قصه هاروت وماروت محمد العريفي
الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اما بعد:
فيقول الله سبحانه: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من احد
حتى يقولا انما نحن فتنه فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه
وما هم بضارين به من احد الا باذن الله…) [البقرة:102].
فقد جاء في تفسير اول الايه ان السحر كان قد فشا في زمن سليمان عليه
السلام، وزعم الكهنه ان الجن تعلم الغيب، وان السحر هو علم سليمان، وادعت ذلك اليهود،
وقالوا: ما تم ملكه الا بسحره الانس والجن والطير والريح، فرد الله سبحانه عليهم مبرئا
نبيه سليمان من ذلك، وذلك بقوله: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا).
واما هاروت وماروت، فقد اختلفت اقوال المفسرين فيهما، فذكروا في ذلك قصصا كثيره معظمها اسرائيليات
لا تصح، واصح ما ذكر من الاثار في ذلك ما اخرجه احمد في مسنده وابن
حبان في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما انه سمع النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: “ان ادم عليه السلام لما اهبطه الله الى الارض قالت الملائكه اى رب:
اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: اني اعلم
ما لا تعلمون” قالوا: ربنا نحن اطوع لك من بني ادم، قال الله تعالى للملائكة:
هلموا ملكين من الملائكه حتى نهبطهما الى الارض، فننظر كيف يعملون. قالوا: ربنا هاروت وماروت،
فاهبطا الى الارض، ومثلت لهما الزهره امراه من احسن البشر، فجاءتهما فسالاها نفسها. فقالت: لا
والله حتى تتكلما بهذه الكلمه من الاشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله شيئا ابدا، فذهبت
عنهما، ثم رجعت بصبي تحمله، فسالاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا:
لا والله لا نقتله ابدا، فذهبت، ثم رجعت بقدح خمر تحمله، فسالاها نفسها، فقالت: لا
والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، ولما افاقا. قالت المراة:
والله ما تركتما شيئا ابيتماه الا قد فعلتماه حين سكرتما، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب
الاخرة، فاختارا عذاب الدنيا”.
فالراجح من اقوال اهل التفسير انها ملكان من الملائكة، ويجاب عما وقع منهما مع عصمه
الملائكه من الوقوع في الذنوب باجوبة، افضل ما وقعنا عليه منها ما قال ابن كثير
واليك نصه: ( وذهب كثير من السلف الى انهما كانا ملكين من السماء، وكان من
امرهما ما كان، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الامام احمد في مسنده… وعلى
هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمه الملائكه ان هذين
سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصا لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في
علمه من امر ابليس ما سبق.
مع ان شان هاروت وماروت على ما ذكر اخف مما وقع من ابليس لعنه الله
تعالى). انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: (ويجاب ان عصمه الملائكه ما داموا بوصف الملائكة، اما
اذا انتقلوا الى وصف الانسان فلا) انتهى.
واما تعليمهما السحر، فانه كان لغرض صحيح، وهو بيان حقيقه السحر للناس، وانه من فعل
الشياطين، وانه كفر وحرام، وقال بعض اهل العلم: انما نزلا لبيان اجتناب السحر لا لبيان
فعله.
والله اعلم.