، والضحاك ، والحسن ، وقتاده .
وقال سالم بن ابي الجعد : ظلمه حوت في بطن حوت في ظلمه البحر .
قال ابن مسعود ، وابن عباس وغيرهما : وذلك انه ذهب به الحوت في البحار
يشقها ، حتى انتهى به الى قرار البحر ، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره
، فعند ذلك وهنالك قال : ( لا اله الا انت سبحانك )
وقال عوف : لما صار يونس في بطن الحوت ، ظن انه قد مات ،
ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه ، ثم نادى : يا رب ، اتخذت
لك مسجدا في موضع ما اتخذه احد .
وقال سعيد بن ابي الحسن البصري : مكث في بطن الحوت اربعين يوما . رواهما
ابن جبير .
وقال محمد بن اسحاق بن يسار ، عمن حدثه ، عن عبد الله بن رافع
– مولى ام سلمه – سمعت ابا هريره يقول : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : “لما اراد الله حبس يونس في بطن الحوت ، اوحى الله الى
الحوت ان خذه ، ولا تخدش لحما ولا تكسر عظما ، فلما انتهى به الى
اسفل البحر ، سمعيونس حسا ، فقال في نفسه : ما هذا؟ فاوحى الله اليه
، وهو في بطن الحوت : ان هذا تسبيح دواب البحر . قال : فسبح
وهو في بطن الحوت ، فسمع الملائكه تسبيحه فقالوا : يا ربنا ، انا نسمع
صوتا ضعيفا [ بارض غريبه ] قال : ذلك عبدي يونس ، عصاني فحبسته في
بطن الحوت في البحر . قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد اليك منه في
كل يوم وليله عمل صالح؟ . قال : نعم ” . قال : ” فشفعوا
له عند ذلك ، فامر الحوت فقذفه في الساحل ، كما قال الله عز وجل
: ( وهو سقيم ) [ الصافات : 145 ] .
ورواه ابن جرير ، ورواه البزار في مسنده ، من طريق محمد بن اسحاق ،
عن عبد الله بن رافع ، عن ابي هريره ، فذكره بنحوه ، ثم قال
: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم الا من هذا الوجه بهذا
الاسناد ، وروى ابن عبد الحق من حديث شعبه ، عن عمرو بن مره ،
عن عبد الله بن سلمه ، [ ص: 368 ] عن علي مرفوعا : لا
ينبغي لعبد ان يقول : ” انا خير من يونس بن متى ” ; سبح
لله في الظلمات .
وقد روي هذا الحديث بدون هذه الزياده ، من حديث ابن عباس ، وابن مسعود
، وعبد الله بن جعفر ، وسياتي اسانيدها في سوره ” ن ” .
وقال ابن ابي حاتم : حدثنا ابو عبد الله احمد بن عبد الرحمن ابن اخي
ابن وهب ، حدثنا عمي : حدثني ابو صخر : ان يزيد الرقاشي حدثه قال
: سمعتانس بن مالك – ولا اعلم الا ان انسا يرفع الحديث الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم – ان يونس النبي ، عليه السلام ، حين بدا له
ان يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت ، قال : ” اللهم ، لا
اله الا انت ، سبحانك ، اني كنت من الظالمين ” . فاقبلت هذه الدعوه
تحف بالعرش ، فقالت الملائكه : يا رب ، صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة؟
فقال : اما تعرفون ذاك ؟ قالوا : لا يا رب ، ومن هو؟ قال
: عبدي يونس . قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل
، ودعوه مجابة؟ . [ قال : نعم ] . قالوا : يا رب ،
اولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال : بلى . فامر
الحوت فطرحه في العراء .
