قصه على باشا مبارك
علي باشا مبارك اقترن اسمه في تاريخ مصر الحديث بالجانب العملي للنهضه والعمران، وتعددت اسهاماته
فيها.
‘ المولد والنشاه ولد علي مبارك في قريه برمبال والتابعه لمركز منيه النصرحاليا و التي
كانت تتبع حين ذاك مركز دكرنس محافظه الدقهليه سنه 1239 ه / 1823م، ونشا في
اسره كريمة، عندما ولد علي مبارك فرح القريه كلها بمولده مجامله لابيه ولامه التي لم
تلد من قبله سوى الاناث، و، وتعلم مبادئ القراءه والكتابة، ودفعه ذكاؤه الحاد وطموحه الشديد
ورغبته العارمه في التعلم الى الخروج من بلدته ليلتحق بمدرسه الجهاديه بالقصر العيني سنه (1251
ه / 1835م) وهو في الثانيه عشره من عمره، وكانت المدرسه داخليه يحكمها النظام العسكري
الصارم، وبعد عام الغيت مدرسه الجهاديه من القصر العيني، واختصت مدرسه الطب بهذا المكان، وانتقل
علي مبارك مع زملائه الى المدرسه التجهيزيه بابي زعبل، وكان نظام التعليم بها احسن حالا
واكثر تقدما من مدرسه القصر العيني. حفظ القران الكريم على يد الشيخ احمد ابي خضر
عندما كان يذهب الى الشيخ احمد ابي خضر يراه كاشر الوجه قاسي الطبع بجوار عصا
غليظه تهوى على جسد الاولاد لاتفه الاسباب ففزع (علي) فكره الشيخ مضى خمس سنوات اختير
مع مجموعه من المتفوقين للالتحاق بمدرسه المهندسخانه في بولاق سنه (1255 ه / 1839 م)،
وكان ناظرها مهندس فرنسي يسمى “يوسف لامبيز بك، ومكث علي مبارك في المدرسه خمس سنوات
درس في اثنائها الجبر والهندسه والكيمياء والمعادن والجيولوجيا، والميكانيكا، والفلك، والاراضي وغيرها، حتى تخرج فيها
سنة(1260 ه / [
محتويات
1 البعثه الى فرنسا
2 في عهد عباس الاول
3 في حرب القرم
4 من نظاره المعارف الى معلم لمحو الامية
5 الاعمال العظيمة
6 دار الكتب المصرية
7 مؤلفاته
8 وفاته
9 انظر ايضا
10 مصادر
11 موقع طنطا على الانترنت
البعثه الى فرنسا
اختير ضمن مجموعه من الطلاب النابهين للسفر الى فرنسا في بعثه دراسيه سنه ([1265 ه]/
1849)م، وضمت هذه البعثه اربعه من امراء بيت محمد علي: اثنين من ابنائه، واثنين من
احفاده، احدهما كان اسماعيل بك ابراهيم، الذي صار بعد ذلك الخديوي اسماعيل، ولذا عرفت هذه
البعثه باسم بعثه الانجال، واستطاع بجده ومثابرته ان يتعلم الفرنسيه حتى اتقنها، ولم يكن له
سابقه بها قبل ذلك، وبعد ان قضى ثلاث سنوات في المدفعيه والهندسه الحربية، وكان معلمه
في الحربيه هو محمود مليجى وظل بها عامين، التحق بعدهما بالجيش الفرنسي في فرنسا للتدريب
ولم تطل مده التحاقه؛ اذ صدرت الاوامر من عباس الاول الذي تولى الحكم بعوده علي
مبارك.
في عهد عباس الاول
بعد عودته الى مصر عمل بالتدريس، ثم التحق بحاشيه عباس الاول مع اثنين من زملائه
في البعثة، واشرف معهما على امتحان المهندسين، وصيانه القناطر الخيرية، ويقوم معهما بما يكلفون به
منلانفاق، فعرض على عباس الاول مشروعا لتنظيم المدارس تبلغ ميزانيته مائه الف جنيه، فاستكثر عباس
الاول المبلغ، واحال المشروع الى علي مبارك وزميليه، وكلفهم بوضع اداره ناظر واحد، والغاء مدرسه
الرصدخانه لعدم وجود من يقوم بها حق القيام من ابناء الوطن، وارجاء فتحها حتى تعود
البعثه التي اقترح ارسالها الى اوروبا فتديرها.
