الحمد لله رب العالمين، والصلاه والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الامين، اللهم لا علم
لنا الا ما علمتنا، انك انت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا،
وزدنا علما، وارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون
القول فيتبعون احسنه، وادخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ايها الاخوه المؤمنون: عن ابي سعيد الخدري قال:
((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فاذا هو برجل من الانصار
يقال له ابو امامه فقال: يا ابا امامه ما لي اراك جالسا في المسجد في
غير وقت الصلاه ؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: افلا اعلمك كلاما
اذا انت قلته اذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك ؟ قال: قلت: بلى
يا رسول الله، قال: قل اذا اصبحت، واذا امسيت: اللهم اني اعوذ بك من الهم
والحزن، واعوذ بك من العجز والكسل، واعوذ بك من الجبن والبخل، واعوذ بك من غلبه
الدين، وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فاذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني))
[ ابو داود ]
يبدو ان النبي عليه الصلاه والسلام دخل في وقت غير وقت الصلاة، دخل المسجد في
النهار، وكلكم يعمل ان لله عملا بالنهار لا يقبله في الليل، وان لله عملا في
الليل لا يقبله في النهار، فالسؤال من النبي عليه الصلاه والسلام يذكرنا بقول سيدنا عمر
رضي الله عنه حينما راى انسانا لا يعمل، وهو يقرا القران في النهار، فقال: (انما
انزل هذا القران لتعمل به، افاتخذت قراءته عملا ؟ ).
قد تتكاثر المصائب على الانسان، قد تجتمع المحن، قد تثقل الهموم، النبي عليه الصلاه والسلام
يقول لهذا الصحابي:
((افلا اعلمك كلاما اذا انت قلته اذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك ؟
قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل اذا اصبحت، واذا امسيت: اللهم اني اعوذ
بك من الهم والحزن، واعوذ بك من العجز والكسل، واعوذ بك من الجبن والبخل، واعوذ
بك من غلبه الدين، وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فاذهب الله عز وجل همي، وقضى
عني ديني))
الحقيقه من السذاجه ان نظن انه بمجرد ان تقول:
((اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن واعوذ بك من العجز والكسل واعوذ بك من
الجبن والبخل واعوذ بك من غلبه الدين وقهر الرجال ))
حتى تذوب المشكلات.
ماذا اراد النبي عليه الصلاه والسلام بالهم ؟ الهم غير الحزن، الهم انسان مقبل على
امتحان اياما باكملها، وهو شارد، هل سانجح ام لا انجح ؟ واذا نجحت، و نلت
هذه الشهاده اتوظف ام اعمل عملا حرا ؟ واذا نلت هذه الشهاده اتابع دراستي، من
ينفق علي ؟ شيء لم يقع بعد، يمضي وقتا طويلا في الحديث فيه، انت لك
دعوى في القضاء، يا ترى اربح الدعوى، و اكسر راس خصمي ام لا اربحها ؟
ان ربحتها ماذا افعل ؟ وان لم اربح هذه الدعوى ماذا افعل ؟ هذه الخواطر
المتوارده المتكاثره التي من شانها ان تقعد الانسان عن العمل، من شانها ان تجعله حالما
اقرب الى الحلم منه الى الواقع، الانسان الحالم الذي يستلقي في الفراش، ويفكر ما سيكون
في المستقبل ؟ هل سانجح لا انجح ؟ هل ساربح لا اربح ؟ هل سانال
هذه الدعوى ام اخسرها ؟ هذا النبي عليه الصلاه والسلام استعاذ منه ان تشغل نفسك
بشيء لم يقع بعد، والمعروف القصه الشهيره هذا الذي اضطجع في غرفته، وقد علق في
السقف جره من عسل، وقال: سابيع هذا العسل، وساربح فيه ارباحا طائلة، وساتزوج، وسانجب اولادا،
وساؤدب اولادي، رفع عصاه ليؤدب احد اولاده فاصاب الجره فانكسرت، فهذا نوع من المبالغه في
التفكير فيما سيكون في المستقبل، هذا الذي مات اخوه، وخلف خمسه اولاد، بدا يبكي بكاء
مرا، التقى بشيخ له قال: ماذا افعل، خلف لي خمسه اولاد، وليس عندي ما اطعمهم
؟ فقال هذا الشيخ: لم يترك ابوهم شيئا ؟ قال: لا ترك شيئا يكفيهم سنة،
قال له: اذا مضت السنه فابدا بالبكاء بعد السنة، بعد سنه ابدا بالبكاء، الان مازال
الوقت باكرا في البكاء، ويحه يبكي لما لم يقع.
فلذلك الهم توقع المستقبل، وتوقع الشر احيانا، توقع الخير، او توقع الشر، والدخول في متاهة،
هذا سماه النبي عليه الصلاه والسلام هما، لو نزعت عنك هذا الهم، وانطلقت الى العمل
المنتج المجدي فقد ربحت، ونجحت، واسترحت، وارحت.
