ياودود ياودود دعاء مكتوب
هذا الدعاء المذكور ورد في حديث له قصه مشهوره منتشره في المنتديات ، لعل من
المناسب ذكرها حتى يتبين امرها :
عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان رجل من اصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم من الانصار يكنى ( ابا معلق ) ، وكان تاجرا يتجر
بماله ولغيره يضرب به في الافاق ، وكان ناسكا ورعا ، فخرج مره فلقيه لص
مقنع في السلاح ، فقال له : ضع ما معك فاني قاتلك ، قال :
ما تريد الى دمي ! شانك بالمال ، فقال : اما المال فلي ، ولست
اريد الا دمك ، قال : اما اذا ابيت فذرني اصلي اربع ركعات ؟ قال
: صل ما بدا لك ، قال : فتوضا ثم صلى اربع ركعات ، فكان
من دعائه في اخر سجده ان قال : ( يا ودود ! يا ذا العرش
المجيد ! يا فعال لما يريد ! اسالك بعزك الذي لا يرام ، وملكك الذي
لا يضام ، وبنورك الذي ملا اركان عرشك ، ان تكفيني شر هذا اللص ،
يا مغيث اغثني ! ثلاث مرار ) قال : دعا بها ثلاث مرات ، فاذا
هو بفارس قد اقبل بيده حربه واضعها بين اذني فرسه ، فلما بصر به اللص
اقبل نحوه فطعنه فقتله ، ثم اقبل اليه فقال : قم ، قال : من
انت بابي انت وامي فقد اغاثني الله بك اليوم ؟ قال : انا ملك من
اهل السماء الرابعه ، دعوت بدعائك الاول فسمعت لابواب السماء قعقعه ، ثم دعوت بدعائك
الثاني فسمعت لاهل السماء ضجه ، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي : دعاء مكروب
، فسالت الله تعالى ان يوليني قتله .
قال انس رضي الله عنه : فاعلم انه من توضا وصلى اربع ركعات ودعا بهذا
الدعاء استجيب له مكروبا كان او غير مكروب ) .
اخرجه ابن ابي الدنيا في ” مجابي الدعوه ” ( 64 ) و” الهواتف ”
( 24 ) ، ومن طريقه اخرجه اللالكائي في ” شرح اصول الاعتقاد ” (
5 / 166 ) وبوب عليه : ” سياق ما روي من كرامات ابي معلق
” ، واخرجه ” ابو موسى المديني ” – كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر
في ” الاصابه ” ( 7 / 379 ) في ترجمه ” ابي معلق الانصاري
” ونقل عنه انه اورده بتمامه في كتاب ” الوظائف ” ، وكذا رواه عنه
تلميذه ابن الاثير في ” اسد الغابه ” ( 6 / 295 ) – :
جميعهم من طريق الكلبي يصله الى انس رضي الله عنه .
وقد اضطرب فيه الكلبي واختلفت الروايه عنه :
فمره يرويه عن الحسن عن انس – كما هي روايه ابن ابي الدنيا – .
ومره يرويه عن الحسن عن ابي بن كعب – كما ذكر ذلك ابن حجر في
الاصابه عن سند ابي موسى المديني – .
ومره يرويه عن ابي صالح عن انس – كما في روايه ابن الاثير عن ابي
موسى المديني .
قال الشيخ الالباني – رحمه الله – :
وهذا اسناد مظلم … الافه اما من الكلبي المجهول ، واما ممن دونه ، والحسن
– وهو البصري – مدلس وقد عنعن ، فالسند واه .
فمن الغريب ان يذكر ( ابو معلق ) هذا في الصحابه ، ولم يذكروا ما
يدل على صحبته سوى هذا المتن الموضوع بهذا الاسناد الواهي ! ولذلك – والله اعلم
– لم يورده ابن عبد البر في ” الاستيعاب ” ، وقال الذهبي في ”
التجريد ” ( 2 / 204 ) : له حديث عجيب ، لكن في سنده
الكلبي ، وليس بثقه ، وهو في كتاب ” مجابو الدعوه ” ، ويلاحظ القراء
انه قال في الكلبي : ” ليس بثقه ” ، وفي هذا اشاره منه الى
انه لم يلتفت الى قوله في الاسناد : ” وليس بصاحب التفسير ” ؛ لان
الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بانه ليس بثقه ، وقد قال في ” المغني ”
: ” تركوه ، كذبه سليمان التيمي ، وزائده ، وابن معين ، وتركه ابن
القطان ، وعبد الرحمن ” .
