مقولات معروفه عن كلام الناس
عندما ركب “جحا” هو وابنه “الحمار” وراهما الناس وقالوا: “انظروا الى هذين القاسيين، ركبا كلاهما
على الحمار، ليس لديهما رافة”، فنزل الابن من على “الحمار”، وبقي اباه، فلما راوهما قالوا:
“انظروا الى هذا الاب الظالم يجلس مرتاحا على الحمار، وابنه يمشي على قدميه”، فنزل “جحا”
من فوق “الحمار”، وجعل ابنه يركب على “الحمار”، وراهما الناس فقالوا: “انظروا الى هذا الابن
العاق، يترك اباه يمشي على قدميه، وهو مرتاح على الحمار”، فانزل “جحا” ابنه من على
“الحمار”، وسارا على قدميهما مع “الحمار”، فقالوا: “انظروا الى هذين الاحمقين، يسيران على قدميهما، ويتركان
الحمار يسير وحده”، فحمل “جحا” وابنه “الحمار”، فضحك الناس وقالوا: “انظروا الى هذين المجنونين يحملان
الحمار بدلا من ان يحملهما”!.
لطالما ردد الاباء هذه القصه على مسامع ابنائهم تعليما لهم ان “رضا الناس غايه لا
تدرك” من منطلق حرصهم على ضروره عدم الاستماع الا لما فيه فائده لهم، وما ان
يمضي العمر بهؤلاء حتى تنهمر على اذانهم عبارات الزجر “وش يقولون علينا الناس بعدين”! قبل
اي تصرف ينوون الاقبال عليه، فيعيش هذا الشاب في خوف من “كلام الناس” الذي اصبح
عقبه امام احلامه وطموحاته المستقبليه وحتى واقعه الذي يعيشه!.
تاثير كلام الناس في نفوس الكثيرين تحول الى عقبات؛ بسبب احباطهم وخوفهم من الكلام..ويبقى السؤال:
كيف يمكن ان يكون كلام الناس “السلبي” لا يقدم ولا يؤخر؟
تفكير مختلف
بداية، لم تخف “طفول زهران” تاثرها الداخلي من “كلام الناس” سلبا او ايجابا، مع ايمانها
بان الجميع لايمكن ان يفكروا بالطريقه ذاتها، فما يبدو للبعض صحيحا، يعتبره اخرون خطا، والعكس
كذلك، مشيره الى انه لايمكن الاعتماد على كلام الناس في تقرير الصواب والخطا؛ لان ذلك
مبني على افكار الناس طبقا لثقافاتهم ومجتمعهم، قائلة: “التاثر بكلام الناس لا يغير من قراراتي
شيئا، لا اتنازل عن اهدافي لاجل قول احد، وكلام الناس مؤقت التاثير والصدى، اما هدفي
فهو نقطه فاصله في حياتي”.
وبين “علي شراحيلي” ان الخوف المستمر من كلام الناس يقود الى التردد في اتخاذ القرارات،
الا انه دائما ما يحاول تخطيه وعدم الانصياع لتاثيره، مضيفا انه لو سمح لكلام الناس
ان يؤثر فيه؛ لحرمه من الاستمرار في تحقيق اهدافه، وتوافقه في ذلك “ميساء خوج” التي
ذكرت انها كلما فكرت في كلام الناس حول طريقه لبسها او تصرفاتها، تنتابها موجه من
التردد المؤقت، وما تلبث ان تخرج منه وتختار الامثل لها.
مواقف اخرى
واكد “احمد ولي” ان الشخص يجب ان يهمل كلام الناس بذريعه ان رضاهم غايه لاتدرك،
والانسان في النهايه لا يريد ان يخسر احدا، والمفيد هنا ان الشخص يستفيد في معرفه
من يؤيده؛ فيتشجع، ومن يخالفه؛ فيعدل من نفسه، مضيفا انه دائما يتخيل الكلام من حوله،
ليساعده ذلك في تقييم هدفه، مبينا ان الاستماع لما يقال من باب “الالتفات” للراي الاخر،
فربما يكون على خطا، وكلام الناس صواب.
واستاءت “ريما محمد” من ادمان والدتها لاستماع ونقل ما يقال عن الناس، وتاثير ذلك على
حياتها واخواتها، حتى باتوا رهناء ما تقوله صديقات والدتهن، وما سينقلنه عنها وعن بناتها، كاشفه
ان والدها طلق والدتها، ووقعت ضحيه لما كانت تفعله واصبحت “علك بحلوق الناس”، متمنيه لو
ان والدتها اشغلت نفسها بنفسها واهلها بدلا من الانشغال بالغير.
تاثر سلبي
وبين “ا.د.عادل بن صلاح عمر عبدالجبار” – استاذ علم النفس، والمشرف على برنامج الاستقطاب بجامعه
الملك سعود – ان “كلام الناس” بات عقده وهاجسا يدوران في اغلب المجتمعات، فالعاطل عن
العمل يخشى من “كلام الناس”، والمطلقه تخشى “كلام الناس”، والعانس، والفقير، متسائلا عن من هم
الذين يخاف من كلامهم؟ ولماذا وصل الخوف منهم الى هذه الدرجة؟ وهل من المعقول ان
يضطر الانسان لفعل اشياء لا يرغبها من اجل ارضاء اخرين لا يعرف عنهم الا كلامهم؟
واضاف ان “كلام الناس” اصبح يؤثر في اختيار شريكه الحياة، وكذلك الاصدقاء، ويصبح المتاثرون ب”كلام
الناس” يحبون ويكرهون ما يظنون ان الناس يحبونه ويكرهونه، ويتحدثون ويلبسون ويرتدون ما يظنون انه
يعجب الناس، حتى يصبحوا كتله من “المظاهر المجتمعة”، مشددا على وجوب زرع الاباء في ابنائهم
عدم الخوف من كلام الناس لسلبيه النتيجة، وتوعيتهم بالا يقوموا باعمال تخالف القيم الدينيه والاخلاقية،
موضحا انه كلما كان الابتعاد عن الغيبه والنميمه والقيل والقال ونشر الاشعاعات يصلح المجتمع.
تلاعب نفسي
واوضح “د. سليمان بن علي الدويرعات” – استاذ علم النفس المشارك بجامعه الامام محمد بن
سعود الاسلاميه – ان “كلام الناس” يمكن ان يدرج في علم النفس تحت مسمى “التلاعب
النفسي”، وهو نوع من التاثير الاجتماعي الذي يهدف الى تغيير سلوكيات، او اعتقادات، او افكار
الافراد من خلال الاساليب الملتوية، وذلك لخدمه مصالح المتلاعب الذاتية، او حتى المتلاعب به احيانا،
كالتقريب بين المتخاصمين في اصلاح ذات البين، وهذا الاخير موجود ومقبول وله اصل شرعي.
وافاد انه مع اختلاف اهداف مختلقي “الكلام والثرثرة” ، الا ان من ابرزها “حب السيطره
والفراغ والحقد، لبعض فئات المجتمع او حتى المجتمع ككل، مبينا ان سمات الفرد الشخصيه تلعب
دورا مهما في مدى تصديقه واقتناعه بها، عادا تاثر الكثيرين ب”كلام الناس” بانهم يتسمون بالسذاجة،
والشعور بالدونية، وقد يؤدي بهم ذلك الى الاصابه ببعض المشكلات والاضطرابات النفسية، مرجعا تزايد “كلام
الناس” لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التقني، مشددا على اهميه التريث واعمال العقل ، وعدم التهور
والتسرع بالحكم على الاشياء، مبينا اهميه العلم والمعرفه والتوعيه السليمة..