شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
الخطبه الاولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا، من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. واشهد ان لا اله
الا الله وحده لا شريك له، اقرارا بربوبيته وارغاما لمن جحد به وكفر. واشهد ان
سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر
او سمعت اذن بخبر. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه وعلى
ذريته ومن والاه ومن تبعه الى يوم الدين. اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا
انك انت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وارنا الحق
حقا وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه، وادخلنا
برحمتك في عبادك الصالحين.
تكريم الله للانسان و تزويده بمقومات التكليف :
ايها الاخوه الكرام: لا زلنا في شهر ربيع الاول شهر مولد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم نبي الرحمه والهدى، وللنبوه والانبياء في عقيده المسلم
قصة.
لفقد خلق الله الانسان في احسن تقويم، وكرمه اعظم تكريم، حمله امانه التكليف، واعطاه مقومات
هذا التكليف؛ كونا ناطقا بوجود الله ووحدانيته وكماله واكرامه، وعقلا يتفق في مبادئه، مع سنن
الكون، وهو اداه معرفه ومناط مسؤولية، وفطره سليمه تكشف للانسان خطاه وشهوه دافعه رافعة، وحريه
اختيار مقومه مثمنة، وقوه محققه للكسب، كاشفه للطوية، ومنهجا تفصيليا يقي الزلل ويحقق الهدف. ومع
كل هذا فقد يغفل الانسان عن مهمته، وينسى ما كلف به، وتغلبه شهواته، وترديه رغباته،
ويسير في طريق الهاوية، وهو يحسب انه يحسن صنعا، قال تعالى:
﴿ قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياه الدنيا وهم يحسبون
انهم يحسنون صنعا * اولئك الذين كفروا بايات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم
يوم القيامه وزنا * ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا اياتي ورسلي هزوا ﴾
[ سوره الكهف: 103-106]
لان الله خلق الانسان، هو ارحم بالانسان من نفسه، خلقه لجنه عرضها السموات والارض فيها
ما لا عين رات، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فلابد وهو ارحم
الراحمين من ان يخاطب البشر، من حين الى حين، مذكرا بمهمتهم، مبينا لمنهجهم، محذرا عواقب
غفلتهم واعراضهم، وبما انه يستحيل ان يخاطب الله كل البشر لان تحمل الخطاب وتلقي الوحي
عن الله لا يستطيعه ولا يستاهله الا نخبه من صفوه البشر، قال تعالى:
﴿ان الله اصطفى ادم ونوحا وال ابراهيم وال عمران على العالمين ﴾
[ سوره ال عمران:33]
من اجل هذا كان الانبياء والمرسلون، وكان من بعدهم الائمه والداعون، والهداه والمهديون؛ لان النبي
لا يستطيع تحقيق رسالته الا اذا كان من بني البشر ليبلغهم بلسانهم، قال تعالى:
﴿وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من
يشاء وهو العزيز الحكيم ﴾
[ سوره ابراهيم: 4]
ولا يستطيع نبي ايضا ان يعرف حقيقه رسالته الا اذا جرت عليه كل خصائص البشر
حتى يكون انتصاره على بشريته قدوه ومثلا لكل البشر، وبهذا يحقق النبي الكريم مهمه القدوة،
تكميلا لمهمه التبليغ، لذلك يعد من سنه النبي صلى الله عليه وسلم اقواله، وافعاله، واقراره،
وصفاته، قال تعالى:
﴿وانك لعلى خلق عظيم ﴾
[ سوره القلم: 4]
هذا الخلق العظيم منهج لامتك.. وقال:
﴿فبما رحمه من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف
عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين
﴾
[ سوره ال عمران: 159 ]
شهاده الله للبشر تاييد رسوله بمعجزه عقليه بيانيه :
حينما ياتي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعقيده ومنهج يسفه بها ضلالات البشر، وانحرافاتهم،
يظهر المعارضون المتضررون من تطبيق منهج الله، هؤلاء المعارضون الذين حدت رسالات السماء من انحرافهم
وطغيانهم، ما يكون منهم الا ان يكذبوا رساله النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب
﴾
[ سوره الرعد: 43]
لذلك لا بد من ان يشهد الله لكل البشر ان هذا الانسان الذي خصه الله
بالنبوه والرساله هو رسوله، وهو صادق فيما يقول، وتكون شهاده الله للبشر بان يؤيد رسوله
بمعجزة، يعجز عن الاتيان بمثلها كل البشر، وينبغي ان يكون موضوع المعجزه مما نبغ فيه
القوم ليصح التحدي ولتقوم الحجة. لقد كانت معجزات الانبياء حسية، محدوده في مكان، وزمان، تالقت
مره واحده كعود الثقاب، ثم اصبحت خبرا يصدقه مصدق، ويكذبه مكذب، اما معجزه نبينا عليه
الصلاه والسلام، وهو خاتم النبيين فهي معجزه مستمره لكل البشر؛ لانها بين يدي البشر في
كل عصر، وفي كل مصر الى يوم القيامة، انها معجزه عقليه بيانية، اعجاز علمي، واعجاز
تشريعي، واعجاز اخباري، وكلما تقدم البحث العلمي كشف عن جانب من اعجاز القران، قال تعالى:
﴿سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه
على كل شيء شهيد ﴾
[ سوره فصلت: 53]
اي القران.. بالعقل يحكم الانسان بانه لا بد لهذا الكون من خالق موجد، ورب ممد،
ومسير حكيم، واحد في ذاته، واحد في اسمائه، وافعاله. وبالعقل يحكم الانسان ان هذا القران
هو كلام الله جل وعلا من خلال اعجازه، وبالعقل يحكم الانسان بان الذي جاء بالقران
المعجز هو رسوله، وبعدئذ ياتي دور القران ليخبر الانسان عما لا يستطيع العقل ان يدركه
بذاته، من هذه الموضوعات التي يعجز العقل عن ادراكها بذاته، والتي اخبر بها القران؛ قصه
خلق السموات والارض، حقيقه الحياه الدنيا، حقيقه الدار الاخرة، خلق الانسان، اين كان والى اين
المصير؟ وما سر وجوده على هذه الارض؟ وما المهمه التي كلف بها؟ وما المنهج الذي
ينبغي ان يسير عليه ليحقق ذاته وليدرك السعاده في الدنيا والاخرة؟
الدين عقل و نقل :
الدين في اختصار شديد عقل ونقل.. عقل لمعرفه الله، وللتحقق من صحه النقل عنه، ولفهم
هذا النقل، ونقل يبين للعقل ما خفي عنه، وما عجز عن ادراكه، وما يضمن سلامته
وسعادته من خلال التشريع الالهي.
