اذا وقعت مصيبه على مسلم ، يتساءل الناس ، بل حتى من وقعت عليه :
هل هذا ابتلاء ؛ لايمانه ؟ او هو عقوبه له على ذنوب قد لا نعلمها
؟
يتردد هذا كثيرا في الاذهان عند المصائب . وقد رايت كلاما متعلقا بهذا التساؤل في
رساله قيمه – لم تطبع بعد -للدكتور حسن الحميد – وفقه الله – : عنوانها
” سنن الله في الامم من خلال ايات القران ” قال فيها ( ص 386-388
) :
( هل يعد كل ابتلاء مصيبه جزاء على تقصير؟ وبالتالي فهل كل بلاء ومصيبه عقوبة؟
وتلك مساله قد تشكل على بعض الناس. ومنشا الاشكال فيما ارى : هو الاختلاف في
فهم النصوص المتعلقه بهذه المسالة، وكيف يكون الجزاء على الاعمال.
فعلى حين يرد التصريح في بعضها بان كل مصيبه تقع فهي بسبب ما كسبه العبد،
كقوله تبارك وتعالى: ( وما اصابكم من مصيبه فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير) .
نجد نصوصا اخر تصرح بان (اشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل). كما
جاء ذلك في الحديث الصحيح.
وبان البلاء يقع –فيما يقع له- على المؤمنين ليكشف عن معدنهم ويختبر صدقهم (ولنبلونكم حتى
نعلم الجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم).
فلو كان كل بلاء يقع يكون جزاء على تقصير ؛ لكان القياس ان يكون اشد
الناس بلاء الكفره والمشركين والمنافقين، بدليل الايه السابقه ( وما اصابكم من مصيبه فبما كسبت
ايديكم…) !.
والذي يزول به هذا الاشكال باذن الله تعالى، هو ان ننظر الى هذه المساله من
ثلاث جهات:
الاولى: ان نفرق بين حال المؤمنين وحال الكفار في هذه الدنيا.
فالمؤمنون لابد لهم من الابتلاء في هذه الدنيا، لانهم مؤمنون، قبل ان يكونوا شيئا اخر،
فهذا خاص بهم، وليس الكفار كذلك. ( الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا
وهم لا يفتنون ) .
الجهه الثانية: انه لا انفصال بين الجزاء في الدنيا والجزاء في الاخرة.
فما يقع على المؤمنين من البلاء والمصائب في الدنيا، فهو بما كسبت ايديهم من جهة،
وبحسب منازلهم عند الله في الدار الاخره من جهه ثانية.
فمنهم من يجزى بكل ما اكتسب من الذنوب في هذه الدنيا، حتى يلقى الله يوم
القيامه وليس عليه خطيئة. وهذا ارفع منزله ممن يلقى الله بذنوبه وخطاياه، ولهذا اشتد البلاء
على الانبياء فالصالحين فالامثل فالامثل؛ لانهم اكرم على الله من غيرهم.
ومن كان دون ذلك فجزاؤه بما كسبت يداه في هذه الدنيا بحسب حاله.
وليس الكفار كذلك؛ فانهم ( ليس لهم في الاخره الا النار) ، فليس هناك اجور
تضاعف ولا درجات ترفع، ولا سيئات تكفر. ومقتضى الحكمه الا يدخر الله لهم في الاخره
عملا صالحا، بل ما كان لهم من عمل خير، وما قدموا من نفع للخلق يجزون
ويكافئون به في الدنيا، بان يخفف عنهم من لاوائها وامراضها. وبالتالي لا يمن عليهم ولا
يبتليهم بهذا النوع من المصائب والابتلاءات.
فما يصيب المؤمنين ليس قدرا زائدا على ما كسبته ايديهم، بل هو ما كسبوه او
بعضه، عجل لهم، لما لهم من القدر والمنزله عندالله.
وهذه يوضحها النظر في الجهه الثالثه وهي:
ان نعلم علم اليقين ان اي عمل نافع تقوم به الجماعه او الامه المسلمة، فانها
لابد ان تلقى جزاءه في الدنيا، كما يلقى ذلك غيرها، بل افضل مما يلقاه غيرها.
وهذا شيء اقتضته حكمه الله، وجرت به سنته. كما سبق بيانه في اكثر من موضع.
ولهذا صح من حديث انس بن مالك –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه
وسلم انه قال: (ان الله لا يظلم مؤمنا حسنة. يعطى بها في الدنيا ويجزى بها
في الاخرة. واما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى اذا افضى
الى الاخره لم تكن له حسنه يجزى بها).
والخلاصه :
انه لا يكون بلاء ومصيبه الا بسبب ذنب.
وان المؤمنين يجزون بحسناتهم في الدنيا والاخرة، ويزاد في بلائهم في الدنيا ليكفر الله عنهم
من خطاياهم التي يجترحونها، فلا يعاقبون عليها هناك، وحتى تسلم لهم حسناتهم في الاخرة.
واما الكفار فيجزون بحسناتهم كلها في الدنيا، فيكون ما يستمتعون به في دنياهم – مما
يرى انه قدر زائد على ما اعطيه المؤمنون- يكون هذا في مقابله ما يكون لهم
من حسنات. وليس لهم في الاخره من خلاق. والله اعلم ) .