فتاوى ابن عثيمين في الزواج
ليس ثمه شك في ان الزواج يعني اضافه لبنه جديده من لبنات المجتمع المسلم ،
ودعامه جديده من دعائمه ، ومن هنا كانت الاهميه والعنايه التي تحوطه . فبناء الاجيال
والامم انما يرتكز وينطلق من هذه اللبنه ، وان المنطلقات اذا هي سلمت من الغبش
والرتوش اضحت المسيره سليمه من كل العراقيل والقيود التي قد تحول دون اكمال مهمتها .
وبالزواج يكون المسلم قد بدا حياه جديده . لكن يجب ان تكون هذه الحياه مدعومه
بالفهم الصحيح . والادراك العميق لكل متطلبات الحياه الزوجيه .
ونحن نمر بفتره الاجازه الصيفيه حيث تكثر حفلات الزواج نجد انه من المناسب ان نلتقي
باحد اعلام الامه البارزين ليحدد لنا النهج القويم والسياسه الشرعيه الثابته التي خطها ديننا الحنيف
لكي نتبع خطاها ونسترشد برؤاها حتى نسلم من الوقوع في المحذور والزلل .
فلقاؤنا كان مع فضيله الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ليوضح لنا بعض
المعالم النيره حول قضايا الزواج وما يجب على الزوجين الالتزام به قبل وبعد وفي اثناء
زواجهما . وبعض المحاذير التي تقع في الزواج ، واسداء النصائح والتوجيهات القيمه التي تنفع
الامه في دينها ودنياها .
فالى المحاوره التاليه :
فضيله الشيخ : تعلمون حفظكم الله ان الزواج تلبيه مامونه لحاجه غريزيه بين الرجل والمراه
التي ان توفرت حصلت العفه ، وان لم تتوفر حصلت الخيانه التي فيها دمار الامه
، فما هي نصيحتكم لمن اراد الزواج ؟ وماذا يفعلان الزوج والزوجه في ليله الزواج
؟
نصيحتي لمن اراد الزواج ان يختار من النساء من اوصى النبي صلى الله عليه وسلم
بتزوجها حيث قال ( تزوجوا الودود الولود ) (36)وقال ( تنكح المراه لاربع لمالها ،
وحسبها ، وجمالها ، ودينها ، فاظفر بذات الدين ) (37)وان تختار المراه من كان
ذا خلق ودين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( اذا اتاكم من ترضون
دينه وخلقه فزوجوه ) (38)وان تتحرى غايه التحري ولا تتعجل بقبول الخطبه حتى تبحث عن
حال الخاطب لئلا تندم على تسرعها .
ومما ينبغي العنايه به ليله الدخول على المراه ان يدخل الزوج عليها مستبشرا متهللا لاجل
ايناسها ، لانها في تلك الساعه سيكون عندها رهبه ؛ وهيبه وخوف ، وياخذ بناصيتها
ويدعو بالدعاء المعروف ( اللهم اني اسالك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، واعوذ بك
من شرها وشر ما جبلتها عليه ) (39)يقول ذلك جهرا الا ان يخاف ان تتروع
المراه وتشمئز ، فاذا خاف ذلك فيكفي ان يضع يده على ناصيتها ويدعو بهذا الدعاء
سرا
وعند اتيان الانسان اهله يقول ما حث عليه الرسول عليه السلام ( لو ان احدكم
اذا اتى اهله قال: بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ،
فانه ان يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان ابدا ) (40) .
فهذا من اسباب صلاح الاولاد وهو سهل ويسير ، كذلك مما ينبغي بل يتعين فهمه
ومعرفته انه اذا حصل الجماع وجب الغسل على الطرفين وان لم يحصل انزال ، وبعض
الناس يظن ان الغسل لا يجب الا بالانزال ، وهذا ظن خاطيء ، فالغسل واجب
اذا جامع وان لم ينزل ، لقول النبي(اذا جلس بين شعبها الاربع ثم جهدها فقد
وجب الغسل وان لم ينزل ) (41) وعلى هذا فيجب الغسل باحد امرين اما بالانزال
واما بالجماع ، فالانزال اذا حصل سواء بتقبيل او ضم او نظر لشهوه او محادثه
او اي سبب وجب الغسل ، واذا حصل جماع وجب الغسل وان لم ينزل .
