الثقه بالله وحسن الظن به
حسن الظن بالله عباده قلبيه جليله لا يتم ايمان العبد الا به لانه من صميم
التوحيد وواجباته ، حسن الظن بالله هو ظن ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق
بجلاله وما تقتضيه اسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياه المؤمن على الوجه الذي
يرضي الله تعالى ، تحسين الظن بالله تعالى ان يظن العبد ان الله تعالى راحمه
وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الايات والاحاديث الوارده في كرم الله وعفوه وما وعد
به اهل التوحيد ، حقا .. انه مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا يسلكه
الا من وفقه الله وجعل قلبه خالصا له سبحانه ، لذلك ينبغي ان يكون سمه
لازمه يتجلى في حياه المؤمن وعند احتضاره وقرب موته .
[ انا عند ظن عبدي بي ] قال العلماء :
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ” اي قادر على ان اعمل به ما
ظن اني عامل به ” [ 17 / 397 ]
قال النووي في شرح صحيح مسلم ” قال العلماء : معنى حسن الظن بالله تعالى
ان يظن انه يرحمه ويعفو عنه ” [ 14 / 210 ]
قال النووي ” قال القاضي : قيل معناه بالغفران له اذا استغفر ، والقبول اذا
تاب ، والاجابه اذا دعا ، والكفايه اذا طلب ، وقيل : المراد به الرجاء
وتاميل العفو وهو اصح ” [ شرح صحيح مسلم 14 / 2 ]
وعموما فحسن الظن بالله عز وجل ظن ما يليق بالله سبحانه وتعالى من ظن الاجابه
والقبول والمغفره والمجازاه وانفاذ الوعد وكل ما تقتضيه اسماؤه وصفاته جل وعلا .
لماذا نحسن الظن بالله ..؟
1. لان فيه امتثالا واستجابه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ” يا ايها
الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ” [ الانفال : 24 ]
2. له ارتباط وثيق بنواحي عقديه متعدده ومن ذلك مثلا :
ا . التوكل على الله تعالى والثقه به ، قال بن القيم رحمه الله :
” الدرجه الخامسه [ اي من درجات التوكل ] حسن الظن بالله عز وجل فعلى
قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه ” [ تهذيب مدارج السالكين ص
240 ] .
ب . الاستعانه بالله والاعتصام به واللجوء اليه سبحانه ، قال بعض الصالحين ” استعمل
في كل بليه تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها ؛ فان ذلك اقرب
الى الفرج ”
ج . الخوف منه سبحانه وتعالى ، يقول ابو سليمان الداراني رحمه الله ” من
حسن ظنه بالله عز وجل ثم لا يخاف الله فهو مخدوع ” [حسن الظن بالله
ص 40 ]
3. لان العبد من خلاله يرجوا رحمه الله ورجائه ويخاف غضبه وعقابه ، يقول بن
القيم رحمه الله “ويكون الراجي دائما راغبا راهبا مؤملا لفضل ربه حسن الظن به ”
[ زاد المعاد ص ]
4. حثت عليه النصوص النبويه ودعا اليه النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يموتن
احدكم الا وهو يحسن الظن بالله عز وجل ” ” انا عند ظن عبدي بي
” ” من احب لقاء الله احب الله لقاءه ” .
5. معرفه واقع الناس وحالهم مع حسن الظن بالله ، يقول بن القيم رحمه الله
” فاكثر الخلق بل كلهم الا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء
؛ فان غالب بني ادم يعتقد انه مبخوس الحق ، ناقص الحظ ، وانه يستحق
فوق ما اعطاه الله ، ولسان حاله يقول : ظلمني ربي ومنعني ما استحق ،
ونفسه تشهد عليه لذلك ، وهو بلسانه ينكره ولا يتجاسر على التصريح به ومن فتش
نفسه وتغلغل في معرفه دفائنها وطواياها ، راى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد
، فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده ، ولو فتشت من فتشته
، لرايت عنده تعتبا على القدر وملامه له ، واقتراحا عليه خلاف ما جرى به
، وانه ينبغي ان يكون كذا وكذا ، فمستقل ومستكثر ، وفتش نفسك هل انت
سالم من ذلك :
فان تنج منها تنج من ذي عظيمه والا فاني لا اخالك ناجيا ” [ زاد
المعاد 3 / 235 ]
6. لان من احسن الظن بربه عز وجل فايقن صدق وعده وتمام امره وما اخبر
به من نصره الدين والتمكين في الارض للمؤمنين ، اجتهد في العمل لهذا الدين العظيم
والدعوه الى الله والجهاد في سبيله بماله ونفسه .
7. اثره الايجابي على نفس المؤمن في حياته وبعد مماته ، فمن احسن الظن بربه
وتوكل عليه حق توكله جعل الله له في كل امره يسرا ومن كل كرب فرجا
ومخرجا ، فاطمان قلبه وانشرحت ونفسه وغمرته السعاده والرضى بقضاء الله وقدره وخضوعه لربه جلا
وعلا .
8. المبادره الى طلب عفو الله ورحمته ورجائه ومغفرته ليطرق بعد ذلك العبد باب ربه
منطرحا بين يديه راجيا مغفرته تائبا من معصيته ” ان الله تعالى يبسط يده بالليل
ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها
” [ رواه مسلم ] .
9. فيه النجاه والفوز بالجنان ورضى الرحمن ” لا يموتن احدكم الا وهو يحسن الظن
بالله عز وجل ” روى ابو بكر بن ابي الدنيا عن ابراهيم قال : كانوا
يستحبون ان يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه عز وجل ”
10. يعين على التدبر والتفكر في اسماء الله وصفاته وما تقتضيه من معاني العبوديه والاخلاص
، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى ” والاسماء الحسنى ، والصفات العلى مقتضيه لاثارها
من العبوديه والامر اقتضاءها لاثارها من الخلق والتكوين ؛ فلكل صفه عبوديه خاصه هي من
موجباتها ومقتضياتها ، اعني من موجبات العلم بها ، والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع
انواع العبوديه التي على القلب والجوارح ” [ مفتاح دار السعاده ص 424 ]
السلف وحسن الظن بالله .
1. كان سعيد بن جبير يدعوا ربه فيقول ” اللهم اني اسالك صدق التوكل عليك
وحسن الظن بك ”
2. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول ” والذي لا اله غيره
ما اعطي عبد مؤمن شيئا خير من حسن الظن بالله عز وجل ، والذي لا
اله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن الا اعطاه الله عز وجل ظنه
؛ ذلك بان الخير في يده ”
3. وسفيان الثوري رحمه الله كان يقول : ما احب ان حسابي جعل الى والدي
؛ فربي خير لي من والدي ”
4. وكان يقول عند قوله تعالى ” واحسنوا ان الله يحب المحسنين ” احسنوا بالله
الظن .
5. وعن عمار بن يوسف قال : رايت حسن بن صالح في منامي فقلت :
قد كنت متمنيا للقائك ؛ فماذا عندك فتخبرنا به ؟ فقال : ابشر! فلم ار
مثل حسن الظن بالله عز وجل شيئا ”
المعاصي وحسن الظن بالله .
حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه ، فان العبد انما يحمله على حسن العمل
حسن ظنه بربه ان يجازيه على اعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه ، فالذي حمله على
حسن العمل حسن الظن ، فكلما حسن ظنه بربه حسن عمله ، لكن كثيرا من
خلق الله تعالى قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها ، فترى الواحد منهم اذا ما
عوتب على وقوعه في الخطا او الزلل سرد لك ما يحفظ من ادله في مغفره
الله ورحمته وعفوه وجوده وكرمه وان رحمته سبقت غضبه ، وكان حال لسانه :
وكثر ما استطعت من الخطايا اذا كان القدوم على كريم
او كقول الاخر : التنزه من الذنوب جهل بسعه عفو الله ، قال ابن القيم
رحمه الله ” ولا ريب ان حسن الظن بالله انما يكون مع الاحسان ، فان
المحسن حسن الظن بربه ، انه يجازيه على احسانه ، ولا يخلف وعده ، ويقبل
توبته ، واما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فان وحشه المعاصي والظلم والحرام تمنعه
من حسن الظن بربه … وبالجمله فحسن الظن انما يكون مع انعقاد اسباب النجاه ،
واما مع انعقاد اسباب الهلاك فلا يتاتى احسان الظن ”
سوء الظن بالله تعالى .
لقد ذم الله تعالى من اساء الظن به ، فاخبر عن المشركين انهم يظنون به
ظن السوء ، قال تعالى ” ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء
عليهم دائره السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا ” [ الفتح
: ] ووصف المنافقين بانهم يظنون به غير الحق فقال تعالى ” يظنون بالله غير
الحق ظن الجاهليه يقولون هل لنا من الامر شئ قل ان الامر كله لله ”
[ ال عمران : ] قال الالوسي رحمه الله : اي ظن الامر الفاسد المذموم
وهو ان الله عز وجل لا ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقيل المراد
به : ما يعم ذلك وسائر ظنونهم الفاسده من الشرك وغيره ” [ روح المعاني
في تفسير القران العظيم والسبع المثاني 9 / 95 ] وهذا الظن مما لا يليق
بالله تعالى وحكمته ووعده الصادق ، فمن ظن ان الله يديل الباطل على الحق اداله
مستمره يضمحل معها الحق او انكر ان يكون ما جرى بقضائه وقدره ، او انكر
ان يكون قدره لحكمه بالغه يستحق عليها الحمد ، فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين
كفروا من النار .
