قصه بائعه الكبريت بالصور
في ليله راس السنه تساقط الثلج بغزاره وخلت الشوارع من الناس .. انه العيد ..
جميع المنازل مضاءه .. جميع العائلات سعيدة، جميع الطاولات مليئه بما لذ وطاب من الطعام،
جميع الاطفال يلعبون ويمرحون ويستمتعون بهدايا العيد ثم يتحلقون حول المواقد الدافئه لسماع قصص وحكايات
الجدات الجميله ..
وحدها تلك الطفله المسكينة، بائعه اعواد الكبريت، كانت تذرع الشوارع الخاليه من البشر، عاريه الراس،
حافيه القدمين، ترتدي اسمالا بالية، انهكها البرد واضناها الجوع، تحمل في يدها رزمه من اعاود
الكبريت، تنادي بصوت انهكه المشي والنداء المتواصل منذ الصباح .. صوت اقرب الى الهمس لا
يسمعه سواها : من يشتري مني اعواد الثقاب .. ارجوكم .. من يشتري مني اعواد
الثقاب ..
كانت تمشي لوحدها في الطرقات الخالية
اه كم كانت بائسه تلك الطفلة، لم تستطع العوده الى المنزل بالرغم من حلول الظلام
وبروده الجو، فهي لم تبع ولا حتى عود كبريت واحد طوال النهار، نادت كثيرا لكن
احدا لم يشتري منها، وكانت تخشى العوده الى المنزل من دون نقود لان والدها السكير
سيغضب ويضربها بقسوة. ثم ما فائده العوده الى المنزل، فهو منزل بالاسم فقط، شبابيكه محطمه
وجدرانه تملئها الثقوب .. انه اشد بروده من الشارع!.
اخيرا انهكها البرد والتعب، لم تعد تستطيع ان تمشي اكثر، تيبست اطرافها من البرد، جلست
على الارض، وضعت قدميها الصغيرتين تحت جسدها النحيل طلبا لبعض الدفء، تكورت حول نفسها ..
لا فائده .. كان البرد يتسلل الى جسدها من كل مكان .. فكرت مع نفسها
قليلا ثم قررت بعد تردد كبير ان تشعل عود ثقاب واحد .. واحد فقط ..
فقط لتدفئ اصابعها الصغيره قليلا ..
اشعلت الصغيره عود الثقاب .. اه كم كان نوره رائع .. شعرت بالقليل من الدفء
.. تخيلت بانها جالسه امام موقد نار ملتهب فاخرجت قدميها من تحت جسدها ومدتها لكي
تتدفا هي ايضا .. لكن سرعان ما تلاشى ذلك الموقد واختفى عندما انطفا عود الثقاب
..
اشعلت عودا اخر .. هذه المره تخيلت انها امام طاوله طعام كبيره يتربع فوقها ديك
رومي مشوي كبير والى جانبه اطباق تزخر باصناف الفواكه والحلويات .. ومره اخرى تبدد كل
ذلك سريعا ما ان انطفا عود الثقاب ..
فاشعلت عودا جديدا .. هذه المره تخيلت بانها جالسه تحت شجره عيد الميلاد .. كم
كانت شجره جميله ورائعه .. لم تر مثلها قط .. تتدلى منها انواع الزينه الجميله
من كرات لامعه وتماثيل صغيره .. لكن الشجره تبددت هي الاخرى حين مدت الطفله يدها
لتمسك باحد اغصانها .. لقد انطفا عود الكبريت .. فشعرت الطفله بالبرد من جديد، رفعت
راسها الى السماء، شاهدت مذنبا صغيرا يهوي نحو الارض .. تمتمت مع نفسها .. “احدهم
سيموت هذه الليلة” .. فجدتها الراحله اخبرتها مره بان سقوط مذنب معناه بان احدا سيموت
تلك الليله .. اه كم كانت تحب جدتها .. فقد كانت الوحيده التي تشفق عليها
وتعاملها بلطف ..
ومره اخرى اشعلت الطفله المسكينه عود ثقاب اخر، هذه المره شاهدت جدتها تقف امامها، بدت
محاطه بنور ساطع و وجهها يفيض محبه ونقاء .. “جدتي” .. همست الطفله والدموع تنهمر
من مقلتيها الجميلتين .. “ارجوك خذيني معك” قالت الطفله بتوسل ثم اردفت بحزن .. “انا
اعلم بانك سترحلين حين ينطفئ عود الثقاب، كما رحل الموقد الدافئ وطاوله الطعام وشجره عيد
الميلاد .. لذلك ارجوك ان تاخذيني معك”.
