صور ابداع صور خرافية صور تجنن صور خقق

معاني وصور الحروف العربية

معاني وصور الحروف العربية

معاني وصور الحروف العربية

معاني وصور الحروف العربية Ef544Eaf4Fd57F1F8F3C702Bc07035F7

معاني الحروف العربيه على واقع المعاجم اللغويه : الحروف الشعورية

الحروف الشعورية
الحاسه الشعورية:

لقد سبق ان تحدثت في الفصل الثالث من الباب الثاني بايجاز عن دور التقمص الشعوري
للاحداث والاشياء بمعرض قيام العربي بابداع اصوات الحروف العربية. كما تحدثت ايضا عن دور الاستبطان
الشعوري للاصوات بمعرض قيامي باستيحاء معانيها. وبالمطابقه بين خصائص الحروف العربيه ومعانيها على واقع المعاجم
اللغويه اثناء دراستها، تبين لي كما لاحظ القارئ ان العربي قد اعتمد في مطلعه الحضاري
على التوالي اسلوبين اثنين للتعبير عن معانيه. هما: كيفيه النطق بالحرف ايماء وتمثيلا ومن ثم
صدى صوت الحرف في نفسه ايحاء.

اولا- في كيفيه النطق بالحرف ايماء وتمثيلا:

للاهتداء الى معاني كل حرف من هذه الزمره من الحروف الايمائيه التي ابدعها العربي في
المرحله الزراعية، كان لابد لنا في دراستها ان نتقمص الاحداث والاشياء المعبر عنها، ومن ثم
نجري المطابقه بينها وبين كيفيه النطق بصوت كل حرف منها، من (حركات الفم او اللسان
او الاسنان او الشفاه او فك الحنك، او النفس) وذلك للكشف عن الرابطه التمثيليه المرئيه
المشتركه بينهما، وهذه الرابطه الايمائيه التمثيليه بين الحدث او الشيء، وبين طريقه النطق بصوت كل
من هذه الحروف، هي التي حددت المعنى العام للكثير من المصادر التي تبدا او تنتهي
به، كما مر معنا في حروف (الميم و اللام، والفاء والشين…)….

معاني وصور الحروف العربية 20160621 4

ثانيا- في صدى صوت الحرف ايحاء ومحاكاة:

للاهتداء الى معاني كل حرف من هذه الزمره من الحروف التي ابدعها العربي في مرحله
الرعي، كان لابد لنا من استبطان صوته لاستيحاء خصائصه، وذلك للمطابقه بين موحياته الصوتيه وبين
خصائص الحدث او الشيء او الحاله النفسيه المعبر عنها، وهذه الرابطه الايحائيه السمعيه بينهما هي
التي كانت تحدد المعنى العام لمعظم المصادر التي تبدا او تنتهي به، كما مر معنا
في حروف: (الدال والكاف والباء والجيم والطاء والراء والزاي والقاف).

ثالثا: في المزج بين الاسلوبين:

على ان العربي قد اعتمد في مراحل رعويه راقيه الخصائص الصوتيه للحروف الايمائيه بالذات، وذلك
للتعبير ايحاء عن كثير من معانيه، وان ظل يعتمد خصائصها الايمائيه احيانا للتعبير عن معانيه
المستجدة، كما لاحظنا ذلك في حروف (الثاء والذال والميم واللام والفاء….)، مما زاد دراستها تعقيدا.

معاني وصور الحروف العربية 20160621 55

اما الحروف الشعوريه فقد اقتصر العربي على اعتماد خصائصها الصوتيه ايحاء ومحاكاه للتعبير عن معانيه،
من دون اعتماد طريقه النطق بها في حركات ايمائيه تمثيلية. على ان العربي قد اعتمد
كيفيه التلفظ باصواتها من حيث التشديد والتفخيم والاشباع، او من حيث الترقيق والترخيم والخنخنة، وذلك
لتلوين معانيها، كما سياتي.

ونظرا لتنوع الخصائص الصوتيه لمعظم الحروف الشعوريه تبعا لكيفيه التلفظ باصواتها، فانه لابد ان يقع
التناقض في هذه الخصائص. وهذا التناقض لابد ان ينعكس احيانا على معاني المصادر التي تشارك
فيها هذه الحروف، دون ان يكون ثمه اي مبرر له من تدخل اصوات حروف اخرى،
الا الاختلاف في كيفيه التلفظ بها كما سياتي.

ولذلك رايت ان اكثر من سرد المصادر بمعرض الكشف عن مختلف الخصائص الصوتيه لكل من
الحروف الشعوريه تبعا لكيفيه التلفظ بصوته. كما رايت ان اتتبع هذه الحروف جميعا في اخر
المصادر، وان اتتبع معظمها في اواسطها ايضا. وذلك للتحقق من اصاله خصائصها الصوتيه في معاني
المصادر على اوسع نطاق، فيكون للقارئ حصيله غنيه بالمفردات قلما تواتيه الفرص للاطلاع على غرائب
صيغها ومعانيها.

معاني وصور الحروف العربية 20160621 56

ولئن كنت ساقتصر على سرد الامثله بما يتوافق معناه منها مع الخصائص الصوتيه للحرف الشعوري
موضوع الدراسة، فان القارئ سيجد ان لخصائص اصوات الحروف المشاركه التي سبق لي دراستها، المزيد
من الفضل في توضيح كثير من معاني الامثله موضوع الاستشهاد، كما سيجد ان كثيرا من
الامثله قد سبق الاستشهاد بها بمعرض دراسه حرف كنت قمت بدراسته، هذا وساعمد الى تذكير
القارئ احيانا بالحرف المساعد مع التنويه بخاصيته الصوتيه ذات العلاقة، وذلك كدرس تطبيقي على استخلاص
معاني الالفاظ من اصوات حروفها.

ولما كان الحديث عن الشعور كحاسه سادسه يدخل في نطاق علم النفس، فلقد رايت ان
ارجئ الحديث عنه في فصل خاص، الى مابعد دراسه اصوات الحروف الشعورية، ذلك للافاده منها
في تتبع مختلف الحالات الشعوريه التي عاناها العربي سابقا بمعرض ابداع اصوات هذه الحروف ونعانيها
نحن اليوم بمعرض استيحاء معانيها. وذلك لنرى كيف يتحول الشعور من حالات نفسيه باطنيه الى
اداه يعي بها ذاته، كحاسه سادسه لها طبيعتها الخاصة.

معاني وصور الحروف العربية 20160621 5

1- حرف الصاد

مهموس، رخو، يشبه رسمه في السريانيه صوره الصبي. يقول عنه العلايلي: انه (للمعالجه الشديدة)، وهو
قريب من واقعه ولكنه قاصر.

هذا الحرف انما هو تفخيم لحرف السين وصفيري مثله، الا انه املا منه صوتا، واشد
تماسكا، فهو من اصوات الحروف كالرصاص من المعادن رجاحه وزن، وكالرخام الصقيل من الصخور الصماء
صلابه ونعومه ملمس، وكالاعصار من الرياح، صرير صوت يقدح نارا.

ولقد منحته هذه الخصائص الصوتيه شخصيه فذه طغى بها على معاني معظم الحروف في الالفاظ
التي تصدرها، ليعطيها من نقاء صوته صفاء صوره وذكاء معنى، ومن صلابته شده وقوه وفاعلية،
ومن طبيعته الصفيريه ماده صوتيه نقيه ماكان اصلحها لمحاكاه الكثير من اصوات الناس والحيوانات واحداث
الطبيعة.

فمن مئه وخمسه واربعين مصدرا تبدا بحرف الصاد في المعجم الوسيط، كان منها سته وعشرون
مصدرا تدل معانيها على اصوات يتوافق معظمها مع خصائصه الصوتية. هي:

صاى الفرخ (صاح). صحل صوته (بح وخشن). الصخب. صخ الحجر (صوت عند القرع). صدح الطائر
(رفع صوته فاطرب).الصدى. صرخ. صر صريرا (صوت). صرصر (صاح بصوت شديد متقطع). صرف الباب صريفا
(صوت). الصفير. صفق بيديه. صعق الحيوان صعقا (اشتد صوته). صفصف العصفور (زقزق). صقب الطائر (صوت).
صقع الديك صقيعا وصقاعا (صوت). صلصل الشيء (صوت بترجيع). صلق صلقا (صاح مولولا). صل السيف
صليلا (صوت صوتا ذا رنين). صمصمت القنفذ (صوتت) صنج (ضرب الصنج) صهصه بالقوم ( زجرهم
ليسكتوا) صهل الفرس. صات صوتا (صاح). صار صورا (صاح). صاح صيحا وصياحا (صوت في قوة).

وكان منها عشرون مصدرا تدل معانيها على الصفاء والنقاء ماديا ومعنويا، بما يتوافق مع خاصيه
الصفاء في صوته. منها:

الصباح. صح الشيء (برئ من كل عيب او ريب). صحصح الامر (تبين). الصحو. الصدق. الصراحة،
ذهب صرد (خالص). شراب صرف (غير ممزوج بغيره) الصفح. الصفاء. الصقيل. الصلاح. الصلاة. الصوم.

معاني وصور الحروف العربية 20160621 57

وكان منها ثمانيه واربعون مصدرا تدل معانيها على الشده والصلابه وقوه الشكيمة، بما يتوافق مع
هذه الخصائص في صوته. منها:

صؤل البعير (اشتد هيجانه). صبر (تجلد ولم يجزع). صحنه (ضربه). صخد اليوم (اشتد حره). الصخرة.
صده. صرمه (قطعه). الصعوبة. صفده (شده واوثقه). صكه (دفعه بقوة). صلته بالسيف (ضربه). الصلد (الصلب).
الصلدم (الصلب المتين). صمح اليوم (اشتد حره). الصمود. صمل صملا وصمولا (اكتنز وصلب). الصنديد (الشريف
الشجاع). الصولة. اصمى الصيد (اصابه فوقع بين يديه). الصيصه (الحصن). صال عليه (سطا عليه ليقهره).
صاد الوحش (قنصه).

وكان منها عشرون مصدرا قد اضفى الصاد بعذوبه صوته ونقائه على معانيها لمحه من صفاء
ونقاء ورقه وشعر. هي:

الصبابه (الشوق)، صبا اليه (حن وتشوق). الاصبع. الصاحب. الصراط. الصدغ. الصغير. اصغى اليه (احسن الاستماع).
الصمخه من النساء (الغضة). الصنو (النظير). لون اصهب (اصفر ضارب الى الحمرة). اصاخ اليه (استمع).
الصناعة. الصياغة. صاك الطيب (عبق). صيا. النخيل (ظهرت الوان البسر). تصنف الشجر (بدا ورقه وتنوع).
صف القوم (انتظموا في صف واحد). الصيف.

وكان منها عشره مصادر تدل معانيها على بعض العيوب النفسيه والجسدية، دونما تشويه او فجور
او قذارة. هي:

صاصا الرجل وتصعصع (جبن). تصعلكت الابل (طرحت اوبارها). صعفق (ضؤل جسمه). صعل (كان دقيق الراس
والعنق). صلج (صار اصم). صلخ (ذهب سمعه). صلف (تكبر وثقلت روحه). صنت الرائحه وصنمت (خبثت،
لتدخل النون المخنخنة، كما سياتي.

وهكذا قد طبع هذا الحرف بخصائصه الصوتيه (78.5%) من معاني المصادر التي تبدا به، وهي
نسبه عاليه تؤهله للانتماء الى زمره الحروف القوية.

وقد يتساءل القارئ:

لماذا صنفت حرف الصاد في زمره الحروف الشعورية، ولم اصنفه سمعيا، مادام هو في الاصل
صفيري الصوت؟

لقد بلغت المصادر التي تدل معانيها على اصوات في الجداول السابقه (26) مصدرا بنسبه (18%)
مما لا نظير لذلك لدى اي حرف سمعي اخر. بينما اقتصر نصيب المشاعر الانسانيه منها
على اربعه مصادر. هي:

الصبابه (الشوق). صبا اليه (حن وتشوق). صاصا الرجل وتصعصع (جبن).

فكان حظ المشاعر الانسانيه من حرف الصاد اقل منه في كثير من الحروف غير الشعورية.
وردا على هذا التساؤل اقول:

لقد صنفت هذا الحرف الصفيري شعوريا، لجمال صوته وعذوبه موسيقاه، ولما يثيره في النفس من
ايحاءات النقاء والصفاء والطهاره والبراءه والعزه وقوه الشكيمة.

مشاعر انسانيه مرهفه لم يتعرفها الانسان العربي الا في مرحله بطوليه من مراحله الرعويه الراقية،
فابدع صوت هذا الحرف، بتفخيم السين للتعبير عن هذه المعاني والمشاعر المستجدة. ليكون حرف الصاد
بذلك من انبل الحروف.

وهكذا رفعت حرف الصاد من الطبقه السمعيه على الرغم من صفيريته، الى مرتبه الحروف الشعوريه
لما يتمتع به صوته من اصاله ونباله وروح فروسية. وللقارئ ان يعيده الى زمره الحروف
الصوتيه ان رغب في ذلك. وما احسبه سيرغب.

ولكن ماذا عن حرف الصاد في نهايه الالفاظ؟

بالرجوع الى المعجم الوسيط عثرت على مئه وثمانيه عشر مصدرا تنتهي بالصاد، كان منها خمسه
عشر مصدرا تدل معانيها على الشده والصلابه والقوة. منها:

اصت الناقه (اشتد لحمها). جص في الرباط (تاوه من شده ربطه به). حص الفرس حصصا
(اشتد عدوه في سرعة). دعصه بالرمح (طعنه به). عاص الامر عوصا (التوى فخفي وصعب). قعصه
(طعنه بالرمح). وهص الشيء (رماه رميا عنيفا).

وكان منها اربعه مصادر للصفاء واللمعان. هي:

بص بصيصا (لمع وتلالا). خلص (صفا وزال كدره). عرصت السماء (دام برقها). محص البرق (لمع).
ولا شيء للاصوات. وقد سبق تعليل هذه الظاهره الغريبه في حرف (الزاي) فليرجع القارئ اليه.

ولاشيء منها للمشاعر الانسانية، وهذا كان متوقعا، فليس الصاد في نهايه المصادر اوحى منه بالمشاعر
الانسانيه في مقدمتها.

وهكذا هبطت نسبه تاثير حرف الصاد في معاني المصادر التي تنتهي به الى (16%) فقط.

وكانت مفاجاه غير متوقعة، لما في صوته من موحيات الشده الصلابه والصقل والصفاء. بل لوحظ
ان معظم المصادر التي تنتهي به قد تاثرت معانيها بالخصائص الصوتيه للحروف التي تقع في
مقدمتها، كما في النماذج التالية:

دعصه بمعنى طعنه (للدال والعين). قعصه بمعنى طعنه بالرمح (للقاف). بخص عينه بمعنى فقاها (للباء).
رعص، اضطرب (للراء). رقص (للراء) غاص (للغين). فرص الثوب شقه طولا (للفاء)، لمص العسل، لعقه
بطرف اصبعه (لحرف اللام). مص (للميم).

مما يدل على ان العربي كان يلفظ الصاد في المواقع الخلفيه مخففا مرققا، بلا تفخيم،
كعادته مع اصوات الحروف التي تقع في نهايه الالفاظ.

ثم اخيرا، ماذا عن حرف الصاد في وسط المصادر؟

بالرجوع الى المعجم الوسيط عثرت على خمسه وثمانين مصدرا يتوسطها حرف الصاد، بعد استبعاد مضعف
العين منها لورود حرف الصاد فيها في نهايتها، وقد سبقت دراستها في هذا الموقع.

وكما كان الحال في المصادر التي تنتهي بالصاد، فان معاني معظم المصادر التي يتوسطها هذا
الحرف قد تاثرت بالخصائص الصوتيه للحروف المشاركه ولاسيما ماوقع منها في اوائلها كما في الامثله
التالية:

بصع الماء (رشح قليلا: الباء للحفر والنفاذ). حصد الزرع (قطعه: الدال للشده المادية). خصل الشيء
(قطعه : الخاء هنا للتخريب، كما سياتي). رصف الشيء (ضم بعضه الى بعض: الراء للتكرار).
عصفت الريح (اشتد هبوبها: العين للشده كما سياتي). فصم الشيء (شقه: الفاء للفصل والشق والتوسع).
قصب الشيء (قطعه: القاف للقوه والانفجار الصوتي، والباء للحفر). عصلب الرجل (كان شديد العصب: العين
للشده واللام للتماسك). لصب الجلد ولصغ ولصق (بمعاني لزق: اللام للالتصاق). مصر الناقه (حلبها باطراف
اصابعه: الميم للمص والانجماع، والراء للتحرك والتكرار). نصع (صفا ووضح: النون للنقاء والعين للعيانيه كما
سياتي). هصر الشيء وهصمه (كسره: الهاء للتخريب والراء للتحرك والتكرار).وصل الشيء بالشيء (ضمه به وجمعه
ولامه: اللام للالتصاق). وصم العود (صدعه من غير فصل والمعنى هو محصله الصاد للشده والصلابة،
والميم للانجماع).

ولقد كان من هذه المصادر سبعه وعشرون مصدرا لمعاني الشده والفعاليه والقطع والكسر، قد تاثر
سبعه عشر منها بخصائص الحروف المشاركة، كما لحظنا ذلك في بعض الامثله السابقة.

وكان منها سته لمعاني الصفاء والنقاء والوضوح، قد تاثر اربعه منها بالحروف المشاركة. هي:

اصل النسب اصاله (شرف: للصاد). البصر: الباء للنفاذ والراء للتحرك). افصح الصبح (بدا ضوءه وظهر:
الفاء للانفراج، والحاء للرقه والجمال). لصف لونه (برق وتلالا: للصاد). نصح المعدن والقلب وسواهما (خلص
من الشوائب: النون للنقاء والحاء للرقه والجمال). نصع (صفا ووضح: سبق تعليلها اعلاه).

وكان منها مصدر واحد للاصوات: هو قصف الرعد (اشتد رعده: القاف للقوه والانفجار الصوتي). ولا
شيء للمشاعر الانسانية.

ومما يدعو للدهشة، اننا لم نعثر في هذه المصادر جميعا على اي معنى من معاني
البذاءه او القذاره او النتانه او الفحش، او مما يدخل في مضمار التشوهات النفسيه والعقليه
والجسديه سوى مصدر واحد، هو: (هصا هصوا (اسن وكبر)؛ للهاء المختصه اصلا بالعيوب النفسيه والجسديه
كما سياتي:

معاني وصور الحروف العربية 20160621 58

فلئن كانت الحروف العربيه قد اثرت في معاني معظم المصادر التي يتوسطها حرف الصاد، فان
هذا الحرف قد حماها جميعا وحصنها من كل ماهو ناب وقبيح من المعاني، ليكون حرف
الصاد بذلك من انبل الحروف العربية.

2- حرف الضاد

يقول عنه العلايلي: انه (يدل على الغلبه تحت الثقل) تعريف مبهم.

لقد حمل هذا الحرف لقب اللغه العربية، فقيل (لغه الضاد)، وقد اسند بعضهم هذا اللقب
الى الحديث الشريف:(انا افصح من نطق بالضاد). الا ان الشراح لم يثبتوه. اما المتنبي فقد
اثبته في قوله:

لا بقومي شرفت بل شرفوا بي

وبنفسي فخرت لا بجدودي

وبهم فخر كل من نطق الضا

د وعوذ الجاني وغوث الطريد.

وما احسب ان المتنبي هو الذي ابدع هذا اللقب. فمساله صعوبه النطق بالضاد الاصيله قد
اثيرت قبل المتنبي بزمن طويل، كما سياتي:

الاختلاف في نطق الضاد:

لقد اختلف علماء اللغه العربيه في مخرجها وشدتها اختلاف العرب انفسهم في كيفيه النطق بها.

يستفاد من البحث الذي خصصه الدكتور انيس في كتابه (الاصوات اللغوية) بهذا الصدد، ان الضاد
القديمة، وان كانت مجهوره كالضاد الحديثه (يهتز مع صوتها وترا الحنجرة)، فانها قد تطورت من
الرخاوه الى الشدة.

فالضاد التي تلفظها مصر هي اليوم اشبه بالدال. والضاد السوريه مفخمه واشد انفجارا. اما في
العراق فيلفظونها ظاء رخوة، علما ان التلفظ بالضاد ظاء كان لغه كثير من القبائل العربية.
ونقل عن الاصمعي قوله: “انه تتبع لغات العرب كلها (اي لهجاتهم)، فلم يجد فيها اشكل
من الفرق بين الضاد والظاء) (الاصوات اللغويه ص54).

النطق بالضاد القديمة:

يستفاد من وصف الخليل بن احمد الفراهيدي ان العضوين المكونين للنطق بالضاد القديمه ينفصلان انفصالا
بطيئا نسبيا، فحل الانفجار البطيء في صوتها محل الانفجار الفجائي، ولهذا السبب قال ابن الجوزي
في كتابه (النشر في القراءات العشر): (ان الضاد انفردت بالاستطاله ، وليس في الحروف مايعسر
على اللسان مثله، فالسنه الناس فيه مختلفة)، (الاصوات اللغويه ص 51).

كما اكد علماء اللغه القدامى: (ان النفس مع الضاد القديمه بعد خروجه من الحنجره يتخذ
مجراه من الحلق الى الفم، اما عن يسار الفم عند اكثر الرواة، واما عن يمينه
عند بعضهم، او عن كلا الجانبين على راي سيبويه): (المرجع السابق ص 49).

ونظرا لتداخل صوتي الضاد والظاء في اللهجات العربية، فان نهايه مخرج الضاد القديمه لابد ان
يكون قريبا جدا من بدايه مخرج الظاء. لتكون الصعوبه البالغه في نطق الضاد القديمه تتلخص
في امتداد مخرجها حتى بدايه مخرج الظاء، مع البراعه في الفصل بينهما، وهذا ماجعل اتقان
التلفظ بها فائق الصعوبة، فكان لا مثيل لها في لغات العالم، مما يؤهلها لحمل لقب
اللغه العربية، على راي معظم علماء اللغه العربيه وادبائها.

ولهذا السبب من الصعوبه الفائقه في نطقها تراجع العراقيون وغيرهم من القبائل العربيه القديمه بمخرجها
قليلا باتجاه الفم حتى استقر في مخرج الظاء، كما تراجع المصريون بمخرجها اكثر حتى استقر
قرب مخرج الدال. اما السوريون فقد تقدموا بمخرجها قليلا نحو الحلق. اشباعا وتفخيما، فكان صوتها
اشد انفجارا من الضاد الاصل.

وهكذا ضاعت الضاد القديمه من على السنه العرب، ولم يعد لها وجود على الاطلاق.

الخصائص الصوتيه للضاد:

لابد لهذه الخصائص ان تختلف باختلاف مخرجها على المدرج الصوتي. فاذا لفظت الضاد مفخمه شديده
الانفجار كما في سوريه كانت تفخيما للدال، لتصبح بذلك اعلى منه نبره واملا صوتا واكثر
تلونا بايحاءاته الصوتية.

وصوت الضاد في حاله التفخيم والتشديد يوحي بالصلابه والشده والدفء كاحاسيس لمسية، وبالفخامه والضخامه والامتلاء
كاحاسيس بصرية، وبالضجيج كاحساس سمعي، وبالشهامه والرجوله والنخوه كمشاعر انسانية.

واذا لفظت بما يشبه الدال المرققه كما في مصر كانت ضادا مخففه بنطقها وخصائصها الصوتية،
وبذلك تكون اقل ايحاء بالشده والقساوه من الدال ذاتها، ولا مايوحي بالفخامه والضخامه والضجيج، ولا
بايه مشاعر انسانيه كما لحظت ذلك في حرف (الدال).

ولكن ما موقف المعاجم اللغويه من هذه اللهجات الثلاث؟

اذا كنا لا نعرف اليوم كيف كانت الاجيال العربيه الاولى تنطق بالضاد القديمة، فاننا بالرجوع
الى معاني الالفاظ التي تشارك فيها نستطيع ان نرجح اي اللهجات الثلاث (المصرية، ام السورية،
ام العراقية) هي الاقرب الى الاصل؟

بالرجوع الى المعجم الوسيط عثرت على خمسه وتسعين مصدرا تبدا بحرف الضاد، كان منها احد
عشر مصدرا تدل على اصوات ضجيجيه بما يتوافق مع صوت الضاد السورية، هي:

ضاضا (جلب وصاح). الضوضاء. الضباح (صوت الثعلب). ضج (جلب وصاح من مشقه او فزع) ضحك.
ضرط. ضع (اسم صوت لزجر الابل). ضغضغ الادرد اللقمه (لاكها ومضغها فسمع له صوت). ضغا
ضغاء وضغوا (صاح من الالم). ضوضى (صاح وجلب).

كما كان منها اثنان وخمسون مصدرا تدل معانيها على الضخامه والشده والامتلاء، بما يتوافق مع
موحيات صوت الضاد السورية، منها:

ضازه (جار عليه). الضباب. ضبج (القى نفسه على الارض من ضرب او تعب) ضبر (جمع
قوائمه ووثب). ضجع (وضع جنبه على الارض). الضجم (الاكول). الضخم. ضده في الخصومه (غلبه). ضدي
ضدا (امتلا غضبا). ضرجه (شقه). ضرحه (شقه). الضرر الضرس. الضرع (مدر اللبن لاناث الحيوان، لضخامته).
الضرغام (الاسد). الضراك (الغليظ الشديد العصب). ضرى ضراوه (اشتد). ضزنه (غلبه على مافي يده). ضعضع
البناء (هدمه حتى الارض). ضغطه. ضغمه (عضه شديدا بملء فيه). الضغن (الحقد الشديد). ضفر وضفز
(وثب وعدا). ضكضك (اسرع في مشيه). ضكه (ضغطه بشدة). الضليع. الضنك (الضيق). ضهده واضطهده (اذله
وظلمه). ضار ضورا (اشتد جوعه). ضاره ضيرا (اضر به). ضازه ضيزا (ظلمه). الضيق. الضماضم (الاسد
الغضبان، والاكول النهم لا يشبع). ضنات المراه وضنت (كثر نسلها). الضاهر والضهر (اعلى الجبل). ضاج
الوادي ضوجا (اتسع). ضان ضونا (كسر نسله وولده).

وكان منها اربعه وعشرون مصدرا تدل معانيها على الرقه اوالنضاره او الضعف، بما يتوافق مع
الخصائص الصوتيه للضاد المصرية، وان كانت الضاد السوريه اكثر انسجاما مع اصوات الحروف التي يتالف
منها معظم هذه المصادر. منها:

ضؤل (صغر). الضائق (الضعيف اللين، والحسن الجسم من غير امتلاء). ضاى (ضؤول جسمه ودق). الضح
(الشمس، او ضوؤها على الارض). ضحضح الامر (تبين). ضحل الغدير (قل ماؤه). ضحا ضحوا (برز
للشمس). ضل (خفي وغاب). اضمحل (ضعف) ضمر ضمورا (هزل وقل لحمه). ضني وضنا وضناء (اشتد
مرضه حتى نحل). ضاع الشيء ضوعا (تحرك فانتشرت رائحته). ضوى ضوا (ضعف ) الضياح (اللبن
الرقيق الكثير المياه). ضاع ضياعا (فقد واهمل). ضعف (هزل). ضاء الشيء (انار واشرق). ضاف اليه
(دنا ومال واستانس به).

وهكذا بلغت نسبه المصادر التي تتوافق معانيها مع صوت الضاد المفخمه الاقرب الى اللهجه السوريه
(66.3%) بينما بلغت نسبةالمصادر التي يمكن ان تقبل الضاد المصريه المخففة، بشيء من التسامح (25.2%)
. وبذلك ترجح اللهجه السوريه في الضاد على اللهجه المصريه عددا وكما وكيفا، بما مجموعه
(91.5%).

ولكن ماذا عن الضاد في نهايه المصادر؟

بالرجوع الى المعجم الوسيط عثرت على ثلاثه وستين مصدرا، كان منها مصدر واحد يدل على
صوت. هو: الحبض (الصوت الضعيف). ولا غرابه في هذه الندرة، كما اسلفت.

وكان منها خمسه وثلاثون مصدرا تدل معانيها على الشده والضخامه والامتلاء، يما يتوافق مع الضاد
السورية. منها:

بض البدن (امتلا ونضر). بعضه البعوض (عضه). بهضه (شق عليه). جرضه (خنقه). حضه (حثه). رضه
ورضرضه (دقه). ركض. رمض اليوم (اشتد حره). خاض الماء (دخل فيه ومشى). عض. فض اللؤلؤه
(خرقها).فاض الماء. الفيوض (الواسع). قرضه (قطعه بالمقراض) قض الجدار (هده بعنف). قاض البناء (هدمه). نهض
(قام يقظا). هضت الابل (اسرعت). هاض الشيء (كسره). وفض (عدا مسرعا). النحض (اللحم المكتنز). الهنبض
(العظيم البطن).

وكان منها ثمانيه عشر مصدرا تدل معانيها على الرقه او النضاره او الضعف بما يتوافق
مع الضاد المصرية. منها:

باض بوضا (حسن وجهه بعد كلف). حرض الثوب (بليت اطرافه). خفض (حط بعد علو). رحض
الثوب (غسله). غمض (خفي). غاض الماء (غاب في الارض). المحض (الخالص من كل شائبة). المرض.
نبض (تحرك في مكانه). نض الماء (سال قليلا). نفض الكرم (تفتحت عناقيده). ومض البرق (لمع
خفيفا).

اما المشاعر الانسانيه فكان لها مصدر واحد هو معض من الامر (غضب وتالم) بما يتوافق
مع الضاد السورية.

وهنا ترجح ايضا كفه اللهجه السوريه على المصريه بنسبه (57%) الى نسبه (28.6%) مع الاشاره
الى ان معظم المصادر التي تدل معانيها على الرقه والضعف، تتوافق اصوات حروفها مع الضاد
السورية، لا المصرية، فكانت نسبه تاثيرها في معاني المصادر هنا (87.33%).

ثم بملاحقه الضاد في وسط المصادر، عثرت على ثلاثه وثمانين مصدرا، كان منها ثمانيه واربعون
مصدرا تدل معانيها على الشده والقوه الضخامه والامتلاء، بما يتوافق مع معطيات الضاد السوريه في
الشده والتفخيم. منها:

بضع اللحم (قطعه). حضات النار (التهبت). خضخض الشيء (حركه ورجرجه). خضمه(قطعه واكله بجميع فمه، للرطب).
قضمه (كسره باطراف اسنانه، لليابس). رضحه (دقه بحجر وكسره). عضب الشيء (قطعه). عضبر الكلب (استاسد)
عضل به الامر (اشتد واستغلق). الغضافر (الاسد). تفضح (توسع). قضبه (قطعه). قضعه (قهره). لضمه (عنف
عليه والح). نضخ الماء (اشتد فورانه). مضغ الطعام.الهضبة. هضت الابل (اسرعت). وضم القوم (تجمعوا وتقاربوا).

وكان منها خمسه وعشرون مصدرا تدل معانيها على الرقه والضعف والاناقه بما يتوافق الى حد
ما مع موحيات الضاد المصرية. منها:

الخضرة. خضل (ندي وابتل). الرضاب (الريق). الرضاع. رضيه (اختاره وقبله). غضت المراه (رق جلدها وظهر
دمها). نضح (رشح). نضر (كان ذا رونق وبهجة. وضؤ (حسن وجمل ونظف). وضح الامر (بان).

ولم اعثر على اي مصدر يدل على صوت.

وكان للمشاعر الانسانيه خمسه مصادر تتصف معانيها بالشده والحده والسلبيه بما يتوافق مع الضاد السورية.
هي:

خضع. اضه الامر (حزنه وجهده). اضم عليه (اضمر حقده). الغضب. مضه (المه).

لترجح بذلك الضاد السوريه على المصريه بنسبه (63.9%) الى (30%). ليبلغ معدل النسب الثلاث )(61.7%)
لصالح الضاد السوريه و (28%) لصالح الضاد المصريه بما مجموعه (90%) وتلك نسبه عاليه جدا
تجعله في مقدمه الحروف العربيه قوه شخصية. وبذلك تكون الغلبه من حيث الكميه العدديه الى
جانب الضاد السورية.

ولكن ماذا عن الكيفيه ايضا؟

بالرجوع الى جميع المصادر التي شاركت الضاد في تراكيبها في مختلف المواقع منها، يتضح ان
معظم معانيها يتوافق مع الخصائص الصوتيه للضاد المفخمه لا المرققة. فمعظم المصادر التي تدل معانيها
على الشده والضخامه والامتلاء والصلابه والنضاره والاصوات والمشاعر الانسانية، لا تقبل الضاد المصريه قطعا، وذلك
للتعارض الكائن بين موحيات صوتها وبين تلك المعاني.

كما ان الجداول الثلاث التي صنفت مصادرها لصالح الضاد المصرية، وان كانت معانيها تقبلها بشيء
من التسامح، فان جميع مايدل منها على الرقه والنضاره والاناقة، هي اقبل للضاد السورية، لما
في صوتها من موحيات النضاره والاناقه والفخامة، كما في:

الضحى. ضوع العطر، الضوء. المحض، النبض، ومض البرق، الخضرة، الخضيله (الروضه الندية). الرضاب. النضارة. الوضوح….

ومنه يتضح ان الاجيال العربيه الاولى اذا لم تكن قد لفظت الضاد بمثل فخامه وشده
الضاد السورية، فانها لم ترققها قطعا كالضاد المصرية، فترقيق صوت الضاد وتخفيضه من شانه ان
يحولها الى دال قاحلة، لا اناقه فيها ولا نضاره ولامايوحي باي شعور انساني.

ومنه يتضح لنا صحه ماذهب اليه علماء اللغه القدامى، من ان الضاد القديمه الضائعه كانت
تلفظ بصوت يجمع بين النضاره والاناقه والفخامه بشيء من القلقله الرشيقة.

وقد يتساءل القارئ هنا ايضا: لماذا لم تصنف الضاد في زمره الحروف السمعية، لما في
صوتها من موحيات الضجيج؟ وقد كان هناك احد عشر مصدرا تبدا بالضاد تدل معانيها على
اصوات، بينما لم يكن منها سوى ثلاثه للمشاعر الانسانية. هي: ضجر (ضاق وتبرم). ضدي ضدا
(امتلا غضبا).الضغينه (الحقد الشديد).

واجيب عن هذا التساؤل):

لقد صنفت الضاد شعورية، لما يوحيه صوتها من المشاعر الانسانية. فلتفخيم الضاد لابد من اعتماد
التجويف الانفي اثناء خروج صوتها. لياخذ بذلك طابعا متميزا من الغنة، تلطف من ضجيجه، وتضفي
عليه شيئا من النضاره والرشاقة.

ولذلك فان صوت الضاد بفخامته ونضارته وغنته، انما هو اوحى اصوات الحروف قاطبه بمشاعر الشهامه
والمروءه والشمم . ولا ادل على ذلك من ان الاصوات الغنائيه التي تعتمد في غنتها
التجويف الانفي، انما هي اشد اصوات الطرب اثاره لمشاعر النخوه والرجوله والعواطف القومية، كما في
صوتي فايده كامل في اغنيه (يانيل)، واسمهان في اغنيه (حنا روينا سيوفنا من القوم).

3- النون:

مجهوره متوسطه الشدة، رسمها في السريانيه يشبه النجم. معناها لغة: شفره السيف اوالحوت او الدواة،
ولعل رسمها في العربيه قد اقتبس من صوره احدى هذه المسميات قبل ان يتطور الى
الرسم الحالي. فالنقطه في النون تمثل نتوءا عند مقبض السيف، او عين الحوت، او مرتسم
القلم في الدواة.

يقول العلايلي: انها (للتعبير عن البطون في الاشياء). ويقول عنها الارسوزي: انها (للتعبير عن الصميمية).
والمعنيان صحيحان ومتقاربان ولكنهما قاصران وهذه الايحاءات الصوتيه في النون مستمده اصلا من كونها صوتا
هيجانيا ينبعث من الصميم للتعبير عفو الفطره عن الالم العميق (ان انينا).

ولذلك كان الصوت الرنان ذو الطابع النوني (اي ذو المخرج النوني)، الذي تتجاوب اهتزازاته الصوتيه
في التجويف الانفي، هو اصلح الاصوات قاطبه للتعبير عن مشاعر الالم والخشوع. (المقرئ الشيخ عبدالباسط
عبد الصمد).

على ان صوت النون اذا لفظ مخففا مرققا اوحى بالاناقه والرقه والاستكانة، واذا لفظ مشددا
بعض الشيء. اوحى بالانبثاق والخروج من الاشياء، تعبيرا عن البطون والصميمية، كما قال العلايلي والارسوزي.

اما اذا لفظ بشيء من الشده والتوتر، فلابد لموحياته الصوتيه ان تتجاوز ظاهره الانبثاق العفوية،
الى النفاذ القسري والدخول في الاشياء، واذا لفظ بشيء من الخنخنه (اخراج الصوت من الانف).
اوحى بالنتانه والخسة.

واذن فان موحيات صوت هذا الحرف ومعانيه تتغير بحسب كيفيه النطق به، فهو يوحي تاره
بالحركه من الداخل الى الخارج، وهو الانبثاق، كما يوحي تاره اخرى بالحركه من الخارج الى
الداخل، وهو النفاذ في الاشياء.

وهذا فيما ارى ليس من قبيل الجمع بين المتضادات في معاني الحروف، كما يرى القائلون
بجدليه الحروف العربية. فالحركه المنبثقه من الداخل اذا اعطيت مزيدا من الشدة، وسلطت على الاشياء
الخارجيه فانها بعد تجاوزها نطاق الذات، لابد ان تنفذ في الاشياء حتى صميمها وهي في
ذات الاتجاه.