وقوله : ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم ) اي : اخرجناه من بطن الحوت
، وتلك الظلمات ، ( وكذلك ننجي المؤمنين ) اي : اذا كانوا في الشدائد
ودعونا منيبين الينا ، ولا سيما اذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء ، فقد
جاء الترغيب في الدعاء بها عن سيد الانبياء ، قال الامام احمد :
حدثنا اسماعيل بن عمر ، حدثنا يونس بن ابي اسحاق الهمداني ، حدثنا ابراهيم بن
محمد بن سعد ، حدثني والدي محمد عن ابيه سعد ، – وهو ابن ابي
وقاص – قال : مررت بعثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، في المسجد
، فسلمت عليه ، فملا عينيه مني ثم لم يردد علي السلام ، فاتيت عمر
بن الخطابفقلت : يا امير المؤمنين ، هل حدث في الاسلام شيء؟ مرتين ، قال
: لا وما ذاك؟ قلت : لا الا اني مررت بعثمان انفا في المسجد ،
فسلمت عليه ، فملا عينيه مني ، ثم لم يردد علي السلام . قال :
فارسل عمر الى عثمان فدعاه ، فقال : ما منعك الا تكون رددت على اخيك
[ ص: 369 ] السلام؟ قال : ما فعلت . قال سعد : قلت :
بلى حتى حلف وحلفت ، قال : ثم ان عثمان ذكر فقال : بلى ،
واستغفر الله واتوب اليه ، انك مررت بي انفا وانا احدث نفسي بكلمه سمعتها من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا والله ما ذكرتها قط الا تغشى بصري وقلبي
غشاوه . قال سعد : فانا انبئك بها ، ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذكر لنا [ اول دعوه ] ثم جاء اعرابي فشغله ، حتى قام رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته ، فلما اشفقت ان يسبقني الى منزله ضربت بقدمي
الارض ، فالتفت الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” من هذا؟
ابو اسحاق ؟ ” قال : قلت : نعم ، يا رسول الله . قال
: ” فمه؟ ” قلت : لا والله ، الا انك ذكرت لنا اول دعوه
، ثم جاء هذا الاعرابي فشغلك . قال : ” نعم ، دعوه ذي النون
، اذ هو في بطن الحوت : ( لا اله الا انت سبحانك اني كنت
من الظالمين ) ، فانه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط الا استجاب
له ” .
ورواه الترمذي ، والنسائي في ” اليوم والليله ” ، من حديث ابراهيم بن محمد
بن سعد ، عن ابيه ، عن سعد ، به .
وقال ابن ابي حاتم : حدثنا ابو سعيد الاشج ، حدثنا ابو خالد الاحمر ،
عن كثير بن زيد ، عن المطلب بن حنطب – قال ابو خالد : احسبه
عن مصعب ، يعني : ابن سعد – عن سعد قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ” من دعا بدعاء يونس ، استجيب له ” .
قال ابو سعيد : يريد به ( وكذلك ننجي المؤمنين ) .
وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا يحيى بن صالح ،
حدثنا ابو يحيى بن عبد الرحمن ، حدثني بشر بن منصور ، عن علي بن
زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : سمعت سعد بن مالك – وهو ابن
ابي وقاص – يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ”
اسم الله الذي اذا دعي به اجاب ، واذا سئل به اعطى ، دعوه يونس
بن متى ” . قال : قلت : يا رسول الله ، هي ليونس خاصه
ام لجماعه المسلمين؟ قال : هي ليونس بن متى خاصه وللمؤمنين عامه ، اذا دعوا
بها ، الم تسمع قول الله عز وجل : ( : فنادى في الظلمات ان
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك
ننجي المؤمنين ) . فهو شرط من الله لمن دعاه به ” .
وقال ابن ابي حاتم : حدثنا ابي ، حدثنا احمد بن ابي سريج ، حدثنا
داود بن المحبر بن قحذم المقدسي ، عن كثير بن معبد قال : سالت الحسن
، قلت : يا ابا سعيد ، اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به اجاب
، واذا سئل به اعطى؟ قال : ابن اخي ، اما تقرا القران؟ قول الله
: ( وذا النون اذ ذهب مغاضبا ) [ص: 370 ] الى قوله : (
المؤمنين ) ، ابن اخي ، هذا اسم الله الاعظم ، الذي اذا دعى به اجاب
، واذا سئل به اعطى .