وسائل اللجوء الى الله
الحمد لله كاشف الضر والبلوى، احمده تعالى وهو المحمود وحده في الضراء والسراء، واشهد ان
لا اله الا الله وحده لا شريك له، امرنا بالدعاء، ووعدنا الاستجابه بعد ان نبذل
اسبابها بقوله جل وعلا: (( واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوه الداع اذا
دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))[البقرة:186].
واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى اله وعلى اصحابه،
وعلى كل من تمسك بسنته الى ان يلقى الله.
عباد الله: يقول الله جل جلاله وتقدست اسماؤه: (( وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن
ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت
من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ))[الانبياء:87-88].
اللهم انجنا يا ذا الجلال والاكرام.
(( وزكريا اذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وانت خير الوارثين * فاستجبنا له
ووهبنا له يحيى واصلحنا له زوجه انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا
لنا خاشعين ))[الانبياء:89-90].
اما بعد:
ايها الاخوه المؤمنون: اتقوا الله واعلموا وتذكروا، تذكروا ان خير مقام يقومه المرء في هذه
الحياة، هو ان يهتم دوما بما يربطه بالله تبارك وتعالى، وبما يزيد في ايمانه، ويرسخه،
ويقويه في قراره نفسه، ويغليه لديه؛ بان يهتم اهتماما ذوي السعي الحثيث الى الله، (انهم
كانوا يسارعون في الخيرات)، ذوي السعي الحثيث الى الله.
اهتمام المؤمنين، بان الله عالم بكل شيء، محيط بكل شيء، خلق كل شيء وقدره تقديرا.
وان الله لا يخلف الميعاد، (( وعد الله لا يخلف الله وعده ))[الروم:6].
وان اعظم المقامات التي يقومها الانسان، يقومها فتقوي صلته بربه، وتزيد في ايمانه وترسخه وتقويه،
مقام اللجوء الى الله وحده، الذي بيده ملكوت السموات والارض، الى الله لا الى ما
يسمى بهيئه الامم، ولا الى ما يسمى بمحكمه العدل الدولية، ولا.. ولا..
الى الله في حكم او تحاكم اولا، الى الله وحده في اللجوء الى الله الذي
يحقق لمن صدق في لجوءه طلبه، عاجلا او اجلا، والذي يقول تعالى: (( امن يجيب
المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض ائله مع الله قليلا ما تذكرون ))[النمل:62].
ويقول: (( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ))[غافر:60]، ادعوا الى من يملك، لا الى فاقد
الاشياء، ففاقد الشيء لا يعطيه.
(( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي )) عن دعائي، عن
طاعتي، عن التحاكم الى ما انزلته دستورا ليحكم بين الناس؛ (( فان تنازعتم في شيء
فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ))[النساء:59].
الى الله الذي يقول: (( فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم ))[الانعام:43].
وفي هذه الايات وما ورد في معناها، فيها وعد من صادق الوعد بان يستجيب لمن
دعاه بحق وصدق متخليا عن موانع الاجابة، وفيها وعيد وتهديد اكيد لمن لم يلجا حاله
الشدة، حاله الضيق، حاله التحاكم.. حاله الحاجة، لمن لم يلجا الى الله وحده، لا شريك
له.
فاتقوا الله ايها الاخوه المؤمنون، وتقربوا الى الله، تقربوا الى الله بعبادته التي خلقكم لها،
ومخ العباده ولبابها دعاءه دعاء عباده، كان تثني عليها وتمجده، (( الحمد لله رب العالمين
* الرحمن الرحيم ))[الفاتحة:2-3].
او دعاء مسالة، كان تتضرع وتلجا اليه؛ (( اهدنا الصراط المستقيم ))[الفاتحة:6].
انت تلجا اليه لجوءا صادق مخلصا مستشعر فقره نفسه وغنى الله وحده لا شريك له،
(( يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد ))[فاطر:15].