صور من اساءه الظن بالله تعالى .
1. من قنط من رحمته وايس من روحه فقد ظن به ظن السوء .
2. من ظن به ان يترك خلقه سدى ، معطلين عن الامر والنهي ، ولا
يرسل اليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملا كالانعام فقد ظن به ظن
السوء .
3. من ظن انه لا سمع له ولا بصر ، ولا علم له ولا اراده
، وانه لم يكلم احدا من الخلق ولا يتكلم ابدا ، وانه ليس فوق سماواته
على عرشه بائنا من خلقه اي بلا كيف وكما وصف الله به نفسه فقد ظن
به اقبح الظن واسواه .
4. من ظن انه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن
فيها باحسانه ، والمسيء باساءته ، ويبين لخلقه حقيقه ما اختلفوا فيه ، ويظهر للعالمين
كلهم صدقه وصدق رسله وان اعداءه كانوا هم الكاذبين ، فقد ظن به ظن السوء
.
5. من ظن ان له ولدا او شريكا او ان احدا يشفع عنده بدون اذنه
، او ان بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم اليه ، او انه نصب لعباده
اولياء من دونه يتقربون بهم اليه ، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيدعونهم ويحبونهم كحبه ويخافونهم
كخوفه فقد ظن به اقبح الظن واسواه .
6. من ظن بالله تعالى ان يخيب من تضرع اليه وساله رغبه ورهبه واستعان به
وتوكل عليه ولا يعطيه ما ساله ، فقد ظن به ظن السوء ، وظن به
خلاف ما هو اهله .
7. من ظن به سبحانه وتعالى ان يسلط على رسوله محمد اعدائه دائما في
حياته وبعد مماته ، وانه ابتلاه بهم لا يفارقونه ، فلما مات استبدوا بالامر دون
وصيه ، وظلموا اهل بيته وسلبوهم حقهم ، وكانت العزه والغلبه والقهر لاعدائه واعدائهم دائما
من غير ذنب لاوليائه واهل الحق ، وهو يرى قهرهم لهم وغصبهم اياهم حقهم وتبديلهم
دين نبيهم ، وهو يقدر على نصره اوليائه وحزبه ولا ينصرهم ، او انه لا
يقدر على ذلك ، بل حصل هذا بغير مشيئته ولا قدرته ، ثم جعل المبدلين
لدينه مضاجعيه في حفرته ، تسلم امته عليه وعليهم كل وقت فقد ظن به اقبح
الظن واسواه [ زاد المعاد 3 / 922 ]
حسن الظن بالمؤمنين .
حسن الظن خلق فريد وامر حض عليه الاسلام ، وهو من ابرز اسباب التماسك الاجتماعي
على مستوى الفرد والاسره والمجتمع ، حسن الظن راحه للفؤاد وطمانينه للنفس وسلامه من اذى
الخواطر المقلقه التي تفني الجسد ، وتهدم الروح ، وتطرد السعاده ، وتكدر العيش ،
بفقده وتلاشيه تتقطع حبال القربى وتزرع بذور الشر وتلصق التهم والمفاسد بالمسلمين الابرياء ، لذلك
كان اصلا من اصول اخلاق الاسلام ، وعليه فلا يجوز لانسان ان يسيء الظن بالاخرين
لمجرد التهمه او التحليل لموقف ، فان هذا عين الكذب ” اياكم والظن فان الظن
اكذب الحديث ” [ رواه البخاري ] وقد نهى الرب جلا وعلا عباده المؤمنين من
اساءه الظن باخوانهم فقال ” يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض
الظن اثم ” وما ذاك الا لان الظن سيئه كبيره موقعه لكثير من المنكرات العظيمه
اذ هو ذريعه للتجسس ، كما انه دافع الى الوقوع في الغيبيه المحرمه ” ولا
تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ” فما احوجنا الى هذا الخلق العظيم لتدوم بيننا المحبه
والوئام ، وتصفوا القلوب والصدور ، وتزول الشحناء والبغضاء ، ورحم الله القائل :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا ان تعد معايبه