قران كريم محمد رفعت
فقد اثر في وجدان الشعب المصري والعربي في النصف الاول من القرن العشرين يعتبر اكبر
واعظم قارئ في عصره فلا يوجد صوت يضاهيه او حتي يقاربه في جماله وقوته ورقته
وخشوعه.
ولد الشيخ محمد رفعت في يوم الاثنين 9 مايو عام 1882 بحي المغربلين بالقاهره وكان
مبصرا حتي سن سنتين الا انه اصيب بمرض غريب فقد علي اثره البصر ويقال ان
الليله التي سبقت فقده البصر راته امراه فقالت ان هذا الطفل لا يكون الا ابن
ملوك ويظهر ذلك في عينيه وفي اليوم التالي استيقظ الطفل الشيخ علي الم في عينيه
وعدم قدرته علي الابصار.
الحقه ابوه بكتاب الحي عندما بلغ الخامسه من عمره واتم حفظ القران قبل ان يتم
العشر سنوات وكان شيخه ومحفظه يحبه لاتقانه الحفظ والتلاوه بصوت شجي فعلمه التجويد واعطاه شهاده
اجاده حفظ القران وتجويده قبل بلوغه السادسه عشره من عمره كتب فيها انه وبعد ان
قرا علينا الشيخ محمد رفعت القران الكريم تلاوه وترتيلا ومجودا ومجزءا فقد منحته الاعتراف باهليته
لترتيل القران وتجويده.. ومنذ تلك اللحظه والشيخ محمد رفعت يقرا القران في السهرات والليالي والافراح
والماتم وعندما مات والده وجد الشيخ نفسه عائلا للاسره فاعتصم بالقران الكريم وتوكل علي الله
وبدا رحله كفاحه مع القران فلقد كان يقرا القران كل جمعه قبل الخطبه حتي ذاع
صيته وامتلات ساحه المسجد بالمصلين رجالا ونساء للاستماع الي صوت الشيخ المعجزه وظل يرتل في
هذا المسجد قرابه الثلاثين عاما وفاء منه وحبا لهذا المسجد الذي شهد ميلاد موهبته لم
يكتف الشيخ بتلاوه القران الكريم بل شرع في دراسه علومه وتعلمها فدرس علم القراءات والتفاسير
ودرس ايضا الموسيقي مثل موسيقي بيتهوفن وموزارت وفاجنر وكان يحتفظ بالعديد من السيمفونيات الموسيقيه ولقد
عاصر الشيخ محمد رفعت جيلا من رواد الموسيقي كالشيخ ابو العلا محمد وعبده الحامولي ومحمد
عثمان.
ولقد عرض عليه الفنان محمد عبد الوهاب ان يسجل القران الكريم بصوته مقابل اي اجر
يطلبه ولكنه اعتذر.
لقد كان منزله بمثابه منتدي ثقافي صغيرجمع فيه تشكيله من فئات الشعب المختلفه فقد كان
يتردد علي منزله كوكبه من رجال الازهر والفنانين امثال محمد عبد الوهاب وام كلثوم وليلي
مراد ومحمد التابعي حتي نجيب الريحاني كان يحب الجلوس معه في بيته وكانت تدور بينه
وبين اهل الفن والادب والدين العديد من المناقشات الفنيه والفكريه وكان عبد الوهاب اذا تكلم
الشيخ او قرا القران استمع اليه في ادب وخشوع وفي عام 1934م وبينما كان الشيخ
رفعت يقرا في احد الماتم اذ استمع اليه البرنس محمد علي فاعجب به وبصوته واسلوب
تلاوته فارسل اليه وطلب منه ان يفتتح الاذاعه الاهليه بتلاوه القران الكريم فكان ذلك فتحا
كبيرا علي الشيخ محمد رفعت اذ كان اول قارئ بالاذاعه الاهلية. كما سجل الشيخ رفعت
بعض السور القرانيه لاذاعه ال . ب .ب .سي البريطانيه علي شرائط كاسيت قبل ان
يسجل للاذاعه الاهليه المصرية.
وسجل له صديقاه زكريا باشا مهران والحاج محمد خميس سورتي الكهف ومريم علي اسطوانة.. ثم
طلبت منه بعد ذلك اذاعه ال ب. ب. سي البريطانيه ان يسجل لها القران بصوته
فرفض معتقدا ان ذلك يعد حراما علي اساس انها اذاعه اجنبيه فاستفتي الشيخ المراغي شيخ
الازهر في ذلك الوقت فصحح له اعتقاده فسجل لها سوره مريم وبعد ذلك طلبت منه
الاذاعه الاهليه ان يسجل لها وكان في مرضه الاخير فسجل لها بعض السور كالكهف ومريم
ويونس علي اسطوانتين الا ان صوته كان غير مرض بالنسبه له وظلت الاذاعه تذيع له
تلك التسجيلات طيله حياته ولم يكن راضيا عنها وبعد وفاته علم المسئولون بالاذاعه ان هناك
تسجيلين اخرين عند صاحبيه زكريا مهران ومحمدخميس وبعض التسجيلات الاخري وبصوت قوي واستطاعوا ان يحصلوا
علي تلك التسجيلات وتمت اعاده طبعها واستعانت الاذاعه بالقارئ الشيخ ابو العينين شعيشع في استكمال
بعض الايات وربطها في الاسطوانات المسجله لوجود عيوب فنيه بها وهي التي تذاع الان عشقت
الملايين صوت الشيخ رفعت عبر اثير الاذاعه وعندما افتتحت الاذاعه المصريه في العام 1934 كان
الشيخ اول من افتتحها بتلاوه من ايه الذكر الحكيم وقرا (انا فتحنا لك فتحا مبينا)
في احد الايام التقي الشيخ محمد رفعت بعلي خليل وكان شيخ الاذاعيين وقتذاك وكان بصحبته
ضابط طيار انجليزي فاخبره علي خليل بان الضابط سمع صوته في كندا فجاء القاهره قاصدا
رؤيته وعندما جلس معه الضابط ما كان منه الا ان اعلن اسلامه فورا وبلا تردد.