لجوءا وتضرعا من بذل اعظم قوى الاسباب، وانجح الوسائل فيما يرضي الله، لا من تاكل
وادعى وقال واضعف الاسباب لديه متخلفة، لجوء من بذل اقوى الاسباب وانجح الوسائل فيما يرضي
الله، لجوء عبد عمل بطاعه الله، على نور من الله، يرجو ثواب الله، لجوء موقن
بالاجابة، مؤمن بان الله على كل شيء قدير، يعلم لهجات الداعين، ويسمع لهجات الداعين.
فاتقوا الله: والجاوا اليه ابتداء، وفي كل نائبه او نازله تنزل بكم في مال او
نفس او اي امر من الامور، فهو المجيب ونعم المجيب، هو الذي يجيب من دعاه،
ويعطي من ساله.
واذا دعوتم الله، فادعوا الله بما وجهكم به، باسمائه وصفاته، وهو القائل: (( ولله الاسماء
الحسنى فادعوه بها ))[الاعراف:180]، كان تقولوا: اللهم انا نسالك باسمائك الحسنى، وبصفاتك العلى، كذا، وكذا..
مما تحتاجونه في امر دينكم، او دنياكم، (( ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي الاخره
حسنه وقنا عذاب النار ))[البقرة:201].
واذا دعوتم الله فتجنبوا موانع الاجابة، كاكل الحرام، ودعاء باثم او قطيعه رحم، وتحروا اوقاتها،
تحروا بالدعاء، ادعوا الله عموما، وفي كل حال، وفي كل وقت، وفي كل لحظة، فالدعاء
هو العباده كما جاء بذلكم الحديث.
وتحروا مع ذلكم الاوقات الفاضله كيوم عرفه مثلا، وشهر رمضان، وايام عشر ذي الحجة، ويوم
الجمعة، ولاسيما ما بين ان يجلس الامام الى ان تقضى الصلاة، وما بين صلاه العصر
وغروب الشمس، وكاحوالها واعظم احوال الاجابه ومظنه الاستجابه حين يتحرك القلب، ويخشع القلب ويذل القلب
ويطمع القلب ويفتقر القلب ويستشعر القلب حاجته، فهذه من الاحوال التي يرجى ان يستجاب لصاحبها،
فتحروها.
وتحروا حاله السجود، فقد جاء في الحديث الصحيح: [ اقرب ما يكون العبد من ربه
وهو ساجد ].
وقال عليه الصلاه والسلام: [ اما الركوع فعظموا فيه الرب، واما السجود فاجتهدوا في الدعاء،
فقمن ان يستجاب لكم ].
(قمن) اي: حرب.
وما بين الاذان والاقامة؛ فقد ثبت في الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[ الدعاء لا يرد بين الاذان والاقامه ]
وحاله نزول الغيث، وحاله قيام الصفوف، وعسى الله ان ينظمنا في صفوف مجاهدين في سبيله؛
لاقامه دينه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فاتقوا الله ايها المسلمون، واحذروا اذا دعوتم الله ان تستعجلوا الاجابة، او ان تستبطئوا الاجابة،
فان ذلكم من موانعها، قال عليه الصلاه والسلام: [ يستجاب لاحدكم ما لم يعجل، قيل:
وكيف يعجل؟ قال: دعوت، فلم يستجب لي، دعوت فلم يستجب لي ].
فاتقوا الله عباد الله، واستعملوا هذه الامور؛ فانها تفتح الابواب وتنزل الرحمه والنصر والغيث، اذا
دعوتم الله، فادعوا الله من قلوبكم مخلصين، باذلين اسباب الاجابة، متجنبين موانعها، واسالوا الله مع
ذلكم كثيرا، ان يتقبل دعاءكم، ربنا تقبل دعاءنا، واغفر لنا ذنوبنا، واسرافنا في امرنا، ربنا
اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا؛ ربنا انك
رؤوف رحيم.
(( الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد
واياك نستعين ))[الفاتحة:1-5].
نحمده تعالى ونشكره، ونشهد انه لا اله الا الله وحده لا شريك له، ونشهد ان
نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى اله وعلى اصحابه، وعلى كل
من دعا بدعوته، واقتفى اثره الى يوم الدين.
اما بعد:
فيا عباد الله: (( اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون * واعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمه الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم
فاصبحتم بنعمته اخوانا ))[ال عمران:102-103].
ان اصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثه
بدعة، وكل بدعه ضلالة، وعليكم بجماعه المسلمين؛ فان يد الله مع جماعه المسلمين، ومن شذ
عنهم شذ في النار.
عباد الله: من المعلوم لدى المسلمين عامة، ولدى علمائهم وشبابهم خاصة، ان الطاعات من اسباب
اجابه الدعاء، ان الطاعات وتتابعها وكثرتها وتقديمها بين يدي الدعاء من اسباب الاجابة، قال تعالى:
(( يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيله وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون
))[المائدة:35].
وفي الايات السابقه ومنها قوله: (( فليستجيبوا لي ))[البقرة:186]، مما يؤخذ منه ان الاستجابه لله
في اوامره، والكف عن نواهيه عامل قوي ووسيله عظيمه وسبب من استجابه الدعاء، وفي هذا
نصوص وايات واحاديث، منها ما جاء: [ ان من عباد الله من لو اقسم على
الله لابره ]، فكلما كان المرء طائعا، مكثرا للعبادات، متجنبا للمنهيات، بعيدا عن الحرام، اقرب
لاستجابه دعاءه، وهذا هو مفهوم الايه الكريمة: (( فليستجيبوا لي ))[البقرة:186]، ومفهوم: (( ان الذين
يستكبرون عن عبادتي ))[غافر:60]، فمن اطاع وانقاد وعبد الله، كان طائعا حريا بالاستجابة.
فليتق الله الداعون في ضراء او سراء لمصلحه عامه او خاصة، وليتحروا فعل الطاعات، فعل
الطاعات، ان من عباد الله من لو اقسم على الله لابره، قال عليه الصلاه السلام:
[ ان الله طيب لا يقبل الا طيبا ] وان الله امر المؤمنين بما امر
به المرسلين، فقال تعالى: (( يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ))[المؤمنون:51]، وقال:
(( كلوا من طيبات ما رزقناكم ))[البقرة:57]
[ وذكر الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمد يديه: يا رب.. يا رب.. يا رب!
وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام؛ فانا يستجاب له ]، فالنص يفيد ان الطاعات وسيله
من وسائل الاستجابة.
فيا عباد الله: اطيعوا الله، واستجيبوا لامر الله يسمع لكم، وتستجب دعوتكم، يقول عليه الصلاه
والسلام: [ يقول الله تبارك وتعالى: من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب, وما تقرب
الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه, ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى
احبه, فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش
بها, ورجله التي يمشي بها, ولئن سالني لاعطينه, ولئن استعاذني لاعيذنه ].
فيا ذوي الاطماع، ويا ذوي المطامع، ويا ذوي الرغبه في الله ان يستجيب لكم الدعاء
قدموا اعمالا صالحة، قدموها، فمعلوم لديكم حديث الثلاثه الذين ضاقت بهم الارض وانخرطت عليهم الصخره
وسكرت عليهم المخرج.
فتذكروا خالص الاعمال، طيب الاعمال التي لم يشبها اي شائبة, فتقربوا الى الله بها, وتوسلوا
الى الله بها, وكما ان الطاعات وسائل لاستجابه الدعاء، فان المعاصي والعياذ بالله, ان الماثم,
ان الجرائم قد تكون سبب في عدم الاستجابة, اما يستحي لسان يقول الزور والفجور ثم
يدعوا بعد هذا, اما تستحي يدا تبطش في المنكرات, وتوقع على الحرام من ربا وقمار
ورشى وغير ذلكم, وترفعها وترتفع الى الله.
