فضل الحمد والشكر على الانسان , الرزق يأتي من كل جانب
نبدا الحديث هنا عن الحمد (حمد الله تبارك وتعالى)، فان له شانا عظيما وفضلا كبيرا،
وثوابه عند الله عظيم، ومنزلته عنده عالية.
فقد افتتح سبحانه كتابه القران الكريم بالحمد فقال: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك
يوم الدين}،
وافتتح بعض السور فيه بالحمد فقال في اول الانعام: {الحمد لله الذي خلق السموات والارض
وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} ،
وقال في اول الكهف: {الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا}
،
وقال في اول سبا: {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض وله
الحمد في الاخره وهو الحكيم الخبير }،
وقال في اول فاطر: {الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكه رسلا اولي اجنحه مثنى
وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير}.
وافتتح خلقه بالحمد فقال: { الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور}الانعام :
1،
واختتمه بالحمد فقال بعد ما ذكر مال اهل الجنه واهل النار : {وترى الملائكه حافين
من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين}الزمر :
75،
وقال تعالى: {ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في
جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام واخر دعواهم ان الحمد لله رب
العالمين}يونس 10.
فالحمد له سبحانه اوله واخره، وله الحمد في الاولى والاخره اي في جميع ما خلق
وما هو خالق،
كما قال سبحانه: {وهو الله لا اله الا هو له الحمد في الاولى والاخره وله
الحكم واليه ترجعون}القصص : 70،
وقال سبحانه: {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض وله الحمد في
الاخره وهو الحكيم الخبير} سبا : 1،
فهو سبحانه المحمود في ذلك كله كما يقول المصلي: ” اللهم ربنا لك الحمد ملء
السموات وملء الارض وملء ما شئت من شيء بعد”.
فهذه النصوص داله على شمول حمده سبحانه لخلقه وامره، فهو سبحانه حمد نفسه في اول
الخلق واخره، وعند الامر والشرع، وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسه على تفرده بالالهيه
وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق بكماله من اتخاذ الولد والشريك
وموالاه احد من خلقه لحاجته اليه،
كما في قوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك
في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا} الاسراء : 111،
وحمد نفسه على علوه وكبريائه كما قاله سبحانه: {فلله الحمد رب السموات ورب الارض رب
العالمين وله الكبرياء في السموات والارض وهو العزيز الحكيم} الجاثيه : 36 ، 37،
وحمد نفسه في الاولى والاخرة، واخبر عن سريان حمده في العالم العلوي والسفلي، ونبه على
هذا كله في كتابه في ايات عديده تدل على تنوع حمده سبحانه، وتعدد اسباب حمده،
وقد جمعها الله في مواطن من كتابه، وفرقها في مواطن اخرى ليتعرف اليه عباده، وليعرفوا
كيف يحمدونه وكيف يثنون عليه، وليتحبب اليهم بذلك، ويحبهم اذا عرفوه واحبوه وحمدوه .
وقد ورد الحمد في القران الكريم في اكثر من اربعين موضعا، جمع في بعضها اسباب
الحمد، وفي بعضها ذكرت اسبابه مفصلة، فمن الايات التي جمع فيها اسباب الحمد
قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} ،
وقوله: {له الحمد في الاولى والاخرة}القصص : 70،
وقوله: {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض}سبا : 1.
ومن الايات التي ذكر فيها اسباب الحمد مفصله قوله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي هدانا
لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله}الاعراف : 43،
ففيها حمده على نعمه دخول الجنة. وقوله تعالى: {فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم
الظالمين}المؤمنون : 28، ففيها حمده على النصر على الاعداء والسلامه من شرهم.
وقوله تعالى: {فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} غافر : 65، ففيها حمده
على نعمه التوحيد واخلاص العباده لله وحده.
وقوله تعالى: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحاق ان ربي لسميع الدعاء}
ابراهيم : 39، ففيها حمده سبحانه على هبه الولد.
وقوله تعالى: {الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} الكهف :
1، ففيها حمده سبحانه على نعمه انزال القران الكريم قيما لا عوج فيه {لينذر باسا
شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا حسنا}الكهف : 2.
وقوله تعالى : {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في
الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا }الاسراء : 111 ، ففيها حمده
سبحانه لكماله وجلاله، وتنزهه عن النقائص والعيوب، والايات في هذا المعنى كثيرة، فالله تبارك وتعالى
هو الحميد المجيد.