اذا اول كلمه قالها النبي e:
((اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن))
الهم فيه استهلاك للوقت، والهم فيه قعود عن العمل، الهم يدعو الى الكسل، الى القعود،
والهم يستهلك وقت الانسان وطاقته، واعصابه بلا طائل، فالانسان يكون حكيم نفسه، ليس له ان
يستهلك اعصابه، و خواطره، وافكاره، وشجونه، ومشاعره في شيء لم يقع بعد، اما انه خير،
واما انه شرير، اذا ما الذي يجدي ان تفعله ؟ ان تنطلق الى العمل، انت
جالس في الفراش يا ترى انجح، واذا نجحت ساتيه على ابناء خالتي، واذا نجحت ساقيم
حفله لاصدقائي، و ساجلب في هذه الحفله فلانا الفلاني، وفلانا الفلاني طبعا في وقت الصيف
وساقدم لهم غداء، من اين اشتري الحلويات ؟ قم، وادرس افضل لك، بدل ان تفكر
في النجاح، وافراح النجاح، واحتفالات النجاح، وما بعد النجاح، دع هذه الخيالات وهذه الهموم، وانطلق
لدراسه كتاب مقرر.
كن انسانا عمليا، العمل يذهب عنك الهم والحزن، واجترار الالام والتطلعات للمستقبل المحزنه والمسعده هذه
تستهلك وقتك وجهدك واعصابك ومشاعرك من دون ان تفعل فيها شيئا، لذلك قالوا: الهم مضيعه
للوقت مدعاه للكسل، والمؤمن ليس انسانا حالما، بل انسان واقعي، انسان عملي، انسان حيوي، و
قد قال النبي عليه الصلاه والسلام:
((علو الهمه من الايمان))
ما الحل اذا ؟ دع عنك هذه الهموم، وانطلق لعمل يرضي الله عز وجل، دبر
امرا يدفع عنك الشر، او دبر امرا يجلب لك النفع، اذا الهم سببه شبح مشكلة،
بدل ان تجلس، وتجتر همومك، وتعيش في اوهام انطلق لتدبير شيء يدفع عنك هذا الضر،
هذا هو الموقف العملي، والعوام يقولون: قم يا عبدي لاقوم معك، اي تحرك، شخص توهم
ان الرزق على الله عز وجل من دون سعي، فجلس في زاويه ميته في مجلس،
جاء شخص معه طعام، وخبز بقي ساكتا لم يره، وزع على الكل، وهو لم يعطه،
مره ثانيه بقي ساكتا، الثالثه سعل، فانتبه له، فاعطاه، تحرك حركة، وفي الحديث عن عمر
بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لو انكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح
بطانا))
[الترمذي]
تغدو اي تنطلق من اعشاشها تتحرك، احيانا الانسان الرزق ضيق، عمل لا يوجد، السوق بارد،
كساد بالبضاعة، تحرك حركة، هذا الذي عليك، وعلى الله الباقي، اعرض بضاعتك، انت جالس بمحلك
متمركز، وكانك ملك، اخرج من المحل، واعرض بضاعتك، من الممكن ان يشتري الناس البضاعه ؟
سافر الى المحافظات، اعمل حركة، ان الله كتب عليكم السعي فاسعوا.
على الانسان ان يسعى، ليس عليه ادراك النجاح، فالهم ان يشغل الانسان نفسه بخواطر و
باحاسيس و بتصورات و باخيله مسره او محزنه لم تقع بعد للمستقبل، النبي عليه الصلاه
والسلام قال:
((اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن ))
الحزن فوات خير، او وقوع شر، اذا كنت مؤمنا حقا فلا تحزن لماذا، عن ابي
الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقه الايمان حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن
ليخطئه، وما اخطاه لم يكن ليصيبه))
[ احمد ]
اذا اذا امن الانسان انه لا اله الا الله، لا يقع شيء الا بامر الله،
اذا اراد الله امرا وقع، اذا وقع الامر فقد اراده الله عز وجل ينتفي عنه
الحزن، اذا ينتفي عنه الهم والحزن، الهم الخواطر المستقبلية، والحزن الالم الذي يعتصر القلب لخير
فاتك، او لشر وقع.
و لا تنس ان النبي عليه الصلاه والسلام يقول:
((لا يحزن قارئ القران))
يقرا ان الامر بيد الله، وان المؤمن محفوظ، وان الله يدافع عن المؤمن، وان المؤمن
برعايه الله، وان الله مع المؤمنين بالرعايه والحفظ والنصر والتاييد والمعالجة، فكلما قرا ايه فيها
حفظ الله عز وجل، فيها رعايته، فيها عونه، فيها نصره، فيها تاييده، اطمانت نفسه، وكلما
قرا ايه عن اهل الجنه احسن الظن بربه، وتوسل ان يكون من اهل الجنة، تذوب
مشكلاته احيانا، اذا هكذا علمنا النبي عليه الصلاه والسلام ان نستعيذ بالله من الهم والحزن.