ان المعاصي ايها الاخوه وسيلة، ولاسيما ما له صله بالمطاعم والمشارب، فمن يرجوا القبول فلا
يقدم معصيه ليقدم طاعة, من يرجو القبول فيقدم وسيلة، يدعوا وهو غارق في العباده لا
خارجا من النتن، من المعاصي، من البلايا انى لمثل هذا ان يستجاب؟!
اما يستحي من يتلطخ بهذه الامور عندما يرفع يديه، اما تؤنبه نفسه بانه مغالط، مخادع،
مماكر، غير متادب باداب الاسلام.
فاتقوا الله ايها الاخوه المؤمنون، لقد فهم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
المعاصي قد تكون اسباب لعدم استجابتك، وحائل بين الدعاء وبين الاستجابة.
طلب عمر رضي الله تعالى عنه من العباس ابن عبد المطلب ان يستسقي بالناس، لما
قحطوا واجدبوا، قال عمر: اللهم انا كنا نستسقي اليك بنينا فتسقينا، وانا نتوسل اليك بعم
نبينا سقياهم، استسقاهم برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، اما بعد مماته فلم
يستسقوا به، واقبل عمر رضي الله عنه امام خيره القرون، فقال: وانا نتوسل اليك بعم
نبينا، قم يا عباس فاستسق، واثر ان العباس رضي الله تعالى عنه قال في استسقائه:
اللهم انه ما نزل بلاء الا بذنب، ولا رفع الا بتوبة.
فيا ايها المؤمنون: قدموا بين يدي دعاكم توبه صادقة، توبه امام من يعلم ما في
القلوب، امام من يعلم صدق الالسن ان صدقت، وصدق القلوب ان صدقت، وصدق الافعال ان
صدقت، توبوا الى الله توبه نصوحا، توبوا الى الله ايها المسلمون، يا ذوي الصلاح من
شباب الاسلام، يا من هو حديث عهد بتوبه والتزام لم يشبها بعدها شائبه لا يزال
على طهر وصفاء، يا من نشا في عباده الله من شبابنا، يا شيوخنا الذين لديكم
من معرفه الله والعلم النافع والعمق فيما يجلب القبول، اننا نتوسل بكم بان تدعو الله
جل وعلا ان يغيث البلاد والعباد.
يا ايها الناس: يا من دعوت، اني داع فامنوا، ان المؤمن احد الداعيين ارجو ان
يكون احد المؤمنين مخلصا متقيا ترفع دعواته، امنوا فان المؤمن احد الداعيين.
اللهم انت الله لا اله الا انت، اللهم هذه ايدينا بالذنوب ورجاء التوبة، وهذه السنتنا
بالدعاء لبيك مولانا في امرك لنا بالدعاء، لبيك.. لبيك.
اللهم انت الله لا اله الا انت، انت الغني ونحن الفقراء، انزل علينا الغيث ولا
تجعلنا من القانطين.
اللهم انا نشكو اليك جدب الكثير من بلادنا، وغور البلاد عن منابع كثير من منابع
شربنا، وعن زروعنا وحاجاتنا، نشكو اليك قسوه القلوب وفقر النفوس، نسالك اللهم ان تغيثنا.
اللهم اغث قلوبنا وبلادنا، اللهم استجب دعاءنا، اللهم لا ترده بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء
منا.
اللهم انا ندعوك بما تعلم من صالح اعمالنا، انت تتقبل منا وان تغيثنا، وان تختم
لنا بالصالحات، وان تشفي قلوبنا بعزه الاسلام يا ذا الجلال والاكرام.
(( ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي الاخره حسنه وقنا عذاب النار ))[البقرة:201]
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم؛ انك
حميد مجيد.
اللهم ارض عن خلفاء رسولك، وعن التابعين وعن من تبعهم باحسان الى يوم الدين.
اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا