الذين قال لهم الناس ان الناس , تفسير السور القرآنية بدقة
ال عمران
من الايه 173 الى الايه 174
الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله
ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمه من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله
ذو فضل عظيم (174)
ولم يكن اقوى في التعبير عن ميلاد هذه الحقيقه من خروج هؤلاء الذين استجابوا لله
والرسول من بعد ما اصابهم القرح . ومن خروجهم بهذه الصوره الناصعه الرائعه الهائلة:صوره التوكل
على الله وحده وعدم المبالاه بمقاله الناس وتخويفهم لهم من جمع قريش لهم – كما
ابلغهم رسل ابي سفيان – وكما هول المنافقون في امر قريش وهو ما لا بد
ان يفعلوا -:
(الذين قال لهم الناس:ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا:حسبنا الله ونعم الوكيل).
.
هذه الصوره الرائعه الهائله كانت اعلانا قويا عن ميلاد هذه الحقيقه الكبيره . وكان هذا
بعض ما تشير اليه الخطه النبويه الحكيمه . .
وتحدثنا بعض روايات السيره عن صوره من ذلك القرح ومن تلك الاستجابة:
قال محمد بن اسحاق:حدثني عبد الله بن خارجه بن زيد بن ثابت عن ابي السائب
مولى عائشه بنت عثمان ان رجلا من اصحاب رسول الله [ ص ] من بني
عبد الاشهل كان قد شهد احدا قال:شهدنا احدا مع رسول الله [ ص ] انا
واخي , فرجعنا جريحين . فلما اذن مؤذن رسول الله [ ص ] بالخروج في
طلب العدو , قلت لاخي – او قال لي – اتفوتنا غزوه مع رسول الله
[ ص ] ? – والله ما لنا من دابه نركبها , وما منا الا
جريح ثقيل . فخرجنا مع رسول الله [ ص ] وكنت ايسر جراحا منه ,
فكان اذا غلب حملته عقبه . . حتى انتهيا الى ما انتهى اليه المسلمون .
وقال محمد بن اسحاق:كان يوم احد يوم السبت النصف من شوال , فلما كان الغد
من يوم الاحد لست عشره ليله مضت من شوال , اذن مؤذن رسول الله [
ص ] في الناس بطلب العدو , واذن مؤذنه ان لا يخرجن معنا احد الا
من حضر يومنا بالامس . فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام .
فقال:يا رسول الله ان ابي كان خلفني على اخوات لي سبع . وقال:يا بني انه
لا ينبغي لي ولا لك ان نترك هؤلاء النسوه ولا رجل فيهن . ولست بالذي
اوثرك بالجهاد مع رسول الله [ ص ] على نفسي . فتخلف على اخوتك .
فتخلفت عليهن . . فاذن له رسول الله [ ص ] فخرج معه . .
وهكذا تتضافر مثل هذه الصور الرفيعه على اعلان ميلاد تلك الحقيقه الكبيره , في تلك
النفوس الكبيره . النفوس التي لا تعرف الا الله وكيلا , وترضى به وحده وتكتفي
, وتزداد ايمانا به في ساعه الشده , وتقول في مواجهه تخويف الناس لهم بالناس:
(حسبنا الله , ونعم الوكيل). .
ثم تكون العاقبه كما هو المنتظر من وعد الله للمتوكلين عليه , المكتفي به ,
المتجردين له:
(فانقلبوا بنعمه من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله).
فاصابوا النجاه – لم يمسسهم سوء – ونالوا رضوان الله . وعادوا بالنجاه والرضى .
(بنعمه من الله وفضل). .
فهنا يردهم الى السبب الاول في العطاء:نعمه الله وفضله على من يشاء . ومع التنويه
بموقفهم الرائع , فانه يرد الامر الى نعمه الله وفضله , لان هذا هو الاصل
الكبير , الذي يرجع اليه كل فضل , وما موقفهم ذاك الا طرف من هذا
الفضل الجزيل !
(والله ذو فضل عظيم). .