وعلمنا ايضا ان نستعيذ به من العجز والكسل، العجز عدم القدره على ان تفعل شيئا،
والكسل بامكانك ان تفعل هذا الشيء، ولكنك تتوانى عن فعله، يوجد فرق دقيق: الهم غير
الحزن، والعجز غير الكسل، العجز عندما يفرط الانسان بنفسه، مثلا يرفع خزانه لها وزن ثقيل
يصيب فقراته انقراص، اصبح معه انزلاق في احدى فقراته، الام مبرحه طوال حياته، اين عقلك
؟ المقدر كائن، لكن الانسان عليه ان يحتاط، عليه ان ياخذ بالاسباب، هذا الغذاء مؤذ،
هذه الماده الدسمه فيها زيت مهدرج مثلا، هذه الماده مؤذيه للكبد، هذه مؤذيه للرئتين، فالانسان
بما ياكل، بما يشرب، مثلا التمديدات الكهربائيه فيها خطر، مثلا صار هناك شراره تيار مئتي
وعشرين فولطا سببت مشكله للابن، ابريق الشاي على طرف الطاوله وقع فوق ابن، فذهب بجلده،
فالانسان يجب الا يكون مسيبا، عليه ان ياخذ بالاسباب، النبي e ينهانا عن ان ندع
نارا مشتعله في الليل، امرنا ان نغلق الاوعية، ان نطفئ السرج، ان نغطي الحاجات، ان
ننفض الثياب قبل ان نرتديها، هذه كلها من سنه النبي e:
((من اكل التراب فقد اعان على قتل نفسه))
اي لا يكون الماء ملوثا، لا تكون الفاكهه ملوثة، فهذا كله ينفي عنا العجز، انت
عليك ان تسعى، عليك ان تاخذ بالاسباب، عليك ان تفعل الشيء الذي يضمن لك صحتك،
لانها راسمالك، فحينما دعا النبي عليه الصلاه والسلام ربه واستعاذ به من العجز فخذ اسباب
السلامة، خذ موجبات الصحة، موجباتها تطبيق السنه فيما امرك الله، وما نهاك، اما الكسل فيقول
لك: لا يوجد همة، همه متدنية، وقد قيل: يفيد صحبه اصحاب الهمم العالية، من معالجات
الهمه العاليه ان تصحب اصحاب الهمم العالية، اذا عشت مع المتفوقين تتمنى ان تكون احدهم،
اذا عشت مع المنضبطين تتمنى ان تكون احدهم، اذا صاحبت الذين يصلون الصلاه في اوقاتها
اعتدت هذه العاده الطيبة، فكلما شعرت بهمه ضعيفة، بكسل، بتوان، بقعود، عليك ان تصاحب من
ينهض بك الى الله حاله، عليك ان تصاحب اهل الجد، اهل النشاط، اهل الالتزام، اهل
الطاعات، اهل التفوق، شيء اخر: عليك ان تقوي ارادتك عن طريق فعل المندوبات، ان فعلت
المندوبات استحييت ان تهمل الفرائض، و قد قال بعضهم: من ادى السنه القبليه قطع على
الشيطان وسواس ترك الفرض، لانه ما اطاعه في ترك السنة، افيطيعه في ترك الفرض، مستحيل.
حينما تقطف ثمار الجهد والعمل الطيب تشعر بسعادة، هذه السعاده اسمها الشعور بالانجاز، اذا الكسل
صاحب المجتهدين، قم بالمندوبات، اد السنن، عندئذ تنشط لاداء الفرائض، طبق التعليمات بدقه تقطف الثمار،
قطف الثمار يشجعك على متابعه الطريق، هذه كلها مقويات، اي من له صحبه مع اهل
الحق هؤلاء قد يرفعون همته، قد يعدونه بهمتهم العلية، هذا مما يدفع على الانسان الكسل.
واما الجبن والبخل: الجبن ان يبخل الانسان بحياته، اي اذا اعتدى معتد، اذا استبيحت اعراض
المسلمين، اذا استبيحت اموالهم من قبل عدو غاصب، الجبن ان يضن بنفسه عن ان يبذلها
صونا لهذا الدين، اذا يعيش المسلم ذليلا، يعيش المسلم مستباحا، يقول النبي عليه الصلاه والسلام:
((ياتي على امتي زمان يذوب فيه قلب المؤمن في جوفه))
مما يرى، ولا يستطيع ان يغير:
(( ياتي على الناس زمان يكون فيه المؤمن اذل من شاته ))
هناك جبن، الجبن ادى الى ان يستباح الانسان، يستباح ماله، يستباح عرضه، وهكذا، فالنبي الكريم
e استعاذ من الجبن، واستعاذ من البخل.
البخل في انفاق المال على الاهل يسبب البغض، لا يوجد بخيل الا ويتمنى اهله موته،
هذا المقياس، اذا كنت كريما يتمنى اهلك بقاءك، فاذا كان هناك بخل شديد، وقسوة، والله
ايه كريمه شهد الله لو تمعنها الانسان، لو تاملها لافلح، الله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله
صلى الله عليه وسلم سيد الخلق، حبيب الحق، سيد ولد ادم، سيد الانبياء والمرسلين، المعصوم،
الرحمه المهداة، النعمه المجزاة، الموحى اليه، ومع ذلك قال له:
﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾
[ سوره ال عمران: الايه 159]
انت هل معك رساله ؟ لا، والله، يوحى اليك ؟ لا، والله، معصوم ؟ لا،
والله، لست معصوما، ولا يوحى اليك، وليس معك رسالة، ولست سيد الخلق، ولا حبيب الحق،
ولا سيد ولد ادم، ولست رحمه مهداة، ولا نعمه مجزاة، فكيف تسول لك نفسك ان
تقسو مع الناس ؟ كيف يحبك الناس ان قسوت عليهم ؟ النبي عليه الصلاه والسلام:
﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر
فاذا عزمت فتوكل على الله﴾
[ سوره ال عمران: الايه 159]
فاذا كان النبي الكريم المعصوم، المرسل، الذي يوحى اليه مامورا ان يكون عفوا كريما رحيما
حتى يحبه الناس فغيره اولى.
عندنا هنا نقطة: انت ايها الاخ لك قلب، ولك قالب، القالب يداك، حواسك، جسدك، رجلاك،
القوي يملك قالبك، اما النبي فيملك قلبك، القلب لا يملك الا بالاحسان، القلب لا يملك
الا بالكمال، القلب لا يملك الا بالرحمة، القلب لا يملك الا بالتواضع، القلب لا يملك
الا بالانصاف، بالانصاف و التواضع والاحسان والرحمه تملك قلب الناس، وبالقوه تملك قالبهم، اذا انت
كنت معلما وقاسيا، يقومون لك، واذا لم يقم طالب تضربه، امرتهم بالجلوس فقعدوا، بالصمت يصمتوا،
فقوتك تملك من الطلاب قوالبهم، اما احسانك فتملك به قلوبهم، الاقوياء في العالم ملكوا القوالب،
اما الانبياء فملكوا القلوب، امتلاك القالب يحتاج الى قوة، امتلاك القلب يحتاج الى احسان، بالبر
يستعبد الحر، فاذا اردت ان تدعو الى الله عز وجل من انت ؟ النبي عليه
الصلاه والسلام الموحى اليه، صفوه خلق الله، خير خلق الله امر ان يكون عفوا كريما
رحيما متواضعا، وشاورهم في الامر:
﴿فاعف عنهم واستغفر لهم﴾
[ سوره ال عمران: الايه 159]
فلذلك احيانا الانسان يقوى، يؤتيه الله قوة، بقوته يتملك قوالب الناس، لكن هذا التملك لا
قيمه له اطلاقا، التملك الحقيقي ان تملك قلوبهم، ان تملك حبهم، فلو وقفت امام قبر
النبي عليه الصلاه والسلام، ورايت هذه الجموع الكبيره التي ما راته، ولا سمعت كلامه، انما
قرات عنه قبل الف وخمسمئه عام، وهي تبكي امام قبره، تعرف ما معنى ان النبي
ملك قلوب المسلمين، فبطولتك لا في امتلاك رقابهم، بل في امتلاك قلوبهم، وسيلتك لامتلاك قلوبهم
الاحسان والكمال والانصاف والتواضع والرحمه والعطف، فالكلام موجه للاب، موجه للام، موجه للاخ، موجه للصديق،
موجه لصاحب العمل، موجه لمدير المدرسة، موجه للمعلم، موجه لمدير المستشفى، موجه للطبيب، فاما ان
تملك القالب، وهذا تملكه بالقوة، واما ان تملك القلب، وهذا تملكه بالاحسان، لا تنس هذه
الاية:
﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر﴾
[ سوره ال عمران: الايه 159]
دخلت الى هذا الموضوع حينما ذكرت ان الانسان في بيته ان لم يكن محسنا، ان
لم يكن عطوفا، ان لم يكن كريما، ان لم يكن معطاء ينفض عنه اهله واولاده،
فلذلك البخل مشكلته اول من تخسر بالبخل اولادك واهلك، واذا بخلت عن عمل صالح تخسر
اخرتك، لذلك:
﴿ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون﴾
[ سوره الحشر: الايه 9]
البخل مرض خطير يسبب ان تخسر اهلك واولادك ومن حولك واسرتك واخرتك، لهذا دعا النبي
عليه الصلاه والسلام:
((اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن، واعوذ بك من العجز والكسل، واعوذ بك من
الجبن والبخل، واعوذ بك من غلبه الدين))
متى يكون الدين مسموحا به، محمودا ؟ اذا كان الدين لاداء ضرورة، وفي نيه المستقرض
ان يؤدي ما عليه تولى الله الاداء عنه هذه نقطه مهمه جدا.