بعد ان تولى اداره ديوان المدارس اعاد ترتيبها وفق مشروعه، وعين المدرسين، ورتب الدروس، واختار
الكتب، واشترك مع عدد من الاساتذه في تاليف بعض الكتب المدرسية، وانشا لطبعها مطبعتين، وباشر
بنفسه رعايه شئون الطلاب من ماكل وملبس ومسكن، واسهم بالتدريس في بعض المواد، واهتم بتعليم
اللغه الفرنسيه حتى اجادها الخريجون.
في حرب القرم
ظل علي مبارك قائما على ديوان المدارس حتى تولى سعيد باشا الحكم في 16 يوليو
1854 فعزله عن منصبه وعن نظاره مدرسه المهندسخانه بفعل الوشاة، والحقه بالقوات المصريه التي تشارك
مع الدوله العثمانيه في حربها ضد روسيا، وقد انتهت هذه الحرب المعروفه بحرب القرم بانتصار
العثمانيين.
استغرقت مهمته سنتين ونصف سنة، اقام منها في اسطنبول اربعه اشهر، تعلم في اثنائها اللغه
التركية، ثم ذهب الى منطقه القرم وامضى هناك عشره اشهر، واشترك في المفاوضات التي جرت
بين الروس والدوله العثمانية، ثم ذهب الى بلاد الاناضول حيث اقام ثمانيه اشهر يشرف على
الشئون الاداريه للقوات العثمانيه المحاربة، وينظم تحركاتها، واقام مستشفى عسكري بالجهود الذاتيه لعلاج الامراض التي
تفشت بين الجنود، لسوء الاحوال الجويه والمعيشية، وبعد عودته الى القاهره فوجئ بان سعيد باشا
سرح الجنود العائدين من الميدان، وفصل كثيرا من الضباط، وكان علي مبارك واحدا ممن شملهم
قرار انهاء الخدمة.
من نظاره المعارف الى معلم لمحو الامية
عزم علي مبارك بعد فصله من وظيفته على الرجوع الى بلدته برنبال والاشتغال بالزراعة, غير
ان الله اراد له خيرا فعاد الى الخدمه بديوان الجهادية, وتقلب في عده وظائف مدنية،
ولا يكاد يستقر في وظيفه حتى يفاجا بقرار الفصل والابعاد دون سبب او جريرة، ثم
التحق بمعيه سعيد دون عمل يتناسب مع قدرته وكفاءته، حتى اذا طلب سعيد من ادهم
باشا الاشراف على تعليم الضباط وصف الضباط القراءه والكتابه والحساب ،احتاج ادهم باشا الى معلمين
للقيام بهذه الوظيفة، وسال علي مبارك ان يرشح له من يعرف من المعلمين الصالحين لهذا
المشروع، فاذا بعلي مبارك يرشح نفسه لهذا العمل، وظن ادهم باشا ان علي مبارك يمزح!!
فكيف يقبل من تولى نظاره ديوان المدارس ان يعمل معلما للقراءه والكتابة؟! لكن علي مبارك
كان جادا في استجابته، وعزز رغبته بقوله له: “وكيف لا ارغب انتهاز فرصه تعليم ابناء
الوطن وبث فوائد العلوم؟! فقد كنا مبتدئين نتعلم الهجاء، ثم وصلنا الى ما وصلنا اليه”.
لما عرض ادهم باشا الامر على سعيد اسند الاشراف على المشروع لعلي مبارك، فكون فريق
العمل، ووضع المناهج الدراسيه وطريقه التعليم، واستخدم كل وسيله تمكنه من تحقيق الهدف، فكان يعلم
في الخيام، ويتخذ من الارض والبلاط اماكن للكتابة، ويكتب بالفحم على البلاط، او يخط في
التراب، فلما تخرجت منهم دفعة، اختار من نجبائهم من يقوم بالتدريس، ثم ادخل في برنامج
التدريس ماده الهندسة، ولجا الى ابسط الوسائل التعليميه كالعصا والحبل لتعليم قواعد الهندسة، يجري ذلك
على الارض حتى يثبت في اذهانهم، والف لهم كتابا سماه تقريب الهندسة. وهكذا حول هذا
المعلم المقتدر مشروع محو الاميه الى ما يقرب من كليه حربية. وما كادت احواله تتحسن
وحماسه للعمل يزداد حتى فاجاه سعيد باشا بقرار فصل غير مسئول في مايو 1862.