و “الحميد” اسم من اسماء الله الحسنى العظيمة، وقد ورد هذا الاسم في القران الكريم
في اكثر من خمسه عشر موضعا، منها قوله تعالى: {يا ايها الناس انتم الفقراء الى
الله والله هو الغني الحميد}فاطر : 15 ،
وقوله تعالى: {واعلموا ان الله غني حميد}البقره : 267،
وقوله تعالى: {لله ما في السموات والارض ان الله هو الغني الحميد}لقمان : 26،
وقوله تعالى: { وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي
الحميد} الشورى : 28،
وقوله تعالى: {فان لله ما في السموات وما في الارض وكان الله غنيا حميدا}النساء :
131،
فهو تبارك وتعالى الحميد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله، وهو تبارك وتعالى المستحق لكل حمد
ومحبه وثناء لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفه الجمال والجلال، ولما انعم
به على خلقه من النعم الجزال، فهو المحمود على كل حال، وهو سبحانه حميد من
جميع الوجوه: “لان جميع اسمائه تبارك وتعالى حمد، وصفاته حمد، وافعاله حمد، واحكامه حمد، وعدله
حمد، وانتقامه حمد، وفضله في احسانه الى اوليائه حمد، والخلق والامر انما قام بحمده، ووجد
بحمده، وظهر بحمده، وكان الغايه هي حمده،
فحمده سبب ذلك وغايته”، “وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه به فهو محامد
له وثناء وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصي احد من خلقه ثناء عليه بل هو
كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، فله الحمد اولا واخرا حمدا
كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده” .
وهو سبحانه كما انه محمود على اسمائه وصفاتهفهو محمود على فضله وعطائه ونعمائه لما له
على عباده “من جزيل مواهبه، وسعه عطاياه، وكريم اياديه، وجميل صنائعه، وحسن معاملته لعباده، وسعه
رحمته لهم، وبره ولطفه وحنانه، واجابته لدعوات المضطرين، وكشف كربات المكروبين، واغاثه الملهوفين، ورحمته للعالمين،
وابتدائه بالنعم قبل السؤال”، الى غير ذلك من نعمه وعطائه، واهم ذلك واعظمه “هدايته خاصته
وعباده الى سبيل دار السلام، ومدافعته عنهم احسن الدفاع، وحمايتهم عن مراتع الاثام، وحبب اليهم
الايمان وزينه في قلوبهم، وكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين”
فالحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي
لكرم وجهه وعز جلاله، حمدا يملا السموات والارض وما بينهما، وما شاء ربنا من شيء
بعد، بمجامع حمده كلها، ما علمنا منها وما لم نعلم، على نعمه كلها ما علمنا
منها وما لم نعلم، عدد ما حمده الحامدون، وغفل عن ذكره الغافلون، وعدد ما جرى
به قلمه، واحصاه كتابه، واحاط به علمه.
الادله من السنه على فضل الحمد
وكما ان القران الكريم قد دل على فضل الحمد وعظم شانه بانواع كثيره من الادله
سبق الاشاره الى طرف منها، فكذلك السنه مليئه بذكر الادله على فضل الحمد وعظم شانه،
وما يترتب عليه من الفوائد والثمار والفضائل في الدنيا والاخرة، ونبينا صلى الله عليه وسلم
هو صاحب لواء الحمد، وهذه مفخره عظيمه ومكانه رفيعه حظي بها صلوات الله وسلامه عليه،
روى الامام احمد والترمذي وابن ماجه باسناد صحيح عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” انا سيد ولد ادم يوم القيامه
ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ ادم فمن سواه الا
تحت لوائي، وانا اول شافع، واول مشفع ولا فخر”
المسند (3/2)، وسنن ابن ماجه (رقم:4308)، وسنن الترمذي (3615).
فلما كان صلوات الله وسلامه عليه احمد الخلائق لله، واكملهم قياما بحمده اعطي لواء الحمد،
لياوي الى لوائه الحامدون لله من الاولين والاخرين، والى هذا اشار صلى الله عليه وسلم
عندما قال في الحديث: “وما من نبي يومئذ ادم فمن سواه الا تحت لوائي”، وهو
لواء حقيقي يحمله النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامه بيده ينضوي تحته وينضم اليه
جميع الحمادين من الاولين والاخرين، واقرب الخلق الى لوائه اكثرهم حمدا لله وذكرا له وقياما
بامره، وامته صلى الله عليه وسلم هي خير الامم، وهم الحمادون الذين يحمدون الله على
السراء والضراء،
وقد روي في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اول من يدعى
الى الجنه الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء”، رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابو
نعيم في الحلية، والحاكم في المستدرك، لكن في اسناده ضعف، وقد رواه ابن المبارك في
الزهد بسند صحيح موقوفا على سعيد بن جبير رحمه الله .
وجاء في اثر يروى عن كعب قال: “نجده مكتوبا محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالاسواق، ولا يجزي بالسيئه السيئة، ولكنه يعفو ويغفر،
وامته الحمادون يكبرون الله عز وجل على كل نجد، ويحمدونه في كل منزلة…”، رواه الدارمي
في مقدمه سننه0
سنن الدارمي (1/16).