عن ابي هريره رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من اخذ اموال الناس يريد اداءها ادى الله عنه ومن اخذ يريد اتلافها اتلفه الله))
[ البخاري، ابن ماجه، احمد ]
اخذ اموال الناس لاجراء عمليه جراحيه – لا سمح الله – اخذ اموال الناس لمعالجه
مريض، اخذ اموال الناس ليقيم جدارا تهدم، اصبح في الطريق، اخذ اموال الناس لامر قاهر،
وفي نيته اداء هذا المال تولى الله في عليائه ان يؤدي عنه هذا المال:
((من اخذ اموال الناس يريد اداءها ادى الله عنه ومن اخذ يريد اتلافها اتلفه الله))
اي انفقها على شهواته، على مظاهر فارهة، على كماليات لا جدوى منها، حمل نفسه دينا
لا يطيق وفاءه، ليس عنده رصيد له،
((اخذ يريد اتلافها اتلفه الله))
ذلك:
((واعوذ بك من غلبه الدين))
متى يغلبك الدين ؟ اذا استقرضت مالا لانفاقه في شيء ليس ضروريا، اذا اخذته، وليس
في نيتك ان ترده الى صاحبه، عندئذ يغلبك الدين، واما قهر الرجال هذا من اصعب،
قيل لرجل: ما الذل ؟ قال: ان يقف الكريم بباب اللئيم ثم يرده الذل ان
يقهرك انسان مثلك، ان يجعل الله مصيرك بيد انسان، قال تعالى:
﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾
[ سوره النساء: الايه 141]
اي هذا ليس سهلا، لان الانسان له كرامته، له مكانه، له عزته، له شرفه، ياتي
انسان كافر يمرغه في الوحل، ويتحكم فيه، ويذيقه الوان العذاب، هذا عقاب الهي كبير، لذلك:
يا رب لا تجعلني عبره لاحد من خلقك، لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
ولا يرحمنا:
﴿اتريدون ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا﴾
[ سوره النساء: الايه 144]
هذه هي غلبه الدين، وقهر الرجال، والله ثمانيه اشياء مهمه جدا، الهم، والحزن، و العجز،
والكسل، والجبن، والبخل، وغلبه الدين، وقهر الرجال، ربنا عز وجل جعل قهر الرجال بمستوى الزلازل
والبراكين، قال:
﴿قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او
يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض﴾
[ سوره الانعام: الايه 65]
ان يذوق الانسان باس اخيه الانسان، الانسان لئيم وقاس، ربنا قال:
﴿واذا بطشتم بطشتم جبارين﴾
[ سوره الشعراء: الايه 130]
الانسان لا يرحم، فلذلك انا اتمنى على كل منا ان يدعو بهذا الدعاء صباحا ومساء،
كما قال عليه الصلاه و السلام.
نعيد عليكم نص الحديث: عن ابي سعيد الخدري قال:
((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فاذا هو برجل من الانصار
يقال له ابو امامة، فقال: يا ابا امامه ما لي اراك جالسا في المسجد في
غير وقت الصلاه ؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: افلا اعلمك كلاما
اذا انت قلته اذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك ؟ قال: قلت: بلى
يا رسول الله، قال: قل اذا اصبحت واذا امسيت: اللهم اني اعوذ بك من الهم
والحزن، واعوذ بك من العجز والكسل، واعوذ بك من الجبن والبخل، واعوذ بك من غلبه
الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فاذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني))
[ ابو داود ]
والدعاء سلاح المؤمن، اذا خرج الانسان من بيته يستعيذ من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن
والبخل وغلبه الدين وقهر الرجال، شيء جميل، و المعاني دقيقه جدا، الهم استهلاك لخواطره وافكاره
واعصابه ووقته بلا جدوى، والحزن ندم على ما وقع انسان او على ما فات، كلاهما
يتناقض مع الايمان، والعجز حاول ان تحتاط ان تبحث عن مسببات الوقايه وعن الاسباب المبعده
عن العجز، والكسل صاحب اصحاب الهمه العالية:
﴿ يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾
[ سوره التوبة: الايه 119]
الجبن والبخل يشقيان صاحبهما في الدنيا والاخرة، وغلبه الدين اذا استقرضت مبلغا لشيء كمالي وثانوي
فالله سبحانه وتعالى لا يعينك، اما اذا استقرضت المال لشيء ضروري انسان وفي نيتك اداؤه
الله سبحانه وتعالى يعينك.
و الان الى فقره متعلقه بالنساء:
كنت في عقد قران وزع فيه هذا الكتاب هدية، كل هذا الخير من هذا الحديث
الشريف، انا اتمنى اذا اقيم عقد قران بدلا من توزيع هذه العلب، والصحون فليوزع كتاب
في الحديث، كتاب في السنة، كتاب في الفقه، كتاب في الوعظ، كتاب في النصائح، هذا
الكتاب له خير لمن قراه انسان ومن علمه انسان ومن تعلمه، في المنزل يوجد مصاحف
انسان يكفي مصحف واحد، لا يوجد بيت الا وفيه عشره مصاحف، لكن يوجد كتب نحن
بحاجه اليها، فاذا اقام انسان عقد قران انا افضل ان يختار كتابا، كتابا في السنة،
كتابا في الحديث، كتابا في الفقه، كتابا في الوصايا، كتابا يتناسب مع المبلغ المرصد للدفع
مقابل صحن معين او شيء معين.
عن ابن عباس رضي الله عنه:
((ان امراه من خثعم اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله
اخبرني ما حق الزوج على الزوج فاني امراه ايم))
المراه الايم غير الارملة، ايه امراه لا زوج لها بكرا او ثيبا اسمها ايم، واي
شاب لا زوجه له، اعزب او ارمل فهو ايم، وربنا عز وجل قال:
﴿وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم﴾
[ سوره النور: الايه 32]
هذا امر ندب كما قال علماء الاصول، اي على اولي الامر او اولياء الامور، الاباء
و الامهات، هذا الكلام موجه الى اولي الامر ليسهلوا سبل الزواج، وموجه الى اولياء الشباب
والشابات ليزوجوا شبابهم وبناتهم، اولياء البنات بالتساهل مع الازواج.
