كيف اعرف اني منافق
اخي في الله لقد قرات مقالات في منتديات اخرى عن النفاق فعليك ان تقرئها جيدا
واعلم اين المنافقين واين انت منهم واني اسال الله ان لا تكون من هذه الاصناف
وان يكون قلبلك خالي من النفاق وساضع لق مقالين
الاول
المنافقون!.. صنف وضيع من الناس، يتغلغلون في صفوف المؤمنين، ويتخذون لانفسهم اقنعه متعددة، ويسعون الى
تفتيت الصف الاسلامي من الداخل، بكل ما اوتوا من مكر ودهاء، اولئك العيون الضالة، عيون
الكفار والاعداء على المسلمين.. مفسدون خطرون على الاوطان والارواح والخطط.. هؤلاء اخطر اهل الارض على
الاسلام واهله وجنده!.. ماذا قال الله عز وجل عنهم في محكم التنزيل؟!..
{واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسنده يحسبون كل صيحه عليهم
هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون} [المنافقون: 4].
{هم العدو}؛ لانهم العدو الحقيقي الخطير، الذي ينبغي كشفه قبل تمكنه من المسلمين واوطانهم، فيعمل
على تدميرهم وتدميرها من الداخل!..
فالايمان نعمه يهبها الله سبحانه وتعالى لمن يريد من خلقه، ومن غير الايمان لا معنى
لهذه الحياة، ولا معنى لحياه الانسان.. هذا الانسان الذي اذا اشرق سنا الايمان في قلبه،
وبلغ من اغوار نفسه مداها، وتدفق بقوه من جوانحه ووجدانه.. فانه سيجعل منه مخلوقا حيا
يقظا قويا، لا تهزه الاعاصير، ولا تخيفه قوى الدنيا كلها، وتتفجر طاقاته المكنونه في نفسه..
فيحقق عماره الارض على اسس اخلاقيه قويمة، ويبني الحضاره الراقيه التي كل شيء فيها يسبح
بحمد ربه!..
الايمان نعمه من الله عز وجل، تلج الى العقل، وتهز القلب، وتوجه الارادة.. فتتحرك الجوارح
للعمل بلا تردد ولا ضعف، فينجز الانسان المؤمن الحق، ما لا يمكن ان ينجزه اي
انسان اخر لم يتمكن الايمان منه، واي وهن او ضعف او تردد في ايمان المسلم،
سيجعله عرضه لمرض النفاق، فما اشقاه عندئذ، وما اتعسه!..
مفهوم النفاق في الاسلام:
النفاق هو: التظاهر بالاسلام واخفاء الكفر!..
المنافق يظهر الاسلام ويبطن الكفر، فهو غير مؤمن، هدفه الافساد والفتنه والاضرار بالمسلمين، وهو فاقد
المروءة، خطير على المسلمين واوطانهم، وخطره اعظم بكثير من خطر العدو المعروف الواضح، لذلك وصف
الله عز وجل المنافقين بانهم هم العدو: **… هم العدو فاحذرهم}، فالله عز وجل لم
يقل: (هم اعوان العدو)، ولا: (هم من العدو)، بل قال: {هم العدو}، فلاحظوا دقه الوصف!..
وقد اجمل الله عز وجل وصفه للمنافقين بالايه الكريمه التاليه في سوره البقرة: {يخادعون الله
والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون} [البقرة: 9].
اهم اوصاف المنافقين وصفاتهم:
المنافقون لهم صفات كثيرة، وقد وصفهم الله عز وجل في اكثر من موضع من القران
العظيم، ولن ندخل في تفصيل ذلك كثيرا، بل سنتعرض لاهم صفات المنافقين، التي تميزهم عن
غيرهم من الناس، وسنحاول ابراز الصفات الخطيرة، التي تجعل من هذه الشريحه الخسيسه في المجتمع
المسلم.. فئه اخطر على المسلمين من العدو الظاهر نفسه، وذلك بالاسقاط على واقع المسلمين اليوم
ومحنهم التي يمرون بها، سواء في العراق او فلسطين او افغانستان.. او ايه بقعه اخرى
من بقاع العالم العربي والاسلامي!..
