تفسير سورة الناس _ تفسير الطبرى , قصة نزول السور القرآنية
القول في تاويل قوله جل ثناؤه وتقدست اسماؤه : ( قل اعوذ برب الناس (
1 ) ملك الناس ( 2 ) اله الناس ( 3 ) من شر الوسواس
الخناس ( 4 ) الذي يوسوس في صدور الناس ( 5 ) من الجنه والناس
( 6 ) ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد استجير (
برب الناس ملك الناس ) وهو ملك جميع الخلق : انسهم وجنهم ، وغير ذلك
، اعلاما منه بذلك من كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم انه ملك من يعظمه
، وان ذلك في ملكه وسلطانه ، تجري عليه قدرته ، وانه اولى بالتعظيم ،
واحق بالتعبد له ممن يعظمه ، ويتعبد له ، من غيره من الناس .
وقوله : ( اله الناس ) يقول : معبود الناس ، الذي له العباده دون
كل شيء سواه .
وقوله : ( من شر الوسواس ) يعني : من شر الشيطان ( الخناس )
الذي يخنس مره ويوسوس اخرى ، وانما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد ربه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابو كريب ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن سفيان ، عن
حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :
ما من مولود الا على قلبه الوسواس ، فاذا عقل فذكر الله خنس ، واذا
غفل وسوس ، قال : فذلك قوله : ( الوسواس الخناس ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سفيان ،
عن ابن عباس ، في قوله ( الوسواس الخناس ) قال : الشيطان جاثم على
قلب ابن ادم ، فاذا سها [ ص: 710 ] وغفل وسوس ، واذا ذكر
الله خنس .
قال : ثنا مهران ، عن عثمان بن الاسود ، عن مجاهد ( الوسواس الخناس
) قال : ينبسط فاذا ذكر الله خنس وانقبض ، فاذا غفل انبسط .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا ابو عاصم ، قال : ثنا عيسى;
وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن
ابي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( الوسواس الخناس ) قال : الشيطان
يكون على قلب الانسان ، فاذا ذكر الله خنس .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن
قتاده ( الوسواس ) قال : قال هو الشيطان ، وهو الخناس ايضا ، اذا
ذكر العبد ربه خنس ، وهو يوسوس ويخنس .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتاده
( من شر الوسواس الخناس ) يعني : الشيطان ، يوسوس في صدر ابن ادم
، ويخنس اذا ذكر الله .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن ابيه ، قال
: ذكر لي ان الشيطان – او قال الوسواس – ينفث في قلب الانسان عند
الحزن وعند الفرح ، واذا ذكر الله خنس .
حدثني يونس ، قال : اخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ،
في قوله : ( الخناس ) قال : الخناس الذي يوسوس مره ، ويخنس مره
من الجن والانس ، وكان يقال : شيطان الانس اشد على الناس من شيطان الجن
، شيطان الجن يوسوس ولا تراه ، وهذا يعاينك معاينه .
وروي عن ابن عباس رضى الله عنه انه كان يقول في ذلك ( من شر
الوسواس ) الذي يوسوس بالدعاء الى طاعته في صدور الناس ، حتى يستجاب له الى
ما دعا اليه من طاعته ، فاذا استجيب له الى ذلك خنس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني ابي ، قال : ثني عمي ،
قال : ثني ابي ، عن ابيه ، عن ابن عباس ، في قوله (
الوسواس ) قال : هو الشيطان يامره ، فاذا اطيع خنس .
والصواب من القول في ذلك عندي ان يقال : ان الله امر نبيه محمدا صلى
الله عليه وسلم ان يستعيذ به من شر شيطان يوسوس مره ويخنس اخرى ، ولم
يخص وسوسته على نوع من انواعها ، ولا خنوسه على وجه دون وجه ، وقد
يوسوس بالدعاء الى معصيه الله ، [ ص: 711 ] فاذا اطيع فيها خنس ،
وقد يوسوس بالنهي عن طاعه الله فاذا ذكر العبد امر ربه فاطاعه فيه ، وعصى
الشيطان خنس ، فهو في كل حالتيه وسواس خناس ، وهذه الصفه صفته .
وقوله : ( الذي يوسوس في صدور الناس ) يعني بذلك : الشيطان الوسواس ،
الذي يوسوس في صدور الناس : جنهم وانسهم .
فان قال قائل : فالجن ناس ، فيقال : الذي يوسوس في صدور الناس من
الجنه والناس . قيل : قد سماهم الله في هذا الموضع ناسا ، كما سماهم
في موضع اخر رجالا فقال : ( وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من
الجن ) فجعل الجن رجالا وكذلك جعل منهم ناسا .
وقد ذكر عن بعض العرب انه قال وهو يحدث ، اذ جاء قوم من الجن
فوقفوا ، فقيل : من انتم ؟ فقالوا : ناس من الجن ، فجعل منهم
ناسا ، فكذلك ما في التنزيل من ذلك .
اخر كتاب التفسير ، والحمد لله العلي الكبير .