ولذلك فاننا اذا لم ننتبه الى مبدا حركه النون، يبدو لنا وكانها قد عكست اتجاهها
فانطلقت من الخارج الى الداخل، وهو مجرد توهم. ولذلك فان كل فعل يبدا بالنون مما
يدل معناه على الانبثاق والظهور، هو في الاعم الاغلب فعل لازم، اما كل فعل يدل
معناه على النفاذ في الاشياء فهو متعد اطلاقا.

ولكن مانصيب هذه الخصائص الصوتيه في النون، من رنين واهتزاز ورقه واناقه وخشوع وخفاء وانبثاق
ونفاذ، من معاني المصادر التي تبدا بها؟….

بالرجوع الى المعجم الوسيط عثرت على ثلاثمئه وثمانيه وستين مصدرا تبدا بحرف النون. كان منها
تسعه وعشرون مصدرا تدل معانيها على اصوات تحاكي في الغالب انبثاق صوت النون من الصميم،
بما يتوافق مع مافيه من انين او رنين واهتزاز. هي:

ناج البوم (صاح). نام الرجل (ان انينا ضعيفا). نب التيس (صاح). نبح الكلب. نح ونحنح
(تردد صوته في جوفه). نحم (تنحنح وسعل). نحب الباكي (اعلى بكاءه).نخر (صوت بخياشيمه). نخف (صوت
بانفه). نده (صات). ناداه، نشج (البكاء). نشنشت القدر (صوتت بالغليان). نش الشواء (صوت على النار).
نعق الغراب ونغق ونعب (صاح). نعر (صوت بخيشومه). نغم (تكلم بخفاء). نقس الناقوس (صوت). نق
ونقنق (للضفدع). نهت القرد (صاح). نهق الحمار.نهم الاسد (صوت). ناحت الحمامه (سجعت). نت من المرض
(ان). نشع (شهق حتى كاد يموت).

وكان منها اثنان وثلاثون مصدرا يغلب على معانيها الاهتزاز والاضطراب وتكرار الحركة، بما يحاكي الاهتزاز
في صوت النون، في مطابقه بين الصور الصوتيه لهذا الحرف وبين الصور المرئيه لهذه الاحداث
منها:

نبض القلب. نتق الوعاء (هزه ليخرج مافيه). نجخ (هاج واضطرب). ند البعير (نفر وشرد). نزا
للشر (ثار وتحرك). نغرت القدر (غلت)، انتفض (تحرك في ارتجاف واضطراب). نعظل (تمايل في مشيته
يمنه ويسرة). نضنض الشيء (اقلقه وحركه). نصنص الشيء (حركه وقلقله). ناب الى الشيء (رجع اليه
واعتاده، ومنه اشتقت لفظه (المتناوب للتيار الكهربائي)، ناض الشيء نوضا (تحرك وتذبذب). نورج (اختلف اقبالا
وادبارا). النيرج (سرعه في تردد). ناص نيصا (تحرك حركه ضعيفة). ناض العرق نيضا (اضطرب). تنجنج
في امره (تحرك واضطرب).

وكان منها مئه وعشرون مصدرا تدل معانيها على الانبثاق والخروج، بما يحاكي خروج صوت النون
من الصميم: منها:

نبا (ارتفع وظهر). نادت الارض (نزت بالماء). نبت. نبج الجرح (تورم). نبع. نبغ الشيء بما
فيه (نض ونضح). نتا (برز في مكانه). نتجت الدابه (ولدت). نتح (رشح). نثج مافي جوفه
(اخرجه). النخامه (مايلفظه الانسان من بلغم). نث العرق (رشح). نجد المكان (ارتفع). نجم (طلع وظهر).
نخج السقاء (رشح). ندص القيح (خرج من البثرة). نضب. نضح. نضخ الماء (اشتد فورانه من
ينبوعه). نطف (قطر). نطق (تكلم). نظر. نذع العرق (خرج قطرات). النزع (خروج الروح، الاحتضار). نزف.
نزنز المكان (استمر نزه). نشح السقاء (رشح). نشمت الارض (نزت). نصل من كذا (خرج منه).
نسل ريش الطائر (انفصل عنه وسقط). نفر الرجل (خرج من وطنه وضرب في الارض). نفست
المراه (ولدت). نفض الكرم (تفتحت عناقيده). نهض. ناه نيها (ارتفع). نفث (نفخ). نهد الثدي (برز
وارتفع). نزح عن بلده (خرج منها). النز (مايتحلب من الارض من الماء).

وكان منها خمسه واربعون مصدرا تدل معانيها على النفاذ في الاشياء مما يفيد الحركه من
الخارج الى الداخل. منها:

نبث الارض (نبش ترابها وحفرها). نبش. نثل الشيء (استخرجه). نجث الشيء (استخرجه) نجله بالرمح (رماه
به). نخره. نخرب الشيء (ثقبه ومنه نخاريب شهد العسل). نحره. نخسه. ندس فلانا (طعنه خفيفا).
نضف الرضيع مافي الضرع (استخرج مافيه من حليب). نقب الجدار. نقث العظم ونقحه ونقخه (استخرج
مخه). نقد الشيء (نقره ليختبره). نقر الطائر الشيء (حفره بمنقاره). نكت الارض بعود (نقب فيها).
نكح المراه (تزوجها). نكز الدابه (نخسها). نكف البئر (نزحها). نهسه الكلب (عضه). نهشه (تناوله بفمه
ليعضه). وهذه الافعال متعديه جميعا.

وكان منها سبعه واربعون مصدرا تدل معانيها على الرقه والاناقه والضعف بلا عيوب نفسيه او
جسدية، بما يتوافق مع صوت النون مرققا مخففا. منها:

الناي. نحف ونحل (دق وهزل). ندف القطن، نسك الثوب (غسله بالماء فتطهر). نضد العقد (ضم
حباته الى بعضها بانتظام). النفال (القطع المتفرقه من النبت). النقطة، نيق في ماكله وملبسه (تانق).
نعس (فترت حواسه للنوم). نقه (برئ من مرضه ولا يزال به ضعف). نمس فلانا (ساره).
نمق الكتاب (احسن كتابته). نهو الرجل (صار منتهيا في العقل). النور.

وكان منها خمسه مصادر تدل معانيها على عيوب، بما يتوافق مع صوت النون المخنخنة. هي:

نتن اللحم (فسدت رائحته). نجس. نعثل (عرج). نفه (جبن). نهتر (تحدث بالكذب).

وان قله معاني العيوب في المصادر التي تبدا بالنون يرجع اصلا الى مجافاه خصائص الرقه
والاناقه ومشاعر الخشوع في صوت النون مع معاني الفحش والقذاره والتشوهات النفسيه والجسدية.

اما المشاعر الانسانيه فلم يكن لها سوى مصدرين اثنين. هما:

ندم (اسف). نغص عليه (كدره).

وعلى الرغم من ندره المصادر التي تدل معانيها على مشاعر انسانية، وكثره مادل منها على
اصوات في الجداول السابقة، فقد صنفت هذا الحرف في زمره الحروف الشعوريه لا السمعيه وذلك
لما يثيره صوته الرنان في النفس من مشاعر الحنين والخشوع والالم الدفين، على مثال مافعلت
في تصنيف الصاد الصفيري. والضاد الضجيجي.

ولقد استطاع هذا الحرف على رقته واناقته ان يطبع مباشره بخصائصه الصوتيه (76%) من معاني
المصادر التي تبدا به، كما استطاع ان يؤثر بصوره غير مباشره على معانيها جميعا، حمايه
لها من معاني القذاره والفحش والفظاظه وما شذ عن ذلك الا خمسه مصادر. هي:

نتن (النون المخنخنه في نهايه المصدر). ونفه ونهتر (لتدخل حرف الهاء في هذين المصدرين). ونعثل
للاضطراب في وزنه. ونجس.