على ذلك يمكن ان نحدد اهم صفات المنافقين بما يلي:
1) في قلوبهم مرض: فالمنافقون لا يمتلكون الشجاعه الكافيه لاعلان موقفهم الحقيقي الذي يواجهون به
اهل الايمان.. فلا هم قادرون على اعلان الايمان الصريح الواضح، ولا هم قادرون على اعلان
انكارهم للحق، وسبب ذلك هو المرض الذي يتمكن من قلوبهم، فيحرفها عن طريق الايمان: {في
قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون} [البقرة: 10].
2) مفسدون يزعمون الاصلاح: وهل بعد النفاق فساد وافساد؟!.. انهم مفسدون في الارض، يسعون لتخريب
كل بذره خير، وكل نبته طيبة.. وبعد هذا كله، يزعمون انهم مصلحون، يسعون الى خير
الناس، ذلك لان الموازين قد اختلت حين ابتعدت عن المقياس الرباني الصحيح!.. وهؤلاء المفسدون الذين
يزعمون الاصلاح كثيرون في وقتنا الحاضر.. كثيرون.. كثيرون: {واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض
قالوا انما نحن مصلحون} [البقرة: 11].
لكن الله عز وجل يفضح حقيقتهم بقول قاطع واضح، فهم -في حقيقه الامر- المفسدون، الذين
يحاربون الاصلاح والصلاح والمصلحين: {الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 12].
3) سفهاء بمقامات زائفة: يتعالون على الناس، ويعتبرون الايمان والاخلاص لله عز وجل، ضرب من
السفاهة، لكنهم ايضا في حقيقه الامر.. هم السفهاء المنحرفون، وهل يعلم السفيه انه حقا سفيه؟!..
{واذا قيل لهم امنوا كما امن الناس قالوا انؤمن كما امن السفهاء… الا انهم هم
السفهاء ولكن لا يعلمون} [البقرة: 13].
4) مخادعون متامرون: فهم اصحاب مكر سيئ، يتصفون بالخسه واللؤم والجبن والخبث، يتلونون حسب الظروف،
اذ تراهم امام المؤمنين متسترين بالايمان، وامام الكافرين وشياطين الانس يخلعون ذلك الستار عن كاهلهم،
فيظهرون على حقيقتهم الخسيسة..
وهم في كل ذلك انما يرومون النيل من المؤمنين والايقاع بهم، والتحريض عليهم، والحاق اقصى
درجات الاذى بهم: {واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا
معكم انما نحن مستهزئون} [البقرة: 14].
لكن الله عز وجل، يواجههم بتهديده الرهيب الذي يزلزل كيانهم، فيزيدهم عمى وتخبطا، ثم يتناولهم
ليحشرهم الى مصيرهم المحتوم، بعد ان يمهلهم ولا يهملهم، ليزدادوا استهتارا وضلالا وشططا وعدوانا على
المؤمنين، الى ان تحين ساعتهم، وعندئذ لات ساعه مندم: {اولئك الذين اشتروا الضلاله بالهدى فما
ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} [البقرة: 16].
اليسوا هم الذين ارتضوا لانفسهم هذا المصير؟!.. الم يكن الايمان في متناولهم؟!.. الم يكن الهدى
طوع قلوبهم وانفسهم؟!.. فليذوقوا اذن تبعات الظلام الذي ارتضوه لنفوسهم: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا
فلما اضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} [البقرة: 17].
وليذوقوا وبال امرهم، قلقا واضطرابا وتيها وضلالا وفزعا وحيرة: {او كصيب من السماء فيه ظلمات
ورعد وبرق يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين} [البقرة: 19].
وليذوقوا وبال امرهم كذلك، ظلاما وظلمات وعمى في البصر والبصيرة: {يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما
اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان
الله على كل شيء قدير} [البقرة: 20].
5) غادرون لا عهد لهم: يعاهدون الله على فعل الخيرات، وعلى الالتزام بما يامرهم به
ربهم، لكن قلوبهم خواء، وعقولهم هراء، وشياطينهم متمكنون من رقابهم، فما اسهل عليهم نقض عهد
الله عز وجل: {ومنهم من عاهد الله لئن اتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين
* فلما اتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فاعقبهم نفاقا في قلوبهم
الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 75 و76 و77].
6) يتولون الكافرين ويتنكرون للمؤمنين: زاعمين ان العزه عند الكافرين، فيسعون لها عندهم، لكنهم لن
يجدوها الا عند الله العزيز الجبار: {الذين يتخذون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ايبتغون عندهم
العزه فان العزه لله جميعا} [النساء: 139].
7) يتربصون بالمؤمنين: طالبين الغنيمه ان فازوا وانتصروا، ومنقلبين عليهم مع الكافرين ضدهم ان كان
الفوز من نصيب اهل الكفر: {الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا
الم نكن معكم وان كان للكافرين نصيب قالوا الم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله
يحكم بينكم يوم القيامه ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141].
8) يفرحون لما يصيب المؤمنين من سوء ومحنة: وكذلك يحزنون لكل خير او فرج يمكن
ان يحصل لاهل الايمان والمجاهدين في سبيل الله عز وجل: {ان تمسسكم حسنه تسؤهم وان
تصبكم سيئه يفرحوا بها وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما يعملون
محيط} [ال عمران: 120].
9) مرجفون: فليس لهم من هم عند المحن والشدائد الا الارجاف، والتخويف، وتثبيط العزائم، وارهاق
الهمم.. انهم السوس الذي ينخر في صفوف المؤمنين، محاولين تحقيق ما لم يستطع العدو تحقيقه
في الامة، فيشقون الصفوف، ويثيرون الفتنة، ويحاولون زعزعه اي تماسك للمؤمنين: {واذ يقول المنافقون والذين
في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا} [الاحزاب: 12].
10) يتولون يوم الزحف: فعند وقوع المحنه والبلاء، وحين تحين ساعه الاستحقاق.. تراهم اول الفارين،
وفي طليعه الخائرين الخائفين، يولون الادبار، ويتوارون عن ساحات النزال الحقيقية، بكل اصنافها واشكالها والوانها:
{لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا
ينصرون} [الحشر: 12].
11) يرفضون الحكم بما انزل الله ويتحاكمون الى الطاغوت: لان الحكم بما انزل الله لا
يوافق اهواءهم، ولا يحقق ماربهم، ولا يستجيب لنزواتهم.. فهم يؤمنون بما انزل الله عز وجل
باللسان والمظهر فحسب، لكنهم لا ينصاعون لحكم الله، بل يصدون عنه ويحاربونه، ويتخذون من قوانين
البشر الوضعيه دينا لهم، ياتمرون بامرها، ويلتزمون بها، لانها وحدها تتوافق مع شرورهم ومصالحهم: {الم
تر الى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان
يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا *
واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول رايت المنافقين يصدون عنك صدودا}
[النساء: 60 و61].
الثاني
يقول الله عز وجل
(( وما اكثر الناس ولو حرصت بؤمنين ))
ويقول عز من قائل
(( وما اكثر الناس ليصدونك عن سبيل الله))
((فلعرفتهم بسيماهم))
كنا قد تحدثنا عن سنه التمييز، وقلنا انها عباره عن عمليه فرز داخلي تستهدف التفريق
بين المؤمنين والمنافقين، منعا لاستمرار حاله الاختلاط التي تشكل اخطر العوامل للتهديد الجبهه الداخليه للجماعه
المسلمة، قال تعالى: {حتى يميز الخبيث من الطيب} [ال عمران: 79]، وقلنا كذلك ان الاداه
الاساسيه لتحقق هذا التمييز هي الابتلاء، لانه الحدث الذي يستخرج المواقف المعبره عن الحقيقة، قال
تعالى: {وما اصابكم يوم التقى الجمعان فباذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} [ال عمران:
166].
لكن المشكله هي ان ينظر البعض الى تلك المواقف – التي يسفر عنها الابتلاء –
على انها لا تعدو ان تكون حالات ضعف لا تستدعي هذا النوع من التصنيف، او
على انها وجهات نظر لها ما يبررها، او على انها من باب الاختلاف الذي لا
يفسد للدين قضية!! وهكذا.. مما يؤدي في النهايه الى نوع من الالتباس والغموض يستحيل معه
ان يتحقق التمييز رغم كل ما يقع من المنافقين، لان التمييز هو محصله امرين اثنين:
اولهما ظهور مواقف النفاق وصفات المنافقين على اصحابها، وثانيهما: علم المؤمنين بان هذه المواقف وهذه
الصفات هي من علامات المنافقين، ولذلك قال تعالى: {ام حسب الذين في قلوبهم مرض ان
لن يخرج الله اضغانهم} [محمد: 29].
قال ابن كثير: (اي ايعتقد المنافقون ان الله لا يكشف امرهم لعباده المؤمنين، بل سيوضح
امرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر) [التفسير: 4/81].
ومن هنا كانت المعرفه بعلامات المنافقين ضرورية، لانها الاساس الثاني لتحقق التمييز، قال تعالى: {ولو
نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} [محمد: 30].
قال الطبري: (فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهره منهم في فحوى كلامهم وظاهر افعالهم) [التفسير: 26/60].
ولعل هذا هو الفارق بين هذا الجيل والجيل الاول، فان النبي عليه الصلاه والسلام –
نفسه – لم يكن قد عين له كل المنافقين باشخاصهم، وانما كما قال ابن كثير:
(كان تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم) [التفسير: 1/50].
وقد بلغ من اهتمام القران بالمنافقين الى الحد الذي نزلت سوره كامله باسمائهم “المنافقون”، فكما
ان هناك سوره “المؤمنون” وسوره “الكافرون”؛ هناك سوره “المنافقون”، بل ان الحديث عن النفاق في
القران الكريم حديث ذو شجون، وقد اطال فيه بما من شانه ان يوحي بخطور هذا
النوع من الاعداء وضخامه الدور الذي يقومون به في التاثير على الجماعه المسلمه من الداخل.
* * *
اولا: اصناف المنافقين:
اشار القران الى صنفين من النفاق، وضرب المثل لكل واحد من الصنفين لتتحدد الصوره ويسهل
كشف هذه العناصر وتفهم انماط سلوكها.
الصنف الاول: النفاق الدائم، وهو النفاق الذي لا يتخلله ايمان قط، فحقيقه هذا الصنف من
المنافقين انهم كفار مستترون بالاسلام، قال تعالى: {اولئك لم يؤمنوا فاحبط الله اعمالهم} [الاحزاب: 19]،
وقد ضرب الله لهم مثلا فقال: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله
ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} [البقرة: 17]. وقد يدخل هؤلاء الى الصف
الاسلامي اما رغبه في مصالح ماديه او معنويه يحصلونها بهذا الانتساب، فيجعلون الاسلام ستارا لتحقيق
الغرض، واما رهبه من قوه المسلمين واتقاء للعقاب الذي يمكن ان يلحق بهم جزاء على
كفرهم.
الصنف الثاني: النفاق المتذبذب، وهو النفاق الذي يتخلله ايمان، لا يستقرون لا على الكفر ولا
على الايمان ، قال تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء} [النساء:
143]، فهم – في حقيقه امرهم – مره من المؤمنين ومره من الكافرين!!، وقد ضرب
الله لهم مثلا فقال: {او كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون اصابعهم في
اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين، يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم
مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا} [البقرة: 20]، فهذا الصنف من المنافقين ليس جادا مع
نفسه الى الحد الذي يحسم قضيته، بل حاله انه عندما تهب عليه نسمات الايمان وتهيء
له عوامل التفاعل مع النور الرباني فانه يؤمن {كلما اضاء لهم مشوا فيه}، وعندما ترد
عليه شبهات الكفر او تتحرك عنده شهوات النفس فان يكفر {واذا اظلم عليهم قاموا}، وما
هذا التذبذب والاضطراب والارجحه الا تعبيرا عن فساد العمق الداخلي لهؤلاء القوم، قال تعالى: {في
قلوبهم مرض} [البقرة: 10].
ولكن لابد في هذا المقام من ان نسجل ملاحظتين اثنيتين:
اولهما: انه رغم وجود اختلاف بين هذين الصنفين من المنافقين الا انهما يتشابهان في الصفات
الظاهره تشابها كبيرا، وفي الوقت نفسه يشتركان في المواقف اشتراكا يصل الى حد التطابق، قال
تعالى: {اذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا} [الاحزاب:
12].