ومن الغرائب ايضا : ان يذكر هذه القصه ابن القيم في اول كتابه ” الجواب
الكافي لمن سال عن الدواء الشافي ” من روايه ابن ابي الدنيا هذه ، معلقا
اياها على الحسن ، ساكتا عن اسنادها ! .
” السلسله الضعيفه ” ( 5737 )
قلت :
وللكلبي متابعه من قبل مالك بن دينار ، فقد اخرج القشيري في ” الرساله القشيريه
” ( 2 / 85 ، 86 باب الدعاء ) القصه بسياق مشابه فقال :
اخبرنا ابو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد قال : حدثنا ابو عمرو عثمان
بن احمد المعروف بابن السماك قال : اخبرنا محمد بن عبد ربه الحضرمي قال :
اخبرنا بشر بن عبد الملك قال : حدثنا موسى بن الحجاج قال : قال مالك
بن دينار : حدثنا الحسن عن انس بن مالك رضي الله عنه … فذكر الحديث
.
لكنها متابعه غير صالحه ، اذ في هذا السند علتان :
الاولى : محمد بن عبد ربه الحضرمي : لم اقف له على ترجمه .
الثانيه : بشر بن عبد الملك الراوي عن موسى بن الحجاج : لم اعرفه ايضا
، فكل من ترجم لهم بهذا الاسم ثلاثه :
1. بشر بن عبد الملك الخزاعي مولاهم الموصلي ، روى عن : غسان بن الربيع
ومحمد بن سليمان لوين وجماعه ، وروى عنه : الطبراني .
” تاريخ الاسلام ” الذهبي ( احداث سنه 300 ه ) .
2. بشر بن عبد الملك ، ابو يزيد الكوفى نزيل البصره ، روى عن :
عون بن موسى ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن ابراهيم الانصاري ، كتب عنه
: ابو حاتم بالبصره ، وروى عنه : ابو زرعه ، وسئل عنه فقال :
شيخ .
” الجرح والتعديل ” لابن ابي حاتم ( 2 / 362 ) .
3. بشر بن عبد الملك العتبي ، يروى عن : يحيى بن سعيد الانصاري ،
روى عنه : ابو سعيد الاشج .
” الثقات ” لابن حبان ( 6 / 97 ) .
وهم كما ترى لا يبدو ان احدا منهم هو المذكور في الحديث .
الا ان الحافظ ابن ماكولا في ” الاكمال ” ( 5 / 101 ) ذكر
راويا عن موسى بن الحجاج باسم ( بشران بن عبد الملك ) فقال :
واما بشران : فهو بشران بن عبد الملك ، اظنه موصليا ، حدث عن موسى
بن الحجاج بن عمران السمرقندى ببيسان عن مالك بن دينار .
انتهى .
فلعله هو المقصود ، وتصحف اسمه في كتاب ” القشيري ” الى ” بشر ”
.
اما ابن السماك فهو ثقه ، ترجمته في “سير اعلام النبلاء” للذهبي ( 17 /
312 ) .
وكذا مالك بن دينار ( 127 ه ) ترجمته في ” تهذيب التهذيب ” (
10 / 15 ) .
والخلاصه :
ان القصه والدعاء لا يصحان بوجه من الوجوه ، الا ان جمل هذا الدعاء وعباراته
ليس في شيء منها نكاره ، بل كلماته صحيحه عظيمه تشهد لها نصوص من الكتاب
والسنه ، ولكن لا يعني ذلك لزوم نجاه من دعا بها ، او اعتقاد نصره
الله تعالى لمن ذكرها ، فذلك متوقف على صحه السند به الى النبي صلى الله
عليه وسلم ، وبما ان السند لم يصح : فلا ينبغي اعتقاد ذلك ، ومن
احب ان يحفظ هذه الكلمات ويدعو بها دون ان ينسبها الى الشرع : فلا حرج
عليه ان شاء الله تعالى .
والله اعلم