ومما تجدر الاشاره اليه ان بعض الازواج هداهم الله لا يهتمون بصلاه الفجر صباح الزواج
اما انهم يصلونها في اخر الوقت وليس مع الجماعه ، واما انهم لا يصلونها الا
اذا طلعت الشمس ، وهذا من العادات المنكره المنافيه لشكر نعمه الله تعالى ، لان
شكر نعمه الله ان تقوم بطاعته .
*وماذا تقولون حفظكم الله في المقوله الشائعه التي يرددها بعض الناس ان الزوج اذا خرج
لصلاه الفجر مع الجماعه في المسجد فهذا يدل على عدم رغبته في زوجته ، ولو
رغب ما خرج من عندها طيله ذلك اليوم ؟
اقول : انها مقوله فاسده ، بل اذا صلى الفجر فهذا دليل على رغبته فيها
، وان شكر نعمه الله عز وجل على ما يسره له من النكاح ، فالواجب
ان يصلي الزوج صلاه الفجر مع الجماعه لا ان يدع صلاه الجماعه بدون عذر شرعي
.
حفظكم الله : ما رايكم في قول بعض العلماء : ( يعذر بترك الجماعه من
ينتظر زف المراه اليه )
راينا : ان اقوال العلماء يكون فيها الخطا ويكون فيها الصواب ، والواجب الرجوع الى
الكتاب والسنه .
ثانيا : ان الذين قالوا هذا من العلماء انما يتحدثون عن امر كانوا عليه ،
وهو ان الرجل هو الذي يستقبل الزوجه وليست الزوجه هي التي تستقبل الرجل ، فيكون
الرجل في بيته وتزف اليه امراته ، وهذا يعذر بترك الجماعه ، لانه لو ذهب
وصلى الجماعه لكان قلبه مشغولا ، واذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال (
لا صلاه بحضره طعام ) (42)وكان بن عمر رضى الله عنهما يسمع الامام يقرا وهو
يتعشى لا يقوم للصلاه حتى يكمل ، فاذا كان الرجل يعذر بترك الجماعه في هذه
الحال فالذي ينتظر زف الزوجه اليه اشد شغلا والعذر واضح ، لكن عاده لناس اليوم
على خلاف ذلك عندنا فالزوج هو ياتي الى الزوجه في مكانها ، والامر بيده فلا
يعذر بترك الجماعه .
فضيله الشيخ : اشتهر لدى كثير من الناس ان الرجل اذا دخل على زوجته يصلي
امامها ركعتين ، وهي كذلك تصلي معه ، حتى ان بعضهم فور دخوله عليها يشرع
بصلاته حتى قبل الحديث معها .. فهل هذا من السنه ؟
في هذا اثار عن بعض الصحابه رضى الله عنهم ان الرجل اذا دخل على زوجته
اول ما يدخل يصلي بها ركعتين ، اما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم
يصح في ذلك شي ، والذي يفعل ذلك ارجو الا يكون عليه حرج وان تركه
فلا حرج .
تعلمون حفظكم الله ان النساء ناقصات عقل ودين ، وهنا تعرض مساله وهي ان المراه
اذا اختارت رجلا غير صالح ، وكان الرجل الذي اختاره والدها رجلا صالحا ، فهل
يؤخذ برايها ام تجبر على من ان اراد والدها ؟
اما جبرها على من اراد والدها فانه لا يجوز حتى وان كان صالحا ، لقول
النبي ( لا تنكح البكر حتى تستاذن ، ولا تنكح الايم حتى تستامر ) وفي
لفظ المسلم : ( والبكر يستاذنها ابوها في نفسها ) (43) واما تزويجها بمن لا
يرضى دينه ولا خلقه فلا يجوز ايضا ، وعلى وليها ان يمنعها وان يقول لا
ازوجك من هذا الرجل الذي تريدينه اذا كان غير صالح .
فان قال قائل : لو اصرت المراه على ان لا تتزوج الا هذا الرجل .
فالجواب : انا لا نزوجها به و ليس علينا من اثمها شي ، نعم لو
ان الانسان خاف مفسده وهو ان يحصل بينها وبين هذا الخاطب فتنه تنافي العفه ،
وليس في الرجل شيء يمنع من تزويجها به شرعا ، فهنا نزوجها به درءا لهذه
المفسده .
فضيله الشيخ : ماذا تقولون في بعض الاباء الذين ياخذون المهر كاملا ولا يعطون البنت
منه شيئا الا النزر اليسير ، مع العلم ان بعض المهور قد تصل الى مبالغ
خياليه فقد تصل الى مائه وخمسون الف ريال ثم من ادرك ان هذا المهر الذي
اخذه قهرا وبدون رضا ابنته ماذا يفعل بعد مضي مده طويله على الزواج .