عن ابي حاتم المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه))
[ الترمذي ]
بلا شروط صعبه جدا، والامر موجه الى اولياء الشباب بمعاونه اولادهم، انا نشات عصاميا، اريد
ان يكون ابني عصاميا، انت عندما كنت عصاميا كان هناك مئه بيت بلا مال، الان
لا يوجد بيوت، تريد ان تعين ابنك، تزوجه، ان كان الكلام موجها للاباء بمعاونه ابنائهم
على الزواج، وان كان موجها للامهات بالتساهل مع الاصهار الدينين الطاهرين، و ان موجها كان
لاولي الامر بتامين بيوت، وتسهيل بيوت للايجار مثلا، تسهيل الاسعار، الاثاث تكون مخفضة، عن ابن
عباس رضي الله عنه
((ان امراه من خثعم اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالت يا رسول الله
اخبرني ما حق الزوج على زوجته ؟ فاني امراه ايم، فان استطعت والا جلست ايما))
اي ان استطعت ان اؤدي حق الزوج اتزوج، او حتى اقبل ان اتزوج، وان لم
استطع اجلس ايما، فقال عليه الصلاه و السلام:
((ان حق الزوج على زوجته ان سالها نفسها و هي على ظهر قتب الا تمنعه
نفسها، ومن حق الزوج على الزوجه الا تصوم تطوعا الا باذنه، فان فعلت جاعت وعطشت،
ولا يقبل منها، والا تخرج من بيتها الا باذنه، فان فعلت لعنتها ملائكه السماء وملائكه
الرحمه وملائكه العذاب حتى ترجع))
هكذا ورد في الحديث الشريف:
عن ابن عباس رضي الله عنه ان امراه من خثعم اتت رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فقالت: يا رسول الله اخبرني ما حق الزوج على زوجته ؟ فاني امراه
ايم، فان استطعت، و الا جلست ايما، فقال عليه الصلاه و السلام:
((ان حق الزوج على زوجته ان سالها نفسها وهي على ظهر قتب الا تمنعه نفسها،
ومن حق الزوج على الزوجه الا تصوم تطوعا الا باذنه، فان فعلت جاعت وعطشت، ولا
يقبل منها، والا تخرج من بيتها الا باذنه، فان فعلت لعنتها ملائكه السماء وملائكه الرحمه
وملائكه العذاب حتى ترجع، فقالت: لا جرم لا اتزوج ابدا))
[ رواه الطبراني ]
اي رات ان حق الزوج عليها كبير.
حديث اخر: عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا ينظر الله تبارك وتعالى الى امراه لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه))
فعلا هذا موقف عجيب، اي لا احد لها، ابوها متوفى، اخوتها متزوجون، زوجها يسكنها بمنزل،
وهي تاكل وتشرب، نائمه مكرمة، معززه لابسة، ودائما تتبرم، وتلعن هذه العيشة، لماذا ؟ ليست
جائعة، ليست عريانة، عندها ثياب كثيرة، هذه المراه التي لا تشكر زوجها، وهي لا تستغني
عنه امراه ملعونة، لا ينظر الله اليها.
زوجك، وابو اولادك، وصحتكم طيبة، لا يوجد امراض، اولاد موجودون كالزهر في البيت، اكلنا فشبعنا،
لبسنا فاكتسينا، لماذا نغير الطقم ؟ كل يوم مشكله هذا الطقم مزري ليس جميلا، لماذا
هذا الكلام ؟ يوجد ظروف صعبة، كسب المال صعب احيانا، يوجد نفقات كبيرة، سحب المال
اصبح صعبا، فهذه المراه التي تاكل وتشرب، وهي مطمئنة، وصحتها طيبة، وزوجها امامها، واولادها امامها،
وتجعل حياه زوجها نغصا دائما هذه امراه ملعونه لا ينظر الله اليها، بل ان النبي
عليه الصلاه والسلام يقول:
((اني اكره المراه تخرج من بيتها تشتكي على زوجها))
هذه المراه غير الستيره التي تشتكي على زوجها، تشتكي من ضيق ذات يده، اكلة، لم
يحضر لها على الولاده اساور، هذه التي تشتكي زوجها دائما، تشتكي ضيق ذات يده، هذه
امراه لا تعرف الله عز وجل، و الله حديث مخيف: عن عبد الله بن عمر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا ينظر الله تبارك و تعالى الى امراه لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه))
تقول له احيانا: طلقني، كيف اطلقك ؟ الى اين تذهبين ؟ لا احد لك، عن
ثوبان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ايما امراه سالت زوجها طلاقا من غير باس فحرام عليها رائحه الجنة))
[ الترمذي، ابو داود، ابن ماجه ]
لا يوجد داع طلقني، لا اريد ان اعيش معك، الى اين تذهبين ؟ لسبب تافه
جدا، شيء لم ينفذ لها اياه، حاجه لم يؤمنها، لا تقدر ظروف الحياة، صعوبه كسب
المال، ضيق ذات اليد احيانا، انسان دخله محدود كذا للطعام، كذا للبيت، كذا للكهرباء، كذا
للهاتف، كذا للتدفئة، نشات نفقه مفاجئة، لا تحمليه فوق ما يطيق، لذلك الصحابيه كانت تقف
على الباب تقول: نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام، اتق الله فينا، انما نحن
بك، نحن سعادتنا بسعادتك، اذا كنت مع الله، اذا كنت مستقيما، اذا كنت قريبا من
الله عز وجل نسعد بقربك نحن، الاهل لا يسعدون بمال الزوج يسعدون بقربه من الله
عز وجل، اذا كان قريبا صار مؤنسا، صار رحيما، صار حليما، صار غيورا، صار صبورا،