باختصار شديد هذه قصه النبوه والانبياء، ونحن في شهر ربيع الاول شهر مولد النبي عليه
الصلاه والسلام، فمن اي الجوانب يكون الحديث عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟..
التلازم الضروري بين التدين الصحيح والخلق القويم :
ان ابرز هذه الجوانب هي شمائله الشريفة، لاننا مكلفون ان نقتدي به قال تعالى:
﴿لقد كان لكم في رسول الله اسوه حسنه لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر
الله كثيرا﴾
[ سوره الاحزاب: 21]
ماذا يعني الحديث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما وقد جعله الله
اسوه صالحه لنا؟ يعني ان هناك تلازما ضروريا بين التدين الصحيح والخلق القويم، فالنبي صلى
الله عليه وسلم حدد الغايه الاولى من بعثته، والمنهج الامثل في دعوته، فقال فيما رواه
الامام مالك:
(( انما بعثت معلما ))
[ ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو]
(( انما بعثت لاتمم حسن الاخلاق ))
[مالك عن بلاغ مالك ]
فالهدف الاكبر من رساله السماء الى الارض هو ارساء البناء الاخلاقي للفرد والمجتمع، هذا البناء
الاخلاقي هو ثمن الجنه التي خلق الناس من اجلها.
شيء اخر: والوسيله هي التعليم، والمتتبع لنصوص القران الكريم وللسنه المطهره الصحيحه يجد ذلك التلازم
الضروري بين التدين الصحيح والخلق القويم، قال تعالى:
﴿ ارايت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام
المسكين* فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون
الماعون ﴾
[ سوره الماعون: 1-7]
وقال تعالى:
﴿فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون اهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى
من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين ﴾
[سوره القصص: 50]
وقال صلى الله عليه وسلم:
(( الا لا ايمان لمن لا امانه له، ولا دين لمن لا عهد له.. ))
[ الطبراني في الكبير عن ابن مسعود]
وقال عليه الصلاه والسلام:
(( الايمان والحياء قرناء جميعا، فاذا رفع احدهما رفع الاخر ))
[الحاكم وابن ابي شيبه في المصنف، والبخاري في الادب المفرد عن انس بن مالك ]
فالايمان اذا اساس الفضائل، ولجام الرذائل، وقوام الضمائر. مما يؤكد هذا التلازم الحتمي بين التدين
الصحيح والخلق القويم ما اورده الامام احمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن ابي هريره قال: قال رجل:
((يا رسول الله ان فلانه يذكر من كثره صلاتها وصيامها وصدقتها غير انها تؤذي جيرانها
بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله فان فلانه يذكر من قله صيامها
وصدقتها وصلاتها وانها تصدق بالاثوار من الاقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في الجنه
))
[ احمد عن ابي هريرة]
و ورد في صحيح مسلم عن ابي هريره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:
(( اتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال ان
المفلس من امتي ياتي يوم القيامه بصلاه وصيام وزكاه وياتي قد شتم هذا وقذف هذا
واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته
فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح
في النار ))
[مسلم عن ابي هريرة]
لقد بين الني عليه الصلاه والسلام في الاحاديث الصحيحه ان احسن الناس اسلاما احسنهم خلقا،
وان اكملهم ايمانا احسنهم خلقا، وان من احب عباد الله الى الله احسنهم خلقا، وان
من اقرب المؤمنين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم احسنهم خلقا، وان خير ما
اعطي الانسان خلق حسن، وانه ما من شيء اثقل في ميزان المؤمن يوم القيامه من
خلق حسن، وان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجه الصائم القائم، بل ان العبد ليبلغ بحسن
خلقه عظيم درجات الاخرة، والخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد
العمل كما يفسد الخل العسل. هذه مقتطفات من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم.