حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله انا الى الله راغبون
اطلعت على ورقه توزع كتب فيها بالاحرف الكبيره ما يلي: (حسبنا الله سيؤتينا الله من
فضله انا الى الله راغبون، يقول ابن باز: والله! ما دعوت بهذا الدعاء بعد التشهد
الاخير في امر عسير الا تيسر)!! وبلغني انها موجوده في مواقع كثيره من شبكه المعلومات،
وسمعت تسجيلا لاحد المشايخ قال فيه: (اذا ضيق عليك في الرزق قل: حسبنا الله سيؤتينا
الله من فضله انا الى الله راغبون، اعيد: اذا ضيق عليك في الرزق قل: حسبنا
الله سيؤتينا الله من فضله انا الى الله راغبون، ان قال لك احد: هذا الشيخ
مبتدع، اين الدليل عليها؟ قل: ان الله قال في حق المنافقين: (ولو انهم قالوا (كذا)
حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) الرسول مات الان لا نقول (حسبنا الله سيؤتينا
الله من فضله ورسوله انا الى الله راغبون)، فاذا ضيق عليك قل هذا: حسبنا الله
سيؤتينا الله من فضله انا الى الله راغبون، هذا تعليم الله لعباده واوليائه، جعلنا الله
واياكم منهم.
واعلق على ذلك بما يلي:
1.هذه الايه والتي قبلها في طائفه من المنافقين، قال الله عز وجل: {ومنهم من يلمزك
في الصدقات فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون.ولو انهم رضوا
ما اتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا الى الله
راغبون} [التوبة:58-59]، وليس فيها دعاء وانما فيها الاخبار عن بعض المنافقين الذين همهم الدنيا فيرضون
اذا اعطوا شيئا منها ويسخطون اذا لم يعطوا، فارشدوا الى الرضا بما اتاهم الله وجعل
رسوله صلى الله عليه وسلم سببا في ذلك، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
«انما انا قاسم والله يعطي» (رواه البخاري (71) ومسلم (2392))، والتوكل على الله بان يقولوا:
حسبنا الله، واما قولهم: سيؤتينا الله من فضله ورسوله فليس بدعاء، وانما فيه اخبار عما
يؤملونه ويحصل لهم من الله ورسوله من الايتاء في المستقبل كما حصل في الماضي في
قوله: {ولو انهم رضوا ما اتاهم الله ورسوله} [التوبة:59]، وجواب لو محذوف تقديره: لكان خيرا
لهم كما قال الشوكاني في تفسيره، وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: “لسلموا من النفاق
ولهدوا الى الايمان والاحوال العالية”، وقال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله في مجموع الفتاوى
(10/36): “وقد ذكر الله هذه الكلمه (حسبي الله) في جلب المنفعه تارة، وفي دفع المضره
اخرى، فالاولى في قوله تعالى: {ولو انهم رضوا ما اتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله
سيؤتينا الله من فضله ورسوله} الاية، والثانيه في قوله: {الذين قال لهم الناس ان الناس
قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [ال عمران:173]،
وفي قوله تعالى: {وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين}
[الانفال:62]، وقوله: ولو {انهم رضوا ما اتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من
فضله ورسوله} [التوبة:59] يتضمن الامر بالرضا والتوكل”، والتعليم في هذه الايه الكريمه انما هو للمنافقين،
وليس فيها تعليم هذا الدعاء لعباد الله واوليائه مع حذف كلمه {ورسوله} وليس في كلام
شيخ الاسلام المتقدم الاشاره الى ذلك، ولم اقف على نسبه الدعاء بهذا الى احد من
السلف، بل ان الامام ابن جرير في تفسيره وكذا السيوطي في الدر المنثور مع عنايتهما
بجمع الاثار لم يذكرا شيئا منها في تفسير هذه الاية، وخير من الاهتمام بهذا الدعاء
الذي لم يثبت وشغل الناس به التنبيه الى الدعاء الوارد في القران الكريم الجامع لخير
الدنيا والاخره من الرزق وغيره، وهو: «اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة، وفي الاخره حسنه
، وقنا عذاب النار» وفي صحيح مسلم (6840) باسناده الى عبد العزيز بن صهيب «قال:
سال قتاده انسا: اي دعوه كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم اكثر؟ قال:
كان اكثر دعوه يدعوا بها يقول: اللهم اتنا في الدنيا حسنه وفي الاخره حسنه وقنا
عذاب النار، قال وكان انس اذا اراد ان يدعو بدعوه دعا بها، فاذا اراد ان
يدعو بدعاء دعا بها فيه»، ورواه البخاري (6389) عن انس رضي الله عنه قال: «كان
اكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي الاخره
حسنه وقنا عذاب النار»، وهو من الادعيه الثابته في الطواف بالبيت، ففي سنن ابي داود
(1892) ومسند الامام احمد (15398) باسناد حسن عن عبد الله بن السائب قال: «سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: ربنا اتنا في الدنيا حسنه وفي
الاخره حسنه وقنا عذاب النار».
