الشكوى لله مش للبشر
النبذه : لا تخلو هذه الحياه من مصائب ومحن تصيب هذا الانسان، ومن ثم فلا
يجد بد من شكواها ليخفف عن نفسه، والله يبتلي عباده ليسمع شكواهم اليه، اذ الشكوى
اليه تحقيق للعبودية. وفي سير الانبياء والصحابه دروس للمصابين وهم يشكون ما اصابهم الى ربهم
فتعود عاقبه ذلك سكون القلب وتفريج الكرب. وهناك فقه للشكوى الى الله ينبغي التعرف عليه.
لمن تكون الشكوى
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لا اله الا الله
وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله، الحمد لله الذي ينفس الكرب، ويفرج
الهم، ويذهب الغم، ويقضي الدين، ويغني من الفقر، اليه تبث الشكوى والاحزان، فهو ملجا الملتجئين
وامان الخائفين، يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وقد جرت حكمته تعالى في عباده انه خلقهم في
كبد، في مشقه وابتلاء، فرماح المصائب على العباد مشرعة، وسهام البلاء اليهم مرسلة، ولولا ان
الدنيا دار ابتلاء لم يضق العيش فيها على الانبياء والاخيار، فادم يعاني المحن الى ان
خرج من الدنيا، وابراهيم يكابد النار وذبح الولد، ويعقوب يبكي حتى يذهب بصره، وموسى يقاسي
فرعون ويلقى من قومه المحن، وعيسى مطارد لا ماوى له، ومحمد عليه الصلاه والسلام يصابر
الفقر، وقتل عمه حمزة، وهكذا الانبياء والاولياء، ولو خلقت الدنيا للذه لم يكن حظ للمؤمن
منها، فلا يخلو الانسان في هذه الدنيا من الشدائد وضيق الامور والمصائب والبلايا والمحن، فهذا
مبتلى بفقد قريب او بموت حبيب وهذا بذهاب المال، واخر بمرض خطير، وهذه مطلقة، واخرى
معلقة، وهذه لم تتزوج، وتلك عقيم لا تنجب، وهذا يتيم، واخر فقير وهذا وهذا من
انواع البلاء في المال والنفس والمسكن والوظيفه والزوجه والولد، فالى من يرجع اصحاب المصائب والى
من يلجا ارباب النوائب، والانسان امام هذه البلايا يحتاج الى الشكوى، والمكروب يستريح بالبث، والشكوى
تخفف الهم، وتزيل الالم، وقد وصف الله تعالى ابراهيم عليه السلام بانه اواه حليم، اي:
كثير الدعاء والشكوى الى الله تعالى، هذا معنى الاواه، والله عز وجل يبتلي عبده ليسمع
شكواه وتضرعه والحاحه ودعاءه، وقد ذم الله الذي لا يتضرع ولا يستكين وقت البلاء، فقال
سبحانهولقد اخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعونسوره المؤمنون:76، والعبد اضعف من ان يتجلد على
ربه ولا يشكو حاله اليه، والرب عز وجل لا يريد من العبد ان يتجلد امامه،
وان يكتم ما في نفسه عنده، بل يريد من عبده ان يستكين له، وان يتضرع
اليه، ان العبد يتجلد امام العبد، ويكتم شكواه عند الناس، هذا حال المؤمن لكنه لا
يكتم شكواه الى الله، فان الله يحب من يشكو اليه، ويظهر المسكنه والحاجه والشده عنده،
قيل لبعضهم: كيف تشتكي اليه ما لا يخفى عليه؟ فقال: ربي يرضى ذل العبد اليه.
شكوت وما الشكوى لنفسي عاده ولكن تفيض الناس عند امتلائها
فيجد الانسان احيانا من حاله ما يضطره ويلجئه الى بث ما في نفسه، فالى من
يبث، طبيب نفسي مخلوق اخر مثله، ان البهائم احيانا ليشتد بها الامر حتى تشكو، وقد
(دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الانصار فاذا جمل فلما راى النبي
صلى الله عليه وسلم حن -رجع صوته وبكى وذرفت عيني الجمل- فاتاه النبي صلى الله
عليه وسلم فمسح ذفراه -مؤخر راسه- فسكت وسكن، فقال: لمن هذا الجمل؟، فجاء فتى من
الانصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: افلا تتقي الله في هذه البهيمه التي ملكك
الله اياها فانه شكا الي انك تجيعه وتدئبه -تحمله من الاعمال ما لا يطيق، وتوالي
عليه المشقات-)
نماذج من شكوى الانبياء
الشكوى لمن؟ الى من يشكو الانسان امره؟، كان الانبياء والرسل وهم خير الخلق اذا نزل
بهم البلاء واشتد بهم الكرب، وعظمت المصيبه عندهم، لجاوا الى الله وتضرعوا اليه واظهروا افتقارهم
اليه بالشكوى، فهذا نوح عليه السلام لما اشتد عليه اذى قومه حاصروه وهددوه، وكانوا ياخذون
من يتبعه فيفتنوهم عن دينهم،فدعا ربه اني مغلوب فانتصر * ففتحنا ابواب السماء بماء منهمرسوره
القمر:10-11، وهكذا قال يجار الى اللهرب انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا
خسارا * ومكروا مكرا كباراسوره الجن: 21، قال:وقد اضلوا كثيراسوره الجن: 24، بهذه الاصنام التي
عبدوها رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا * انك ان تذرهم يضلوا عبادك
سوره الجن: 26-27، فجاء الله عز وجل بالنصر المبين، واغرق القوم بالطوفان، وانقذ الله نوحا
ومن معه، وابتلى الله ايوب بالامراض، فلبث في بلائه ثلاث عشر سنة، حتى رفضه القريب
والبعيد، جاء في الحديث الصحيح حتى قال بعض الناس ممن يعرفون ايوب لقد اذنب ايوب
ذنبا عظيما والا لكشف عنه هذا البلاء، لان ايوب العابد الرجاع الى الله، الصابر كان
صاحب عباده ولم يكن صاحب ذنوب، وما نزل به ابتلاء وليس لذنوب احدثها، فلما فهم
بعض الناس من طول البلاء واشتداد المرض الذي نزل به انه لذنوب احدثها حزن،وايوب اذ
نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمينسوره الانبياء:83، وهكذا يشكو الى الله ويرفع صوته
بمناجاه مولاه، نادى ربه يشكو الحال، اني مسني الضر فاظهار البلوى والشكوى عند الله لا
ينافي الصبر بل هو من العبودية، مسني الضر بانواعه في جسدي، في مالي، في ولدي،
اذتني السن الناس، ارحمني فانت ارحم الراحمين، وهكذا جاء اللطيف سبحانه وتعالى بالفرج وعبده لم
يزد ان يقول: مسني الضر، ووصف خالقه بانه ارحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به
من ضر واتيناه اهله ومثلهم معهم رحمه من عندنا وذكرى للعابدينسوره الانبياء:84 .