فالاهل يسعدون بقرب زوجهم من الله لا بماله، لذلك، عن معاذ بن جبل عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:
((لا تؤذي امراه زوجها في الدنيا الا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك
الله فانما هو عندك دخيل يوشك ان يفارقك الينا))
[ الترمذي، ابن ماجه ]
القضيه ليست دائمة، هذا الصحابي الذي طلبت منه زوجته شيئا فوق طاقته، وتالمت فقال له:
(اعلمي ان في الجنه من الحور العين ما لو اطلت احداهن على الارض لغلب نور
وجهها ضوء الشمس والقمر، فلان اضحي بك من اجلهن اهون من ان اضحي بهن من
اجلك )
اذا:
((لا تؤذي امراه زوجها في الدنيا الا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك
الله فانما هو عندك دخيل يوشك ان يفارقك الينا))
وعن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ان المراه اذا خرجت من بيتها، وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء، وكل شيء
مرت عليه حتى ترجع))
[ رواه الطبراني في الاوسط ]
هذه بعض الاحاديث، الزوج عليه ان يكون اهلا لهذه الاحاديث، ان يكون مؤمنا يستحق هذه
الوصيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الفقره الاخيره من الدرس: نقل الحافظ السيوطي في الدر المنثور في سبب نزول هذه الايات
التي ساتلوها بعد قليل جمله اثار عن الصحابه والتابعين، اكثرها تفصيلا ما اخرجه ابن اسحاق
وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم عن زيد بن اسلم قال: مر شاس بن
قيس، وكان شيخا قد عثا في الجاهلية، اي كبر، واسن في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد
الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، من الاوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما راى من الفتهم
وجماعتهم انظر من صفات المؤمنين الالفه والمودة، التوافق، التسامح، التعاطف، المؤمنون بعضهم لبعض نصحه متوادون،
بعضهم يدافع عن بعض، بعضهم يعين بعض:
﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾
[ سوره المائدة: الايه 2]
المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا:
عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر
الجسد بالسهر والحمى))
[ البخاري، مسلم، احمد ]
هذه توجيهات رسول الله، فهذا شاس بن قيس غاظه ما راى من الفتهم وجماعتهم وصلاح
ذات بينهم، على الاسلام بعد الذي كان بينهم من العداوه في الجاهليه فقال: كان يوجد
عداوات بين الاوس والخزرج لا يعلمها الا الله، حروب، دماء، قتلى، ضغائن، احقاد، لما جاءهم
النبي عليه الصلاه والسلام صار هؤلاء الاوس والخزرج كالجسد الواحد متعاطفين، متسامحين، متالفين، المؤمن يالف
ويؤلف فقال شاس بن قيس: قد اجتمع ملا بني قيله بهذه البلاد، والله مالنا معهم
اذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، اذا اتفقوا نحن لا وجود لنا، فامر فتى شابا
معه من يهود فقال: اعمد اليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث، ذكرهم بالحرب التي
كانت بينهم قبل الاسلام، وما كان قبله، وانشدهم بعض اشعارهم في هجاء بعضهم بعضا، ذكرهم
بالماضي، بالاحقاد، بالقتلى، بالخصومات، وما كانوا يتقاولون فيه من اشعار، وكان يوم بعاث يوما اقتتلت
فيه الاوس والخزرج، وكان الظفر فيه للاوس على الخزرج، ففعل فتكلم القوم عند ذلك، ذكرهم
بالماضي، وهم حديثو عهد بالاسلام، الاسلام ما تمكن من قلوبهم، ذكرهم بالقتال، بالاحقاد، بالعداوات، بالخلافات،
وتنازعوا، وتفاخروا حتى توافد رجلان من الحيين، اوس بن قيظي احد بني حارثه من الاوس،
وجبار بن صخر احد بني سلمه من الخزرج، فتقاولا اي تلاسنا، ثم قال احدهما لصاحبه:
ان شئتم والله رددناها كما كانت، وغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح، موعدكم
الظاهرة، اي الحرة، فخرجوا اليها، وانضمت الاوس بعضها الى بعض، والخزرج كذلك، فبلغ ذلك النبي
عليه الصلاه والسلام فخرج اليهم فيمن معه من المهاجرين من اصحابه حتى جاءهم، فقال: يا
معشر المسلمين، الله الله، ابدعوى الجاهلية، وانا بين اظهركم، هذه دعوى الجاهلية، هذه الخصومات، هذه
الخلافات، هذه المنازعات، هذه التهم، هذه المهاترات، هذه العصبيه الجاهلية، هذا الانحياز الاعمى، الله الله
ابدعوى الجاهلية، وانا بين اظهركم، ابعدئذ هداكم الله الى الاسلام، واكرمكم به، وقطع به عنكم
امر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، والف بينكم ترجعون الى ما كنتم عليه كفارا ؟
فعرف القوم انه نزغه من الشيطان، و كيد من عدو لهم، فالقوا السلاح، وبكوا، وعانق
الرجال بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد
اطفا الله عنهم كيد عدو الله شاس، وانزل الله في شان شاس بن قيس وما
صنع.
الان نزلت ايات في هذه الحادثة:
﴿قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من امن تبغونها عوجا وانتم شهداء
وما الله بغافل عما تعملون (99) يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا فريقا من الذين
اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين (100)﴾
[ سوره ال عمران ]
اجمل ما في الايه ان هذه الموده والمحبه والوئام والوفاق وحسن الظن والمسامحه والتعاطف والتراحم
والتعاون عبر الله عنها بكلمه واحدة، هي الايمان، والخصومه والمشاحنه والبغضاء والاحقاد والقتال والتحريش بين
المؤمنين والحقد سماها الله كفرا، قال:
﴿يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين
(100) وكيف تكفرون﴾
[ سوره ال عمران ]
تختصمون، تتنازعون، تتبادلون التهم:
﴿وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله﴾
[ سوره ال عمران: الايه 101]
القران واحد، السنه واحدة، الدين واحد، المنبع واحد، المصدر واحد:
﴿وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي الى
صراط مستقيم (101) يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته﴾
[ سوره ال عمران ]
اي ايمانكم غير كاف، ايمانكم ضعيف الدليل هذا شاس اوقع بينكم، حرش بينكم، ايمانكم غير
قوي:
﴿يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون (102) واعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمه الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم
فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفره من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم
اياته لعلكم تهتدون (103)﴾
[ سوره ال عمران ]
هذه القصه هي سبب نزول هذه الاية، لذلك النبي الكريم في خطبه الوداع ماذا قال:
((ان الشيطان يئس ان يعبد في ارضكم))
نفض يديه من ان يعبد غير الله في ارضكم، لم يعد هناك شرك واصنام:
((ولكن رضي فيما دون ذلك، رضي بالتحريش بين المؤمنين ))
الايقاع بينهم، لذلك اذا كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر هذه الايات لكل المؤمنين، والى نهايه
الدوران، انت كن عنصرا مؤلفا، اجمع، ولا تفرق، الف ولا تبغض، قارب ولا تباعد، لا
تنقل حديثا يكرهه الذي نقلت اليه الحديث، هذه هي الميمة، والنمام كما قال عليه الصلاه
و السلام في حديث حذيفه انه بلغه ان رجلا ينم الحديث فقال حذيفة: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((لا يدخل الجنه نمام))
[ البخاري، مسلم، الترمذي، ابو داود، احمد ]
هذه نصيحه النبي عليه الصلاه والسلام، وهذه اسباب نزول هذه الايات
﴾ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم﴿
معنى تفشلوا اي تخفقوا، لا تحققوا هدفكم، وتذهب ريحكم هذه السمعه الطيبه للمؤمنين تتلاشى، اذا
تخاصم المؤمنون تلاشت هذه السمعه الطيبة.
وردني سؤال من اخ رجاني ان اجيب عنه: معصره زيت في اثناء نقل الزيت يبقى
شيء بالارض من بقايا الزيت، كالفران اذا كان بالارض شيء من الطحين، هذه المعاصر تسوق
هذا الزيت الذي داسته الارجل، وصار مع التراب، ومع اوساخ الارض الى مكان، وتعالجه بمواد
كيماوية، وتبيعه على انه زيت، هذا الزيت ليس نقيا، ولا طاهرا، لكن نقته المواد الكيماوية،
قال: فيباع للمطاعم باسعار دنيا، السؤال ليس هنا، يمكن ان يباع لمعامل الصابون، السمان اذا
كان عنده زيت دخلت فيها فاره ماذا يفعل ؟ اصبحت نجسة، لا يجوز ان يبيع
زيتها، يجب عليه ان يبيع هذا الزيت الى معمل الصابون، هذا من حقه، فزيت مع
الاقدام، و الارض، ومع الاقذار عالجته بمواد كيماويه حتى صار نقيا يباع لمطعم ؟ هذا
مخالف للشرع.
شيء ثان: هذا الزيت ليس من حق صاحب المعصرة، هذا الزيت من حق اصحاب الزيتون
الذين عصروا عندك، لذلك الاولى ان تستسمحهم عذرا، او ان تستبرئ ذمتك منهم، او ان
تقدمه لهم، او تبيعه الى معمل صابون، و تدفع ثمنه صدقه عن هؤلاء الذين عصروا
عندك زيتونهم، هذا هو الموقف الشريف، والموقف الشرعي.
احيانا بالسياره عندما تضعها عند المصلح يقول لك: احضر قليلا من البنزين لنغسل المحرك، ياخذ
كميه من البنزين اكثر من اللازم، والباقي يتركها عنده، هذا لا يجوز.