ولكن ماذا عن معاني المصادر التي تنتهي بهذا الحرف الرقيق؟

بالرجوع الى المعجم الوسيط عثرت على مئتين وسته وعشرين مصدرا، كان منها سبعه تدل معانيها
على اصوات. هي:

ان (تاوه). حن (صوت)، خن (خرج صوت بكائه من انفه). رن. شجنت الحمامه (رددت صوتها).
طن. غن (كان في صوته غنة).

وكان للاهتزاز والاضطراب مصدر واحد هو : زفن (رقص). وذلك يعود الى حرف (الزاي). المختص
اصلا بمعاني الاهتزاز والاضطراب.

وكان للحركه من الداخل الى الخارج مصدران اثنان. هما:

– دنت العين (سال مافيها من عمش). عن الشيء (ظهر وبان). وهما فعلان لازمان. اما
مايفيد الحركه من الخارج الى الداخل. فكان له مصدر واحد هو (طعن) فعل متعد.

وكان منها ثمانيه وخمسون مصدرا تدل معانيها على الرقه والاناقه والجمال، وفيها الكثير من مزايا
النساء ومحاسنهن التي تتلاءم مع نظره العربي الى المراه في المجتمع الرعوي.منها:

ارن (نشط وفرح). البثنه (الروضه والمراه الحسناء). الجمان (اللؤلؤة). الحسن. الحنان. خادنه (صادقه). امراه رزان
(ذات وفاء وعفاف). رقنت المراه (اختضبت بالزعفران). زانه (جمله). شبن الغلام (شب وامتلا). الشادن (ولد
الظبي). الظعينه (الهودج والزوجة). عثن الثوب (عبق بدخان الطيب). الغسان (حده الشباب). الغصن. تعكن البطن
(تثنى لحمه سمنا). العين. فتنته المراه (استهوته). الفن. الافنون (الغصن الملتف). فتاه فينانه (حسنه الشعر
طويلته). القينه (المغنيه والماشطة). لدن (كان لينا). اللسان. لقن (كان ذكيا). مرن (لان في صلابة).
لان. ماء معين. الميسون (الغلام الحسن القد والوجه). هتنت السماء (امطرت). تورن (اكثر من التدهن
والتنعم). الوهنانه من النساء (الكسلى عن العمل تنعما). الوسنى (امراه فاتره الطرف، كسلى من النعمة).
جاريه جهانه (شابة). ران عليه النعاس (غلبه). وسن (اخذ في النعاس).

وكان منها اربعه وثلاثون مصدرا تدل معانيها على الاقامه والاستقرار والاحاطه والخفاء، بما يتوافق مع
وضع المراه في المجتمع الرعوي. وذلك على النقيض من موحيات صوت النون في مقدمه المصادر،
من اهتزاز وانبثاق ونفاذ في الاشياء. منها:

اتن بالمكان، وبن به، وسكنه، ورزن به، وعدن به، وعمن به، وعهن به، ومتن به
ووتن به ووطنه بمعنى (اقام في المكان). اكن الطائر ووكن (دخل وكنه، اي عشه). امن
(اطمان). الجفن (غطاء العين). جن (استتر). حصن المكان (صار حصينا مانعا). حضنه. دجن بالمكان (اقام
فيه والفه). دفن. رجن بالمكان (الفه). رصن (ثبت واستحكم). ركن اليه (مال اليه). رهن (ثبت
ودام). صان الشيء (حفظه في مكان امين). اطمان (ثبت واستقر). كفن. كمن (توارى). كن (استقر).
هدن (سكن). وثن الشيء بالمكان (اقام وثبت فيه، ومنه الوثن للصنم). الوكن (عش الطائر).

وكان منها ثلاثون مصدرا تدل معانيها على عيوب جسديه ونفسيه وروائح نتنة، يغلب عليها طابع
الضعف والتفسخ، دونما فظاظه او فجور، وذلك بما يتوافق مع صوت النون المخنخن به. منها:

اجن الماء واسن (تغير طعمه). ثدن اللحم ونتن (تغيرت رائحته). جبن (خاف). حشن الوعاء (انتن).
خزن اللحم (فسد وتغير). الدرن (الوسخ). دعن (مجن وساء خلقه). دان دونا (خس وحقر). دان
دينا (خضع وذل). ذعن (ذل وخضع). الارعن (الاهوج). لخن (انتن). عفن اللحم (فسد). هان (ذل).
توجن (ذل وخضع). خان. لحن (اخطا).

وكان للمشاعر الانسانيه تسعه مصادر هي:

(الحنان، الحزن، هان، ذعن، دان دينا (خضع وذل). شجن. منها ثلاثه للحقد، هي احن، ودمن
(حقد). ضغن عليه (حقد).

وهكذا يكون حرف النون قد طبع بخصائصه الصوتيه (62%) من معاني المصادر التي تنتهي به.

بعد ان طبع (76%) من المصادر التي تبدا به. مما يدل على ان هذا الحرف
النسوي الرقيق الانيق يتمتع بشخصيه فذة، لا يتمتع بمثلها اي من حروف الغلظه والشده والفجاجة.

وذلك اشاره صريحه الى مافي الرقه والاناقه من طاقات روحيه كامنة.

مقارنات ونتائج:

بمقارنه معاني المصادر التي تبدا بحرف النون مع نظائرها من المصادر التي تنتهي به نلاحظ
ان تاثير هذا الحرف في المعاني يختلف باختلاف موقعه من اللفظة.

فلقد كان نصيب المعاني الداله على الاصوات والاهتزاز والانبثاق والنفاذ في المصادر التي تبدا بالنون
(61%). بينما لم تبلغ هذه النسبه في المصادر التي تنتهي به سوى (4%).

اما المصادر التي تدل معانيها على الاقامه والاستقرار والاحاطة، والخفاء في الجداول الاولى، فلم يكن
لها سوى مصدري (نام واناخ). بنسبه تقل عن (1%)، بينما بلغت هذه النسبه في المصادر
التي تنتهي بالنون (15%).

كما ان معاني الرقه والاناقه والضعف والجمال في المصادر التي تبدا بالنون، كانت نسبتها (18%).
بينما كانت نسبتها في المصادر التي تنتهي بها (25%).

ولكن لماذا طغت المعاني الداله على الاصوات والاهتزاز، وما يفيد الانبثاق والنفاذ، على المصادر التي
تبدا بالنون، بينما كانت معاني الرقه والمرح والاستقرار والخفاء. ومتعلقات الانوثة، اطغى على المصادر التي
تنتهي بها.؟

والنون هي النون، ان في اول الكلام او في اخره؟

ذلك ان العربي قد ميز بين شخصيه النون في اول اللفظة، وبينها في اخرها، على
مثال مانميز اليوم بين شخصيه المراه على راس عملها، معلمه او شرطية، رئيسه دائره او
قاضية، نائبه او وزيرة، وبين شخصيتها خلف رقيق الستائر، اما رؤوما، وزوجه وفية، وربه بيت
حانية، مصدر رعايه واحاطه وحنان، وعنوان رقه واناقه واستقرار واطمئنان.

فالنون في اول الكلام، لا يمكن ان تلفظ الا بشيء من النشاط والحيوية، لا بل
كثيرا مايقتضي المعنى ان نرص بالصوت على مخرجها، لتتحول الى مايشبه النون المشددة، ليصبح صوتها
بذلك اكثر رنينا، واشد اهتزازا وفعالية، وبالتالي اصلح مايكون للتعبير عن المعاني الداله على الاهتزاز
والاضطراب والانبثاق والنفاذ، ومايحاكي رنينها من اصوات.

