دروس رمضانيه قصيره ومؤثره
عن انس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى
الله عليه وسلم -: ((افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمه الله، فان لله نفحات من
رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله ان يستر عوراتكم، وان يؤمن روعاتكم))؛
رواه الطبراني في الكبير، وهو في الصحيحة.
قال المناوي في “فتح القدير”: “((وتعرضوا لنفحات رحمه الله))؛ اي: اسلكوا طرقها، حتى تصير عاده
وطبيعه وسجية، فداوموا على الطلب، فعسى ان تصادفوا نفحه من تلك النفحات، فتكونوا من اهل
السعادات”.
فهذا رمضان، مناسبه عظمى للتعرض لهذه النفحات، فاين المجدون؟ واين المجتهدون؟ اين من وقفوا على
حقيقه الصيام، فاستخلصوا الدروس المطلوبة، ووقفوا على العبر المقصودة؟
1- اول هذه الدروس: ان رمضان حث على حفظ اللسان، والصيام عن اذى الانسان:
– عن ابي هريره – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله- صلى الله
عليه وسلم -: ((ليس الصيام من الاكل والشرب، انما الصيام من اللغو والرفث، فان سابك
احد، او جهل عليك، فقل: اني صائم، اني صائم))؛ صحيح الترغيب.
– وفي صحيح مسلم عن ابي هريره – رضي الله عنه – عن النبي –
صلى الله عليه وسلم – قال: ((اذا اصبح احدكم يوما صائما، فلا يرفث (الفحش من
القول)، ولا يجهل، فان امرؤ شاتمه او قاتله، فليقل: اني صائم، اني صائم))، قال النووي
في الاذكار: “قيل: انه يقوله بلسانه، ويسمع الذي شاتمه لعله ينزجر، وقيل: يقوله بقلبه؛ لينكف
عن المسافهة، ويحافظ على صيانه صومه”، قال: “والاول اظهر”.
فعلام تكثر الخصومات والمشادات في رمضان؟! لماذا ترتفع اصوات بعض الصائمين بالسب والشتم والقذف، والنطق
بالكلمات النابيه التي يندى لها الجبين، وكان رمضان مضمار للعراك والسباب، وليس مضمارا للتعرض لنفحات
رحمه الله، وفعل الخيرات؟!
– عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: “اذا صمت، فليصم
سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب والماثم، ودع اذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينه يوم صيامك،
ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء”؛ ذكره ابن ابي شيبه في “المصنف”.
ان الصيام صيام الجوارح عن اذى المسلمين، ولذلك كان ابو هريره – رضي الله عنه
– واصحابه اذا صاموا جلسوا في المسجد – كما قال ابو المتوكل – حتى يحفظوا
سمعهم، وبصرهم، وجوارحهم عن كل ما حرم الله.
– قال ابو ذر – رضي الله عنه -: “اذا صمت، فتحفظ ما استطعت”.
قال ابن رجب في كتابه “لطائف المعارف”: “وعامه صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ
كما ينبغي”، يقول هذا وهو ابن القرن الثامن الهجري، فكيف بنا نحن؟!
– وكان طليق اذا كان يوم صومه، دخل فلم يخرج الا لصلاة؛ مخافه ان ينقض
صيامه بغيبة، او نميمة، او ان يقع بصره على محرم، وبخاصه ونحن في زمان لا
تميز فيه بعض فتياتنا بين رمضان وغيره، فيخرجن الى الشوارع ليلا ونهارا كاسيات عاريات، عليهن
من الزينه ما قد يفسد صيام غير المتحفظين، فليتقين الله في انفسهن، وليتقين الله في
الصائمين.
– وقال ابو العالية: “الصائم في عباده ما لم يغتب”.
فلله العجب! كيف ترى قوما في رمضان فارغين، يقضون بياض يومهم في النوم، او لعب
الورق، او الشطرنج، او تقليب القنوات الفضائيه التافهة، ويقضون سواد ليلهم في التفنن في انواع
الماكولات، وصنوف الحلويات، ثم الادلاف الى المقاهي، والاشتغال بحديث الناس غيبه ونميمة، او حضور الحفلات
والسهرات الليليه الراقصة، والمهرجانات الفارغة، والتهريجات المميته للقلوب، مما يخشى ان يصدق على اصحابها قول
رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش،
ورب قائم حظه من قيامه السهر”؛ رواه الطبراني في الكبير، وهو في صحيح الترغيب.
اذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي اذا من صومي الجوع والظما فان قلت اني صمت يومي فما صمت
– قال الحسن البصري: “ان الله جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه الى مرضاته، فسبق
قوم ففازوا، وتخلف اخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك، في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون،
ويخسر فيه المبطلون”.
2- ثاني هذه الدروس: ان رمضان مضمار للتسابق الى الجود والانفاق:
– عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: “كان رسول الله – صلى
الله عليه وسلم – اجود الناس، وكان اجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل،
وكان يلقاه في كل ليله من رمضان، فيدارسه القران، فلرسول الله – صلى الله عليه
وسلم – اجود بالخير من الريح المرسلة”؛ متفق عليه، وخرجه الامام احمد بزياده في اخره،
وهي: “لا يسال عن شيء الا اعطاه”.
تعود بسط الكف حتى لو انه ثناها لقبض لم تجبه انامله
تراه اذا ما جئته متهللا كانك تعطيه الذي انت سائله
هو البحر من اي النواحي اتيته فلجته المعروف والجود ساحله
– قال ابن شهاب: “اذا دخل رمضان، فانما هو تلاوه القران، واطعام الطعام”.
ولا يشترط – لكي تكون جوادا – ان تكون غنيا من اصحاب الاموال الكثيرة، بل
ان تتصدق ولو بالقليل؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((سبق درهم مائه
الف درهم))، فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: ((رجل له مال كثير، اخذ
من عرضه مائه الف درهم تصدق بها، ورجل ليس له الا درهمان، فاخذ احدهما فتصدق
به))؛ صحيح سنن النسائي.
فاذا قدمت لصائم تمرة، او جرعه من ماء، فقد فطرت صائما، ولك مثل اجر صيامه،
عن زيد بن خالد الجهني – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله
عليه وسلم – قال: ((من فطر صائما، كان له مثل اجره، غير انه لا ينقص
من اجر الصائم شيء))؛ صحيح الترمذي.
الخطبه الثانية
لقد ضرب السلف الصالح اروع الامثله في سخائهم وعطائهم في رمضان:
– قال ابن رجب: “كان كثير من السلف يواسون من افطارهم، او يؤثرون به، ويطوون”.
– وكان ابن عمر لا يفطر الا مع المساكين، وكان اذا جاءه سائل وهو على
طعامه، اخذ نصيبه من الطعام، وقام فاعطاه السائل.
– وجاء سائل الى الامام احمد، فدفع اليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى، واصبح
صائما.
– قال الامام الذهبي: “وبلغنا ان حماد بن ابي سليمان كان ذا دنيا متسعة، وانه
كان يفطر في شهر رمضان خمسمائه انسان، وانه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائه
درهم، وكان قد توفي سنه 120ه”.
– وقال الشافعي – رحمه الله -: “احب للرجل الزياده في الجود في شهر رمضان؛
اقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولحاجه الناس فيه الى مصالحهم، ولتشاغل
كثير منهم بالصوم والصلاه عن مكاسبهم”.
نعم، كانوا يقتدون برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ففازوا بصلاح الدنيا، والنجاه
في الاخرة، وما ساءت احوال المسلمين في زماننا، حتى تطاول عليهم الاعداء، الا بسبب ترك
الاقتداء، وترك تعظيم السنن.
بل صار رمضان عند بعض الاسر “شهر الديون”، حيث المشتريات الغذائيه الزائدة، وكانه شهر الطعام
والشراب، وصار عند البعض الاخر “شهر التدخين” بانواعه، حيث خرجت علينا اخر الاحصائيات ببلدنا بكون
تدخين السجائر في رمضان يرتفع بنسبه 18%، وتدخين الحشيش بنسبه 15%، ولا حول ولا قوه
الا بالله!
الا نستحق – بعد هذا – ان ينعتنا احد الغربيين الحاقدين بقوله: “العرب امه لا
تقرا، واذا قرات لا تفهم، واذا فهمت لا تطبق”، نعم، عدم التطبيق هو الذي جعل
ذلك المثبور الدانماركي يتجرا ليضع رسوما للرسول – صلى الله عليه وسلم – وبعدما عرفوه
برسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ظننته كاتباعه”، والله المستعان.