كم مده حمل السيده مريم بعيسى عليه السلام
اختلف العلماء في مده حمل مريم بعيسى عليه السلام .
فذهب الجمهور الى انها تسعه اشهر كغيره من البشر .
وقال عكرمه : ثمانيه اشهر . قال : ولهذا لا يعيش ولد الثمانيه اشهر ،
حفظا لخاصه عيسى .
وروي عن ابن عباس انه قال : لم يكن الا ان حملت فوضعت .
قال ابن كثير رحمه الله (3/117) عن هذا الاثر المروي عن ابن عباس :
“وهذا غريب ، وكانه ماخوذ من ظاهر قوله تعالى : ( فحملته فانتبذت به مكانا
قصيا * فاجاءها المخاض الى جذع النخله ) فالفاء وان كانت للتعقيب لكن تعقيب كل
شيء بحسبه ، كقوله تعالى : ( ولقد خلقنا الانسان من سلاله من طين ثم
جعلناه نطفه في قرار مكين ثم خلقنا النطفه علقه فخلقنا العلقه مضغه فخلقنا المضغه عظاما
) فهذه الفاء للتعقيب بحسبها . وقد ثبت في
الصحيحين ان بين كل صفتين اربعين يوما [ يعني : تبقى النطفه اربعين يوما والعلقه
اربعين والمضغه اربعين ] . وقال تعالى : ( الم تر ان الله انزل من
السماء ماء فتصبح الارض مخضره ) فالمشهور الظاهر – والله على كل شيء قدير- انها
حملت به كما تحمل النساء باولادهن ، ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل بها وكان معها
في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس يقال له يوسف النجار ،
فلما راى ثقل بطنها وكبره انكر ذلك من امرها ثم صرفه ما يعلم من براءتها
ونزاهتها ودينها وعبادتها ثم تامل ما هي فيه فجعل امرها يجوس في فكره لا يستطيع
صرفه عن نفسه ، فحمل نفسه على ان عرض لها في القول ، فقال :
يا مريم اني سائلك عن امر فلا تعجلي علي . قالت :
وما هو ؟ قال : هل يكون قط شجر من غير حب ؟ وهل يكون
زرع من غير بذر ؟ وهل يكون ولد من غير اب ؟ فقالت : نعم
، وفهمت ما اشار اليه ، اما قولك : هل يكون شجر من غير حب
؟ وزرع من غير بذر ؟ فان الله قد خلق الشجر والزرع اول ما خلقهما
من غير حب ولا بذر . وهل يكون ولد من غير اب ؟ فان الله
تعالى قد خلق ادم من غير اب ولا ام . فصدقها وسلم لها حالها .
ولما استشعرت مريم من قومها اتهامها بالريبه انتبذت منهم مكانا قصيا اي قاصيا منهم بعيدا
عنهم لئلا تراهم ولا يروها قال محمد بن اسحاق فلما حملت به وملات قلتها ورجعت
استمسك عنها الدم واصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والترحم وتغير اللون حتى
فطر لسانها فما دخل على اهل بيت ما دخل على ال زكريا وشاع الحديث في
بني اسرائيل فقالوا انما صاحبها يوسف ولم يكن معها في الكنيسه غيره وتوارت من الناس
واتخذت من دونهم حجابا فلا يراها احد ولا تراه ”
انتهى كلام ابن كثير رحمه الله .
والله اعلم .