وثانيهما: ان النفاق مراتب متعدده وليس على مرتبه واحدة، اي ان المنافق قد يتطور في
النفاق ويتقدم فيه الى الحد الذي يصبح معه خبيرا في النفاق، قال تعالى: {ومن اهل
المدينه مردوا على النفاق} [التوبة: 101].
* * *
ثانيا: صفات المنافقين:
رغم ان المنافقين يحاولون دائما التستر تحت شعار الاسلام الا ان الوحي الرباني قد كشف
صفاتهم واظهرها الى الحد الذي يساعد الجماعه المسلمه على تمييز الخبيث من الطيب.
1) فلسفه المعصية:
كثيره هي المرات التي يتخلف فيها الناس عن الاستجابه للحق، ولكن قليله هي الحالات التي
يعترف فيها هؤلاء المتخلفون عن الاستجابه بالسبب الحقيقي في هذا التخلف وانه الهوى الذي ينشيء
الضعف امام متطلبات الطريق، ولذلك يلجا هؤلاء المتخلفون الى ستر السبب الحقيقي بعدد من التبريرات
والتعليلات التي يسوقونها بطريقه التمنطق في معالجه الامر، ليثبتوا للناس ان تخلفهم عن الاستجابه له
ما يبرره، بل هو الصواب عينه، قال تعالى: {واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض
قالوا انما نحن مصلحون} [البقرة: 11]، وهؤلاء هم المنافقون، لا يكتفون بعدم الاستجابه للحق، ولا
يقفون عند حد المخالفه للامر الواضح ولكنهم يجتهدون في فلسفه المعصية، ويصرون على ذلك حتى
وان ادى الى قلب اوضح الحقائق الشرعيه والقدرية، فهم القوم ان تبقى اشخاصهم فوق الاتهام!!
2) الاستكبار والتعالي:
نفوس هؤلاء القوم منتفخة، ينظرون الى عامه المؤمنين من فوق، قال تعالى: {واذا قيل لهم
امنوا كما امن الناس قالوا انؤمن كما امن السفهاء} [البقرة: 13]، فالمانع من استجابتهم للحق
هو مشاركه الفقراء والمساكين في هذا الحق، لان هذه المشاركه تحرمهم من شهوه الاستعلاء.
وقد يكون المانع من الاستجابه للحق هو التعالي بالفكر!! بحيث يستكثرون على انفسهم ان يفهموا
من الامر تلك المعاني المتبادره للجميع، بحجه انها معاني بسيطه وساذجه لانها مفهومه للناس “العاديين”
اما هم فاصحاب العقول الكبيره الذين لا يفهمون من الاوامر مجرد الحقيقه المتبادرة، يستنكفون ان
يوضعوا مع الناس على قدم المساواة، فيتعالون فكرا وماده حتى لو ادى بهم هذا التعالي
الى الخروج عن حال التعبد.
3) المراوغه والالتواء:
ما النفاق في الحقيقه الا ضعف عن المواجهة، وما المنافقون الا اناس استحكم المرض من
قلوبهم فضعفوا عن المجابهة، ولذلك اسسوا سلوكهم على سياسه الخداع، ظنا منهم انها سياسه ذكيه
تحول دون انكشاف امرهم، قال تعالى: {يخادعون الله والذين امنوا} [البقرة: 09].
وبما ان الخداع يختنق في اجواء الوضوح واعراف الاستقامه فانهم يحرصون على الغموض والالتواء، فترى
القوم يغمغمون ولا يصرحون، ويجملون ولا يفصلون، ليبقى الامر قابلا لان يفسر بالشيء ونقيضه، تبعا
لما تتطلبه مصلحه السلامة!!. وغالبا ما يصل بهم الخداع الى حد الكذب والحلف عليه، قال
تعالى: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمه الكفر وكفروا بعد اسلامهم} [التوبة: 74].
4) التلون في الموقف:
بعض الناس يحسب اللؤم قوه وبراعة، ودليلا على الوعي والذكاء، وهو في الحقيقه ضعف وخسة،
وعلامه على الخبث والسفاهة، والمنافقون من هذا الصنف، لا يجدون في انفسهم الشجاعه لمجابهه الباطل
بالحق الصريح، ولا الجراه لمواجهه الحق بالرفض الصريح، ولكنهم يتقلبون ويتارجحون، قال تعالى: {واذا لقوا
الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم} [البقرة: 14]، يحرصون على
الاخذ بخاطر اهل الحق {قالوا امنا}، ويصرون على ارضاء اهل الباطل {انا معكم}، ويجعلون هذا
التلون اداه لاتقاء الاذى، وستارا للطعن من الداخل.
5) المظهر على حساب الجوهر:
المنافقون ضعفاء، وعوامل الضعف كامنه في اصل حقيقتهم، ويكفي دليلا على ضعفهم انه {في قلوبهم
مرض}، وهم يعرفون هذا الضعف، وكثيرا ما يحسون به، ولذلك يسارعون الى تعويض الضعف الحاصل
في الجوهر ببعض الشكليات المزينه للمظهر، المظهر الذي لا يتجاوز اجسامهم، (نموذج للاهتمامات القربيه والسقف
المنخفض)، قال تعالى: {واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة} [المنافقون:
04]، صوره ناصعه للفراغ من معاني الحق {كانهم خشب}، والسلبيه الكامله اتجاهه {مسندة} فهي لا
تتحرك.
عموما ليست هذه الا بعض العلامات التي يستطيع المؤمنون ان يميزوا بها المنافقين، وان كان
الكثير منها لا يظهر الا بوجود المؤثرات التي تستفز المكنون النفسي وتخرجه الى عالم الشهادة،
وليس كالجهاد محك لاخراج حقيقه القوم.
* * *
ثالثا: احوال المنافقين مع الجهاد:
عندما تشرق شمس الجهاد على ارض الساحه الاسلاميه تستخرج حرارتها كل الرطوبات المتعفنه التي تتشكل
في الاجواء الباردة، ويكشف نورها الساطع كل الطفيليات التي تتستر بظلام القعود، فيظهر الجميع من
خلال المواقف:
1) {رضوا بان يكونوا مع الخوالف}:
الصراع على اشده، والحرب قائمة، والمعارك حامية، وهؤلاء المنافقون “مرتاحون” بالجلوس في بيوتهم، قد فرغت
قلوبهم من الانتصار للحق، لا يؤنبهم الضمير، ولا يحز في نفوسهم التخلف. وهي صوره واضحه
لدناءه الهمة، وغياب النخوة، وضعف الارتباط بهذا الدين، فان القوم طلاب سلامة، همهم محصور في
اشخاصهم ووظائفهم، وفكرهم مقصور على سعاده ابنائهم وازواجهم، حسبهم من التدين ما لا يثير “المشاكل”،
ويكفيهم من الاسلام ما لا يحمل المتاعب، قال تعالى: {رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع
على قلوبهم فهم لا يفقهون} [التوبة: 87]، نموذج للانسان “الناعم” الذي لا يصلح لشيء مما
يصلح له الرجال!!
2) {فرح المخلفون بمقعدهم}:
من القوم من لا يرضى بالقعود فحسب، وانما يفرح به ويبتهج، وتغمره السعاده والسرور، قال
تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم} [التوبة: 81]، فهم يعدون القعود نعمه من النعم التي تستحق ان
يظهر اثرها على العبد!! ولذلك يفتخرون به، بل ويعدونه من تجليات حكمتهم في العمل الاسلامي!
وهي صوره مناقضه للمؤمنين الذين حالت الظروف بينهم وبين الجهاد ف {تولوا واعينهم تفيض من
الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 92].
3) {وان منكم لمن ليبطئن}:
ان الباطل ليحرجه ان يرى الحق بجانبه، لان امره حينئذ سيفتضح، ولذلك يجتهد في دفعه
وتخلفه، وهذا هو شان القعود مع الجهاد، وهو شان القاعدين مع المجاهدين، قال تعالى: {وان
منكم لمن ليبطئن} [النساء: 72]، وانتبه الى كلمه منكم، فالمنافقون دائما {يحلفون بالله انهم لمنكم
وما هم منكم} [التوبة: 56]، يجتهدون في تبطئه الجهاد، مره بالترويج للشبهات، ومره بنشر الاراجيف،
ومره بالتعويق، ويصرون على ذلك اصرارا – ليبطئن بكل وسائل التوكيد – في عمليه واضحه
لعرقله التحرك الجهادي.
