حكم عن بر الوالدين
قال ابن الجوزى: الام بحمله اثقالا كثيرة، ولقيت وقت وضعه مزعجات مثيرة، وبالغت في تربيته،
وسهرت في مداراته، واعرضت عن جميع شهواتها، وقدمته على نفسها في كل حال. وقد ضم
الاب الى التسبب في ايجاده محبته بعد وجوده، وشفقته، وتربيته بالكسب له والانفاق عليه. والعاقل
يعرف حق المحسن، ويجتهد في مكافاته، وجهل الانسان بحقوق المنعم من اخس صفاته، لا سيما
اذا اضاف الى جحد الحق المقابله بسوء المنقلب. وليعلم البار بالوالدين انه مهما بالغ في
برهما لم يف بشكرهما.
عن زرعه بن ابراهيم، ان رجلا اتى عمر رضي الله عنه، فقال: ان لي اما
بلغ بها الكبر، وانها لا تقضي حاجتها الا وظهري مطيه لها، واوضئها، واصرف وجهي عنها،
فهل اديت حقها؟ قال: لا. قال: اليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفي عليها؟ قال:
(انها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وانت تتمنى فراقها)
راى عمر – رضي الله عنه – رجلا يحمل امه، وقد جعل لها مثل الحويه
على ظهره، يطوف بها حول البيت وهو يقول: احمل امي وهي الحماله … ترضعني الدره
والعلاله فقال عمر: (الان اكون ادركت امي، فوليت منها مثل ما وليت احب الي من
حمر النعم). وقال رجل لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: حملت امي على رقبتي
من خراسان حتى قضيت بها المناسك، اتراني جزيتها؟ قال: (لا، ولا طلقه من طلقاتها). ويقاس
على قرب الوالدين من الولد قرب ذوي الرجل والقرابة. فينبغي الا يقصر الانسان في رعايه
حقه.
قال الله تبارك وتعالى: (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالولدين احسانا اما يبلغن عندك
الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض
لهما جناح الذل من الرحمه وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا). قال ابو بكر بن
الانباري: (هذا القضاء ليس من باب الحكم، انما هو من باب الامر والفرض. واصل القضاء
في اللغة: قطع الشيء باحكام واتقان.
قال تعالى (وقل لهما قولا كريما) اي: لطيفا، احسن ما تجد. وقال سعيد بن المسيب:
كقول العبد المذنب للسيد الفظ. (واخفض لهما جناح الذل)، من رحمتك اياهما. ومن بيان حق
الوالدين قوله تعالى: (ان اشكر لي ولوالديك). فقرن شكره بشكرهما.