ثم راحت الطفله تشعل عودا بعد الاخر لتبقي جدتها معها .. حتى تبددت جميع الاعواد
.. بقى عود واحد فقط .. اشعلته ورفعته عاليا فوق راسها، هذه المره شاهدت جدتها
كما لم تشاهدها من قبل .. بدت حقيقيه جدا وكانت في غايه النورانيه والجمال ..
وهذه المره مدت الجده يدها نحو الطفله الصغيرة، احتضنتها وقبلتها ثم اخذتها معها نحو السماء
.. هناك حيث لا برد ولا جوع ولا تعب ..
تجمدت خلال الليل من البرد
في صباح اليوم التالي تجمع الناس في الشارع، كانت هناك طفله صغيره تفترش الارض العاريه
البارده وظهرها يستند الى الحائط .. كانت جثه هامده .. تجمدت المسكينه حتى الموت خلال
الليل .. بدا وجهها شاحبا جدا لكن ثمه ابتسامه باهته ارتسمت على شفتيها .. وبين
اصابعها الصغيره كانت هناك بقايا عود ثقاب محترق ..
عذرا عزيزي القارئ اذا كنت قد ازعجتك بهذه القصه الحزينه التي ترجمتها بتصرف عن حكايه
مشهوره جدا للكاتب الدنماركي هانز اندرسن. فانا في العاده لا اترجم ولا اكتب سوى عن
الرعب والغرائب، لكن ما دعاني لكتابه هذه القصه هو موقف حدث معي بالامس حيث اضطرني
امر طارئ لترك المنزل والعوده الى العمل مباشره بعد الافطار، وطبعا كانت جميع الشوارع خاليه
من الناس تقريبا، فالجميع كانوا لا يزالون جالسين حول موائد الافطار العامره بما لذ وطاب
من الطعام.
في الطريق توقفت بالسياره عند اشاره المرور لبرهه قصيره من الوقت وقعت عيني خلالها على
طفله صغيره تقف بالقرب من عمود اشاره المرور، كانت طفله جميله وجهها يفيض براءة، وقفت
هناك بثياب باليه واقدام حافية، وكانت تحمل في يدها كيسا كبيرا يحتوي على عبوات صغيره
من الورق الصحي (كلينكس). الطفله ركضت نحوي وراحت تتوسل ان اشتري منها، فرق قلبي لها
واشتريت منها عبوتين، لكنها استمرت تلح في ان اشتري المزيد، فقلت لها باني قد اشتريت
توا ولا اريد المزيد، فاخذت تبكي بحرقه وقالت : “ارجوك يجب ان ابيع هذا الكيس
كله والا سيغضب والدي ويضربني” ..
طبعا انا لا اعلم هل كانت الطفله تمثل ام لا .. دموعها بدت حقيقيه جدا
.. لكن بغض النظر عن حقيقه دموعها فقد اثرت تلك الصغيره في كثيرا، فمجرد وقوفها
في هذا المفترق الخالي في تلك الساعه هي ماساه كبيرة، تقف هناك وحيده .. حافيه
.. بينما الاطفال في مثل سنها يلعبون ويمرحون حول الموائد العامره بالخيرات .. لقد دفعتني
دموع تلك الصغيره الى شراء عده عبوات اخرى من الورق الصحي قبل ان امضي في
سبيلي والحزن يعتصر قلبي.
ذلك المنظر يابى ان يبارح ذهني منذ الامس، وفيما انا افكر بفتاه اشاره المرور تذكرت
حكايه بائعه الكبريت الدنماركيه فقررت ان اكتب لكم عنها باختصار .. قلت لنفسي بان العيد
قريب .. وهناك الكثير من بائعات الكبريت العربيات يقفن وحيدات على نواصي ومفترقات طرقنا بحاجه
للمساعده والعون ..
بالتاكيد هذه ليست دعوه لدعم التسول والتشجيع على عمل اطفال الشوارع .. لكنها دعوه لكي
نكون اكثر انسانيه واكثر رحمه .. فهناك الكثير من دور الايتام والجمعيات والمستشفيات الخيريه والعائلات
المتعففه .. انها دعوه لكي نمد ايدينا في جيوبنا من حين لاخر لنساهم في رسم
الابتسامه على شفاه الاطفال الفقراء والمعدمين .. ومن يدري .. ربما مبلغ ضئيل مني ..
وقطع نقديه صغيره منك .. ستساهم في انقاذ بائعه كبريت اخرى من الضياع ..