في هذا السؤال امران مهمان :
الاول : هل يجوز لولى المراه ان يشترط لنفسه او لغيره شيئا من المهر سواء
كان الاب ام غيره ؟
الجواب:لا يجوز ذلك ، لان الصداق كله للمراه لقوله تعالى(واتوا النساء صداقهن نحله ) (النساء
: 4) ولحديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( ايما امراه نكحت على صداق او حباء او عده قبل عصمه
النكاح فهو لها ، وما كان بعد عصمه النكاح فهو لمن اعطيه ) (44) ولا
فرق بين الاب وغيره في ذلك على القول الراجح الا انها اذا قبضته وتم ملكها
له فللاب وحده ان يتملك منه ما شاء ما لم يضرها . اما بقيه الاولياء
فليس لهم حق التملك لكن ان اعطتهم الزوجه شيئا بسخاء وطيب نفس فهو لهم حلال
.
الامر الثاني : ان بعض المهور قد يصل الى مبالغ خياليه وهذا خلاف السنه .ففي
صحيح مسلم عن ابي هريره رضي الله عنه ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال :( اني تزوجت امراه من الانصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( على كم تزوجتها ؟ ) قال : على اربع اواق . فقال النبي صلى
الله عليه وسلم :(على اربع اواق كانما تنحتون الفضه من عرض هذا الجبل ) (45)
واربع الاواق مائه وستون درهما اي اقل من نصاب الزكاه ، والمغالاه في المهور سبب
لنزع البركه من النكاح ، فان اعظم النكاح بركه ايسره مؤونه . ومتى حصلت المغالاه
اصاب الزوج هم وغم لكثره ما انفق خصوصا اذا كان مدينا بذلك ، فكلما ورد
على قلبه السرور بزوجته ثم تذكر ديونه التي عليه انقلب سروره حزنا وسعادته شقاء .
ثم لو قدر الله تعالى ان لا يتلاءم مع زوجته لم يسهل عليه فراقها ،
وبقيت معه في عناء وشقاء ، بقيت معلقه لا زوجه و لا مطلقه . واذا
قدر ان تطلب منه الفسخ لم يسمح غالبا الا برد مهره عليه ، فاذا كان
كثيرا صعب على المراه واهلها الحصول عليه الا بمشقه شديده .لذلك ننصح اخواننا المسلمين من
المغالاه في المهور والتفاخر بها حتى يسهل الزواج للشباب ، وتقل اسباب الفتن والله المستعان
.
فضيله الشيخ : من الامور التي نود من فضيلتكم التنبيه اليها البطاقات التي يدعى بها
الناس لحضور وليمه الزواج حيث يصل بعض اسعارها الى سبعه ريالات ، فهل من تحذير
منها خصوصا مع وجود البديل النافع مثل كتابه الدعوه على ظهر رساله علميه ، كذلك
غلاف شريط اسلامي ، ايضا استعمال ورقه مصوره بالالوان مكتوبه بخط جميل بالكمبيوتر لا تكلف
شيئا يذكر ، فهل من دعوه للحد من هذا الاسراف ؟
اني احث اخواني الى ترك هذا الاسراف ، وارى ان بذل المال الكثير لمجرد دعوه
قد يجيب المدعو بها وقد لا يجيب ومالها الى رميها في الارض فاقول : ان
هذا من التبذير الواضح الذي نهى الله فقال ( و لا تبذر تبذيرا * ان
المبذرين كانوا اخوان الشياطين ) (الاسراء : 26- 27) . واما فكره ان تكون الدعوه
في بطاقه ويكون في ظهرها كلمات ماثوره موجهه ونافعه فهذا طيب ، وليت هذا يفعل
لكن تكون اوراقا عاديه . والاقتراح الثاني ايضا ان يكون بصحبه البطاقه اشرطه مفيده فهذا
ايضا طيب وقد وقع هذا في بعض الدعوات راينا كثيرا من الدعوات التي تعطى الناس
يكون فيها اشرطه ، وهذا خير ونعين عليه ايضا بقدر ما نستطيع ، فلو ان
الناس فعلوا ذلك لكانت هذه دعوه الى الوليمه ودعوه الى الشريعه فنجمع بين الحسنيين .
واما الثالث كون الدعوه اوراق مصوره فهذا ايضا طيب لا يكلف كثيرا وينفع .