الاعمال العظيمة
ونشر عام 1894تولى الخديوي اسماعيل الحكم في 18 يناير 1863 وكان قد زامل علي مبارك
في بعثه الانجال, فاستدعاه فور جلوسه على عرش البلاد، والحقه بحاشيته، وعهد اليه قياده مشروعه
المعماري العمراني، باعاده تنظيم القاهره على نمط حديث: بشق الشوارع الواسعة، وانشاء الميادين، واقامه المباني
والعمائر العثمانيه الجديدة، وامداد القاهره بالمياه واضاءتها بالغاز، ولا يزال هذا التخطيط باقيا حتى الان
في وسط القاهرة، شاهدا على براعه علي مبارك وحسن تخطيطه. اسند اليه الى جانب ذلك
نظاره القناطر الخيريه ليحل مشكلاتها، فنجح في ذلك وتدفقت المياه الى فرع النيل الشرقي لتحيي
ارضه وزراعاته، فكافاه الخديوي ومنحه 300 فدان، ثم عهد الخديوي اليه بتمثيل مصر في النزاع
الذي اشتعل بين الحكومه المصريه وشركه قناه السويس فنجح في فض النزاع؛ الامر الذي استحق
عليه ان يكرم من العاهلين: المصري والفرنسي فعهد اليه بنظارة
المدارس، مع بقائه ناظرا على القناطر الخيريه وفي اثناء ذلك اصدر لائحه لاصلاح التعليم عرفت
بلائحه رجب سنة(1284 ه / l1868) ثم ضم اليه الخديوي ديوان الاشغال العمومية، واداره السكك
الحديديه ونظاره عموم الاوقاف والاشراف على الاحتفال بافتتاح قناه السويس. ومع ظهور الوزارات كمؤسسات هامه
في حكم البلاد سنه 1878 1 تولى علي مبارك ثلاث وزارات: اثنتين منها بالاصالة، هما
الاوقاف والمعارف، والثالثه هي الاشغال العمومية.
دار الكتب المصرية
غير ان اعظم ما قام به علي مبارك ولا يزال اثره باقيا حتى الان، هو
انشاؤه دار العلوم ذلك المعهد الذي لا يزال يمد المدارس بصفوه معلمي اللغه العربيه كما
اصدر مجله روضه المدارس لاحياء الاداب العربية، ونشر المعارف الحديثة.
مؤلفاته
ترك علي مبارك مؤلفات كثيره تدل على نبوغه في ميدان العمل الاصلاحي والتاليف، فلم تشغله
وظائفه على كثرتها وتعدد مسئولياتها عن القيام بالتاليف، وتاتي الخطط التوفيقيه على راس اعماله، ولو
لم يكن له من الاعمال سواها لكفته ذكرا باقيا، واثرا شاهدا على عزيمه جباره وعقل
متوهج، وقلم سيال، يسطر عملا في عشرين جزءا يتناول مدن مصر وقراها من اقدم العصور
الى الوقت الذي اندثرت فيه او ظلت قائمه حتى عصره، واصفا ما بها من منشات
ومرافق عامه مثل المساجد والزوايا والاضرحه والاديره والكنائس وغير ذلك. وله كتاب علم الدين وهو
موسوعه ضخمه حوت كثيرا من المعارف والحكم، ويقع في اربعه اجزاء، تحوي على 125 مسامرة،
كل واحده تتناول موضوعا بعينه كالبورصة، والنحل واوراق المعاملة، والهوام والدواب. الى جانب ذلك له
كتب مدرسيه منها: تقريب الهندسه حقائق الاخبار في اوصاف البحار، و[تذكره المهندسين]و (سوق الجيوش)و (الاستحكامات
العسكرية)
كانت نظاره المعارف في وزاره رياض باشا اخر مناصب علي مبارك فلما استقالت سنه 1891)
لزم بيته، ثم سافر الى بلده لاداره املاكه، حتى مرض، فرجع الى القاهره للعلاج، فاشتد
عليه المرض حتى وفاته المنيه في 14 نوفمبر 1893.