وذلك على العكس مما لو وقعت النون في اخر الكلام، فهي لا تلفظ هناك الا
مخففة، مرققة، منعمة، يسكن الصوت اليها، كانه يستقر على فراش من حرير، فكان صوتها بذلك
اصلح مايكون للتعبير عن معاني الرقه والاناقه والجمال والاستقرار والخفاء والاحاطه والطمانينة.

وهكذا غابت معاني الاقامه والاستقرار عن المصادر التي تبدا بالنون، كما غابت معاني الاهتزاز والتحرك
عن المصادر التي تنتهي بها. ولولا النون المشدده في اخر بعض المصادر لغابت عنها ايضا،
معاني الاصوات.

ومما يلفت الانتباه، انه كان من بين المصادر التي تنتهي بالنون ثمانيه مصادر تدل معانيها
على النتانة، بينما لم يكن في المصادر التي تبدا بها سوى مصدر واحد يدل عليها
هو (نتن). لانه ينتهي بالنون ايضا.

فلقد راى العربي ان مما يشوه نطقه ان يبدا اللفظه بنون مخنخنه الصوت بمعرض التعبير
عن معاني العفونه والنتانة، بينما لاحظ ان الخنخنه بصوتها في اخر اللفظه هو اخفى لها
واقل تشويها للنطق بهما وارضى لاناقتها، وهكذا بلغت نسبه المعاني الداله على العيوب والنتانة، مما
يستدعي الخنخنه بالنون، في المصادر التي تنتهي بها (13%). بينما لم تبلغ هذه النسبه في
المصادر التي تبدا بها سوى (1%).

كما يلفت الانتباه ايضا عدم وجود اي مصدر يدل معناه على ايه رائحه غير نتنة،
عطره كانت او غير عطرة، في جميع المصادر التي تبدا او تنتهي بالنون، على الرغم
من رقه صوت هذا الحرف واناقته، وذلك لان صوت النون اذا لم يخنخن به، لا
يوحي فعلا بايه رائحه طيبه كانت او غير طيبة.

وانه لامر عجيب ان يكون لذلك العربي الضارب في مجاهل الارض والتاريخ هذه الحساسيه السمعيه
والذوقيه في التمييز بين موحيات صوت الحرف الواحد تبعا لموقعه من اللفظه بمعرض التعبير عن
معانيه.

ومن الطف ماابدع العربي واذكاه في استعمالاته للنون ان اتخذها رمزا للنسوة، فالحقها بالضمائر والافعال،
ليضفي عليهن وعلى فعالهن من الق النون طيف رقه واناقه وعذوبة.

فالنساء عدما يقتلن او يحرقن اويسبين، كان لابد لذهن العربي ان ينصرف مباشره الى المجازي
الغزل من معانيها، على العكس مما لو اسندت تلك الافاعيل الى الرجال.

ولم يقصر العربي عن هذا المستوى العالي من الذوق والذكاء بمعرض استعماله هذا الحرف في
اغراض صرفيه اخرى.

فلقد ابدع لفظه (ابن) بالحاق النون بلفظه (اب)، كنايه عن الحاق الابناء بالاباء، وليس بالامهات،
وذلك توافقا في المعاني بين موحيات صوت النون في نهايه الالفاظ وبين موحيات الطفولة، رقه
ووداعه واستكانة، كما انثت الابنه بتاء التانيث الملحقه بالابن، وذلك تاكيدا لهذه المعاني ولتقدم الابن
على الابنة، وكل مذكر على كل مؤنث.

وليس فيما ارى ثمه مجال للتاويل بان الابن هو ظهور الاب، بالاعتماد على موحيات النون
في الظهور والانبثاق، كما قال بعضهم، وان كان الابن فعلا وواقعا هو ظهور الاب وانبثاقه
في الوجود.

فالنون في نهايه المصادر لاتوحي بالانبثاق والظهور قطعا، واذا جاء مصدرا (دن وعن) الوحيدان بما
يفيد الانبثاق والظهور، فذلك يرجع الى النون المشددة، وكذلك الامر بصدد المصادر التي تدل معانيها
على اصوات بما يفيد الانبثاق والظهور، فان سته من سبعه منها تنتهي بنون مشددة، فتغلبت
بذلك طبيعه صوتها الرنان على خصائص الاهتزاز فيه، كما مر معنا في حرف الزاي، اما
لفظه (شجنت الحمامة). فالنون هنا لتبيان مافي ترديد صوتها من رقه وحنان وحزن، وليس لتبيان
مافي صوتها من رنين.

ومما لاشك فيه ان الحاق النون في لفظتي ابن وابنة، قد تم في المرحله الرعوية،
وذلك جريا مع التقاليد السائده فيها، من حيث الحاق الابناء بالاباء، وليس بالامهات، وفي تقدم
الرجل بالتالي على المراة.

وما كان ذلك ليضير الام في مجتمع قائم بالفطره على التشرد والقوه البدنية، لما فيه
من الثقه بعفتها وامانتها الزوجية، ومن ضمان حمايه الرجل ورعايته لها ولابنائها، ولو الحقوا بالامهات
لضاع نسبهم ولفقدوا حمايه الاباء. وذلك على العكس مما كان الحال عليه في المجتمع الزراعي
المستقر، يوم (كانت) الحضاره الزراعيه البكر تقوم على خبره المراه في شؤون الزراعه والتربية، فكان
لها المقام الاول: ربه خصب تعبد، وسيده اسره مستبده تتحكم، تملك الزرع والضرع، ويلتحق الازواج
بها والابناء.

وهكذا كانت نون النسوه بحد ذاتها، عنوان ثوره ثقافيه مستمره في ضمير اللغه العربية، قادها
الرجل الراعي ضد المراه الزارعه منذ الاف الاعوام، عزلا لها عن مقام الصداره في الاسرة،
وتحجيما لدورها القيادي في المجتمع، وذلك على مثال ماكانت تفاحه حواء عنوان ثوره على قداستها
وخصوبتها وتسلطها بحكم خبراتها السابقه في شؤون الزراعه والبستنه وفي فنون التربيه والسياسه والسحر، منذ
الاف الاعوام ايضا.

واذا كان للنون هذا الفضل الثقافي الكبير في الكشف عن طبيعه المجتمع الرعوي وتقاليده، فلقد
كان لها على اللسان العربي فضل فصاحه واناقه ورشاقه اعظم.

فلولا النون تقي المتكلم من الكسر بنون الوقاية، لا نكسر لسان كل عربي الاف المرات
كل يوم.

ولولاها تسكن النفس اليها وتطمئن الانفاس في اخر المثنى وجمع الذكور والافعال الخمسة، وفي التوكيد
والتنوين، لكثر اللغو في اللسان العربي، ولتعطل شعره وتبلدت اناشيده.

فللنون من رقيق الفضه الخالصه صافي رنينها، ومن انين المفجوع ذوب صميمه، لا امس بانسانيه
الانسان منها ولا الصق. ففي النون رقه وعصير انفاس والفة، لا ارشق بدايه تبدا الالفاظ
بها ولا الطف نهاية. ماجاورت النون حرفا الا وكان له من سنا اناقتها، طيف خفه
ورقه ورشاقة، تفعل النون باصوات الحروف، ماتفعله الانيقات الاديبات في نفوس الناس هزا لمشاعرهم وتهذيبا
لعواطفهم، صحابه عيش ووفاء، ورفقه رقه واحاطه وحنان.

فكانت النون الانيسه بذلك وحدها، دنيا من المشاعر والشعر والموسيقى، لولاها ما اهتدى الانسان الى
وتر يئن وناقوس يرن، ولا الى ناي او كمان

 

Previous post
رسائل المولد النبوي الشريف , رسائل تهنئه بمناسبه المولد النبوي الشريف
Next post
صور رسومات كرتون للتلوين للاطفال