2. اما نسبه هذا الدعاء في التشهد الاخير الى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز
رحمه الله مع اقسامه على نفعه فلا يصح ذلك عنه، ومن الخطا البين نسبته اليه،
ولو كان من نسبه اليه صادقا لبين مستنده في ذلك من كلامه المقروء والمسموع، ولم
يذكره رحمه الله في رسالته: (تحفه الاخيار ببيان جمله نافعه من مما ورد في الكتاب
والسنه من الادعيه والاذكار)، ولا في رسالته: (كيفيه صلاه النبي صلى الله عليه وسلم) فانه
ذكر فيها في اخر الصلاه التشهد والصلاه على النبي صلى الله عليه وسلم والاستعاذه من
عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنه المحيا والممات ومن فتنه المسيح الدجال ولم يذكر
هذا الدعاء، ولم يذكره في الادعيه التي اوردها في منسكه للدعاء بها في عرفه وغيرها،
وقد حرصت على جمع الادعيه والاذكار الوارده في القران الكريم، فذكرت في كتاب: (تبصير الناسك
باحكام المناسك على ضوء الكتاب والسنه والماثور عن الصحابة) تحت عنوان: (ادعيه واذكار من الكتاب
والسنه الصحيحه يدعى بها في عرفه وغيرها) ذكرت خمسه وثلاثين ذكرا ودعاء ولم يخطر ببالي
ذكر هذا الدعاء لانه ليس من ادعيه القران لاسيما مع حصول التعديل فيه بالحذف منه،
الا {حسبك الله} فانها توكل على الله ورد في الكتاب والسنة.
3. ونظير هذا الدعاء المنتزع من الايه الخاصه بالمنافقين استدلال بعض الناس بقوله تعالى: {ولو
انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} [النساء:64]،
على المجيء الى قبره صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار منه، وهو استدلال غير صحيح،
فان هذه الايه جاءت في المنافقين لان ما قبلها وما بعدها فيهم، وليس المراد المجيء
الى قبره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل المراد المجيء اليه في حياته صلى
الله عليه وسلم كما فهمه الصحابه رضي الله عنهم، فانهم رضي الله عنهم في حياته
يطلبون منه الدعاء فيدعوا لهم، وبعد موته صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخيه ما
كانوا يذهبون الى قبره صلى الله عليه وسلم فيطلبون منه الدعاء، ولهذا لما حصل الجدب
في زمن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه وطلب منه الدعاء، فقد
روى البخاري في صحيحه (1010) عن انس ان عمر بن الخطاب كان اذا قحطوا استسقى
بالعباس بن عبد المطلب، فقال: “اللهم انا كنا نتوسل اليك بنبينا صلى الله عليه وسلم
فتسقينا، وانا نتوسل اليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون”، ولو كان طلب الدعاء من النبي
صلى الله عليه وسلم بعد موته سائغا لما عدل عنه عمر رضي الله عنه الى
الاستسقاء بالعباس، ويدل ايضا لكون النبي صلى الله عليه وسلم لا يطلب منه الدعاء والاستغفار
بعد موته ما رواه البخاري في صحيحه (7217) عن عائشه رضي الله عنها انها قالت:
«وا راساه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وانا حي فاستغفر
لك وادعو لك، فقالت عائشة: وا ثكلياه! والله اني لاظنك تحب موتي…» الحديث، فلو كان
يحصل منه الدعاء والاستغفار بعد موته صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك فرق بين
ان تموت قبله او يموت قبلها صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث مبين لهذه الايه
الكريمه وان المجيء اليه وحصول الاستغفار والدعاء منه انما يكون في حياته وليس بعد موته
صلى الله عليه وسلم، والسنه تفسر القران وتبينه وتوضحه.
واسال الله عز وجل ان يوفق المسلمين للفقه في دينهم والثبات على الحق الذي جاء
في كتاب ربهم وسنه نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.