تنافست علي تلاوات الشيخ العديد من المحطات الاجنبيه مثل اذاعات برلين ولندن وباريس وذلك ابان
الحرب العالميه الثانيه لتستهل افتتاح برامجها العربيه بصوت الشيخ رفعت حتي تجذب اكبر عدد من
المستمعين الا ان الشيخ كان عفيفا متواضعا لا يرضي بان يتكسب من وراء القران.
وقد عرض عليه ان يذهب الي الهند عام 1935 ليقرا القران مقابل 15 الف جنيه
فرفض فما كان من الحكومه الهنديه الا مضاعفه المبلغ ليصل الي 45 الف جنيه لكنه
اعتذر ايضا وكان يري ان اموال الدنيا عرض زائل.
وكان للشيخ رفعت رحمه الله خمسه ابناء منهم من توفي في حياته والباقي توفي بعد
مماته.
اما عن الفتره التي سبقت مرضه فقد كان يقرا القران في الاذاعه مرتين في الاسبوع
وكان يتقاضي في كل مره اثني عشر جنيها وحدث ان طلبت منه اذاعه لندن ان
يسجل لها شريطا بصوته لسوره الكهف مقابل مائه جنيه علي ان تدفع له مقابل كل
مره تذيع فيها الشريط خمسه جنيهات عن كل مره ثم اكتفت الاذاعه باذاعه الشريط مره
في الشهر فكانت تدفع له خمسه جنيهات فقط.
هاجمه المرض واشتد عليه فقد اصيب بسرطان الحنجره مما لفتره طويله منعه من ان يقرا
في الاذاعه او ان يسجل للمحطات وقد تعرض في الثماني سنوات الاخيره من عمره الي
زياده ورم الاحبال الصوتيه وحرم الملايين من الناس من سماع الصوت الملائكي العذب وقد حاول
بعض رفقائه مساعدته بجمع مبلغ من المال لعلاجه فلم يقبل التبرعات والتي بلغت حوالي 20
الف جنيه الا ان نفسه العزيزه وكرامته منعتاه من قبول هذا العرض وكان يقول ان
مرضي بيد الله وهو القادر علي شفائي واني لاشكر كل الذين جمعوا لي هذه التبرعات
علي روحهم الطيبه وحبهم لي وكان دائما ما يدعو الله الا يتوفاه وهو مريض بهذا
المرض الذي اثر علي صوته وهو” الزغطة” وكان له اثر سيئ علي حالته المعنويه والنفسيه
مما ادي الي احتجابه عن القراءه حتي توفي عام 1950م. وقد كتب الاستاذ احمد احمد
الصاوي في جريده الاهرام يثني علي عفه الشيخ رفعت واخلاقه وتاثير القران عليه في سمو
نفسه وعلوها.
اما عن ثروته فكان لا يملك من حطام الدنيا الا بيته في حي البغاله بالسيده
زينب والمكون من ثلاثه طوابق والذي قام بتاجير طابقين منه. ويوم ان اضطر الي تاجير
الطابق الثاني ليستعين بالايجار علي مطالب العيش لازم غرفه نومه اسبوعا كاملا امضاه في البكاء
ويوم ان اضطر الي تاجير الطابق الارضي كان الحزن يملا حياته والكابه تخيم عليها كذلك
كان يمتلك قطعه ارض بشارع المنيره عليها سبعه دكاكين والتي اضطر الي بيعها ايضا للانفاق
علي علاجه وكان يمتلك اربعه اشرطه في الاذاعه وبعض الاسطوانات الموسيقيه لبيتهوفن وموزار وشوبرت وفاجنر
واسطوانات منيره المهديه وبعض الاسطوانات التركية.
شاء الله عز وجل ان يفارق الشيخ محمد رفعت الدنيا متاثرا بمرضه وكان ذلك في
يوم الاثنين الموافق 9 مايو عام 1950 وهو نفس اليوم الذي ولد فيه عن عمر
يناهز الثمانيه والستين عاما قضاها في خدمه القران وعلومه مترفعا عن عرض من اعراض الدنيا
راضيا بما قسمه الله له وراضيا بحكمه وقضائه.
وقد قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي اذا اردت ان تستمع الي الصوت الجميل فاستمع
الي الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فصوته حلو واذا اردت ان تستمع الي فنون التلاوه فاستمع الي
الشيخ مصطفي اسماعيل واذا اردت ان تتعلم تلاوته فاستمع الي صوت الشيخ الحصري واذا اردت
ان تستمع الي كل هؤلاء فاستمع الي صوت الشيخ محمد رفعت رحم الله الشيخ محمد
رفعت واسكنه فسيح جناته.