4) {ولا ياتون الباس الا قليلا}:
قليلا ما يجاهدون، ونادرا ما يقاتلون، قال تعالى: {ولا ياتون الباس الا قليلا} [الاحزاب: 18]،
والسر في “قليلا” – والله اعلم – لانهم اما ان يكونوا في الجهاد اداء لمهمه
الاختراق الاستخباراتي (غالبا من الصنف الاول)، واما ان يحضروه تجنبا للاحراج واستجابه للضغط الذي يفرضه
الجو العام (غالبا من الصنف الثاني)، فالاولون يتركون الجهاد بمجرد انتهاء مهمتهم او انكشاف امرهم،
والاخرون لا يجاهدون الا جهادا تجمع عليه الجماهير، وتاذن به اعراف المجتمع الدولي.
ومهما يكن من امرهم فانهم عند المعارك يعرفون، قال تعالى: {فاذا جاء الخوف رايتهم ينظرون
اليك تدور اعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} [الاحزاب: 19]. فهو الجبن الذي يصل بهم
الى حد فقدان التماسك، كما انهم يعرفون بشحهم فلا يبدلون الطاقه ولا يستفرغون الوسع، قال
تعالى: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا} [الاحزاب: 20].
5) {فاذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنه حداد}:
اما بعد انتهاء المعركه فانهم يخرجون من جحورهم، وترتفع اصواتهم، ويكثرون الادعاء، قال تعالى: {فاذا
ذهب الخوف سلقوكم بالسنه حداد} [الاحزاب: 19]، ويكثر نعيقهم ويشتد عندما يتاخر النصر او يتخلف،
فيجدونها فرصتهم السانحه للهجوم على الجهاد والمجاهدين؛ “ها قد جربتم؟”، “الم نقل لكم؟”، “الم ننصحكم؟”،
“يا اخي فلنكن واقعيين”، “اليس هناك طريق للتغيير وتحقيق الاهداف الا عبر الجهاد؟”!!
وهكذا… ينتفشون وينتعشون بعدما كانوا في جحورهم يرتعدون، قال تعالى: {سلقوكم بالسنه حداد اشحه على
الخير اولئك لم يؤمنوا فاحبط الله اعمالهم} [الاحزاب: 19]، واشد من هؤلاء نفاقا اولئك الذين
لا ياتون الباسا اصلا – لا قليلا ولا كثيرا – ومع ذلك لا يسلم المجاهدون
من سلاطه السنتهم!!
6) مع الكفار على الجهاد:
عندما يشتد الصراع، وتبلغ الحرب حاله لا يبقى معها الا ان يكون المرء مع الجهاد
او ضده، وتخرج سياسه الكفار عن قواعد المناوره باعلانهم الصريح “اما معنا او مع الجهاد”،
وتتغير المعطيات بحيث لم تعد تقبل سياسه الوسطيه بين الحق والباطل، عندما يكون هذا هو
الواقع فان المنافقين يختارون ان يكونوا “معهم”!!
قال تعالى: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان تصيبنا دائرة} [المائدة:
52]، يصرخون انهم ضد الارهاب، بل انهم مع الحمله الصليبيه في حربها على الارهاب، وقد
يصل بهم اللؤم الى استخراج الفتاوى المفبركه التي تقول للجندي “المسلم” في القوات الامريكية: “اقتل
المسلمين ولا حرج، دمر دولتهم ولا باس، فان خفت تانيب الضمير فانو انك تحارب الارهاب”!!
تلك هي حقيقه النفاق وتلك هي علامات المنافقين، قد كشفها الوحي للمؤمنين وجلاها، {ام حسب
الذين في قلوبهم مرض ان لن يخرج الله اضغانهم} [محمد: 29].
قال الطبري: (فيبديه لهم ويظهره حتى يعرفوا نفاقهم وحيرتهم في دينهم) [التفسير: 26/60].
فلم يبق اذن الا استصحاب يقظه تستحضر المنظار الرباني في الحكم على الاشخاص، وعندها {فلعرفتهم
بسيماهم} [محمد: 30].