حكم شرب الخمر ودليله
لقد ثبت تحريم الخمر في الكتاب والسنه والاجماع .
اما الكتاب . . . فقوله تعالى يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب
والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90) انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم
العداوه والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاه فهل انتم منتهون .
وجه الدلاله . . ان القران اطلق على الخمر لفظ الرجس ، والرجس في اللغه
هو الشيء القذر ، وفي الشرع هو الشيء المحرم ، ونهى جل وعلا بهذا النص
عن الاقتراب منها ، واتبع النص المفيد وجوب ترك الخمر بذكر اوصافا تشعر العاقل بان
الخمر شيء قبيح يجب الابتعاد عنه فهي تصد عن ذكر الله وعن الصلاه وتوقع البغضاء
والعداوه بين الناس وهذه محرمه ، فما ادى اليها يكون محرما؛ لان مقدمه الحرام حرام
.
وقد اسهب المفسرون في بيان الاوجه الداله على التحريم من الايتين نذكر منها ما يلي:
1 – ان الله جعلها رجسا من عمل الشيطان ، وكلمه الرجس تدل على منتهى
القبح
(الجزء رقم : 9، الصفحه رقم: 251)
والخبث ولذلك اطلقت على الاوثان فهي اسوا مفهوما من كلمه الخبث ، وقد علم من
عده ايات ان الله احل الطيبات وحرم الخبائث ، وقد قال النبي عليه الصلاه والسلام
الخمر ام الخبائث . رواه الطبراني في الاوسط من حديث عبد الله بن عمر .
2 – انه صدر الجمله بانما الداله على الحصر للمبالغه في ذمها ، كانه قال:
ليست الخمر وليس الميسر الا رجسا فلا خير فيها البته .
3 – انه قرنها بالانصاب والازلام التي هي من اعمال الوثنيه وخرافات الشرك ، وقد
اورد المفسرون هنا حديث شارب الخمر كعابد وثن .
4 – انه جعلها من عمل الشيطان لما ينشا عنها من الشرور والطغيان ، وهل
يكون عمل الشيطان الا موجبا لسخط الرحمن .
5 – انه جعل الامر بتركها من ماده الاجتناب ، وهو ابلغ من الترك لانه
يفيد الامر بالترك مع البعد عن المتروك بان يكون التارك في جانب بعيد عن جانب
المتروك ، ولذلك نرى القران لم يعبر بالاجتناب الا عن ترك الشرك والطاغوت الذي يشمل
الشرك والاوثان وسائر مصادر الطغيان وترك الكبائر عامه وقول الزور الذي هو من اكبرها قال
تعالى فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور .
6 – انه جعل اجتنابها مصدرا للفلاح ومرجاه له ، فدل ذلك على ان ارتكابها
من الخسران والخيبه في الدنيا والاخره .
7 – انه امر بتركها بصيغه الاستفهام المقرون بفاء السببيه .
8 – انه جعلهما مثارا للعداوه والبغضاء وهما شر المفاسد الدنيويه المتعديه الى انواع من
المعاصي في الاقوال والاعراض والانفس . ولذلك سميت الخمره بام الخبائث وام الفواحش .
9 – انه جعلهما صادين عن ذكر الله وعن الصلاه وهما روح الدين وعماده وزاد
المؤمن وعتاده .
(الجزء رقم : 9، الصفحه رقم: 252)
اما الادله على تحريمها من السنه فقد وردت الاحاديث الكثيره التي تبلغ بمجموعها رتبه التواتر
الذي يفيد اليقين . منها:
(1) حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كل مسكر خمر وكل خمر حرام .
(2) ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها وحاملها والمحوله اليه .
(3) ما روي عن ابن عباس قال: اهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم راويه
خمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اما علمت ان الله حرمها
فقال: لا ، فساره رجل الى جنبه فقال: بم ساررته ؟ فقال: امرته ان يبيعها
، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الذي حرم شربها حرم بيعها
، ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما .
(4) ما روي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: يا ايها الناس ان الله يبغض الخمر ، ولعل الله سينزل
فيها امرا ، فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به ، قال فما لبثنا
الا يسيرا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ان الله حرام الخمر فمن ادركته
هذه الايه وعنده منها شيء فلا يشرب ولا بيع ، قال فاستقبل الناس بما كان
عندهم منها طرف المدينه فسفكوها .
(5) عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال يا رسول الله انا بارض يصنع
فيها شراب من العسل يقال له البتع ، وشراب من الشعير يقال له المزر فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام رواه الامام احمد والشيخان وابو داود
والنسائي .
(6) ما روي عن عائشه رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما اسكر كثيره فقليله حرام .
وجه الدلالة: ان هذه الاحاديث تعلن بصراحه لا لبس فيها ان الخمر محرمه من اي
نوع اتخذت ، من عنب او تمر او شعير او غيره ، فحرمت شربها واستعمالها
وعصرها وشتى انواع التصرف بها ، وانها كبيره من الكبائر المهلكة؛ لان الكبيره ما فيه
حد او وعيد شديد ، وقد اجتمعت كل هذه الامور في الخمر .
(الجزء رقم : 9، الصفحه رقم: 253)
اما الاجماع: فقد اجمعت الامه على تحريم الخمر ، ولا خلاف في هذا لاحد من
ذوي الفهم في النصوص والاحكام ، وقد نقله غير واحد من ائمه الاسلام ، قال
في المغني والشرح الكبير: واجمعت الامه على تحريمها ، وانما حكي عن قدامه بن مظعون
وعمرو بن معد يكرب وابي جندل بن سهل انهم قالوا عنها حلال لقول الله تعالى:
ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا . الايه فقد بين لهم علماء
الصحابه معنى هذه الايه وتحريم الخمر ، واقاموا عليهم الحد لشربهم اياها فرجعوا الى ذلك
فانعقد الاجماع ، فمن استحلها الان فقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لانه قد
علم ضروره من جهه النقل تحريمه فيكفر بذلك ويستتاب فان تاب والا قتل . روى
الجوزجاني باسناده عن ابن عباس ان قدامه بن مظعون شرب الخمر فقال له عمر :
ما حملك على ذلك؟ فقال: ان الله عز وجل يقول: ليس على الذين امنوا وعملوا
الصالحات جناح فيما طعموا الايه واني من المهاجرين الاولين من اهل بدر واحد ، فقال
عمر للقوم: اجيبوا الرجل ، فسكتوا عنه ، فقال لابن عباس اجب فقال: ” انما
انزلها الله عذرا ” للماضين لمن شربها قبل ان تحرم وانزل انما الخمر والميسر حجه
على الناس ، ثم سال عمر عن الحد فيها ، فقال علي بن ابي طالب
” اذا شرب سكر ، واذا سكر هذى ، واذا هذى افترى ، فاجلدوه ثمانين
جلده ” فجلده عمر ثمانين .
واذا ثبت هذا فالمجمع على تحريمه عصير العنب اذا اشتد وقذف بالزبد وما عداه من
الاشربه المسكره فهو محرم وفيه اختلاف نذكره ان شاء الله .